‏إظهار الرسائل ذات التسميات واين برايس. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات واين برايس. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، 2 سبتمبر 2011

ما هي الأناركية الشيوعية ج 2 - واين برايس ترجمة : تامر موافي


ما هى الأناركية الشيوعية؟

الجزء الثانى: ليس العنوان و إنما المضمون هو ما يهم

واين برايس
ترجمة : تامر موافي

مترجم عن Wayne Price: What is Anarchist-Communism? Part 2 – anarkismo.net


فى القرن التالى لكتابات كروبوتكين و ماركس كان ثمة تزايدا هائلا فى الإنتاجية .. طوال آلاف من السنين كان على 95% إلى 98% من البشر أن ينخرطوا فى إنتاج الغذاء بشكل أو بآخر .. و لكن اليوم إنعكست النسبة ففى الولايات المتحدة مثلا يعمل 2% إلى 3% فقط فى الزراعة .. بالمثل بالنسبة للمصانع المميكنة يؤكد البعض أن بالإمكان إنتاج ما يكفى لحياة مريحة لكل إنسان .. يمكن لعدد من يتطوعون للعمل أن يكون أكبر مما هو مطلوب للوظائف الضرورية .. يمكن لإقتصاد صناعى تعاونى و مخطط ديموقراطيا أن يمنح كل إنسان الكثير من وقت الفراغ .. هذا أساسى لأى مجتمع ينبنى على الديموقراطية من أسفل إلى أعلى .. فى جميع الثورات السابقة، بمجرد إنقضاء الإضطرابات عادت الجماهير إلى طاحونة العمل اليومى فيما توافر لقلة فقط الوقت لإدارة الأمور فعليا .. مع توافر وقت الفراغ للجميع فإنهم سيكونون أحرارا بما يكفى لأن يديروا ذاتيا أماكن السكن و العمل و المجتمع فى مجمله.

بإختصار توجد كافة الشروط التكنولوجية اللازمة للشيوعية التحررية الكاملة التى أسماها ماركس "المرحلة العليا للشيوعية" .. و من ثم فقد جادل البعض بأنه من الممكن التقدم فورا إلى الشيوعية الكاملة بمجرد أن تتحقق الشروط الإجتماعية و السياسية .. ولكننى لا أعتقد أن هذا صحيح.

السبب الوحيد هو أن التكنولوجيا الإنتاجية التى نملكها هى تكنولوجيا خلقتها الرأسمالية و لأجل الرأسمالية و هى عالية الإنتاجية فقط وفق شروط إنجاز الأهداف الرأسمالية أى مراكمة رأس المال .. وفق شروط أخرى هى فى الواقع تهدر قدرا هائلا من الموارد و هى مدمرة و ملوثة للبيئة مما يعرض عديد من أنواع الكائنات الحية للإنقراض و هى تستنفذ الموارد غير المتجددة و تختزن القنابل النووية و تتسبب فى الإحتباس الحرارى. وفق الشروط الإنسانية تم تنمية هذه التكنولوجيا عمدا لتحجيم العمال و لتحول بيننا و بين التفكير و لتحافظ على الهرمية الإجتماعية .. لذا ففى أعقاب الثورة سيكون على العمال إعادة بناء التكنولوجيا الصناعية لجعلها قابلة للإستمرار دون إلحاق الضرر بالبيئة و للتخلص من الإنقسام بين من يعطون الأوامر و من يتلقونها .. ينبغى لنا أن نخلق تكنولوجيا جديدة منتجة بشكل يحفز الإبداع الإنسانى و التناغم البيئى.

الحاجة إلى إنتاج عالمى متزايد


أيضا و بالرغم من أن أمريكا الشمالية و أوروبا الغربية و اليابان و قليل من الأماكن الأخرى لديها الكثير من التكنولوجيا الحديثة إلا أن هذا ليس هو حال غالبية العالم .. ما يسمى بالعالم الثالث ليس تصنيعيا بالقدر الكافى أو المتوازن حاليا .. هذه البلدان التى يتم إفقارها و إستغلالها لا تمتلك من الثروة أو الصناعة ما يكفى أن تتجه حتى إلى المرحلة الأدنى للشيوعية (التى يسميها لينين مرحلة الإشتراكية) ناهيك عن أن تحقق الشيوعية الكاملة .. يمكن للعمال و الفلاحين أن ينتزعوا السلطة فى بلدانهم و ينشئون نظاما من المجالس العمالية و المجالس الشعبية و لكن لتدعيم مسيرتهم إلى الشيوعية سيكون عليهم إشعال الثورة فى البلدان الصناعية الإستعمارية حتى يحصلوا على معونة شعوبها.

أنا لا أتفق مع الشيوعيين المجالسيين و غيرهم من الماركسيين الذين يدعون أن الأمم المقموعة يمكنها فقط القيام بثورات برجوازية بل إنى أعتقد على العكس من ذلك أن عمال و فلاحى هذه الأمم يمكنهم الإطاحة بالبرجوازية المحلية ثم ينشرون الثورة إلى البلدان الصناعية التى ستساعدهم فى التنمية وصولا إلى الشيوعية .. هذه الرؤية تناقض مفهوم ستالين عن بناء الإشتراكية فى بلد واحد لأن قدرا كبيرا من المساعدة من قبل الأجزاء الصناعية من الكوكب ستحتاجه تنمية إفريقيا و آسيا و أمريكا اللاتينية بشكل إنسانى و ديموقراطى و متوازن بيئيا.

و بالتالى فإن القول بأن الشروط التكنولوجية اللازمة للشيوعية الكاملة موجودة هو صحيح بالتأكيد و لكنه صحيح ضمنيا .. فالإنسانية تمتلك المعرفة التقنية و المهارات الضرورية لبناء عالم من الوفرة يتيح وقت فراغ للجميع و بشكل متوازن مع العالم الطبيعى و لكن الأمر سيتطلب كثيرا من العمل بعد الثورة لخلق هذا العالم.

مراحل الشيوعية


لهذه الأسباب تصور الشيوعيون التحرريون دائما أن يتحقق التغيير نحو مجتمع شيوعى كامل عبر فترة زمنية و بشكل مرحلى فى أعقاب الثورة .. إقترح ماركس المرحلتين العليا و الدنيا للشيوعية و عبر باكونين عن الشيئ نفسه بشكل ضمنى .. حتى كروبوتكين قد إقترح نوعا من المرحلية للشيوعية الكاملة .. فقد أوضح كروبوتكين أنه بعد الثورة مباشرة سيتعين على أفراد الطبقة العاملة البالغين أن يعملوا لنصف يوم (5 ساعات) حتى يمكن توفير قدر مناسب من الغذاء و الكساء و المأوى .. غالبية السلع ستكون كمياتها محدودة و من ثم ينبغى أن يدير المجتمع عملية توزيعها .. بمرور الوقت و مع تحسن الإنتاجية سيتطور الإقتصاد إلى الشيوعية الكاملة .. ستصبح معظم السلع وفيرة و يمكن للناس أن تحصل عليها من على أرفف مخازن المجتمع .. و سيمارس العمل بسبب الوعى الإجتماعى و الرغبة فى النشاط و لكن هذا كله لن يكون ممكنا لحظيا.

ثمة عامل آخر .. فالأقرب إلى التصور أن يقوم بالثورة جبهة متحدة من مجموعات سياسية متعددة مناهضة للرأسمالية .. فأمريكا الشمالية و أوروبا على سبيل المثال أضخم و أكثر تعقيدا من أن تحوذ منظمة ثورية واحدة الأفضل بين الأفكار و المناضلين .. سيكون على هذه المجموعات أن تعمل سويا و لكن بعضهم فقط سيكونون من الأناركيين الشيوعيين .. فإذا ما إستبعدنا السلطويين المتمسكين بنمط الدولة فإننا على أغلب الظن سنتحالف مع التشاركيين و الأناركيين غير الشيوعيين و الإشتراكيين الديموقراطيين الثوريين و أنواع مختلفة من الخضر إلى آخره .. و لا يمكننا أن نرغم كل هؤلاء على العيش فى إطار الأناركية الشيوعية .. فالشيوعية التحررية (الإجبارية) هى تناقض فى المصطلحات! .. قد تقرر الغالبية فى إقليم ما أن تعيش وفق الأناركية الشيوعية و لكن أقاليم مجاورة قد تعتمد نمطا تشاركيا (الإقتصاد التشاركى Participatory Economics) .. طالما لم يتم إستغلال العمال فإن الأناركيون الشيوعيون لن يبدأوا حربا أهلية داخل الثورة .. بشكل تجريبى سيتم إختبار مقاربات مختلفة فى أقاليم مختلفة و سوف نتعلم من بعضنا البعض.

كتب مالاتيستا [1984]، "إن الشيوعية المفروضة قسرا ستكون أكثر ما يمكن لعقل الإنسان أن يتصوره من أشكال الطغيان بشاعة .. و سوف تكون الشيوعية الطوعية و الحرة مدعاة للسخرية إن لم يمتلك الإنسان حق و إمكانية أن يعيش فى نظام مختلف سواء كان جمعويا أو تعاونيا أو إنعزاليا كيفما يشاء ، دائما بشرط ألا يكون هناك قمع أو إستغلال للآخرين" [ص 103] .. و توقع أن ينتصر فى النهاية نوع من الأناركية الشيوعية و لكنه شعر بأن هذا قد  يتطلب وقتا طويلا لتحقيقه فى كل مكان.

هل ينبغى أن نعتبر أنفسنا شيوعيين؟


الأناركية الشيوعية هى هدف عملى مع التكنولوجيا الحديثة سواء كان علينا أن نمر خلال مراحل و حلول وسط مختلفة أو لم يكن علينا ذلك .. و لكن هذا لا يجيب السؤال: هل ينبغى أن نعتبر أنفسنا شيوعيين؟ .. نحن فى النهاية معادون لكل دولة شيوعية قائمة أو كانت قائمة فى أى وقت و نحن معادون لكل حزب شيوعى .. و لكننا لا يمكننا أن نعتبر أنفسنا معادون للشيوعية حيث يعتبر هذا عادة قبولا بالأمبريالية الغربية و بديموقراطيتها المحدودة (إلى حد كبير) و حكمها من قبل أقلية طبقية. نحن معادون لهذا الحكم الطبقى أكثر كثيرا مما كانت الأحزاب الشيوعية معادية له. و لكننا نقبل بأهداف كروبوتكين و كارل ماركس  المتمثلة فى مجتمع بلا طبقية و بلا دولة ينظمه مبدأ، "من كل حسب قدراته إلى كل حسب حاجاته" .. بهذا المعنى نحن حقا شيوعيون أصلاء.

التيار العام للأناركية التاريخية كان هو الأناركية الشيوعية و يمكننا بل أعتقد أنه ينبغى علينا أن نحدد هويتنا بالإنتماء إلى التراث الشيوعى فى الأناركية و الذى يمتد إلى باكونين (كهدف) و إلى كروبوتكين (كعنوان) و إلى مالاتيستا و إيما جولدمان و تقريبا كل أناركى فى عصرهم .. كان ثمة صراع بين هؤلاء الأناركيين الذين دعوا أنفسهم بالأناركيين الشيوعيين و بين هؤلاء الذين دعوا أنفسهم بالأناركيين النقابيين (السندكاليين) و لكنه لم يكن بينهم خلاف من حيث المبدأ.. كان الأناركيون الشيوعيون يخشون أن يذيب الأناركيون النقابيون أنفسهم فى الحركة النقابية الثورية و كان الأناركيون النقابيون يخشون أن يقلل الأناركيون الشيوعيون من شأن مركزية و أهمية التنظيم العمالى .. و لكن الأناركيين الشيوعيين قد قبلوا فى معظمهم بحاجة الطبقة العاملة إلى التنظيم الذاتى و بشكل خاص حاجتها إلى الإتحادات العمالية فى حين شاركهم الأناركيون النقابيون هدف الشيوعية التحررية.
إتفاقنا فى العصر الحديث مع الأناركبة الشيوعية كهدف للطبقة العاملة ينبغى بالتأكيد أن ينص عليه فى كتاباتنا و برامجنا و لكن هل ينبغى أن يبرز النص عليه فى منشوراتنا و أسماء منظماتنا؟

إجابتى هى أن هذا أمر يعتمد على عوامل أخرى .. ففى بعض البلدان لمصطلح الشيوعية مفهوم إيجابى لدى معظم المناضلين من العمال و هذا عامة نتيجة للتضحية التاريخية بالنفس و لكفاح كوادر الأحزاب الشيوعية بغض النظر عن مظاهر ضعفهم .. هذا هو الحال فيما يبدو فى جنوب إفريقيا على سبيل المثال حيث أسس زملاء لنا فى الفكر جبهة زابالاتسا الأناركية الشيوعية.

و لكن للشيوعية فى بلدان أخرى مفهوم سلبى للغاية .. ليس هذا فقط نتيجة للدعاية البرجوازية السلبية و لكنه أيضا نتيجة 75 عاما من إرتباط هذا المفهوم بالشمولية الحقيقية للإتحاد السوفيتى .. لقد دعا هذا النظام نفسه شيوعيا و كذلك فعل تابعوه و مقلدوه فى أوروبا الشرقية و الصين .. إلخ .. و فى بلدان أخرى يعرف الشيوعيون بتقديسهم إلى حد العبادة للإتحاد السوفيتى و سيطرتهم ثقيلة الوطأة على أتباعهم و كذلك لإصلاحيتهم الإنتهازية .. و أعتقد أنه لهذه الأسباب قد إستبدل الإتحاد الأناركى الشيوعى فى المملكة المتحدة اسمه إلى الإتحاد الأناركى .. و من الواضح أن حركة التضامن العمالى الأيرلندية لا يتضمن اسمها كلمة "شيوعية" .. مما يعنى أن غياب لفظ الشيوعية من أسماء منظماتنا لا يعنى التخلى عن التراث الشيوعى.

أعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية تنتمى إلى النوع الثانى و من ثم فإن إضافة لفظ شيوعية إلى اسمنا يخلق حاجزا لا داعى له بيننا و بين معظم العمال الأمريكيين فهذا يجعل من الصعب تمييز أنفسنا عن التيارات السلطوية التى تدعو نفسها بالشيوعية و لذا فإننى أصوت ضد هذا الإستخدام خاصة إذا ما أتيح لنا فى يوم من الأيام تكوين إتحاد يمتد فى أمريكا الشمالية كلها.
يستخدم وصف "الإشتراكية التحررية" عادة بين الأناركيين لتمييز أنفسنا عن الإنعزاليين و التحرريين المؤيدين للرأسمالية .. أنا أفضل مصطلح "الأناركى الإشتراكى" و يتفق مع ذلك مالاتيستا فيقول "لقد دعونا أنفسنا دائما بالأناركيين الإشتراكيين"[ص 143] .. الإشتراكية هى مصطلح أقل تحديدا من الشيوعية .. و هى تعنى بالنسبة للبعض الإصلاحية نتيجة إستخدامها على نطاق واسع من قبل الإشتراكيين الديموقراطيين و كذلك الشيوعيين .. و لكنها على الأقل لا تعنى ضمنيا الشمولية و القتل الجماعى و هى المشكلة الحقيقية .. فى المقابل دعا التروتسكيون أنفسهم بالإشتراكيين الثوريين لتمييز أنفسهم عن الستالينيين و كثير من غير التروتسكيين يستخدمون بطاقة الإشتراكيين الثوريين أيضا .. و عبر أجيال إستخدمت " الإشتراكية التحررية" أيضا لتعنى الأناركية.

تفضيلى لمسمى "الأناركية الإشتراكية"  و " الإشتراكية التحررية" على "الأناركية الشيوعية" هو تفضيل شخصى و قد يمثل رؤية الأقلية بين الأناركيون الشيوعيون فى الولايات المتحدة .. على أى حال هى ليست مسألة مبدأ فالمحتوى لا العنوان هو ما يهم أكثر.

References

Malatesta, Errico (1984). Errico Malatesta; His life and ideas (Vernon Richards, ed.). London: Freedom Press.


ما هي الأناركية الشيوعية ج 1 - واين برايس ترجمة : تامر موافي


ما هى الأناركية الشيوعية ؟

الجزء الأول: المعانى المتناقضة للشيوعية

واين برايس
ترجمة : تامر موافي


مترجم عن: Wayne Price – What is Anarchist Communism – anarkismo.net


آمن كروبتكين و آخرون من الأناركيين الشيوعيين فى القرن التاسع عشر و بدايات القرن العشرين برؤية تسمى الشيوعية .. و شارك ماركس و إنجلز هؤلاء الهدف نفسه فى الأساس .. فى مجتمع شيوعى بدون دولة و بلا طبقية تكون حيازة أدوات الإنتاج جماعية (فى يد المجتمع ككل) و يتم العمل لأهداف إجتماعية و ليس مقابل أجر و تكون السلع الإستهلاكية متاحة للجميع بحسب حاجاتهم.

و لكن أثناء الحرب الباردة أصبح للشيوعية معنى مختلفا تماما .. خضعت أمم كبرى لحكم من أسموا أنفسهم أحزابا شيوعية .. أدارت إقتصادات هذه الأمم دول شمولية و أنتج عمالها المغلوبون على أمرهم سلعا بيعت فى السوق المحلى و العالمى و عملوا مقابل أجورهم ( أى أنهم كانوا يبيعون قدرتهم على العمل كسلع لرؤسائهم).

فى ذلك العهد كان الشيوعيون هم هؤلاء الذين يدعمون هذا النوع من الدول الإستبدادية .. من بينهم كان مؤيدو موسكو فى الأحزاب الشيوعية و الماويون و ستالينيون آخرون و معظم التروتسكيين .. دعوا أنفسهم بالشيوعيين و كذلك دعاهم معارضوهم .. و على الجانب الآخر لم يكن "المعادون للشيوعية" هم ببساطة هؤلاء الذين ناهضوا هذه النظم و إنما مؤيدو الإمبريالية الغربية .. جماعة تراوحت من الليبراليين إلى الفاشيستيين .. و فى ذات الوقت ندد مؤيدو موسكو بالإشتراكيين التحرريين بوصفهم معادون للشيوعية و معادون للسوفيت .. و لجأ البعض إلى تسمية أنفسهم بالمعادين لأعداء الشيوعية كطريقة للقول بأنهم لا يقبلون بالشيوعية و لكنهم ضد الإضطهاد المكارثى.

 اليوم فى عهد جديد .. الإتحاد السوفيتى قد إنهار و كذلك حزبه الشيوعى الحاكم .. صحيح أن بعض تلك الدول مازال قائما بعد إدخال بعض التعديلات فى الصين و كوبا و أماكن أخرى .. و لسوء الحظ مازالوا يلهمون بعض الناس .. و لكن عدد و ثقل الأحزاب الشيوعية قد تضاءل بشكل عام .. فى المقابل فإن هناك تزايدا فى أعداد هؤلاء الذين يعلنون إنتمائهم إلى الأناركية و تيارها الأكبر و هو الأناركية الشيوعية .. يبقى آخرون متأثرون بماركس و لكنهم يتطلعون إلى تفسيرات تحررية و إنسانية لأعماله .. فكيف إذن ينبغى أن نستخدم مصطلح الشيوعية اليوم؟ هل يظل معناه هو نفسه كما فى الفترات الماضية؟ .. فى التالى سوف أستعرض تاريخ المصطلح و معانيه.

بينما دعا مؤسسو الحركة الأناركية (برودون و باكونين) أنفسهم بالإشتراكيين إلا أنهم قد نددوا بالشيوعية .. أحد العبارات التقليدية لبرودون هى أن الشيوعية "نظام أستبدادى و سلطوى يستند إلى مسلمة أولية هى خضوع الفرد للجماعة و أن المواطن ملك للدولة" [مقتبس فى بوبر، 1958؛ ص 30-31] .. و يقول باكونين: “إننى أحتقر الشيوعية لأنها تنفى الحرية .. و أنا لست شيوعيا لأن الشيوعية تنتهى بالضرورة إلى تركيز الملكية فى يد الدولة" [مقتبس فى ليير، 2006؛ ص 191] .. و من ثم دعا برودون نفسه تعاونيا Mutualist و دعا باكونين نفسه جمعويا Collectivist.

إذا ما تصورنا أحد الأديرة أو أحد الجيوش (حيث يعطى كل الجنود طعامهم و ملبسهم و مأواهم) فمن السهل أن نرى كيف أن الشيوعية (من نوع ما) يمكن تخيل تناقضها مع الديموقراطية و الحرية و المساواة .. فى كتاباته الأولى  ندد ماركس ب"الشيوعية الخام" التى فيها "يكون المجتمع مجتمع عمل و مساواة فى الأجر الذى يدفعه المجتمع كرأسمالى أوحد" [ماركس، 1961؛ ص 125-126] .. و مع ذلك فقد دعا ماركس و إنجلز أنفسهم بالشيوعيين و هو مصطلح فضلاه على مصطلح الإشتراكيين الأقل تحديدا بالرغم من أنهما إستخدما مصطلح الإشتراكيين أيضا. (كره ماركس و إنجلز مصطلح "الإشتراكيون الديموقراطيون" الذى إستخدمه الماركسيون الألمان).

شرح ماركس بأكثر وضوح ممكن مفهومه عن الشيوعية فى كتابه "نقد برنامج جوثا" و فيه أن الشيوعية هى "مجتمع تعاونى ينبنى على الملكية المجتمعية لوسائل الإنتاج ...” [ماركس، 1974 ؛ ص 345] .. فى "المرحلة الأولى للمجتمع الشيوعى ...” [ص 347] تستمر الندرة و الحاجة إلى العمل. “نحن هنا نتعامل مع مجتمع شيوعى و قد ولد لتوه من رحم مجتمع رأسمالى و لا يزال منطبعا بعلامات الولادة الموروثة عن المجتمع القديم ...” [346] .. فى هذه المرحلة الدنيا من الشيوعية تنبأ ماركس أن يتلقى الأفراد شهادات توضح قدر العمل الذى أسهموا به (مخصوما منه مقدار يخصص للتمويل المشترك) .. و بإستخدام هذه الشهادات يمكن للأفراد أن يحصلوا على السلع التى إحتاجت لإنتاجها القدر نفسه من العمل .. مع ملاحظة أن هذه الشهادات ليست نقودا لأنه لا يمكن مراكمتها (إدخارها) .. ولكن هذا يظل نظاما للحقوق و المساواة البرجوازية يتم فيه تبادل وحدات متساوية من العمل .. و مع الأخذ فى الإعتبار بأن للناس قدرات مختلفة و إحتياجات مختلفة فإن هذه المساواة تؤدى إلى قدر من "عدم المساواة".

و يصدح ماركس بالقول بأنه "فى مرحلة متقدمة للمجتمع الشيوعى عندما يختفى خضوع الأفراد لعبودية تقسيم العمل و من ثم التناقض بين العمل العقلى و البدنى و عندما لا يعود العمل مجرد وسيلة للبقاء على قيد الحياة و إنما يصبح حاجة حيوية فى حد ذاته، و عندما تزيد التنمية المتكاملة للأفراد من قدراتهم الإنتاجية و تفيض ينابيع الثروة التعاونية بوفرة أكبر .. عندها فقط يمكن للمجتمع أن يعبر بمجمله الأفق الضيق للحق البرجوازى و يكتب على علمه: من كل حسب قدرته إلى كل حسب حاجته!” [ص 347]

(لسبب لا يعلمه أحد سواه أعاد لينين تسمية المرحلة الأولى للمجتمع الشيوعى بالإشتراكية و المرحلة الأكثر تقدما للمجتمع الشيوعى بالشيوعية .. و تبع أغلب اليسار هذا الإستخدام المضطرب).

برغم رفضه لمصطلح الشيوعية، طرح باكونين تصورا لمرحلتين من تطور إقتصاد ما بعد الثورة و فقا لصديقه جيمس جويلام الذى كتب فى عام 1874 دراسة أوجز فيها رؤى باكونين .. “ينبغى أن يقودنا مبدأ من كل حسب استطاعته إلى كل حسب حاجته، عندما يمكن للإنتاج أن يتخطى الإستهلاك بفضل الصناعة و الزراعة المعتمدين على العلم و هو ما يمكن تحقيقه خلال بضعة أعوام بعد الثورةفلن يكون من الضرورى تحديد نصيب كل عامل من السلع .. سيكون لكل إنسان أن يحصل على حاجته من إحتياطى السلع الوفير المتاح للمجتمع .. حتى ذلك الحين سيقرر كل مجتمع لنفسه خلال الفترة الإنتقالية ما يعتبره الطريقة الأمثل لتوزيع إنتاج العمل المشترك" [فى باكونين، 1980 ؛ ص 361-362] .. و هو يذكر بدائل مختلفة لنظم توزيع الدخل فى الفترة الإنتقالية، "… نظم سيتم تجربتها لإكتشاف كيف يمكن أن تعمل" [ص 361].

ما يطرحه "الإقتصاد التشاركى" Participatory Economics اليوم و الذى يكافأ العمال فيه وفق وطأة العمل و مدته الزمنية فى إطار إقتصاد تعاونى يمكن أن يتوافق مع مفهوم باكونين أو ماركس لمرحلة إبتدائية مؤقتة لمجتمع حر .. و لكن بخلاف التشاركيين فقد لاحظ ماركس و باكونين أن مثل هذا الوضع يبقى محدودا .. فبالنسبة لماركس و باكونين إذن تتطلب الشيوعية الكاملة مستوى مرتفعا من الإنتاجية و الرخاء أو إقتصاد ما بعد الندرة حيث بتوافر للناس متسع من وقت الفراغ للمشاركة فى صنع القرار فى العمل و فى المجتمع بما ينهى التمايز بين من يصدرون الأوامر و من يتلقونها .. و لكن ماركس أو باكونين لم يصفا آلية إجتماعية للإنتقال من مرحلة إلى أخرى.

رفض كروبوتكين تصور المرحلتين لكل من الماركسيين و الأناركيين الجمعويين .. و طرح بدلا من ذلك تصوره أن المجتمع الثورى ينبغى أن "يحول نفسه فورا إلى مجتمع شيوعى.” [1975 ؛ ص 98] بمعنى أن عليه أن يتجه مباشرة إلى ما إعتبره ماركس مرحلة أكثر إكتمالا و تقدما من الشيوعية .. و دعا كروبوتكين و من إتفقوا معه أنفسهم "أناركيون شيوعيون" ( أو شيوعيون أناركيون)، برغم أنهم استمروا فى إعتبار أنفسهم جزءا من الحركة الإشتراكية الأوسع.

فى رأى كروبوتكين لا يمكن تنظيم إقتصاد فى جزء منه وفق مبادئ رأسمالية و على أساس مبادئ شيوعية فى أجزاء أخرى فمكافأة العمال على أساس قدر التدريب الذى حصلوا عليه أو حتى بمقدار صعوبة عملهم ستؤدى إلى خلق تقسيم طبقى و الحاجة إلى وجود دولة تشرف على كل شيئ .. كما أنه من غير الممكن تحديد قدر مساهمة كل فرد  فى نظام إنتاج تعاونى معقد حتى يمكن مكافأته بقدر عمله.

بدلا من ذلك إقترح كروبوتكين أنه بالنسبة لمدينة كبرى أثناء الثورة، "يمكنها تنظيم شؤونها وفق المبادئ الحرة للشيوعية بأن تضمن لكل ساكن مقيم فيها طعامه و ملبسه فى مقابل خمس ساعات من العمل .. و بالنسبة لجميع ما يمكن إعتباره سلعا كمالية فيمكن لأى أحد الحصول عليها إذا ما إلتحق بواحدة من الروابط الحرة [التى تدير شؤون المدينة] بأنواعها ...”[ص 118-119] .. هذا سيقتضى التكامل بين العمل الزراعى و الصناعى و بين العمل البدنى و العقلى .. و لكن يبقى عنصر من القسر فى إقتراح كروبوتكين .. فمن المفترض أن هؤلاء البالغين صحيحى الجسم الذين لن يسهموا بالعمل لخمس ساعات يوميا لن يحصلوا على ضمانات الحد الأدنى [المأكل و الملبس].

أصبحت الأناركية الشيوعية هى السائدة بين الأناركيين إلى حد أنه أصبح من النادر أن تجد أناركيا (فيم عدا الأناركيون الإنعزاليون) لا يقبل الشيوعية بغض النظر عن الإختلافات التى قد تكون بينهم .. فى حين يدعو الماركسيون أنفسهم بالإشتراكيين الديموقراطيين منذ زمن بعيد .. و عندما نشبت الحرب العالمية الأولى دعمت الأحزاب الإشتراكية الديموقراطية الرئيسية الحرب التى بدأها الرأسماليون فى دولهم و دعا لينين الجناح الثورى للأممية الإشتراكية الديموقراطية إلى الإنشقاق عن خونة الإشتراكية .. و فى هذا الإطار دعا إلى أن يسمى حزبه البلشفى و أمثاله من الأحزاب أنفسهم أحزابا شيوعية كما فعل ماركس .. و إشتكى بعض أتباعه من أن هذا قد يسبب إختلاطا للأمر لدى العمال و يجعل البلاشفة يبدون مماثلين للأناركيين الشيوعيين .. و لكن لينين أعلن أن الأهم هو ألا يتم الخلط بينهم و بين الإصلاحيين من الإشتراكيين الديموقراطيين .. و نجح لينين فى فرض رأيه (كما فعل دائما فى حزبه) .. و بذلك إسترد الماركسيون مصطلح الشيوعية مرة أخرى .. و مع بروز نموذج الثورة الروسية إلتفت أغلب ذوى الفكر الثورى إلى اللينينيين و أصبح الأناركيون أكثر هامشية فأصبح مصطلح شيوعى فى الغالب مرتبطا باللينينيين.

سيناقش الجزء الثانى من المقال: هل الأناركية الشيوعية ممكنة؟ و هل تتطلب مجتمعا تخطى ندرة الموارد؟ و هل ينبغى للأناركيين أن يدعو أنفسهم شيوعيين (و متى؟ و أين).


References
    Bakunin, Michael (1980). Bakunin on anarchism. (Sam Dolgoff, ed.). Montreal: Black Rose Books.
    Buber, Martin (1958). Paths in utopia. Boston: Beacon Hill/Macmillan
    Kropotkin, Peter (1975). The essential Kropotkin. (E. Capouya & K. Tomkins, eds.). NY: Liveright.
    Leier, Mark (2006). Bakunin; A biography. NY: Thomas Dunne Books/St. Martin’s Press.
    Marx, Karl (1961). Economic and philosophical manuscripts. In Eric Fromm, Marx’s concept of man. NY: Frederick Ungar.
    Marx, Karl (1974). The First International and after; Political writings, vol. III. (David Fernbach, ed.). NY: Vintage Books/Random House.

السبت، 28 مايو 2011

علاقة الماركسية التحررية باللاسلطوية ( الأناركية ) .. للأناركي الأمريكي واين برايس



علاقة الماركسية التحررية باللاسلطوية ( الأناركية )
واين برايس
ترجمة : مازن كم الماز


إنني أجد مرة تلو أخرى أن الاستنتاجات التي توصلت إليها ببطء و بشكل غير كامل كان قد جرى التعبير عنها بالفعل بشكل كامل و بشكل واضح ( و يمكنني القول أيضا , بشكل جميل ) من قبل كارل ماركس . هكذا كنت أنا أيضا ماركسيا ! لقد عزمت رأيي بسعادة , لأنه من الممتاز أن تنتمي إلى إرث ما و أن يكون لديك أصدقاء أذكياء . هذا ماركس كعالم نفس اجتماعي . لكن فيما يتعلق بالعمل السياسي ... لم يبد لي أبدا أن شعارات الماركسيين , و لا حتى شعارات ماركس نفسه , قد أدت إلى اشتراكية أخوية ( أي تتطلب غياب الدولة أو أية قوة إكراه أخرى ) , بل لقد دفعت الأمور بعيدا عنها . كان باكونين أفضل . أتفق في هذا مع كروبوتكين . ( بول غودمان , 1962 , ص 34 ) .

الانبعاث العالمي الحالي للاسلطوية ( للأناركية ) ينسب إلى تراجع الماركسية . لكن يبقى هناك تيار في الماركسية ( الماركسية التحررية أو الداعية إلى الاستقلال الذاتي Autonomist ) يشعر اللاسلطويون ( الأناركيون ) أنهم قريبون منه و الذي يعبر أنصاره عن قربهم من اللاسلطوية . تسمح سمات هذا التيار التحررية – الديمقراطية , الإنسانية , للاسلطويين ( الأناركيين ) باستخدام جوانب قيمة في الماركسية ( مثل تحليلها الاقتصادي أو نظرية صراع الطبقات ) . لكنه ما يزال يحتوي على نقاط الضعف الرئيسية في الماركسية . و بطريقة معينة ما يزال يضم نفس نقاط ضعف اللاسلطوية ( الأناركية ) نفسها , عوضا عن أن يكون بديلا عنهما . لهذه النسخة من الماركسية الكثير لتقدمه للاسلطويين ( الأناركيين ) لكنها ما تزال ناقصة في الأساس , كما سأظهر فيما يلي .
من الثلاثينيات حتى الثمانينيات على الأقل كانت اللاسلطوية ( الأناركية ) هامشية في اليسار الأممي الذي سيطرت عليه الماركسية . بينما بدأت الستينيات في الولايات المتحدة بنداءات "لديمقراطية تشاركية" , فإنها انتهت بهتافات مثل "هو , هو , هوشي منه , جبهة التحرير الوطني ( الفيتنامية ) ستنتصر!" و دعوات لكتاب ماو الأحمر الصغير – أي بدعم الدول الستالينية البربرية . حتى الجوانب التحررية في الماركسية – مثل تنظيم الطبقة العاملة أو هدف مجتمع لا يوجد فيه استلاب – جرى تجاهلها .
لكن جدار برلين سقط في عام 1989 و سرعان ما تبعه الاتحاد السوفيتي . تبنت الصين رأسمالية صريحة قائمة على السوق . لقد فقدت الثقة في الماركسية إلى حد كبير . لكن الرأسمالية العالمية لم تتحسن – كان سقوط رأسمالية الدولة الروسية في الواقع جزءا من الأزمة العالمية للرأسمالية . لذلك فإن الجزء الكبير من المعارضة الصاعدة , التي تألفت في الماضي من تنويعات مختلفة من الماركسية شق طريقه في الوقت الحاضر إلى الراديكالية البديلة , إلى اللاسلطوية ( الأناركية ) .
جاء تاريخ الهزيمة و الخيانة من جانب الماركسية في موجتين كبيرتين . اعتبارا من وقت أنجلز تم تشكيل أحزاب اشتراكية ديمقراطية في أوروبا . مع إستراتيجية لا تتجاوز انتخابها إلى البرلمان , قامت هذه الأحزاب ببناء أحزاب جماهيرية و نقابات بيروقراطية حتى انهار كل شيء في الحرب العالمية الأولى , دعمت عندها معظم هذه الأحزاب "حكوماتها" الإمبريالية و قاتلت ضد رفاقها الأعضاء في الأممية الاشتراكية . و بعد الحرب العالمية الأولى عارضت الثورة الروسية و عملت على تخريب الثورات في بلادها , خاصة في ألمانيا . و فشلت في الثلاثينيات في محاربة الفاشية , خاصة النازية . و دعمت بشكل غير مشروط إمبريالية الحلفاء في الحرب العالمية الثانية , ثم أصبحوا عملاء لإمبريالية الولايات المتحدة في الحرب الباردة . الآن فإن الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية و الأحزاب العمالية الأوروبية قد تخلت بالكامل عن أي إيمان بشكل جديد للمجتمع , داعية إلى شكل رخو من الليبرالية , إن لم تكن النيوليبرالية نفسها دون أي تحفظ .
أثناء الحرب العالمية الأولى صمم لينين , تروتسكي و آخرون على أن يقوموا ببداية جديدة , أن يعودوا إلى الجذور الثورية للماركسية في أممية جديدة . النتيجة , كما هي معروفة , كانت رأسمالية الدولة الستالينية في روسيا , و خلق الأحزاب الستالينية في كل مكان . لقد فشل الستالينيون تماما في قيادة ثورات الطبقة العاملة في أوروبا أو في أي مكان آخر ( الذي كان الهدف الأصلي لمشروعهم ) . أقيمت دول الأحزاب الشيوعية الجديدة فقط بواسطة الجيش الروسي أو بواسطة جيوش فلاحية يقودها مثقفون من الطبقات الدنيا – أي بواسطة قوى خارج الطبقة العاملة . بعد أن خلقت أكواما من الجثث , غرقت رأسمالية الدولة الروسية في انعدام كفاءتها و انهارت في نهاية المطاف . إن إرثها هو بؤس أوروبا الشرقية و جزء كبير من آسيا . الأحزاب الشيوعية القائمة ليبرالية بنفس درجة الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية القائمة .
إضافة إلى هذين الفشلين الكبيرين للماركسية , كانت محاولة تروتسكي لإعادة خلق الماركسية اللينينية في أممية رابعة جديدة فشل آخر . التيارات التروتسكية المختلفة اليوم هي تنويعات ( تفرعات ) من الستالينية , القومية , و – أو الإصلاحية الاشتراكية الديمقراطية .
سيبدو أن هذا التاريخ سيشكك ( سيؤدي لفقد الثقة ) في الماركسية . فبعد كل شيء ليست الماركسية مجرد أفكار جيدة , مثل المسيحية . بل يفترض بها أن تكون ممارسة , نظرية و ممارسة . كما نقل عن أنجلز كثيرا , "إن إثبات وجود الحلوى هو في أكلها" . فإن الفشل الكبير سيشكك فيها بالتأكيد .
لكن الماركسية ما تزال تملك جاذبية ما في اليسار , خاصة مع تلاشي ذكريات الشيوعية القائمة على رأسمالية الدولة . إن لديها جسد نظري – مكتبات بأكملها من النظرية – و تاريخ من التجارب في كل الثورات الكبرى اعتبارا من عام 1848 . اللاسلطوية ( الأناركية ) على الطرف الآخر محدودة في نظريتها بشكل سيء السمعة , و خبرتها الثورية محدودة . لذلك فإن الكثير من اللاسلطويين ( الأناركيين ) يبحثون عن تيار في الماركسية قد يكون متوافقا مع ما هو هام في اللاسلطوية ( الأناركية ) .
تيار الأقلية هذا في الماركسية سمي بالماركسية التحررية أو بعد هاري كليفر الماركسية القائمة على التسيير الذاتي Autonomist ( ليس للتحررية هنا ما يجمعها بالليبرتاريين الأمريكان اليمينيين أنصار الملكية الخاصة ) . التيارات المشاركة تاريخيا فيها هي "الشيوعيون المجالسيون" الأوروبيون بعد الحرب العالمية الأولى , و تيار "جونسون – فوريست" ( سي ل ر جيمس و رايا دونايفيسكايا ) في الأربعينات و الخمسينيات الذي انشق عن الحركة التروتسكية كما كان حال مجموعة كورنيليوس كاستورياديس اشتراكية أو بربرية في فرنسا . كان هنا أيضا الموقفيون الفرنسيون , و حركات "التسيير الذاتي" الألمانية و الإيطالية الأخيرة . ( من المثير للاستغراب أنني وجدت فقط إشارات نادرة في الولايات المتحدة لويليام موريس , الماركسي البريطاني الطوباوي الكبير في ثمانينيات القرن التاسع عشر ) . ما يزال أنصار دونايفيسكايا ينشطون في لجنة الأخبار و الرسائل . كان كاستورياديس خاصة مثير للاهتمام في أنه و مجموعته انتقلوا من الماركسية التحررية إلى خارج الماركسية ( كورتيز , 1997 , دونايفيسكايا 1992 , راتكليف 1976 ) .
ينظر كثير من اللاسلطويين ( الأناركيين ) بشكل إيجابي لهذه التيارات من الماركسية التحررية . نعوم تشومسكي في مقدمته لكتاب ( دانييل غورين ) عن اللاسلطوية ( الأناركية ) اقتبس عن أنطون بانيكوك عن الشيوعيين المجالسيين و استنتج أنه "في الواقع , فإن الماركسية الراديكالية تندمج مع التيارات اللاسلطوية ( الأناركية )" ( 1970 , الصفحة XV ) . بعض الماركسيين يرفضون هذه الصلة . أنطونيو نيغري المفكر الرئيسي لحركة التسيير الذاتي الإيطالية أعلن في كتابه الهام الإمبراطورية , " .. نحن لسنا لاسلطويين ( أناركيين ) , بل شيوعيين" ( هاردت و نيغري , 2001 , ص 350 ) . لكن كليفر و هو ماركسي داعي للتسيير الذاتي ( ربما يكون هو من اخترع هذا التعبير ) كتب مقالة في عام 1993 دافع فيه عن "تشابهات" قوية بين كروبوتكين و ماركسية كليفر . كتب اثنان من مؤيدي س ل ر جيمس "يمكن للماركسية أن تعني أي شيء من اللاسلطوية التحررية إلى الديكتاتورية الستالينية الشمولية . إننا نذهب في الاتجاه الأول .." (Glaberman and Faber , 1998 , ص 2 ) . بمعنى من المعاني فإنها الفرصة الأخيرة للماركسية لتثبت أنه يمكنها أن تكون تحررية ... أو صادقة على الأقل .
قد يتفق اللاسلطويون ( الأناركيون ) أو لا يتفقون مع الكثير من تحليل ماركس الاقتصادي أو السياسي . بالنسبة للاسلطويين ( للأناركيين ) ما هو الأكثر إيجابية فيما يتعلق بهذه الاتجاهات التحررية في الماركسية هو الإيمان بالنشاط ( الفعالية ) الذاتي للطبقات العاملة . أنها ترفض فكرة أن نخبة ( في شكل حزب ما ) يمكن أن تكون بديلة عن العمال و تستولي على السلطة باسم العمال . عوضا عن ذلك يؤكدون على خلق مجالس عمالية و شعبية تلك التي ظهرت في كل صعود ثوري ( 1975 , Root and Branch ) . يشعرون أنه يجب على هذه المجالس أن تتحد كسلطة جديدة تحل مكان أشكال الدولة القديمة . عوضا عن التركيز على سياسة قمة النقابات البيروقراطية الكبيرة فإنهم ينظرون إلى النضالات على أرض المعمل , مظهرين كيف تؤثر مبادرات العمال على عملية الإنتاج بطريقة يومية . ( 1998 , Glaberman and Faber ) . إنهم يدرسون كيف يمكن للإضرابات الجماهيرية أن تبدأ , أبعد من الحدود التي يضعها موظفو النقابات ( 1972 , Brecher ) . كان اهتمامهم منصبا على إبداع الطبقة العاملة و كل المضطهدين , الذي سماه نيغري و كليفر "بإثبات الذات" . بعض أهم الأفكار الثورية القيمة عن تحرر السود طورها سي ل ر جيمس – رغم أن هذه الأفكار قد طورت غالبا قبل أن ينهي علاقته بالتروتسكية ( 1996 , McLemee ) .
أثناء الكساد الكبير و الحرب الباردة , عندما كان اللاسلطويون ( الأناركيون ) قلة , أبقى الماركسيون الداعون للتسيير الذاتي أفكار الإبداع الذاتي للعمال حية . حافظوا على معارضة ثورية للستالينية و الرأسمالية الغربية في نفس الوقت . لقد حللوا الستالينية بشكل صحيح على أنها رأسمالية دولة , و ليس نوعا ما من مجتمع يتقدم نحو الاشتراكية ( دولة عمال منحطة , مجتمع بعد رأسمالي , دولة انتقالية , الخ ) . أعلنوا أن انتعاش الرأسمالية بعد الحرب العالمية الثانية كان ناقصا بشكل أساسي . و توقعوا أنه سيتوقف في نهاية المطاف – كما جرى في الستينيات ( 1969 , Mattick ) . يمكن للاسلطويين ( الأناركيين ) أن يقدروا هذا كله .
أراد الماركسيون التحرريون أن يعيدوا تفسير الماركسية بعيدا عن النسخ الأرثوذكسية التي درسها الاشتراكيون الديمقراطيون أو الستالينيون . يرى التيار السائد في الماركسية أن العملية التاريخية تسير بشكل آلي ( أوتوماتيكي ) , مرحلة تتلوها مرحلة أخرى , أطروحة يتلوها نقيضها , حتى تصل الرأسمالية مرحلتها الأخيرة ( التي يشار إليها بشكل متفائل "بالرأسمالية الأخيرة" أو "المرحلة الأخيرة للرأسمالية" ) , ليتلوها بصورة صارمة ( جامدة ) الاشتراكية و من بعدها الشيوعية . التاريخ بالنسبة للماركسيين الأرثوذوكسيين هي شيء ما يقع ( أو يحدث ) للناس في معارضة شيء ما يفعله الناس . بالنسبة لهم فإن "الوعي الطبقي" يعني أن العمال يصبحون مدركين لما يتعين ( يفرض ) عليهم فعله من قبل الصيرورة التاريخية . يقتبس القول التالي من هيغل أحيانا , "الحرية هي وعي الضرورة" . يتحدثون غالبا عن الاشتراكية على أنها "حتمية" , فإن منظرو التيار السائد في الماركسية يرون الاشتراكية كنتيجة حتمية لصيرورة آلية أو ميكانيكية للتطور الاجتماعي . خصوم الماركسية من اليمين و اليسار أوضحوا بالطبع أنه حتى لو بدا شيء ما حتميا فإن هذا لا يعني أن يجب أن يكون مرغوبا . ما الذي في الاشتراكية الذي يجب على العمال أن يناضلوا و يضحوا في سبيله ( ناهيك عن سواهم ) ؟ الماركسية الأرثوذوكسية لا تجيب على هذا السؤال .
محاولات الماركسيين التحرريين للتخلص من آلية ( ميكانيكية ) الماركسية ( و التي سوف أشير إليها ) لم تكن ناجحة تماما . لا يمكن أن تكون ناجحة تماما , حيث أنها ليست تفسيرا خاطئا للماركسية بل جزء مركزي من ماركسية ماركس . كل فكرة ( كتاب ) رأس المال هي أن الاشتراكية يجب أن تقع . لكن يمكنك أن تقرأ مجلدات من كتابات ماركس ( و قد فعلت هذا بالفعل ) دون أن تجد أي عبارة لماذا أن الاشتراكية جيدة أو تستحق أن نسعى إليها . لكن ماركس كتب الكثير من النقد للطوباويين و اللاسلطويين ( الأناركيين ) لأنهم تقدموا بأسباب أخلاقية دعما للاشتراكية .
هذا الفهم الميكانيكي و اللاأخلاقي للماركسية كان له نتائجه السلبية . بالنسبة للبلاشفة أصبح هذا الفهم سببا للاستبداد . معتقدين أن الحزب يعرف الحقيقة المطلقة عما يجب أن يحدث ( أي أنه يملك الوعي الطبقي الصحيح ) , و من المؤكد أنه لم يضع موضع التنفيذ فقط تلك المهام الضرورية تاريخيا , لقد شعروا أن قتل أو قمع الآخرين هو عمل مبرر – في سبيل التحرر الإنساني بالطبع . في النهاية ظنوا أن كل شيء سيسير على ما يرام في نهاية الأمر .
بالنسبة للاشتراكيين الديمقراطيين , هذه الميكانيكية الفاقدة للحس الأخلاقي تبرر السياسة السلبية اللاثورية . كما قلت فقد بنوا أحزابا سياسية شاركت في الانتخابات , و دعموا نقابات جماهيرية تفاوضت مع رأس المال . لذلك لم يكن لديهم أية إستراتيجية سوى أن يستمروا فقط . في نفس الوقت ارتكبوا فظائعهم الخاصة بدعمهم إمبريالية دولهم . هم أيضا شعروا أن كل شيء سيصبح جيدا في النهاية . هذا القبول بالتطور الرأسمالي , هذه الثقة من أنه سيقود إلى الاشتراكية , قادت الماركسيين لقبول جوانب أخرى من الرأسمالية . مثلا جرت الموافقة على التكنولوجيا الرأسمالية المعادية للبيئة , التي صممت لأغرض الاستغلال . و بنفس الطريقة قبلت كل الاتجاهات المركزية في التنظيم الاقتصادي , السياسي و العسكري , تلك التي أدت إلى كوارث إنسانية هائلة .
هذا دون أن ننكر أن هناك اتجاهات فعلية في الرأسمالية تدفع نحو الحرية الاشتراكية , خاصة نضال الطبقة العاملة , كما علم ذلك ماركس . لكن هناك اتجاهات معادية ( مثل الاتجاه نحو شراء العمال الأفضل حالا و ميل العمال الذين هم أسوأ حالا لكي يستسلموا ) . لا توجد هناك أية ميكانيكية , أو حتمية فيما يتعلق بالثورة الاجتماعية . إن الرأسمالية لن تخلق الاشتراكية لنا .
بعض الماركسيين التحرريين مثل جيمس و دونايفيسكايا و أتباعهما حاولوا تحطيم النسخة الميكانيكية من الماركسية بالعودة إلى فلسفة هيغل . كان هذا طريق مسدود . صحيح أن ديالكتيك هيغل يصور العالم في شكل دينامي , متناقض , مترابط ( إيكولوجي غالبا ) عوضا عن أن يصوره بشكل ميكانيكي و جامد . لكنه يبقى يرى التاريخ على أنه يسير وفق صيرورة ( عملية ) أوتوماتيكية تسير نحو غايتها الحتمية . هذه الغاية كانت خلق فلسفة هيغل . إن تنظيم الناشطين لكي يدرسوا بعمق أكبر هذه النسخة السلطوية و شديد الاغتراب عن الواقع ( أي جلب هيغل إلى العمال ) هو شكل خاص من النخبوية . حرر ماركس نفسه من هيغل و من الخطأ العودة إلى الوراء .
كليفر ( الذي لا يشير كثيرا إلى هيغل ) يظهر أيضا فشلا مماثلا في التغلب على الميكانيكية الماركسية , حتى عندما يعتقد أنه قد تجاوزها . إنه مثلا يطري على كروبوتكين ( كليفر 1993 ) لأنه كشف أية جوانب من المستقبل قد ظهرت اليوم بالفعل , لأنه يظهر كيف أن القوى الحالية ستصبح هي نفسها المستقبل . على العكس فإنه يرفض خاصة تفسير جورج وودووك بأن كروبوتكين كان قد طرح الأمور كاحتمالات فقط قد تحدث ( أو لا ) . و وودووك يرفض تحليلا ينصب على ما يجب أن يكون عليه المستقبل . عوضا عن ذلك يركز كروبوتكين كليفر على الأشياء في الحاضر التي ستتطور كقانون و بشكل مؤكد إلى اللاسلطوية ( الأناركية ) الشيوعية .
من المثير للاهتمام أن هذا الجانب بالتحديد في كروبوتكين كان هو الذي انتقده مالاتيستا . مالاتيستا , اللاسلطوي ( الأناركي ) الإيطالي الكبير كتب كتابه "ذكريات و نقد لصديق قديم" كإحياء لذكرى كروبوتكين . إن "خطأي" كروبوتكين الأساسيين اللذين انتقدهما مالاتيستا بشكل خاص كانا "الجبرية الميكانيكية" و "تفاؤله المفرط" . يشير مالاتيستا إلى أن هذه الأخطاء قد قادت إلى خيانة كروبوتكين للاسلطوية ( الأناركية ) عندما دعم الحلفاء الغربيين في الحرب العالمية الأولى ( كان يفترض أن الألمان يعيقون التطور الأوتوماتيكي للتعاون و الاتحاد الحر في شعوب الحلفاء ) . كليفر لا يذكر هذا , رغم أن هذا صحيح أيضا بالنسبة لكل المعجبين بكروبوتكين .
الآلية الميكانيكية للماركسيين التحرريين لا تمر عبر مفهوم الحزب فقط , بل أيضا في رؤيتهم للجماهير . فهم واثقون من أن العمال في نهاية المطاف سيدفعون الأمور في الاتجاه الصحيح . أظهر التحرريون تقديرا قليلا لوعي العمال المختلط ( الهجين ) المتأثر بالهجوم المتواصل لوسائل الإعلام الجماهيرية . إنهم ينكرون الحاجة للتنظم كي يناضلوا ضد القوى المحافظة أو الاشتراكية الديمقراطية أو الستالينية داخل الطبقة العاملة . كماركسيين , فإن دعاة التسيير الذاتي سلبيون أمام قوى التاريخ .
بنفس الطريقة يرفض الشيوعيون المجالسيون فكرة أن الاشتراكية قد تنتصر في الشعوب المضطهدة أو المقهورة , لأنها فقيرة جدا و متأخرة تقنيا لتطور مجتمع الوفرة , الأمر الذي تتطلبه ( تشترطه ) الاشتراكية ( ثم الشيوعية ) . لذلك يقبل الشيوعيون المجالسيون الرأسمالية ( أو رأسمالية الدولة ) على أنها أفضل ما يمكن للشعوب المضطهدة أن تحققه في هذه الفترة . إنهم لا يرون البلدان النيوكولونيالية ( الخاضعة للاستعمار الجديد ) كجزء من المنظومة الرأسمالية العالمية بحيث أن الثورات العمالية فيها هي جزء ضروري من الثورة الاشتراكية العالمية .
بسبب قبولهم هذا بالميكانيكية الماركسية , فإن الماركسيين التحرريين ضعيفون لسوء الحظ في نفس الجوانب حيث اللاسلطويون ضعيفون أيضا أو ربما أكثر حتى . كان هناك تيار لاسلطوي ( أناركي ) يدعم بناء منظمات لاسلطوية ( أناركية ) ثورية يمكن أن تعمل داخل المنظمات الجماهيرية مثل النقابات ( لكن ليس فقط فيها ) ( مالاتيستا , أو حركة ماخنو البرنامجية ) . لكن اللينينية كانت قد سببت رضا شديدا عند الماركسيين التحرريين بحيث أنهم قد رفضوا تقريبا كل تنظيم ثوري – ليصبح من المستحيل فهم لماذا ينظمون أنفسهم , إذا فعلوا ذلك . ( لكن كاستورياديس كان يقف إلى جانب التنظيم و قد انقسمت مجموعة اشتراكية أو بربرية حول هذه القضية ) .
مؤمنين بأن العمال سيجعلون كل شيء ينتهي على نحو جيد في نهاية الأمر , كان الماركسيون التحرريون يميلون لأن يكونوا سلبيين في علاقتهم بقضية الإستراتيجية أو التنظيم . المثال الأكثر غرابة هو تصريح ماركسي التسيير الذاتي الإيطالي أنطونيو نيغري ( و مايكل هاردت , 2000 ) : "ضد الحكمة الشائعة أن البروليتاريا الأمريكية ضعيفة بسبب تمثيلها الضعيف الحزبي و النقابي مقارنة بأوروبا ... ربما يجب أن نراها قوية لنفس الأسباب تحديدا . لا تكمن قوة الطبقة العاملة في المؤسسات التمثيلية بل في مقاومة و استقلال العمال أنفسهم" ( ص 269 ) . بهذه الحجة يفترض أن التراجع المخيف في عدد النقابات في الولايات المتحدة و انتصارات مناصري ( فكرة و تنظيم ) النقابات , قد جعلت العمال الأمريكان أكثر قوة . عندما تتعرض النقابات للتدمير أن يكون العمال في أقوى وضع على الإطلاق ! لماذا يعمل الرأسماليون إذن على هزيمة النقابات ؟
كان الشيوعيون المجالسيون على حق ضد لينين في معارضة دولة الحزب و في تفضيلهم منظومة المجالس . لكن هذا لا يثبت ( يبرهن ) أنهم كانوا محقين في أمور أخرى , خاصة في دفاع لينين عن المرونة التكتيكية و الإستراتيجية . كانوا على حق ضد لينين عندما عارضوا الانتخابية لكنهم كانوا مخطئين عندما عارضوا المشاركة في النقابات . أنا لا أجادل في هذا الآن لكن فقط أشير إلى أنه لا توجد صلة ضرورية بين كل قضية . يجب أن ينظر فيها كلا على حدة .
لذلك فإن الماركسية التي تدعو إلى التسيير الذاتي ضعيفة في نفس الجوانب التي فيها اللاسلطوية ( الأناركية ) ضعيفة . إنها لا ترى الحاجة للتنظيم الذاتي للثوريين . إنها جامدة إستراتيجيا , خاصة في معارضتها العمل داخل النقابات , المنظمات الجماهيرية الأساسية للطبقة العاملة . و لم تكن قادرة على تجاوز نقاط الضعف الرئيسية في الماركسية , خاصة ميكانيكية النظرة الماركسية للتاريخ .
هناك الكثير في الماركسية التي يمكن البحث فيها من قبل اللاسلطويين ( الأناركيين ) . تظهر الماركسية خاصة الرابطة بين تطور الرأسمالية و تطور الطبقة العاملة القادرة على النشاط الذاتي , و التحرك نحو مجتمع اشتراكي ثوري . لكن الماركسية كماركسية ليست فقط مجموعة أفكار , يمكن أن تؤخذ أو تترك أجزاءها . لقد أريد لها أن تكون ككل , كرؤية عالمية شاملة لطبقة جديدة . إنها تتضمن اقتصاد ( تحليل القيمة ) , إستراتيجية سياسية ( انتخابية ) , و طريقة للتحليل الاجتماعي ( المادية التاريخية ) و فلسفة الطبيعة ( المادية الديالكتيكية ) – كل شيء إلا الأخلاق أو رؤية أخلاقية . إنها إما أن تقف أو أن تتداعى أجزاء . كما تبين ( الآن ) أن الماركسية لم تكن برنامج الطبقة العاملة , كما أريد لها , بل برنامج الطبقة الحاكمة في رأسمالية الدولة .
بطريقة ما فإنها قابلة للمقارنة مع الليبرالية . فقد جاء الكثير من اللاسلطوية من الليبرالية الكلاسيكية . يتفق اللاسلطويون ( الأناركيون ) مع الأفكار الليبرالية لحرية التعبير , حرية التجمع , التعددية , الفدرالية , الديمقراطية , و حق تقرير المصير . لكن الليبرالية اليوم هي الوجه اليساري للرأسمالية الإمبريالية و نحن لسنا ليبراليين بالتأكيد ! أيضا بينما يمكن اكتساب الكثير من الماركسية , فإن الاشتراكيين الذين يعتقدون بالتحرر هم أحسن حالا إذا كانوا لاسلطويين ( أناركيين ) .


سيرة حياة بعض الشخصيات المذكورة في المقال

واين برايس : لاسلطوي أمريكي , انتقل من التروتسكية إلى اللاسلطوية . عضو المنظمة اللاسلطوية الأناركية الشيوعية في أمريكا الشمالية NEFAC

بول غودمان ( 1911 – 1972 ) سوسيولوجي و شاعر و كاتب أمريكي كان ناشطا في اليسار المناهض للحرب في الستينيات و لعبت أفكاره دورا في حركة الطلاب في الستينيات .

س ل ر جيمس ( 1901 – 1989 ) صحافي و منظر اشتراكي من ترينداد , لعب دورا هاما في الفكر الاشتراكي التحرري في بريطانيا و أمريكا . أسس مع دونايفسكايا تيار جونسون فوريست الذي انشق عن التروتسكية ( كان لقبه جونسون أما فوريست فكانت دونايفسكايا نفسها ) .

رايا دونايفيسكايا ( 1910 – 1987 ) كانت سكرتيرة تروتسكي قبل أن تنفصل عنه , و تعتبر من المفكرين الماركسيين الإنسانيين .

أنطونيو نيغري ( ولد 1933 ) فيلسوف و مفكر ماركسي إيطالي , يعتبر من أهم المفكرين الماركسيين الداعين للتسيير الذاتي , لوحق في السبعينيات بتهمة عضوية الألوية الحمراء و عاش في المنفى في فرنسا , يعيش و يدرس حاليا في إيطاليا .

هاري كليفر : أستاذ مساعد في الاقتصاد في جامعة تكساس حيث يدرس الماركسية و الاقتصاد الماركسي . يعتبر من الماركسيين الداعين إلى التسيير الذاتي , ينشط حاليا مع حركة الزاباتيستا التحررية في المكسيك .

جورج وودووك ( 1921 – 1995 ) كاتب و مؤرخ كندي لاسلطوي ( أناركي ) .

بيتر كروبوتكين ( 1842 – 1921 ) أمير بالوراثة , عالم حيوان و جغرافي , يعتبر من أهم منظري اللاسلطوية ( الأناركية ) الشيوعية .

إيريكو مالاتيستا ( 1853 – 1932 ) لا سلطوي ( أناركي ) شيوعي إيطالي , شارك في العديد من الانتفاضات و في إصدار العديد من الصحف اللاسلطوية ( الأناركية ) , و سجن و نفي مرارا , قضى السنوات الأخيرة من حياته في الإقامة الجبرية تحت حكم الديكتاتور الفاشي موسوليني .

نستور ماخنو ( 1888 – 1934 ) لا سلطوي ( أناركي ) شيوعي أوكراني , نظم جيش الفلاحين الثوري اللاسلطوي ( الأناركي ) الذي واجه القوميين الأوكرانيين و الغزاة الألمان و النمساويين و أحيانا الجيش الأحمر نفسه مدافعا عن الكومونات الحرة في الريف الأوكراني , اضطر للجوء إلى المنفى عام 1921 بعد أن أعدم الجيش الأحمر و التشيكا الكثير من قادة جيشه , ساهم في كتابة مشروع برنامج الاتحاد العام للشيوعيين التحرريين عام 1926 و الذي يشكل أساس التيار اللاسلطوي ( الأناركي ) البرنامجي . توفي في باريس بمرض السل عام 1934 .