‏إظهار الرسائل ذات التسميات مازن كم الماز. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مازن كم الماز. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 4 يونيو 2012

معلومات عن منظمة العمال الصناعيين في العالم - ترجمة : مازن كم الماز


معلومات عن منظمة العمال الصناعيين في العالم
Industrial Workers of the World
ترجمة : مازن كم الماز

عن موقع الحوار المتمدن : 
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=309456
منظمة العمال الصناعيين في العالم هي اتحاد نقابي يديره أعضاؤه , اتحاد يكرس نفسه للتنظيم في العمل , في صناعاتنا و تجمعاتنا . ينظم أعضاء منظمة العمال الصناعيين في العالم أنفسهم ليحققوا ظروف عمل أفضل اليوم و ليبنوا عالما تسوده الديمقراطية الاقتصادية في الغد . إننا نريد أن تدار معاملنا لفائدة العمال و تجمعاتهم و ليس لصالح حفنة من أصحاب العمل و المدراء .
إننا منظمة العمال الصناعيين في العالم لأننا ننظم أنفسنا حسب الصناعة .
هذا يعني أننا ننظم كل العمال الذين ينتجون نفس السلع أو الذين يقدمون نفس الخدمات في نقابة واحدة , بدلا من تقسيم العمال حسب مهارتهم أو حسب مهنهم , بحيث يمكننا أن نجمع قوانا لنحقق مطالبنا معا . منذ تأسيس منظمة العمال الصناعيين في العالم عام 1905 , قدمنا مساهمات مهمة لنضالات العمال و كان لدينا تاريخ مشرف من تنظيم العمال عبر الحدود بين الجنسين و الإثنيات و الأعراق قبل زمن طويل من الوقت الذي أصبح فيه مثل هذا التنظيم مقبول شعبيا .
إننا ندعوك لتصبح عضوا في منظمتنا سواء كان لمنظمتنا ممثلين في معملك أم لا . إننا ننظم العمال و ليس الوظائف , و ندرك أن النقابات هي أمر لا يتعلق بشهادة حكومية أو موافقة أصحاب العمل بل في أن يجتمع العمال معا ليناقشوا مشاكلهم المشتركة .
هذا قد يعني أحيانا رفض العمل باستخدام آلات أو مواد كيماوية خطيرة .
أحيانا قد يعني الإضراب أو توقيع اتفاق ما . أحيانا قد يعني التحريض حول مسائل أو شكاوي معينة في المعمل أو الصناعة .
إن منظمة العمال الصناعيين في العالم هي اتحاد نقابي ديمقراطي مدار من أعضائه . هذا يعني أن الأعضاء هم الذين يقررون أية مسائل يجب مناقشتها , و أية تكتيكات يجب أن تستخدم , و نحن نصوت مباشرة على موظفي النقابة , من النقابيين في المعمل حتى النقابيين على المستوى الوطني . لم الانتظار ؟ انضم إلى منظمة العمال الصناعيين و تنظم في سبيل مستقبل أفضل .
للانضمام : http://www.iww.org/en/membership/5

مقدمة دستور منظمة العمال الصناعيين في العالم

لا يوجد أي شيء مشترك بين الطبقة العاملة و بين طبقة أصحاب الأعمال . لا يمكن أن يوجد هناك أي سلام طالما بقي الجوع و الحاجة بين ملايين العمال بينما القلة , التي تشكل طبقة أصحاب العمل , تملك كل الأشياء الجيدة في الحياة .
هناك صراع بين هاتين الطبقتين يجب أن يستمر حتى ينظم عمال العالم أنفسهم كطبقة , و يستولوا على وسائل الإنتاج , و يلغوا نظام العمل المأجور , و يعيشوا بانسجام مع الطبيعة .
إننا نجد أن تركز إدارة الصناعات في أيدي عدد أقل فأقل يجعل النقابات غير قادرة على التأقلم مع القوة المتزايدة باستمرار لطبقة أصحاب العمل . تعمل النقابات على تشكيل وضع سائد يسمح بتحريض جزء من العمال ضد جزء آخر من العمال في نفس الصناعة , بحيث تساعد في هزيمة بعضهم البعض في الحروب على رفع الأجور . أكثر من ذلك تساعد النقابات طبقة أصحاب الأعمال في خداع العمال بأن لديهم مصالح مشتركة مع سادتهم .
يمكن تغيير هذه الظروف و أن يجري الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة فقط بواسطة منظمة تتشكل بحيث أن كل أعضاء صناعة ما , أو كل الصناعات عند الضرورة , سيتوقفوا عن العمل معا عندما يكون هناك إضراب في أي من أقسامها , بذلك يكون الضرر الذي يلحق بأحدنا ضررا يصيب الجميع .
بدلا من الشعار المحافظ , "أجر عادل مقابل ساعات عمل عادلة" , علينا أن نكتب على راياتنا الشعار الثوري , "إلغاء العمل المأجور" .
إنها المهمة التاريخية للطبقة العاملة أن تتخلص من الرأسمالية . يجب تنظيم جيش الإنتاج , ليس فقط من أجل الصراعات اليومية مع الرأسماليين , بل أيضا من أجل مواصلة الإنتاج عندما ستجري الإطاحة بالرأسمالية . بتنظيم أنفسنا حسب صناعاتنا فإننا نشكل بنية المجتمع الجديد داخل قشرة المجتمع القديم .

منظمة العمال الصناعيين في العالم – ما يجب أن يعرفه كل واحد
أسئلة و أجوبة عن منظمة العمال الصناعيين في العالم

ما هي منظمة العمال الصناعيين في العالم ؟
إنها اتحاد نقابي نضالي يؤمن بأن مصالح العمال يمكن تلبيتها بأفضل ما يمكن فقط إذا اتحد العمال كطبقة . إنها تهدف لرؤية كل من يحمل نفس تصنيف العمل , كل من يعمل في نفس الصناعة , في نقابة واحدة , و كل من يعملون مقابل أجر في نقابة واحدة كبيرة .
تختلف منظمة العمال الصناعيين في العالم بشكل هائل عن مواقف بقية النقابات في أننا نؤمن بأن مشاكل الطبقة العاملة لا يمكن حلها باستجداء الفتات من أصحاب العمل أو طلب الإحسان من السياسيين . بينما تحارب منظمة العمال الصناعيين في العالم من أجل ظروف عمل أفضل اليوم , إلا أننا نصر على أنه للطبقة العاملة الحق في كل ما تنتج , عوضا عن حصولها على حصة ضئيلة .
سيبقى انعدام الإحساس بالأمان و الجوع بين أولئك الذين يكدحون طالما بقيت طبقة أصحاب العمل التي تستفيد من الأجور المنخفضة و ظروف العمل السيئة للعمال . ترى منظمة العمال الصناعيين في العالم أنه لا يمكن أن يكون هناك حل لضمان حسن سير الصناعات , و لا نهاية للظلم و الحاجة , حتى يلغى نظام الربح نفسه .
في سعيها لتوحيد العمال كطبقة في اتحاد نقابي كبير تسعى منظمة العمال الصناعيين في العالم أيضا إلى بناء بنية نظام اجتماعي جديد و أفضل داخل قشرة النظام القديم العاجز عن توفير حاجات الجميع .

من يمكنه أن ينضم إلى منظمة العمال الصناعيين في العالم ؟
أي كاسب للأجر يمكنه أن يحمل عضوية منظمة العمال الصناعيين في العالم . لا يستبعد أي عامل بسبب عرقه , دينه , قوميته , جنسه أو ميوله الجنسية .
لكنها ليست منظمة للضعفاء أو للجبناء , الذين يستبدلون الأفعال بالكلام . إنها لا تريد الأشخاص الذين يرضون بالسير وراء القادة دون أي اعتراض .
إن منظمة العمال الصناعيين في العالم هي نقابة أنشأها العمال للعمال , الأفضل و الأكثر ذكاءا , و إن أعدادا متزايدة من مثل هؤلاء العمال يحملون اليوم بطاقات عضوية في منظمة العمال الصناعيين . نريد أن نساعد في بناء نقابة ستعيد بناء العالم . إن منظمة العمال الصناعيين في العالم تحتاجهم و هم يحتاجونها .

نقلا عن http://www.iww.org/en 




الخميس، 27 أكتوبر 2011

الوصايا الثابتة للأناركية ألبرت ملتز ترجمة : مازن كم الماز


الوصايا الثابتة للأناركية
من كتاب الأناركية, الحجج دفاعا عنها و ضدها
ألبرت ملتز
ترجمة : مازن كم الماز


عن موقع آلف

إن البشر يولدون أحرارا
 إن حقوقنا غير قابلة للمساومة . يأتي كل إنسان إلى هذا العالم كوريث لكل الأجيال السابقة . إن العالم بأكمله هو لنا بحق الولادة فقط . إن الواجبات التي تفرض علينا كالتزامات أو كمثل عليا , كالوطنية مثلا , الواجب تجاه الدولة , عبادة الإله , الخضوع لطبقات أو سلطات أعلى , احترام الامتيازات الموروثة , كلها أكاذيب .

إذا كان البشر يولدون أحرارا , فالعبودية تكون بمثابة قتل.
 لا يمكن لأحد أن يحكم أي شخص آخر . لا يمكن الزعم أن البشرية كاملة , أو أنه بسبب طيبتها الطبيعية ( أو بسبب نقص في هذه الطبيعة ) يجب السماح لهذا الشخص أو ذاك ( أو لا يجب ) بممارسة حكم الآخرين . إن الحكم بهذا الشكل يؤدي إلى التعسف . لا يوجد بشر متفوقون و لا طبقات ذات امتيازات فوق أو أرفع من "البشرية غير الكاملة أو الناقصة" تستطيع أو مخولة بحكم بقيتنا . إن الخضوع للعبودية يعني التنازل عن الحياة .

كما أن العبودية قتل , فإن الملكية هي سرقة.
 تعني حقيقة أن البشرية لا تستطيع التصرف بميراثها الطبيعي أن جزءا منه قد أخذ منها , إما بوسائل القوة ( القوة الشرعية القديمة أو السرقة ) أو الخداع ( الإقناع بأن الدولة أو حاشيتها أو أية طبقة تسيطر على الملكية بالوراثة مخولة بالحصول على امتيازات ) . إن كل أنظمة الملكية الحالية تعني حرمان البعض من ثمرة عملهم . من الصحيح أنه في مجتمع يقوم على التنافس , أن الاستحواذ على الوسائل المستقلة هو فقط الذي يتيح للإنسان أن يكون متحررا من الاقتصاد ( هذا ما عناه برودون عندما قال , مخاطبا الحرفيين المستقلين , أن "الملكية هي حرية" , والذي بدا أول الأمر متناقضا مع قوله المأثور أن الملكية هي سرقة ) . لكن مبدأ الملكية , فيما يخص المجتمع , يقع في أصل اللا مساواة .

إذا كانت الملكية سرقة , فإن الحكومة هي الطغيان.
إذا قبلنا بمبدأ المجتمع الاشتراكي و بإلغاء الامتيازات الموروثة و الطبقات المهيمنة , تصبح الدولة عندها غير ضرورية . إذا جرى الاحتفاظ بالدولة مع ذلك , تصبح هذه الحكومة غير الضرورية طغيانا بما أنه ليس أمام هذا الجسم الحاكم أية وسيلة أخرى للاحتفاظ بسيطرته ( سوى الطغيان ) . " إن الحرية من دون اشتراكية هي استغلال : أما الاشتراكية من دون حرية فهي طغيان " ( باكونين ).

إذا كانت الحكومة هي الطغيان , فالأناركية هي الحرية.
 أولئك الذين يستخدمون تعبير "الأناركية" ليعنوا الفوضى أو الاضطراب هم على خطأ . إذا اعتبروا أن الحكومة ضرورية , و إذا اعتقدوا أنه لا يمكننا أن نعيش دون أن تقوم الحكومة البريطانية بتوجيه أمورنا , و إذا اعتقدوا أن وجود السياسيين ضروري لسعادتنا و أنه لا يمكننا أن نتصرف بطريقة اجتماعية من دون وجود الشرطة , فإنهم عندها محقون في افتراض أن الأناركية تعني عكس ما تضمنه الحكومة . لكن أولئك الذين يحملون الرأي النقيض , و يعتبرون الحكومة هي الطغيان , هم محقون أيضا في اعتبار أن الأناركية , وليس الحكومة , هي الحرية . إذا كانت الحكومة هي مجرد المحافظة على الامتيازات و الاستغلال و انعدام عدالة التوزيع , عندها تكون الأناركية هي النظام.

نقلا عن   www.spunk.org/txt/writers/meltzer/sp001500.htm#TENETS

عن الحب الحر رسالة من أمريكا سكارفو الى إيميل آرماند ترجمة : مازن كم الماز


عن الحب الحر
رسالة من أمريكا سكارفو الى إيميل آرماند
ترجمة : مازن كم الماز


عن موقع الحوار المتمدن  http://www.ahewar.org/debat/print.art.asp?t=0&aid=271209&ac=2

ترجمة لوثيقة هامة في تاريخ اللاسلطوية الأرجنتينية و التفكير اللاسلطوي فيما يتعلق بأخلاق الحب . "أريد للجميع ما أريده لنفسي : حرية الفعل , الحب , التفكير . أي أنني أريد الأناركية لكل البشرية".


كلمة للمترجم :
يجب أن أعترف أنني بترجمة هذه الرسالة – الوثيقة أعلن استعدادي لتلقي النار , ليس فقط من الآخرين , بل من وعيي الخاص أيضا , لكني أعتقد أيضا أنه على وعيي الذكوري , كما وعيكم الذكوري حتى لو كنتم إناثا ما دمتم تقبلون وضعية المرأة كجنس مقهور , عليه أن ينظر خاصة اليوم بشكل مختلف إلى ذاته كما إلى الآخرين , هذه المرة كمتساوين , و أحرار مهما كانت النتائج المترتبة على ذلك قاسية على وعينا التقليدي , صحيح أن هذا الشعار الجميل الذي يداعب أحلام الملايين اليوم قد يصبح مرعبا إذا هدد وضعية الثوار أنفسهم كجنس قاهر أو إذا هدد امتيازات بعضهم أو معظمهم , لقد انتصرنا في وعينا الفردي و الجمعي حتى الآن على حجج الاستبداد السياسي و الفكري , هكذا فقط صنعنا ثوراتنا , لكن الاستبداد الاجتماعي و الأخلاقي ذا جذور أكثر عمقا , و هي قد تبدو اليوم كما كان الاستبداد السياسي و الفكري يبدو حتى الأمس فقط , ضرورة لا بد منها لاستمرار الحياة الإنسانية و قد تبدو حرية المقهورين , النساء هنا , و إنهاء علاقة السيد / العبد بين المرأة و الرجل إيذانا بالفوضى و السقوط الأخلاقي , تماما كما كان الاستبداد السياسي يعتبر سقوطه نهاية للمجتمع ككل .. حتى نحن , الأقلية التي تحدثت في الماضي أيضا عن الحب الحر كنا ذكوريين بمعنى من المعاني , حتى عندما كان بعضنا يردد بكثير من الإعجاب ما ذهب إليه مزدك و بعده بابك و بعض فرق الهراطقة من المسلمين و المسيحيين و غيرهم , من فرق الغلاة في الأغلب , عن اشتراك الجميع في النساء و المال , لا أخفيكم أن هذا الشعار ذكوري أيضا , إنه لا يعني في الواقع تحرير المرأة , و لا مساواتها بالرجل , فالمرأة الحرة و الند للرجل ليست ملكا لأحد , لا ملكية خاصة و لا ملكية جماعية , إنها ليست وسيلة إنتاج , و لا أداة للمتعة , إنها كائن إنساني كامل الأهلية , له كامل الحرية في تقرير مصيره بل و في رسم المصير المشترك للبشر ناهيك عن أن تحدد مع الرجل , مع شريكها في الحب و الجنس , شكل العلاقة بينهما بحرية ... هنا يجب التوقف أمام نقطة هامة جدا , نحن هنا أيضا لا نخترع , لقد مارس البشر حريتهم فعلا حتى في هذا المجال في إطار الحب بل خاصة في هذا المجال , فالحب حالة شعورية جسدية معقدة ترتبط بالحرية و تقتضي في كثير من الأحيان شعور الطرفين بالحرية أو أنها هي التي تنتج شعور العاشقين بالحرية أو تكون الشكل الوحيد لممارسة هذه الحرية حتى في أشد المجتمعات محافظة و انغلاقا , هذا نسبيا فقط بالطبع فالحب أحيانا ينتج عن أو يعيد إنتاج مشاعر التبعية و الخضوع , قد يكون طاقة محررة أو قد يكون إضافة إلى آليات التدجين و القهر السائدة , لنعد إلى ماضينا القريب , فيجب أن نعترف أن ترديدنا لهذه الكلمات كان في معظم الأحيان أشبه برفع العتب أو بروتين سطحي و أنه كان بلا معنى تماما في نهاية الأمر , كنا و بقينا , في الغالب ذكوريين , أنا و أنتم , في معظمنا , كأبناء لعائلة تقليدية , عادية في تقليديتها , و لمجتمع تقليدي ذكوري و بطريركي , لم تتغلغل هذه الكلمات في وعينا , بقي مثل كل الكلام عن أن هدف الشيوعية البعيد هو تدمير التبعية و الخضوع و الاستغلال و القهر و الاستلاب كأساس لعلاقة الإنسان بالإنسان بما يعنيه ذلك من تدمير لأي شكل من أشكال الإكراه أو القسر أو الفرض من الخارج و إعادة تأسيس الحياة الاجتماعية على أساس حرية الجميع و مساواتهم , بقي هذا مجرد كلام يلاك و يجتر دون معنى , كان تحول الشيوعي إلى عضو في حزب شيوعي و هو الشكل الأساسي من الالتزام السياسي في السابق يعني دخوله في شكل معدل من الممارسة البيروقراطية الروتينية هي "الثورية" الاحترافية حيث كان يمارس بشكل منافق التنظير دون أن يمارسه في الواقع , بقي كأي مثقف آخر يعيش حالة الفصام بين النظرية و الممارسة , كان الروتين يستحوذ عليه و لكن مع تحول النضال إلى حالة روتينية احترافية مملة كان هذا الروتين يدمر كل ما هو حي و ثوري و تحرري في الكلام الذي كنا نردده , كان الكلام عن تحرير أنفسنا و الآخرين يستنفذ طاقته التحررية و كان يتحول , مثل باقي الحلم الشيوعي , بنظر الشيوعي إلى يوتوبيا بعيدة , أشبه بجنة المتدين , و تدريجيا مع تراجع النضالات الشعبية في الشارع و خاصة بمشاركة القوى اليسارية في احتواء هذا الحراك الشعبي و استبداله بحراك و مساومات فوقية و في القصور , أي بتراجع مجال العمل الفعلي في الشارع و سيطرة الروتين الداخلي الحزبي على الشيوعيين الذين كانوا يفقدون حيويتهم و ارتباطهم بالواقع , أصبح المطلوب من هذا الشيوعي أيضا أن يقوم بما يطلب من المتدين تماما , أي الالتزام بأقصى ما يمكن بروتين و طقوس و عقائد الفرقة الناجية ( الأصولية جدا هي أيضا ) لكي يستحق الدخول لتلك الجنة ذات يوم , لكن إذا أصبح بمقدوري عندما أصبحت أناركيا أن أتخيل عالما من رجال أحرار و متساوين , فإن الخطوة التالية الأهم في وعيي الآن ستكون هي أن أتخيل عالما من بشر متساوين و أحرار , نساءا و رجالا , أطفالا و شبابا و كهولا ... لقد اعتدنا أن نخفي حقيقة موقفنا من حرية الآخرين , خاصة الآخرين المنتمين إلى الطبقة أو العرق أو القومية أو الجنس المقهور , خلف ستار من التفوق المزعوم , المادي أو الأخلاقي أو "الطبيعي" أو الفيزيولوجي الخ , دائما كانت حرية هذا المقهور تعني بالنسبة للقاهر و حتى بالنسبة لجزء كبير من المقهورين انحطاطا و فوضى ( انظر دفاع البعض عن أنظمة بشار الأسد و القذافي و صدام و ستالين و بوش و الخ ) , دائما كانت حرية المقهورين تساوي الفوضى , و حرية القواعد الحزبية تعني التحريفية , و حرية التفكير تعني الكفر بالنسبة لرجال الدين من كل الأديان , لكن قد فات الوقت الآن , لقد أصبح القسم الكبير من جيلنا أيضا , جيل هذه الثورات , مهرطقا و كافرا و محرفا و خارجا على السائد و عدوا للسلطة بشكل من الأشكال , هذه فرصة استثنائية لنمارس حريتنا , و لو بكل تطرف كما يقول كل من يكره الحرية , هذا التطرف الذي يعني في حقيقة الأمر أن نمارسها بحقيقتها و بدون أية مساومة مع أي شكل من الإكراه و القسر و القمع و الاضطهاد ... أدرك جيدا أن رجال الدين و المثقفين سيستغلون أي شيء لتخويف البرجوازية الصغيرة و حتى الفقراء و المضطهدين من حريتهم , و أن كلمة مثل الحب الحر ستستخدم كبعبع لتشويه الحرية أمام الجمهور العريض , لكن فكرة إثارة الرعب عند هؤلاء مغرية بحد ذاتها , أعتقد أن تملق رجال الدين و المثقفين السلطويين ليس سياسة مناسبة , في الماضي كان هذا هو الذي ينتج الطغاة أو يساعدهم في الاستمرار على الأقل , كم احتجنا من الوقت لندرك أن نير الاضطهاد و العبودية الذي قبلنا به عقودا أو قرونا ليس ضروريا كما زعم أزلام الطغاة , اليوم ألا تقول الحقيقة كاملة عن الحرية بكليتها كحلم و كقاعدة وحيدة ضرورية للاجتماع الإنساني حقا في هذه اللحظة التاريخية , لحظة الانقلاب الثوري العارم , يعني خيانة للناس و للمضطهدين و لقضية الحرية أيضا , إن الحرية كالحياة , تعني أساسا التغلب على الخوف , هذا الخوف الذي يدفعنا لتقبل القيود على أنها جزء من طبيعة الأشياء , و لأنه فيما يخص الحرية بالتحديد لا توجد أنصاف حلول , يجب أن نعرف جميعا , أنه ما لم نحطم جميع قيودنا , فهذا سيعني شيئا واحدا فقط , هو أن نبقى عبيدا , بشكل أو بآخر .. على الناس أن تبدأ أيضا و هي تحارب اليوم في سبيل حريتها , أن تبدأ بمحاولة فهم كل ما يتعلق بحريتها و بالحرية عموما , حرية الإنسان و كل إنسان , قد لا أتفق تماما مع ما كتبته الشابة الأرجنتينية أمريكا قبل 85 عاما ( أنا شخصيا كنت أعتقد أيضا أنه لتكون أجسادنا حرة يجب أن نكون متحررين فعلا من الاستغلال , و من الندرة , من الحاجة , من ضغط الوصفة السائدة للأخلاق و من ضغط السلطة التي تدعمها و من ضغط القانون الذي يشرعها , لقد كنت مثل كل الستالينيين أعتقد أن الحرية هي مشروع مؤجل إلى وقت غير محدد , و أنا أيضا أتغير ببطء كما نفعل جميعا ) , اليوم عندما نثور نحدد هدفا مختلفا عن كل هذا الهراء و الثرثرة النخبوية الطليعية الفوقية و المعادية للناس العاديين : إننا نريد الحرية الآن و هنا , و فورا !! عندما نتحدث عن الحرية اليوم يعني بالضرورة أننا نتحدث عن الإنسان الحر , عن الفكر الحر , عن العمل الحر من الاستغلال , عن العقل الحر و عن الجسد الحر أيضا , و أيضا من دون شك , الحب الحر , قد نختلف على ما هو الحب الحر , لكن هذا ليس إلا جزءا من عملية إبداع الحياة الحرة نفسها , هكذا فقط يمكن أن نكون أحرارا , هذا ليس رطانة أو بديع لغوي , إنه واقع حقيقي جدا , البشر الأحرار وحدهم لا يخافون من ممارسة الحرية , العبيد وحدهم يقنعون بالقيود , و الأحرار هم وحدهم أيضا من يستطيع أن يحب بحرية ....

رسالة أمريكا سكارفو إلى إيميل أرماند

بوينس آيرس 3 ديسمبر كانون الأول 1928 , إلى الرفيق إيميل أرماند
أيها الرفيق العزيز،
الهدف من رسالتي هو أولا أن أطلب منك النصيحة . علينا أن نتصرف في كل لحظات حياتنا بما يتوافق مع طريقتنا في رؤية و فهم الأمور , بتلك الطريقة التي يجد فيها توبيخ الناس و انتقادهم فرديتنا محمية بأكثر الأفكار عن المسؤولية و الحرية صحية , التي تشكل جدارا منيعا يضعف هجماتهم . لهذا السبب علينا أن نتصرف بما يتوافق مع أفكارنا .
قضيتي , أيها الرفيق , هي النظام العاطفي . أنا طالبة شابة أؤمن بحياة جديدة . أؤمن أنه بفضل أعمالنا الحرة , الفردية و الجماعية , يمكننا أن نصل إلى مستقبل من الحب و الإخاء و المساواة . أريد للجميع تماما ما أريد لنفسي : حرية الفعل , الحب و التفكير . أي أنني أرغب بالأناركية لكل البشرية . أعتقد أنه لكي نحقق هذا علينا أن نقوم بثورة اجتماعية . لكني أيضا أرى أنه لكي نصل إلى تلك الثورة من الضروري أن نحرر أنفسنا من كل أنواع المواقف المسبقة ( المجحفة ) , و المواقف التقليدية , و الأخلاق الكاذبة و القواعد السخيفة . و بينما ننتظر اندلاع هذه الثورة العظمى علينا أن نقوم بهذا العمل في كل أعمال وجودنا . و بالفعل لكي نجعل هذه الثورة تندلع لا يمكننا أن نقنع أنفسنا بالانتظار فقط بل نحتاج لأن نعمل في حياتنا اليومية . علينا متى كان ذلك ممكنا أن نتصرف من موقع أناركي , أي من موقع إنسان .
في الحب مثلا لن ننتظر الثورة , سنوحد أنفسنا بحرية , دون أن نلتفت إلى المواقف المسبقة ( المجحفة ) , أو الحواجز أو الأكاذيب التي لا تحصى التي تقف في وجهنا كعوائق . لقد تعرفت على رجل , رفيق في الفكر . إنه متزوج بحسب قوانين البرجوازية . لقد ربط نفسه بامرأة نتيجة لظرف طفولي , من دون حب . في ذلك الوقت لم يكن قد تعرف على أفكارنا بعد . لكنه عاش مع هذه المرأة لعدد من السنين , و لديهما أطفال . إنه لم يجرب الإشباع الذي كان يجب أن يشعر به مع إنسانة يحبها . أصبحت الحياة مضجرة , الشيء الوحيد الذي وحد بينهما كان الأطفال . و هو ما يزال مراهقا ( شابا ) تعرف هذا الرجل على أفكارنا , و ولد داخله وعي جديد . تحول إلى مناضل شجاع . و كرس نفسه للدعاية بحماسة و ذكاء . كل الحب الذي لم يوجهه نحو إنسان آخر وجهه عوضا عن ذلك نحو مثاله الأعلى . في تلك الأثناء استمرت الحياة في المنزل بنفس الرتابة التي خفف منها فقط سعادة أطفالهما الصغار . حدث أن الظروف جمعتنا معا , أولا كرفاق في الفكر . تحدثنا , تعاطفنا مع بعضنا البعض , و تعلمنا كيف يتعرف كل منا على الآخر . هكذا ولد حبنا . لقد اعتقدنا في البداية أنه مستحيل . هو , الذي كان قد أحب فقط في أحلامه , و أنا , التي بالكاد أدخل إلى الحياة . استمر كل منا بالحياة بين الشك و الحب . القدر – أو ما هو أفضل , الحب – تكفل بالباقي . فتحنا قلوبنا و بدأ حبنا و بدأت سعادتنا تغني أغنيتها , حتى وسط النضال , في ظل المثل الأعلى , الذي منحنا في الواقع حافزا أكبر حتى . و عبرت عيوننا , شفاهنا , قلوبنا , عن نفسها في سحر القبلة الأولى . لقد كان الحب مثلنا الأعلى , لكننا كنا نحوله إلى واقع . الحب الحر , الذي لا يعرف حواجز , و لا عوائق . القوة المبدعة التي تنقل الاثنين عبر حقل من الأزهار , مفروش بالورود – و أحيانا بالأشواك – لكن حيث وجدنا السعادة دائما .
أليست هذه الحالة التي يتحول فيها الكون برمته إلى جنة حيث يعشق فيها الاثنان أحدهما الآخر ؟
زوجته أيضا – رغم معرفتها المحدودة نسبيا – تتعاطف مع أفكارنا . فيم يتعلق بها فقد برهنت على كراهيتها للقتلة المأجورين للنظام البرجوازي عندما بدأ البوليس بمطاردة صديقي . هكذا أصبحت أنا و زوجة صديقي أصدقاء . إنها تدرك تماما ما الذي يعنيه الرجل الذي يعيش إلى جانبها بالنسبة لي . شعور التعاطف الأخوي الذي وجد بينهما سمح له بأن يبوح لها , و قد أعطاها حريتها لتتصرف كما تريد , بطريقة أي أناركي واعي . حتى هذه اللحظة كي أقول الحقيقة لقد عشنا كما في الحكايات . أصبح حبنا أقوى مع كل يوم . لا يمكننا أن نعيش معا , بسبب الوضع السياسي لصديقي و بسبب حقيقة أنني لم أنهي دراستي . إننا نلتقي , عندما يمكننا ذلك , في أماكن مختلفة . أليست هذه أفضل طريقة لدفع الحب , بإبعاده عن مستلزمات الحياة المحلية ( المشتركة ) ؟ رغم أنني أكيدة أنه عندما يكون هذا حبا حقيقيا فالشيء الأجمل هو أن نعيش معا .
هذا ما أردت شرحه . بعض الأشخاص هنا تحولوا إلى قضاة . و هؤلاء لا يوجدون فقط بين الناس العاديين بل أيضا بين رفاق الفكر الذين يرون أنفسهم على أنهم متحررين من الأفكار المسبقة لكن الذين هم في أعماقهم عديمي التسامح . أحد هؤلاء قال أن حبنا جنوني , آخر أشار إلى أن زوجة صديقي تلعب دور "الشهيدة" , على الرغم من حقيقة أنها تعرف كل شيء عنا , و رغم أنها سيدة نفسها و أنها تستمع بحريتها . ثالث طرح العقبة الاقتصادية السخيفة . أنا مستقلة , تماما مثل صديقي . سأخلق على الأغلب وضعا اقتصاديا لنفسي سيحررني من أي قلق في هذا الصدد .
هناك أيضا مسألة الأولاد . ماذا سيفعل الأطفال بالمشاعر التي في قلوبهم ؟ لماذا لا يستطيع الرجل الذي لديه أطفال أن يحب ؟ هذا يشبه القول بأن الأب في أسرة ما لا يستطيع أن يعمل لصالح فكرة , أن يقوم بالدعاية الخ . ما الذي يجعلهم يعتقدون أن هؤلاء الصغار سينسون لأن والدهم يحبني ؟ إذا كان الأب سينسى أطفاله فإنه يستحق احتقاري و لن يوجد أي حب بيننا .
هنا في بيونس آيرس , رفاق لديهم أفكار ضئيلة جدا عن الحب الحر . إنهم يتخيلون أنه يكمن فقط في المعايشة ( المساكنة ) دون أن يكون أحد الشريكين متزوج قانونيا , و في تلك الأثناء , في بيوتهم , يمارسون كل الحماقات و السخافات التي يمارسها الجهلة . هذا النوع من الاتحاد الذي يتجاهل السجل المدني و الكاهن يوجد أيضا في المجتمع البرجوازي . هل هذا هو الحب الحر ؟
أخيرا إنهم ينتقدون اختلافنا في العمر . فقط لأني أبلغ 16 عاما أما صديقي فهو في 26 من عمره . يتهمني البعض بأنني أدير علاقة تجارية , آخرون يقولون أني أفعل ذلك دون تعمد ( دون وعي ) . آه لأحبار الأناركية هؤلاء ! يجعلون مسألة السن تتدخل في الحب ! كما لو أن الدماغ لا يكفي لوحده ليكون الشخص مسؤولا عن أفعاله ! من جهة أخرى , إنها مشكلتي أنا , و إذا كان الفارق في السن لا يعني أي شيء لي , لماذا يجب أن يشغل أي شخص آخر ؟ ما أقدره و أحبه هو شباب الروح , الذي هو أبدي .
هناك أيضا من يعاملنا كمنحطين أو مرضى و أوصاف أخرى من هذا القبيل . لجميع هؤلاء أقول : لماذا ؟ لأننا نعيش الحياة بمعناها الحقيقي , لأننا نعترف بالطائفة الحرة للحب ؟ لأنه , تماما كما تجلب الطيور المرح إلى الشوارع و الحدائق , فإننا نحب دون أن نلق أي اهتمام لوصفات الأخلاق المزيفة ؟ أ لأننا مخلصين لأفكارنا ؟ إنني أزدري كل من لا يستطيع أن يفهم كيف يعرف أن يحب .
إن الحب الحقيقي بريء . إنه الشمس التي تمتد أشعتها إلى أولئك الذين لا يستطيعون بلوغ ارتفاعها . الحياة شيء علينا أن نعيشه بحرية . إننا نقبل على الجمال , على متع الروح , على الحب , هذه هي الطائفة التي نستحقها .
هذا كل شيء أيها الرفيق . أرغب بسماع رأيك في حالتي . أعرف جيدا ما الذي أفعله و لا أحتاج إلى موافقة أحد أو تصفيقه . فقط أنني و قد قرأت الكثير من مقالاتك و اتفق مع الكثير من نقاطها , سيشعرني بالرضا أن أعرف رأيك .
------------------------------------
كانت أمريكا سكارفو في 16 من عمرها عندما كتبت رسالتها هذه , الحبيب الذي أشارت إليه لم يكن سوى سيفيرنو دي جيوفاني . عن العلاقة بين الاثنين انظر كتاب أوزفالدو باير عن سيفيرنو دي جيوفاني . يقول باير أنه قبل الرسالة "تعرضت علاقة سيفيرنو و أمركيا لعاصفة قوية . أدت انتقادات الرفاق و العوائق التي كان من شبه المستحيل حلها أمام استمرار العلاقة و وضع أسرتها , إلى أزمة عند أمريكا , التي تخاصمت مع سيفيرنو و أخبرته أنها تنهي هذه العلاقة . كما في كثير من خلافات العشاق أنهى لقاء تالي كل هذه المشاكل و أعاد العلاقة بينهما أقوى مما سبق . رسالة أمريكا إلى L'ENDEHORS ( جريدة إيميل أرماند ) جاءت بعد عودتهما معا . كانت بمعنى من المعاني تهدف لجعل تلك المشاعر التي أبقوها حتى تلك اللحظة فيما بينهما معروفة للآخرين" .
نشرت الرسالة في L'ENDEHORS في 29 يناير كانون الثاني 1929 تحت عنوان "تجربة" إلى جانب جواب إيميل أرماند التالي :
"أيتها الرفيقة : رأيي لا يهم في قضيتك التي أرسلتها إلي عما تفعلينه . هل أنت منسجمة أم لا مع مفهومك الشخصي عن حياة أناركي ؟ إذا كنت تشعرين أنك منسجمة , تجاهلي إذن تعليقات و إهانات الآخرين و واصلي مشوارك الخاص . ليس لأحد الحق في الحكم على طريقتك في التصرف , حتى لو كانت زوجة صديقك عدائية تجاه علاقتكما . كل امرأة تربط حياتها بأناركي ( أو العكس ) تعرف جيدا أنه لا يجب عليها أن تمارس عليه , أو أن تقبل منه , أي نوع من أنواع الهيمنة" .


نقلا عن :  http://libcom.org/history/letter-am%C3%A9rica-scarf%C3%B3-emile-armand

نبذة عن حياة إيميل أرماند ( 1872 – 1963 ) كان أول شبابه ناشطا مسيحيا , تعرف على الأناركية ( اللاسلطوية ) من خلال ليو تولستوي , حيث أصبح أناركيا مسيحيا و مسالما في الأول , ثم أناركيا شيوعيا ثم فردانيا .

الثلاثاء، 2 أغسطس 2011

الثورة الفرنسية العظمى بيتر كروبوتكين ترجمة مازن كم الماز


الثورة الفرنسية العظمى
بيتر كروبوتكين (1909)
ترجمة مازن كم الماز

مقدمة المترجم
هذان فصلان من كتاب بيتر كروبتكين عن تاريخ الثورة الفرنسية البرجوازية العظمى , يتمتع تحليل كروبوتكين بأهمية خاصة في أيامنا , إنه بقراءته للماضي , للتاريخ , لتاريخ ثورة سابقة , يساعد في قراءة الحاضر , حاضر ثوراتنا , و مستقبلها , و ضمنا مستقبل شعوبنا و ثوراتها و مستقبل البشرية أيضا ….

الفصل الأول
التياران الرئيسيان في الثورة

كان هناك تياران رئيسيان أعدا و قاما بالثورة الفرنسية العظمى . أحدهما و هو تيار الأفكار ( التيار الفكري ) الذي تركز حول إعادة التنظيم السياسية للدولة , جاء من الطبقات الوسطى , أما ( التيار ) الآخر , و هو تيار الأفعال , جاء من الناس ( الشعب People ) , من كل من الفلاحين و عمال المدن , الذين أرادوا أن يحصلوا على تحسينات فورية و محددة في أوضاعهم الاقتصادية . و عندما التقى هذان التياران و انضما معا كان ذلك سعيا وراء تحقيق هدف مشترك . عندما كان هذا الهدف مشتركا بينهما لبعض الوقت , و عندما ساعد أحدهما الآخر لبعض الوقت , كانت النتيجة هي الثورة .
قام فلاسفة القرن ال 18 منذ وقت طويل بتفنيد أسس مجتمعات القانون – و النظام في تلك الفترة , حيث كانت السلطة السياسية و القسم الأعظم من الثروة بيد الأرستقراطية و الكهنوت , بينما لم يكن جمهور الناس إلا حيوانات للحمل ( أو للنقل ) بالنسبة للطبقات الحاكمة . بإعلان سيادة العقل , و بالتبشير بالثقة في الطبيعة الإنسانية – التي جرى إفسادها كما قالوا من خلال المؤسسات التي اختزلت الإنسان إلى عبد , لكن مع التأكيد بأن سيستعيد كل مزاياه عندما يتنزع حريته – فقد فتح هؤلاء الفلاسفة مشاهد جديدة أمام البشرية . بإعلان المساواة بين البشر , من دون أي تمييز بسبب الولادة , و بمطالبة كل مواطن , سواء أكان ملكا أم فلاحا , بالانصياع للقانون , و افترضوا أنه لا بد من التعبير عن إرادة الشعب من قبل ممثليه , و أخيرا , بالمطالبة بحرية التعاقد بين بشر أحرار , و بإلغاء الضرائب و الخدمات الإقطاعية – بطرح كل هذه الأقوال , و ربطها معا مع نظام و أسلوب مميزين للفكر الفرنسي , فقد حضر الفلاسفة دون شك , على الأقل في عقول الناس , لسقوط النظام القديم .
لكن هذا وحده لن يكون كافيا ليؤدي إلى اندلاع الثورة . فما زال أمامها مرحلة الانتقال من النظرية إلى الفعل , من فكرة مثال ما أعلى إلى وضعه في التطبيق . و النقطة الأكثر أهمية في دراسة تاريخ تلك المرحلة هي أن نوضح الظروف التي جعلت من الممكن للشعب الفرنسي في لحظة معينة أن يتمكن من تحقيق ( تطبيق ) هذا المثال الأعلى – أي محاولة نقله من النظرية إلى الفعل ( التطبيق ) .
من جهة أخرى , قبل 1789 بوقت طويل , كانت فرنسا قد دخلت بالفعل في مرحلة ثورية . كان وصول لويس 16 إلى العرش في 1774 البداية لسلسلة كاملة من اضطرابات الجوع . استمرت هذه الاضطرابات حتى 1783 و بعدها جاءت مرحلة من الهدوء النسبي . لكن بعد 1786 و خاصة بعد 1788 انفجرت تمردات الفلاحين من جديد بقوة متجددة . كانت المجاعة هي السبب الرئيسي للاضطرابات الأولى , و بقي نقص الخبز دائما أحد الأسباب الرئيسية للانتفاضات . لكن رفض الفلاحين دفع الضرائب الإقطاعية كان هو الذي دفعهم إلى الثورة . أخذت الانتفاضات تتزايد في العدد حتى عام 1789 , في تلك السنة أصبحت هذه الانتفاضات عامة ( شاملة ) في الشرق و الشمال الشرقي و الجنوب الشرقي من فرنسا . بهذه الطريقة بدأ تقسيم الجسم الاجتماعي . لكن Jacquerie ( يمكن ترجمتها بالعامية أو الانتفاضة الفلاحية , أطلقت على انتفاضة الفلاحين الفرنسيين في شمال فرنسا عام 1358 التي قمعها النبلاء الفرنسيون بقسوة , عرفت الثورة بهذا الاسم لأن النبلاء اعتادوا على نعت فلاحيهم ب”جاك” , و من ثم أصبحت ترمز للثورات الفلاحية في أوروبا في أواخر العصور الوسطى عموما – المترجم ) ليست ثورة , حتى عندما تأخذ اشكالا رهيبة كما جرى في انتفاضة الفلاحين الروس في 1773 تحت راية بوغاتشوف . الثورة هي بالتأكيد أكثر من سلسلة من الانتفاضات في المدينة و الريف . إنها أكثر من مجرد صراع بين الأحزاب , مهما كان عنيفا , أكثر من مجرد حرب شوارع , و أكثر من مجرد تغيير في الحكومة , كما جرى في فرنسا عام 1830 و 1848 . الثورة هي إطاحة سريعة , في غضون عدة سنوات , بالمؤسسات التي احتاجت إلى قرون لكي تتغلغل في تربة المجتمع , و تبدو ثابتة بحيث أنه حتى أكثر المصلحين حماسة لن يجرؤ على مهاجمتها في كتاباته . إنها سقوط , انهيار و في وقت قصير , لكل ما كان يشكل حتى ذلك الوقت جوهر الحياة الاجتماعية , الدينية , السياسية و الاقتصادية في شعب ما . إنها تعني الإطاحة بالأفكار المكتسبة و المفاهيم المقبولة فيما يتعلق بكل من المؤسسات و العلاقات المعقدة للجماعة الإنسانية .
إنها باختصار ولادة أفكار جديدة تماما فيما يتعلق بالصلات المتفرعة في المواطنة – أفكار ستصبح في الرقيب العاجل حقائق , و تبدأ بعدها بالانتشار بين الشعوب المجاورة , هازة العالم بأسره و محددة للعصر القادم شعاره , مشاكله , علمه , و اتجاهات تطوره الاقتصادي و السياسي و الأخلاقي .
لنصل إلى نتيجة بهذه الأهمية , و لحركة يمكن اعتبارها جزءا من ثورة , كما جرى في انكلترا بين 1648 و 1688 و في فرنسا بين 1789 و 1793 , لا يكفي أن تظهر حركة فكرية مهما كانت هامة , بين الطبقات المثقفة , لا يكفي أن تحدث اضطرابات مهما كانت كبيرة أو عديدة في قلب الشعب . الفعل الثوري الذي يأتي من الشعب يجب عليه أن يتزامن مع حركة فكرية ثورية تأتي من الطبقات المثقفة . يجب أن يكون هناك اتحادا بين الاثنين .
لهذا وقعت الثورة الفرنسية , مثل الثورة الانكليزية من القرن الذي سبقها , في لحظة كانت فيها الطبقات الوسطى التي تشربت بعمق مصادر الفلسفة الراهنة لتصبح واعية بحقوقها , و لتضع مخططا جديدا للتنظيم السياسي . قوية في معرفتها و متحمسة لأداء مهمتها , شعرت هذه الطبقات بأنها قادرة على الاستيلاء على الحكومة بانتزاعها من أرستقراطية القصر التي كانت , بعجزها و طيشها و فجورها تدفع المملكة نحو الخراب . لكن الطبقات الوسطى و المتعلمة لم يكن بمقدورها أن تفعل أي شيء لوحدها لو لم يتحرك جمهور الفلاحين , نتيجة سلسلة طويلة من الظروف , و ابتداءا بسلسلة من الانتفاضات المتواصلة التي استمرت 4 سنوات , التي وفرت الفرصة للطبقات الوسطى الساخطة لمحاربة كل من الملك و البلاط , و لإزعاج المؤسسات القديمة و تغيير الدستور السياسي للمملكة .
ما يزال تاريخ هذه الحركة المزدوجة بحاجة لأن يكتب . لقد قيل تاريخ الثورة الفرنسية العظمى و أعيد مرات عديدة , من وجهة نظر أحزاب مختلفة , لكن حتى الآن حصر المؤرخون أنفسهم في التاريخ السياسي , تاريخ انتصار الطبقات الوسطى على حزب البلاط و المدافعين عن مؤسسات الملكية القديمة .
لذلك نعرف الكثير مثلا عن المبادئ التي هيمنت على الثورة و التي ترجمت إلى عمل قانوني . لقد أسعدتنا الأفكار العظيمة التي قدمتها الثورة إلى العالم , أفكار حاولت البلدان المتمدنة أن تضعها موضع التطبيق طوال القرن 19 . لقد درس التاريخ البرلماني للثورة , حروبها , سياستها و دبلوماسيتها , درس و حدد بالتفصيل . لكن التاريخ الشعبي للثورة ما يزال بحاجة لأن يقال . الدور الذي لعبه الشعب في الريف و المدن في الثورة لم يدرس أبدا و لم يرو بكليته . من بين التيارين الرئيسيين اللذين صنعا الثورة , فإن نعرف عن التيار الفكري , أما التيار الآخر , تيار الفعل الشعبي , فإنه لم يرسم بعد .
إنها مهمتنا , نحن ورثة أولئك الذين سماهم معاصروهم ب”اللاسلطويين” ( الأناركيين ) , دراسة التيار الشعبي و محاولة إعادة بناء صفاتها الرئيسية على الأقل .
نقلا عن http://dwardmac.pitzer.edu/anarchist_archives/kropotkin/frenchrev/i.html

الفصل الأخير
الخاتمة

عندما يرى المرء الجمعية الوطنية الفظيعة و القوية تحطم نفسها في 1794 – 1795 و الجمهورية القوية و الفخورة تختفي . بينما تسقط فرنسا بعد نظام المديرين ذا المعنويات المنهارة ( المحبطة ) (حكومة المديرين 1795 – 1799 , حيث تمثلت السلطة في 5 مدراء , ترافق لك أيضا باستبدال حق التصويت العام بالتصويت المحدود وفقا لملكية الشخص , واجهت حكومة المديرين كلا من الملكيين و اليعاقبة بالقوة , فيم بعد سيقوم جنرال الجيش بونابرت الذي نظم حملة القمع هذه بانقلاب في 18 برومير و هو أحد أشهر التقويم الجمهوري الموافق 9 ديسمبر كانون الأول 1799 ليقيم ديكتاتوريته الخاصة , أولا كقنصل ثم كإمبراطور – المترجم ) تحت النير العسكري لبونابرت , يجد المرء نفسه مدفوعا للتساؤل : “ما هو الجيد في الثورة إذا كان الشعب سيقع ثانية تحت نير الطغيان ؟” . تكرر هذا السؤال في سياق القرن 19 باستمرار و قد استخدمه الجبناء و المحافظون كحجة ضد الثورات عموما .
الصفحات السابقة تعطينا الجواب . أولئك الذين يرون في الثورات تغييرا في الحكومة فقط , أولئك الجاهلون بعملها الاقتصادي و التثقيفي , هؤلاء فقط يمكنهم طرح هذا السؤال .
فرنسا التي نراها في الأيام الأخيرة من القرن 18 في لحظة الانقلاب داخل القصر في 18 برومير , ليست هي فرنسا التي وجدت قبل 1789 . هل كان من الممكن لفرنسا القديمة , الفقيرة بشكل بائس و التي يعاني ثلث سكانها سنويا من الحاجة ( الجوع ) , أن تتحمل الحروب النابليونية , التي جاءت بعد وقت قصير من حروب الجمهورية بين 1792 و 1799 , بينما كانت أوروبا كلها تهاجمها ؟
الواقع هو أن فرنسا جديدة قد تشكلت منذ 1792 – 1793 . صحيح أن الندرة ( النقص – الشح ) استمر بالوجود في كثير من الأقسام , و يمكن الشعور بكل الرعب الناجم عن ذلك خاصة بعد انقلاب ترميدور ( ترميدور تعبير عن الردة الرجعية و الإرهاب الأبيض الذي وقع بعد إعدام روبسبير في يوليو تموز 1794 – المترجم ) , عندما ألغي الحد الأعلى لأسعار كل المواد الغذائية . كانت هناك بعض الأقسام التي لم تنتج ما يكفي من القمح لإطعام نفسها , و مع استمرار الحرب , و تخصيص كل وسائل النقل لصالح إمداداتها , كان هناك شح في هذه الأقسام أيضا . لكن كل شيء كان يثبت أن فرنسا كانت تنتج عندها من ضروريات الحياة من كل نوع أكثر بكثير مما كانت تنتجه في عام 1789 .
لم تشهد فرنسا أبدا مثل هذه الزراعة النشيطة . يخبرنا ميكيليت أنه في عام 1792 كان الفلاحون يحرثون الأراضي التي أخذوها من ملاك الأرض , و من الأديرة و الكنائس , و كان ينخز ( يحث ) ثوره و هو يصرخ : “ليسقط الألمان ! ليسقط النمساويون ! ” . لم يجر أبدا مثل هذا التنظيف للأرض من قبل – حتى الكتاب الملكيون يعترفون بذلك – كما في سنوات الثورة . أول محصول جيد في عام 1794 حمل النجدة لثلثي فرنسا – على الأقل في القرى , لأنه طوال ذلك الوقت كانت المدن مهددة بنقص الطعام . ليس أنها كانت شحيحة في فرنسا كلها , أو أن بلديات ( مجالس بلدية ) ذوي السراويل الطويلة Sans-culottes ( تعبير أطلق على الثوار ذوي الأفكار الراديكالية من الطبقات الدنيا – بروليتاريا المدن خاصة – و الذين شكلوا أساس الجيش الثوري الفرنسي في الأعوام الأولى للثورة و قد استمر نفوذهم في الثورة بين عامي 1792 و 1795 , كانوا يدافعون عن الديمقراطية الشعبية و المساواة الاقتصادية و الاجتماعية و المحافظة على أسعار معقولة للغذاء في متناول الجميع و رفضوا اقتصاد السوق الحر و دعموا اليسار “المتطرف” كمجموعة الغاضبين , تعرضوا للقمع الشديد في فترة الردة الرجعية في ترميدور – المترجم ) , تجاهلت أن تقوم بالإجراءات اللازمة لإطعام أولئك الذين لم يجدوا عملا , لكن من حقيقة أن كل حيوانات النقل التي كانت تستخدم في قد كرست لحمل الطعام و الذخيرة إلى جيوش الجمهورية ال 14 . في تلك الأيام لم تكن هناك سكك حديدية , و كل الطرق ما عدا تلك الرئيسية كانت في الحالة التي عليها اليوم في روسيا – مزرية جدا .
كانت فرنسا جديدة تولد أثناء تلك السنوات الأربعة من عمر الثورة . لأول مرة منذ قرون أكل الفلاح حتى الشبع , و رفع ظهره و تجرأ على الكلام . اقرأ التقارير التفصيلية فيما يتعلق بعودة لويس 16 إلى باريس , عندما أعيد مسجونا من فارني في يونيو حزيران 1791 من قبل الفلاحين , تقول تلك التقارير : “هل هذا ممكن بالفعل , مثل هذا الاهتمام بالشأن العام , لمثل هذا الحماس لهذا الشأن العام , و لمثل هذا الاستقلال في الحكم و العمل أن يكون ممكنا قبل 1789 ؟” . لقد ولد شعب جديد في هذه الأثناء , تماما كما نرى اليوم شعبا جديدا يولد إلى الحياة في روسيا و تركيا .
بفضل هذه الولادة الجديدة كانت فرنسا قادرة على الاستمرار في حروبها في ظل جمهورية نابليون و أن تحمل مبادئ الثورة العظمى إلى سويسرا , إيطاليا , إسبانيا , بلجيكا , هولندا , ألمانيا و حتى حدود روسيا . و عندما بعد هذه الحروب , بعد أن نتابع الجيوش الفرنسية إلى مناطق بعيدة مثل مصر و موسكو , عندما نتوقع أن نجد فرنسا في عام 1815 و قد أصبحت ترزح في بؤس مخيف و قد أصبحت أراضيها بورا , نجد عوضا عن ذلك أنه حتى في المناطق الشرقية و في جورا , أن الريف ( البلد ) مزدهر أكثر بكثير مما كان عليه عندما قام بيتشيون , مشيرا إلى لويس 16 , عند الضفاف الفاخرة للمارن , عندما سأله فيم إذا كان هناك في أي مكان في العالم مملكة أجمل من تلك التي لم يكن الملك راغبا بالحفاظ عليها .
هكذا كانت الطاقة الداخلية ( الموجودة في الذات ) التي خلقتها الثورة في القرى , بحيث أن فرنسا في عدة سنوات أصبحت بلد الفلاحين الأثرياء ( المرتاحين ) و سرعان ما اكتشف أعداؤها أنه على الرغم من كل الدم الذي قدمته و الخسائر التي تعرضت لها , فإن فرنسا فيما يتعلق بإنتاجيتها , كانت أغنى بلد في أوروبا . لكن ثروتها لم تأت من الأنديز أو من تجارتها الخارجية : لقد جاءت من تربتها نفسها , من حبها لهذه التربة , من مهارتها و صناعتها . كانت أغنى بلد , بسبب تقسيم ثروتها و و ما زالت الأغنى بسبب الإمكانيات التي فتحتها الثورة أمامها فيما يتعلق بالمستقبل .
هكذا كان تأثير الثورة . و إذا رأى المراقب العادي في فرنسا النابليونية حب المجد فقط , فإن المؤرخ يدرك أنه حتى عندما شنت فرنسا الحرب في تلك الفترة فإنها قد فعلت ذلك لكي تضمن الحفاظ على ثمار ( نتائج ) الثورة – لكي تحافظ على الأرض التي أخذتها من الإقطاعيين , و القساوسة و الأغنياء , و على الحريات التي انتزعتها من الاستبداد و البلاط . لو أن فرنسا كانت راغبة في تلك السنوات بأن تنزف حتى الموت فهذا كان لكي تمنع الألمان و الانكلز و الروس من فرض لويس ال 18 عليها , هذا لأنها لم ترغب في عودة النبلاء المهاجرين الذي كان سيعني أن النبلاء الموالين للملكية سيستردون الأرض التي رويت بالفعل بعرق الفلاحين , و سيلغون الحريات التي عمدت بدماء الوطنيين . و قد قاتلت فرنسا جيدا بالفعل طوال 23 سنة , و عندما أجبرت في النهاية على الخضوع لآل بوربون , كانت هي التي فرضت شروطها عليهم . استعاد البوروبون السلطة لكن الأرض بقيت بيد من استولوا عليها من أيدي الإقطاعيين , بحيث أنه حتى في أثناء الإرهاب الأبيض لآل بوربون لم يتجرؤوا أبدا على لمس هذه الأرض . لم يكن من الممكن إعادة النظام القديم ثانية .
كان هذا ما جرى كسبه من صنع ثورة كهذه .
هناك أشياء أخرى يجب الإشارة إليها . ففي تاريخ كل الشعوب يأتي وقت عندما يتحتم أن يجري تغيير جذري في كل الحياة الوطنية . كان الطغيان الملكي و الإقطاعية يموتان في عام 1789 , و كان من المستحيل إبقاءهما على قيد الحياة , كان عليهما أن يذهبا .
لكن بعد ذلك , فتح أمام فرنسا طريقان : الإصلاح أو الثورة .
في أوقات كهذه هناك دائما لحظة ما يزال الإصلاح فيها ممكنا , لكن إذا لم يتم استثمار تلك اللحظة , و إذا استمرت المقاومة الصلبة ( العنيدة ) معارضة متطلبات الحياة الجديدة , حتى اللحظة التي يبدأ فيها الدم يسيل في الشوارع , كما سال في 14 يوليو تموز 1789 ( يوم الاستيلاء على الباستيل – المترجم ) , عندها يجب أن تحدث الثورة . و ما أن تبدأ الثورة , حتى يصبح ضروريا أن تتطور لتصل إلى أبعد نتائجها – أي كما يمكن القول إلى أقصى نقطة يمكن أن تبلغها – و ذلك بشكل مؤقت فقط , في ظرف محدد معطى من الوعي الجماعي في تلك اللحظة .
إذا مثلنا التقدم البطيء لفترة التطور بخط يرسم على الورق , سنرى هذا الخط يرتفع تدريجيا و إن ببطء . بعدها تقع الثورة و يقوم عندها هذا الخط بقفزة مفاجئة للأعلى . في انكلترا سيكون الخط صاعدا حتى الجمهورية البوريتانية لكرومويل , في فرنسا سيرتفع حتى جمهورية أصحاب السراويل الطويلة لعام 1793 . لكن عند هذا الارتفاع لا يمكن المحافظة على التقدم , كل القوى المعادية ستجتمع معا ضده , و ستبدأ الجمهورية بالتراجع . خطنا سيبدأ بالانحدار بعد أن يكون قد وصل أقصى ارتفاعه , مع الردة الرجعية . بالنسبة للحياة السياسية في فرنسا فقد انحدر هذا الخط جدا بالفعل , لكنه يبدا بالصعود تدريجيا بعد ذلك , و عندما سيتم التوصل إلى السلم في عام 1815 في فرنسا , و في 1688 في انكلترا – سنجد أن كلا البلدين قد بلغا مستوى أعلى بكثير مما كانا عليه قبل ثورتيهما .
بعد ذلك , يستأنف التطور : يبدأ خطنا بالارتفاع ببطء و لكن إلى جانب أنه يبدأ من مستوى مرتفع جدا , فإن صعود الخط سيكون أسرع في كل حالة تقريبا مما كان عليه قبل فترة الاضطراب .
هذا هو قانون التقدم الإنساني , و أيضا قانون التقدم الفردي . يؤكد التاريخ الأقرب لفرنسا هذا القانون بإظهار كم هو ضروري أن نمر عبر الكومونة لنصل إلى الجمهورية الثالثة .
لا يقتصر عمل ( إنجاز ) الثورة الفرنسية فقط على ما حققته و ما بقي من هذا في فرنسا . بل سنجده أيضا في المبادئ التي أورثتها للقرن التالي – في الاتجاه الذي وجهت المستقبل نحوه .
إن الإصلاح هو دائما مساومة مع ( تنازل تجاه ) الماضي , لكن التقدم الذي يتحقق من خلال الثورة هو دائما وعد بتقدم مستقبلي . لو أن الثورة الفرنسية العظمى كانت تلخيصا لتطور استمر قرنا من الزمان , فإنها كانت بدورها برنامج التطور الذي كان يتعين إنجازه في سياق القرن 19 .
إن هذا هو قانون في تاريخ العالم أن تمر فترة 100 أو 130 عاما , تقريبا , تفصل بين ثورتين عظيمتين , تأخذ طابعها من الثورة التي بدأت هذه المرحلة بها . تسعى الشعوب لكي تحقق في مؤسساتها الإرث الذي ورثته من الثورة الأخيرة . كل الأشياء الجديدة التي لم يمكن وضعها بعد في الممارسة ( في التطبيق ) , كل الأفكار العظيمة التي جرى تداولها أثناء الاضطراب الأخير , و التي استطاعت الثورة أو لم تستطع أن تعرف كيف تطبقها , كل محاولات إعادة البناء الاجتماعية , التي ولدت أثناء الثورة , ستشكل مادة التطور أثناء الفترة التي ستتلو الثورة , مع إضافة تلك الأفكار الجديدة التي سيخلقها هذا التطور , عندما يحاول أن يضع في الممارسة البرنامج الذي حددته الثورة الأخيرة . عندها , ستقع هناك ثورة جديدة في شعب آخر , و هذا الشعب بدوره سيحدد المشاكل التي يجب حلها في القرن التالي . هكذا هو اتجاه التاريخ .
انتصاران عظيمان ميزا القرن الذي مر منذ 1789 – 1793 . كلاهما يدينان بأصلهما إلى الثورة الفرنسية , التي واصلت عمل الثورة الانكليزية فيم ضخمته و عززته بكل التقدم الذي صنعته منذ أن قامت الطبقات الوسطى الانكليزية بقطع رأس ملكها و نقل سلطته إلى البرلمان . هذان الانتصارين الكبيرين هما : إلغاء القنانة و إلغاء الملكية المطلقة , انتزع الفرد من خلالهما حرياته الشخصية , التي لم يكن القن يحلم بها في ظل الإقطاعي و لا التابع الخاضع للملك المطلق , بينما أدت في نفس الوقت إلى تطور الطبقات الوسطى و النظام الرأسمالي .
يمثل هذين الإنجازين العمل المبدئي للقرن 19 , الذي بدأ في فرنسا في عام 1789 و انتشر ببطء في كل أوروبا على امتداد القرن .
تحرير العبيد , الذي بدأه الفلاحون الفرنسيون في 1789 استمر في إسبانيا , إيطاليا , سويسرا , ألمانيا و النمسا من قبل جيوش ذوي السراويل الطويلة . لسوء الحظ بالكاد وصل هذا العمل إلى بولندا و لم يتمكن من الوصول إلى روسيا على الإطلاق .
إلغاء القنانة في أوروبا كان سيكتمل في النصف الأول من القرن 19 لو أن البرجوازية الفرنسية التي وصلت إلى السلطة في عام 1794 على أجساد و جثث اللاسلطويين ( كرس كروبوتكين فصلا من كتابه عن تاريخ الثورة الفرنسية العظمى عن اللاسلطويين فيها – المترجم ) , . Cordeliers( أعضاء جمعية سياسية فرنسية راديكالية – المترجم ) , اليعاقبة ( نسبة للنادي اليعقوبي 1789 – 1794 , ثوريون برجوازيون فرنسيون كانوا من دعاة جمهورية شديدة المركزية و عملوا على تحقيق أهدافهم غالبا بأساليب تآمرية , يعتبرون أسلاف الراديكاليين السلطويين فيما بعد – المترجم ) , لم تكبح الاندفاع الثوري , و تعيد الملكية و تسلم فرنسا إلى المشعوذ الإمبريالي نابليون الأول . هذا الذي كان في السابق من ذوي السراويل الطويلة ذات يوم , و الذي أصبح الآن جنرالا على ذوي السراويل الطويلة هؤلاء , بدأ بونابرت هذا بسرعة بدعم الأرستقراطية , لكن الدفعة كانت قد حدثت بالفعل , و كانت مؤسسة القنانة قد تلقت ضربة مميتة بالفعل . حيث ألغيت في إسبانيا و إيطاليا على الرغم من الانتصار المؤقت للرجعية . و تعرضت لضغط قوي في ألمانيا بعد عام 1811 و اختفت من هذا البلد تماما في عام 1848 . في 1861 أجبرت روسيا على تحرير أقنانها , و وضعت الحرب الأولى لعام 1878 نهاية للقنانة في شبه جزيرة البلقان .
اكتملت الآن الحلقة . لم يعد حق أصحاب الأراضي ( الإقطاعيين ) على شخص الفلاح موجودا في أوروبا , حتى في تلك البلدان التي جرى فيها التعويض عن المستحقات الإقطاعية .
هذه الحقيقة لا يقدرها المؤرخون بشكل كاف . كونهم منشغلين بالمسائل السياسية , فإنهم لم يفهموا أهمية إلغاء القنانة , التي كانت الميزة الضرورية للقرن 19 . المنافسة بين الشعوب ( الأمم ) و الحروب التي نتجت عنها , سياسات القوى العظمى التي تحتل الكثير جدا من اهتمام المؤرخ , جميعها نشأت من حقيقة واحدة عظمى – و هي إلغاء القنانة و تطور نظام العمل المأجور الذي حل مكانها .
الفلاح الفرنسي ( الذي حرر نفسه ) في ثورته قبل 120 عاما ضد الإقطاعي الذي كان يفرض عليه أن يضرب الاشجار كيلا يزعج نقيق الضفادع نوم سيده , قد حرر أيضا فلاحي أوروبا كلها . في 4 أعوام فقط أولا بإحراقه الوثائق التي تسجل خضوعه , ثم بإحراقه القلاع و بإعدامه ملاك الأرض ( الإقطاعيين ) الذين رفضوا الاعتراف بحقوقه كإنسان , كان الفلاح الفرنسي يؤثر في أوروبا كلها التي أصبحت جميعها اليوم حرة من مهانة ( ذل ) القنانة .
من جهة أخرى احتاج إلغاء السلطة المطلقة لأكثر قليلا من مائة عام ليعم أوروبا كلها . هوجمت لأول مرة في انكلترا في عام 1648 , و هزمت في فرنسا في عام 1789 لم تعد السلطة الملكية التي تقوم على الحق الإلهي آمنة في روسيا نفسها , فهناك أيضا هي في نزاعها الأخير . حتى دول البلقان الصغيرة و تركيا لديها الآن جمعيات تمثيلية , و روسيا تدخل نفس الدورة أيضا .
في هذا الصدد حققت ثورة 1789 – 1793 أيضا عملها . احتلت المساواة أمام القانون و الحكومة التمثيلية الآن مكانهما في كل تشريعات أوروبا . نظريا على الأقل لا يميز القانون بين البشر و لكل شخص الحق في المشاركة في الحكومة . لقد اختفى الملك – السيد المطلق على أتباعه , و الإقطاعي – السيد على أرضه و فلاحيه , بحق الولادة . إن الطبقات الوسطى تحكم أوروبا اليوم .
لكن في نفس الوقت ورثتنا الثورة العظمى بعض المبادئ الأخرى ذات أهمية أكبر بشكل لا يقارن , هي مبادئ الشيوعية . رأينا كيف أن الأفكار الشيوعية بقيت طوال الثورة العظمى تتقدم نحو المقدمة , و كيف أنه بعد سقوط الجيرونديين ( خصوم اليعاقبة و أنصار الحلول الأقل راديكالية و ثورية , هم من شجعوا بونابرت على تنفيذ انقلاب عسكري ضد الجمهورية و سهلوا نجاحه – المترجم ) جرت محاولات عديدة و أحيانا محاولات عظيمة في هذا الاتجاه . تنحدر الفوريية ( نسبة للاشتراكي الفرنسي شارل فورييه 1772 – 1837 , اشتراكي “طوباوي” فرنسي – المترجم ) بشكل مباشر من لانغي من جهة و من شاليير ( جوزيف شاليير 1747 – 1793 , يعقوبيا يساريا , أعدم عام 1793 – المترجم ) من جهة أخرى . كان بابوف ( فرانسو نويل – بابوف , 1760 – 1797 , منظر و سياسي و محرض فرنسي شيوعي , عارض اتجاهات حكومة المديرين و الردة الرجعية التي سبقتها , أعدم لدوره في مؤامرة EQUALS , الداعين إلى المساواة , وصف غودوين بارمبي أفكار بابوف بالشيوعية لأول مرة , يعتبر بابوف من أوائل الشيوعيين السلطويين – المترجم ) وريثا مباشرا للأفكار الذي أثرت في الجماهير بحماسة في عام 1793 , هو و بوناروتي ( فيليب بروناروتي 1761 – 1837 , اشتراكي إيطالي “طوباوي” , كلفه الثوريون الفرنسيون بتنظيم الثوريين الإيطاليين في فرنسا , اعتقل لمشاركته في مؤامرة الداعين إلى المساواة و نفي من فرنسا ليعود إليها بعد ثورة 1830 , أثر في بلانكي الاشتراكي السلطوي الفرنسي المعروف – المترجم ) و سيلفيان ماريشال ( 1750 – 1803 , شيوعي “طوباوي” , ملحد و مدافع عنيد عن الفقراء , لم يشارك في الصراع بين اليعاقبة و الجيرودنديين , شارك في مؤامرة الداعين إلى المساواة – المترجم ) قاموا فقط بتنظيمها ( منهجتها ) قليلا أو صاغوها في شكل أدبي فقط . لكن الجمعيات السرية التي نظمها بابوف و بوناروتي كانت هي أصل الجميعات الشيوعية المادية السرية التي نظم من خلالها بلانكي و باربيس مؤامراتهما ضد الملكية البرجوازية للويس فيليب . فيما بعد في عام 1866 ظهرت جمعية العمال العالمية الأممية كنتيجة مباشرة عن هذه الجميعات . إن “الاشتراكية” كما نعرفها اليوم , لقد أخذ هذا اللفظ يروج لتفادي كلمة “الشيوعية” التي أصبحت خطيرة لأن الجمعيات الشيوعية السرية الأولى هي جمعيات فعل و قد قمعتها البرجوازية التي كانت يومها في السلطة بقوة .
هناك لذلك صلة مباشرة بين مجموعة الغاضبين لعام 1793 ( مجموعة راديكالية على يسار اليعاقبة , آمنوا بالحرية للجميع في مواجهة الحريات الدستورية , دعمهم ذوي السراويل الطويلة – بروليتاريا المدن , بينما حاربوا ديكتاتورية روبسبير , سحقوا في فترة الردة الرجعية و الإرهاب الأبيض , فيما بعد أطلقت مجموعة من طلاب جامعة نانتير في فرنسا هذا الاسم عليها في عام 1968 – المترجم ) و مؤامرة بابوف عام 1795 و جمعية العمال العالمية الأممية بين عامي 1866 – 1878 .
هناك أيضا تتال مباشرة لأفكار أخرى . حتى الآن لم تضف الاشتراكية المعاصرة أي شيء على الإطلاق للأفكار التي انتشرت بين الفرنسيين ما بين عامي 1789 و 1794 , و التي حاولت أن تضعها موضع التطبيق في السنة الثانية من حكم الجمهورية . لقد نظمت ( منهجت ) الاشتراكية المعاصرة فقط هذه الأفكار و وجدت حججا في صالحها , إما بأن تحول ضد اقتصاديي الطبقة الوسطى بعضا من تعريفاتهم هم أنفسهم , أو بتعميم حقائق معينة لوحظت في سياق تطور الرأسمالية الصناعية في القرن 19 .
لكني أسمح لنفسي بالقول أيضا أنه مهما قد تكون غامضة و مهما كان محدودا الدعم الذي حصلت عليه من الحجج التي كانت ترتدي لباسا علميا و مهما كان محدودا استخدامها للغة العلمية العامية الكاذبة لاقتصاديي الطبقة الوسطى , فإن الشيوعية الشعبية للسنتين الأوليتين من الجمهورية كانت أكثر وضوحا , و ذهبت أعمق في تحليلها مما فعلت الاشتراكية المعاصرة .
و قبل أي شيء , كانت الشيوعية توجد في استهلاك ضرورات الحياة – و ليست في الإنتاج فقط , كان جمعنة ( جعله كومونيا ) و تأميم ما يعرفه الاقتصاديون بالاستهلاك – التي ركز جمهوريو 1793 اهتمامهم عليها , عندما حاولوا إقامة مخازن الحبوب و المؤن في كل كومونة , و عندما مضوا قدما في البحث الهائل لإيجاد القيمة الحقيقة للأشياء ذات الضرورة الأولوية و الثانوية و تثبيت تلك القيمة , و عندما ألهموا روبسبير ( 1758 – 1794 , برجوازي يساري سلطوي , قاد فترة الإرهاب المعادي للرجعية التي انتهت بإعدامه – المترجم ) ليعلن أن الغذاء الوفير فقط يجب أن يصبح موادا للتجارة , و أما هو ضروري فهو ملك للجميع .
بينما ولدت من الضرورات الضاغطة لتلك السنوات الصعبة , فإن شيوعية 1793 , مع تأكيدها على حق الجميع في البقاء ( المعيشة ) و في الأرض لينتجوا منها , و رفضها لحق أي شخص في أن يملك من الأرض أكثر مما يمكنه و أسرته أن يزرعها – أي ليس أكثر من مزرعة تبلغ مساحتها 120 هكتار – و محاولتها جمعنة كل التجارة و الصناعة – هذه الشيوعية ذهبت بشكل أكثر استقامة إلى قلب الأشياء من برامج الحد الأدنى في وقتنا , أو حتى من كل المقدمات القصوى لهذه البرامج * .
في كل الأحوال , ما نتعلمه اليوم من دراسة الثورة العظمى هو أنها كانت مصدر و منشأ كل المفاهيم الشيوعية , اللاسلطوية و الاشتراكية الحالية . لقد فهمنا على نحو سيء فقط أمنا المشتركة , و لكننا وجدناها اليوم ثانية وسط أصحاب السراويل الطويلة , و نرى أنه علينا أن نتعلم من دراستها .
لقد تطورت الإنسانية عبر مراحل متتالية و كانت علامة هذه المراحل لمئات عدة من السنين هي الثورات الكبرى . بعد هولندا جاءت انكلترا و ثورتها بين 1648 – 1657 , و بعدها كان الدور على فرنسا . كل ثورة كبرى كان فيها , إلى جانب سابقاتها , شيء خاص بها و أصلي . لقد ألغت كلا من انكلترا و فرنسا الملكية المطلقة . لكن عندما قامت انكلترا بذلك كانت مهتمة أساسا بالحقوق الفردية للفرد خاصة فيما يتعلق بأمور الدين , إضافة إلى الحقوق المحلية لكل أبرشية و تجمع . فيما يتعلق بفرنسا فقد ركزت اهتمامها على مسألة الأرض , و على الإطاحة النهائية بالنظام الإقطاعي و ضربت أيضا الثروات الكبيرة , و قدمت للعالم فكرة تأميم الأرض و تأميم التجارة و الصناعات الرئيسية .

( * ) أي من الشعوب سيأخذ على عاتقه المهمة المرعبة لكن المجيدة للثورة العظمى القادمة ؟ قد يعتقد المرء أن الدور سيكون على روسيا . لكن إذا كان عليها أن تدفع ثورتها أبعد من حدود القوة الإمبريالية , فعليها أن تقارب مسألة الأرض بروح ثورية – كم ستذهب بعيدا في ذلك ؟ هل ستعرف كيف تتجنب الخطأ الذي وقعت بها الجمعيات الفرنسية , و هل ستجمعن الأرض و تعطيها لأولئك الذين يريدون زراعتها بأيديهم ؟ نحن لا نعرف : إن أي جواب على هذا السؤال ينتمي إلى مجال التنبؤ فقط .
( * ) هناك شيء واحد أكيد , هو أنه أيا تكن الشعوب التي ستدخل في مسار الثورة في يومنا هذا , فإنها ستكون وريثة لكل ما فعله أسلافنا في فرنسا . إن الدم الذي أراقوه أريق في سبيل الإنسانية – و المعاناة التي تحملوها كانت ولادة لكل الجنس البشري بأسره , لقد أصبحت نضالاتهم , الأفكار التي قدموها للعالم , و الصدمة التي سببتها هذه الأفكار كلها أصبحت جزءا من إرث البشرية بأسرها . جميعها حملت ثمارا و ما تزال تحمل , ثمارا أحلى , و مع تقدمنا نحو الآفاق العريضة التي فتحتها أمامنا, حيث تضيء هذه الكلمات مثل مشعل يدل على الطريق : الحرية , المساواة و الإخاء .
نقلا عن http://dwardmac.pitzer.edu/anarchist_archives/kropotkin/frenchrev/conclusion.html

الأحد، 19 يونيو 2011

كيف تبدأ مجموعة أناركية - مازن كم الماز


كيف تبدأ مجموعة أناركية
ترجمة وتحرير : مازن كم الماز



بتصرف عن موقع libcom.org

هناك 4 أشياء ضرورية لبناء منظمة فاعلة :
1-       
الأشخاص :
ليكون لديك مجموعة تحتاج لأكثر من شخص وفي الواقع لخمسة أشخاص على الأقل قبل أن تكون المجوعة قابلة للاستمرار . لسوء الحظ أن الخطوة التالية التي تقوم بها أغلب المجموعات هي إقامة مجموعات تتضمن كل ناشط أناركي في المنطقة – المدينة الخ أو كل من يسمي نفسه أناركيا أو يقبل الانضمام إلى مجموعة أناركية . قد يبدو هذا منطقيا لكن المشاكل تظهر عندما ننظر إلى الأشياء الأخرى المطلوبة أو الضرورية لإقامة المنظمة.
2-       السياسة :
لتكون المجموعة مؤثرة أو فاعلة يجب أن يكون لديها فكرة واضحة عما تناضل في سبيله و ليس فقط عمن تناضل ضده . يجب أن يتفق الأعضاء على أفضل التكتيكات التي ستستخدم و أن يلتزم كل عضو بتلك السياسة و التكتيكات .
3-       المال :
لكي تنشط المجموعة فإنها تحتاج إلى جريدة , منشورات , مكان للاجتماع , إلى نقود لترسل مشنوراتها بالبريد مثلا و غير ذلك من المواد الضرورية لنشاطها . أما طرق معالجة هذه النقطة فهي :
1)       تجاهلها، الذي يعني أن تلك الأشياء التي تحدثنا عنها ستنفذ فقط إذا توفر من يمولها . هذا قد يكون شائعا لكنه يعني أن العمل المطلوب لن ينجز أو أنه يعطي نفوذا أكبر لمن يقدم التمويل.
2)       تنظيم فعاليات يمكن من خلالها الحصول على المال – كمطبعة مثلا يمكن من خلالها طباعة مواد مختلفة مقابل بعض المال , لكن هذا سينتهي بضياع الكثير من الوقت و الموارد الهامة .
3)       اشتراكات الأعضاء : هذا ما تستخدمه أغلب المجموعات . كأن يتبرع كل عضو بــ 5 % مثلا من دخله كل شهر أو أسبوع . يستفاد من هذا المال في شراء الورق , الصحف و المجلات , المنشورات , أو طباعتها , و أحيانا أيضا لتنقلات الأعضاء للمشاركة في مظاهرات أو مسيرات بعيدة .

4-       الالتزام :
حجم العمل الذي سيفعله كل عضو و المال الذي سيتبرع به يعتمد على شعوره بضرورة وجوده في المنظمة و راحته فيها (مع بقية أعضائها و مع سياساتها و نشاطاتها) . قد يشعر البعض مثلًا أنه يستغل أو أن الآخرين غير راغبين بالمشاركة بنفس الدرجة من الالتزام. لكن صحيح أيضًا أن درجة الالتزام تعتمد على كم يتفق الأعضاء مع ما تراه المجموعة أو المنظمة و ما تفعله و ما تقوله, من السهل الاحتفاظ بالكثير من الأعضاء عندما تقوم المجموعة أو المنظمة بالكثير من الأعمال بالفعل , لكن هذا صعب في الأوقات بين الفعاليات أو النشاطات الكبرى.
البعض يفضل المجموعات صغيرة العدد ذات الالتزام العالي على المجموعات واسعة العضوية التي تريد أن تضم أكبر عدد ممكن.
كبداية, جد 4 أو 5 أشخاص آخرين مستعدين أو راغبين في القيام بشيء ما جدي. مع الوقت يمكن للمجموعة ذات الالتزام العالي أن تضم أعدادًا كبيرة من الأشخاص ومن الناشطين والمهتمين لكن العكس ليس صحيحًا, أي أن المجموعات الكبيرة لن تتحول بالضرورة إلى مجموعات عالية الالتزام. يمكنك التعرف على مثل هذا العدد أو حتى أكثر إذا قمت مثلًا بتوزيع منشورات أناركية سواء في حيك أو أثناء مظاهرة ما, و كتابة عنوانك عليها . اصنع علمًا أو لافتة. شارك في المظاهرات في حيك أو مدينتك أو ادع إلى لقاء عام حول قضية تهم مجتمعك. ما أن يكتمل العدد (4 أو 5 أعضاء) استعد لقضاء سنتين من العمل قبل أن تفكروا أو تبدأوا بالتوسع. اتفقوا على اشتراكات العضوية و شروطها  اكتبوا المواقف المشتركة التي تتفقون عليها و إستراتيجيتكم للمشاركة في نضال محيطكم و للدعاية الأناركية. ابدؤوا بنشر جريدة عن هذه المواضيع. انشروها من خلال المعارض و المظاهرات و الاجتماعات الجماهيرية. شارك مع أعضاء مجموعتك في نضال مجتمعكم المحلي و اعملوا على تطوير الاحترام لمجموعتكم على أنكم ناشطون جيدون و تحملون أفكارًا جيدة. لا تركزوا فقط على الحديث مع الأناركيين بل مع الناشطين و أفراد المجتمع المحلي عموما. اتصلوا بالمجموعات الأناركية الوطنية أو المحلية الأخرى و سافروا للمشاركة في المظاهرات و المؤتمرات القريبة. اصنعوا راية أو علمًا لتستخدموه أثناء هذه المظاهرات. تحتاجون قبل كل شيء للصبر, هناك مشكلة كبرى في ظاهرة "يجب أن تقع الثورة في الغد" حيث يتوقع الناشطون الكثير و بالتالي يصابون بالإحباط عندما لا تتحقق هذه الآمال. لا تتوقفوا عن العمل لكن توقعوا أن تسير الأمور ببطء, و كما قلنا مسبقًا, من المحتمل أن تمر سنتين قبل أن يؤتي نشاطكم مردودًا جيدًا.

الجمعة، 3 يونيو 2011

الشيوعية التحررية : كمبدأ اجتماعي , من مانيفستو الشيوعية التحررية لجورجيس فونتينس







الشيوعية التحررية : كمبدأ اجتماعي
من مانيفستو الشيوعية التحررية لجورجيس فونتينس
ترجمة مازن كم الماز


كان ذلك في القرن 19 عندما كانت الرأسمالية تتطور و عندما وقعت النضالات الطبقية الأولى للطبقة العاملة – و لنكن أكثر دقة كان ذلك في الأممية الأولى ( 1861 – 1871 ) – عندما ظهر مبدأ اجتماعي سمي "بالاشتراكية الثورية" ( في معارضة الاشتراكية الإصلاحية أو الدولتية الشرعية ) . عرف أيضا ب"الاشتراكية المناهضة للسلطوية" أو "الجماعية" و فيما بعد "باللاسلطوية" ( الأناركية ) , "بالشيوعية اللاسلطوية" ( الأناركية ) , و "الشيوعية التحررية" .
ظهر هذا المبدأ , أو النظرية , كرد فعل من العمال الاشتراكيين المنظمين . و ارتبط في كل الأحداث بالصراع الطبقي الذي كان يزداد حدة بشكل متزايد . إنه نتاج تاريخي نشأ عن ظروف محددة في التاريخ , من تطور المجتمعات الطبقية – و ليس من خلال النقد المثالي لقلة من المفكرين المحددين .
دور مؤسسي هذا المبدأ , خاصة باكونين , كان التعبير عن المطامح الفعلية للجماهير , عن ردود أفعالها و تجاربها , و ليس خلق مصطنع لنظرية تقوم على التحليل المثالي المجرد أو على نظريات سابقة عليها . باكونين – و معه جيمس غويلاوم – و من بعدهم كروبوتكين , ريكلوس , ج . غريف , مالاتيستا و آخرون – بدؤوا بدراسة وضع ( حالة ) اتحادات العمال و الأجهزة القائمة , كيف نظم هؤلاء العمال أنفسهم و كيف حاربوا ( أعداءهم الطبقيين ) .
إن حقيقة ظهور اللاسلطوية ( الأناركية ) في خضم الصراعات الطبقية شيء لا خلاف عليه .
كيف إذن ساد اعتقاد بأن اللاسلطوية ( الأناركية ) هي فلسفة , أخلاق مستقلة عن الصراع الطبقي , أو أنها شكل من النزعة الإنسانية مفصولة عن الظروف التاريخية و الاجتماعية ؟
رأينا عدة أسباب لهذا . من جهة أراد أوائل المنظرين اللاسلطويين ( الأناركيين ) أحيانا أن يعتمدوا على آراء الكتاب و الاقتصاديين و المؤرخين الذين سبقوهم ( خاصة برودون , الذي عبر في الكثير من كتاباته عن آراء لاسلطوية ( أناركية ) من دون أي شك ) .
المنظرون الذين جاؤوا بعدهم وجدوا أحيانا عند كتاب مثل لا بوتي , سبنسر , غودوين , شتيرنر , الخ , آراءا تشبه الآراء اللاسلطوية ( الأناركية ) – بمعنى أنهم أعربوا عن معارضتهم لأشكال المجتمعات الاستغلالية و لمبادئ الهيمنة التي اكتشفوها فيها . لكن نظريات غودوين , شتيرنر , توكر و البقية كانت محض ملاحظات عن المجتمع – فهم لم يأخذوا التاريخ و القوى التي تحدده بالاعتبار , أو الظروف الموضوعية التي تفرض مشكلة الثورة .
من جهة أخرى , في كل المجتمعات التي تقوم على الاستغلال و الهيمنة كان هناك دائما أفعال فردية أو جماعية للتمرد , أحيانا بمضمون شيوعي و فيدرالي أو ديمقراطي حقيقي . نتيجة لذلك فهمت اللاسلطوية ( الأناركية ) في بعض الأحيان كتعبير عن نضال الشعوب ( الجماهير ) الأزلي في سبيل الحرية و العدالة – كفكرة غامضة , تقوم بشكل غير كافي على علم الاجتماع ( السوسيولوجيا ) أو التاريخ , و مال البعض لتحويل اللاسلطوية ( الأناركية ) إلى ( فكرة ) إنسانية غامضة تقوم على أفكار مجردة من "الإنسانية" و "الحرية" . كان المؤرخون البرجوازيون لحركة الطبقة العاملة مستعدين دوما لخلط الشيوعية اللاسلطوية ( الأناركية ) بانظريات الفردانية و المثالية , و هم مسؤولون لحد كبير عن هذا الخلط ( التشوش ) . هم الذين حاولوا أن يجمعوا شتيرنر و باكونين معا .
مع نسيان ظروف ولادة اللاسلطوية ( الأناركية ) فإنها تختزل أحيانا إلى نوع من الليبرالية المتطرفة و تفقد طبيعتها المادية , التاريخية و الثورية .
لكن بأي مقياس , حتى لو أن الثورات السابقة للقرن 19 و أن أفكار بعض المفكرين ( السابقين ) عن العلاقات بين الأفراد و المجموعات الإنسانية قد أعدت الطريق بالفعل أمام اللاسلطوية ( الأناركية ) , فلم تكن هناك لاسلطوية ( أناركية ) و لا مبدأ بهذا الاسم حتى باكونين .
تعبر أعمال غودوين مثلا عن وجود المجتمع الطبقي بشكل جيد , حتى لو أنها فعلت ذلك بطريقة مثالية و مشوشة . و اغتراب ( استلاب ) الفرد من قبل المجموعة , العائلة , الدين , الدولة , الأخلاق و الخ , هو بالتأكيد من طبيعة اجتماعية , هو بالتأكيد تعبير عن مجتمع ينقسم إلى طبقات أو فئات .
يمكن القول أن مواقف , أفكار , طرق سلوك الناس الذين يمكن أن نسميهم متمردين , غير متكيفين , أو لاسلطويين ( أناركيين ) بمعنى غامض للكلمة قد وجدت دائما .
لكن الصياغة المتماسكة لنظرية شيوعية لاسلطوية ( أناركية ) تعود لنهاية القرن 19 و قد استمرت كل يوم مكملة نفسها و لتصبح أكثر دقة ( تحديدا ) .
لذلك لا يمكن استيعاب اللاسلطوية ( الأناركية ) في فلسفة أو أخلاق فردية أو مجردة .
لقد ولدت في الاجتماعي و منه , و كان عليها ان تنتظر فترة تاريخية محددة و مستوى محدد من التناقض الطبقي لكي تكشف التطلعات الشيوعية اللاسلطوية ( الأناركية ) عن نفسها بوضوح لكي تنتج الظاهرة أو الثورة بمفهوم متماسك و ثوري بالكامل .
بما أن اللاسلطوية ( الأناركية ) ليست فلسفة أو أخلاق مجردة فلا يمكنها لذلك أن تقدم نفسها لشخص مجرد , لشخص ما بالعموم . لأنه بالنسبة للاسلطوية ( الأناركية ) لا يوجد في مجتمعاتنا إنسان فقط : هناك الشخص المستغل من الطبقات المنهوبة و الشخص من المجموعات صاحبة الامتيازات , من الطبقة المهيمنة . لكي نتحدث عن الشخص ( الفرد , الإنسان ) يعني الوقوع في خطأ أو في مغالطة الليبراليين الذن يتحدثون إلى "المواطن" دون أن يأخذوا بالاعتبار الظروف الاقتصادية و الاجتماعية للمواطنين . و لأن الحديث عن الفرد بالعموم بينما يجري تجاهل حقيقة أن هناك طبقات و أن هناك صراع طبقي , بينما يرضي المرء نفسه بأقوال بلاغية جوفاء عن الحرية و العدالة – بمعنى عام و بأحرف كبيرة – يعني السماح لكل الفلاسفة البرجوازيين , الذين يبدون كليبراليين في الظاهر لكنهم في الواقع محافظون أو  رجعيون , بالنفوذ إلى اللاسلطوية ( الأناركية ) , لحرفها إلى نزعة إنسانية غامضة , لتشويه المبدأ و المنظمة و المناضلين . كان هناك زمن , و لنكن منصفين ما تزال هذه هي الحالة في بعض البلدان و في داخل بعض المجموعات , عندما انحطت اللاسلطوية ( الأناركية ) إلى إراقة دموع النزعة المسالمة المطلقة ( البحتة ) أو إلى شكل من التعاطف المسيحي . كان يجب الرد على هذا و تبدأ اللاسلطوية ( الأناركية ) الآن بمهاجمة العالم القديم بشيء آخر غير الأفكار ..
إنه فقط بالنسبة للبروليتاريا المنهوبة و المستغلة , العمال و الفلاحون , أصبحت اللاسلطوية ( الأناركية ) مبدأ اجتماعي و أسلوب ثوري – لأن الطبقة المستغلة فقط , كقوة اجتماعية , يمكنها القيام بالثورة .
هل نعني بهذا أن الطبقة العاملة تشكل طبقة من المخلصين ( المسيح = المخلص ) , و أنه لدى المستغلين رؤية واضحة خاصة , و حتى نوعية جيدة و أنهم من دون أخطاء ؟ إن هذا سيعني السقوط في عبادة ( تأليه ) العامل , إلى نوع جديد من الميتافيزيقا .
لكن الطبقة المستغلة و المستلبة , المخدوعة و المغشوشة , أي البروليتاريا – مأخوذة في معناها الأوسع و مشكلة من الطبقة العاملة المعرفة جيدا ( التي تتألف من العمال اليدويين الذين يملكون نفسية محددة مشتركة , طريقة محددة للوجود و التفكير ) و بقية العاملين بأجر مثل العمال المكتبيين ( العاملين في الكتابة ) , أو لنضعها بطريقة أخرى جمهور الأفراد الذين وظيفتهم ( مهمتهم ) في الإنتاج و في النظام السياسي هو أن ينفذوا فقط الأوامر و المستبعدين لذلك من السيطرة ( السلطة ) – هذه الطبقة وحدها يمكنها الإطاحة بالسلطة و الاستغلال من خلال موقعها الاقتصادي و الاجتماعي . يمكن فقط للمنتجين أن يحققوا سلطة العمال و ما هي الثورة إن لم تكن الانتفال إلى سلطة كل المنتجين ؟
لذلك فالطبقة البروليتارية هي الطبقة الثورية قبل أي شيء , لأن الثورة التي يمكنها إنجازها هي ثورة اجتماعية و ليس فقط ثورة سياسية – بتحريرها لنفسها فإنها ستحرر الإنسانية , في تحطيمها لسلطة الطبقة صاحبة الامتيازات فإنها ستلغي الطبقات نفسها .
من الأكيد هذه الأيام أنه لا توجد حدود واضحة بين الطبقات . لكن في مراحل مختلفة من الصراع الطبقي حدث هذا التقسيم . لا توجد هناك حدود واضحة بل يوجد هناك قطبان – البروليتاريا و البرجوازية ( الرأسماليون , البيروقراطيون , الخ ) , تنقسم الطبقات الوسطى في فترات الأزمة و تتحرك نحو قطب أو آخر : إنها غير قادرة على أن تقدم الحلول بنفسها لأنها لا تملك الخصائص الثورية للبروليتاريا , و لا تملك السلطة الحقيقية على المجتمع المعاصر مثل البرجوازية كما هو تعريف البرجوازية . مثلا في الإضرابات قد تجد قسما من التقنيين ( خاصة أولئك المتخصصين , أولئك العاملين في أقسام البحث مثلا ) ينضمون إلى الطبقة العاملة بينما تجد قسما آخر ( التقنيون الذين يشغلون مواقعا أعلى و معظم العاملين في مراكز أو مواقع إشرافية أو المراقبة ) يبتعدون عن الطبقة العاملة , على الأقل لبعض الوقت . تعتمد ممارسات النقابات دائما على التجربة و الخطأ , على البراغماتية , على تنظيم أقسام في النقابات و عدم ضم أقسام أخرى بحسب دورها و مهنتها . في كل الأحوال إنها المهنة و الموقف هو الذي يحدد الطبقة أكثر من الراتب فحسب .
هكذا إذن هناك البروليتاريا . هناك الجزء الأكثر إصرار , و نشاطا , منها , أي الطبقة العاملة بالتعريف . هناك أيضا شيء أوسع من البروليتاريا و الذي يشمل طبقات اجتماعية أخرى يجب اجتذابها إلى العمل , هو جمهور الشعب ( الناس ) , الذي يتألف من الفلاحين الصغار , الحرفيين الصغار , و غيرهم إضافة إلى البروليتاريا .
إنها ليست مسألة الوقوع في نوع ما من صوفية البروليتاريا بل في تقدير ( تثمين ) هذه الحقيقة المحددة : البروليتاريا , رغم أنها بطيئة في تطوير وعيها و رغم هزائمها و تراجعاتها , هي في النهاية الخالق الحقيقي الوحيد للثورة .
"فهم ( باكونين ) أنه بما أن البروليتاري , العامل اليدوي , العامل المعروف , هو الممثل التاريخي لآخر نظام عبودي في العالم , فإن انعتاقه هو انعتاق كل إنسان , انتصاره هو الانتصار الأخير ( النهائي ) للإنسانية .." .
يحدث طبعا أن بعض الأشخاص من المجموعات الاجتماعية صاحبة الامتيازات تنفصل عن طبقتها , و عن إيديولوجيتها و امتيازاتها و تأتي إلى اللاسلطوية ( الأناركية ) . إن مساهمتهم مهمة لكن بمعنى ما فإن هؤلاء يصبحون بروليتاريين أيضا .
الاشتراكيون الثوريون أي اللاسلطويون ( الأناركيون ) , هم بالنسبة لباكونين أيضا , يتحدثون إلى "جماهير الشغيلة في المدينة و الريف , بما في ذلك البشر الجيدون من الطبقات الأعلى الذين , و قد انفصلوا عن ماضيهم , سينضمون إليهم بشكل صريح و يقبلون برنامجهم بالكامل" .
لكن لكل ذلك لا يمكن القول أن اللاسلطوية ( الأناركية ) تتحدث إلى شخص مجرد , إلى الفرد بالعموم , دون أن تأخذ بالاعتبار وضعيته الاجتماعية .
استبعاد هذا الطابع الطبقي من اللاسلطوية ( الأناركية ) يعني الحكم عليها أن تكون بلا شكل , خالية من أي مضمون , بحيث أنها ستصبح تسلية فلسفية متناقضة , فضول برجوازي ذكي , هدف للتعاطف لأشخاص يتوقون إلى مثل أعلى , و مادة للنقاش الأكاديمي .
لذلك نستنتج : أن اللاسلطوية ( الأناركية ) ليست فلسفة فرد أو إنسان بالمعنى العام .
اللاسلطوية ( الأناركية ) إن أحببت هي فلسفة أو أخلاق لكن بمعنى محدد جدا , ملموس ( واقعي ) تماما . إنها كذلك بسبب الآمال التي تمثلها , بسبب الأهداف التي تريد تحقيقها : كما قال باكونين – "إن انتصار ( البروليتاريين ) هو النصر النهائي للإنسانية .." .
لأنها بروليتارية , و هذا تعريف طبقي , فإنها إنسانية شاملة في أهدافها , أو إذا كنت تفضل , ذات نزعة إنسانية شاملة .
إنها مبدأ ( عقيدة ) اشتراكية , أو لنكون أكثر دقة الاشتراكية أو الشيوعية الوحيدة الحقيقية , النظرية الوحيدة و الأسلوب الوحيد القادر على تحقيق مجتمع دون طبقات , على أن تحقق الحرية و المساواة .
اللاسلطوية ( ألأناركية ) الاجتماعية , أو الشيوعية اللاسلطوية ( الأناركية ) أو مرة أخرى الشيوعية التحررية , هي مبدأ لثورة اجتماعية يتحدث للبروليتاريا التي تمثل آمالها , و تقدم إيديولوجيتها الحقيقية – إيديولوجيا اصبحت البروليتاريا واعية بها من خلال تجربتها الخاصة نفسها .


تعريف بالأشخاص المذكورين في المقال السابق :
ميخائيل باكونين ثوري روسي و أحد أهم منظري اللاسلطوية ( الأناركية ) , عاش بين 1814 و 1876 . اختلف مع ماركس حول الموقف من الدولة و شكل الأممية الأولى مما أدى إلى انشقاقها .
بيتر كروبوتكين من أهم مفكري الشيوعية اللاسلطوية أو التحررية , روسي الأصل , كان عالما جغرافيا و من دارسي ظاهرة التطور و ثوريا بارزا , عاش بين عامي 1842 و 1921 .
إيريكو مالاتيستا شيوعي لاسلطوي ( أناركي ) إيطالي , عاش بين عامي 1853 و 1932 , عاش جزءا كبيرا من حياته بين المنفى و السجن .
جيمس غيلوم ( 1844 – 1916 ) كان أحد قيادي فيدرالية جورا للأممية الأولى الجناح اللاسلطوي ( الأناركي ) من الأممية , كتب سيرة حياة باكونين و نشر كثيرا من كتبه التي لم تنشر في حياته و كان هو الذي أقنع كروبوتكين بالأفكار اللاسلطوية ( الأناركية ) .
إيليزيه ريكلوس جغرافي و لاسلطوي ( أناركي ) فرنسي , شارك في كومونة باريس , عاش بين 1830 و 1905 .
جين غريف  ( 1854 – 1939 ) لاسلطوي ( أناركي ) فرنسي بارز.
ماكس شتيرنر (1806 - 1856 ) فيلسوف ألماني , انتقل من الهيغلية اليسارية ليصبح أحد اهم مفكري اللاسلطوية ( الأناركية ) الفردانية , أهم كتبه الأنا و ذاته .
ويليام غودوين ( 1756 – 1836) , صحفي و فيلسوف بريطاني , يعتبر أول من عرض الأفكار اللاسلطوية ( الأناركية ) في كتابه نقاش بصدد العدالة السياسية و تأثيرها على الفضيلة و السعادة العامة
بنجامين توكر ( 1854 – 1939 ), أهم المفكرين اللاسلطويين ( الأناركيين ) الفردانيين الأمريكيين .