‏إظهار الرسائل ذات التسميات مينا ناجي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مينا ناجي. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 22 يناير 2012

الأناركية في فكرة واحدة بسيطة

ماهي الأناركية
في فكرة واحدة بسيطة
الأناركية ليست إلا فكرة واحدة بسيطة : يجب أن ينتظم المجتمع بشكل غير هرمي، بمعنى أن لا ينقسم إلى رؤساء و مرؤوسين، سادة و عبيد, إذ إننا لا نحتاج الى إلرؤساء، و السياسيين، و رجال الأعمال ليحددوا لنا كيف نعيش حياتنا. يطمح الأناركيون فى الوصول لمجتمع يعتمد على فكرة " من كل فرد حسب قدرته الى كل فرد حسب حاجته " .

نريد أن نصل لمجتمع يعتمد على ديمقراطية شعبية حقيقية، تظل فيه السلطة على مستويات محلية ، وتنتظم فى مجالس لتجمعات منتخبة بشكل حر، بحيث لا تحتكر السلطة فى النهاية فئة قليلة، و تمارس القمع من خلالها على الأغلبية .

لا نريد أن نصبح رؤساءً جدد، و لا أن نصادر السلطة " لحساب الطبقة العاملة ". ليس للأناركيين أي إهتمام بإحلال طائفة من القادة محل أخرى. على العكس من ذلك تمامًا، نحن نعمل من أجل مجتمع اشتراكي تحرري  يملك كل فرد فيه رأيًا مباشرًا وحرًا وفعالًا فى صنع القرارات، تلك التى ستؤثر في حياته فى المقام الأول و الأخير.

إن أعجبتك تلك الفكرة، يمكنك أن تقرأ المزيد عن الأناركية و ما الذي تريده بالتفصيل، و تتشارك أفكارها مع الأصدقاء و الجيران و رفاق العمل. فكلما زاد عدد المهتمين بالفكرة - و الفاعلين لأجلها - كلما سنصل الى ما نطمح إليه بشكل أسرع.
و هذا هو ما نطمح اليه، ببساطة : عالم خالٍ من الفقر و من الاستغلال. عالم، تكون فيه الحرية، واقعًا مُعاشًا حقًا ، و الأهم، أن تكون فيه الحرية متاحةً للجميع.


 




الجمعة، 20 يناير 2012

هل الأناركية خطيرة ؟



هل الأناركية خطيرة ؟


نعم ، بالتأكيد هى كذلك . ليس لأنها عنيفة ، أو لأن الأناركيين ارهابيون ، و لكن بسبب أفكارهم . ليس شئ أشد خطرا فى الحياة ، من شخص يعرف جيدا كيف يعمل النظام ، و الأهم يعرف ما الذى يريد استبداله به . الأناركى خطير ، لهؤلاء الذين فى السلطة و يحتكرون القوة ، لأنه يستطيع أن يرى جيدا - و بشكل سليم - من خلال ألعابهم الوضيعة . الأناركية خطيرة ، لأنها لا تحترم هؤلاء و لا ما يمثلونه و يروجون له.

و الأناركية خطيرة أيضا - بشكل استثنائى - لأنها تشجع كل ما يتعلق بالنشاط الذاتى ، العمل المباشر ، و الديمقراطية المباشرة . هل يمكنك تخيل كم يكون خطيرا ذلك الشخص الذى يؤمن بأن الناس يمكنها تنظيم حياتها ، بغير الحاجة الى سادة و رؤساء ؟ . هل يمكنك تخيل مقدارخطره ، عندما يريد كسر جميع التراتبيات ، و استبدال الدولة باتحاد لمجالس من تجمعات ؟ .

و هى خطيرة ، لأنها تلقى صدى عند الناس . لأنها ليست أفكارا جديدة فى حقيقة الأمر ، و انما أفكار قوية تقدر قيمة كل البشر ، واستحقاقهم جميعا للحياة العادلة . قوة الأناركيين ، اذن ، تنبع من قوة أفكارهم ، و من قدرتهم على التأثير فى الآخرين لتبنيها و العمل بها .اذ أن كل نشاط يمارسه الأناركيون - فرادى أو جماعات - يتحدى سلطة القائمين بالأمر .

و الدولة - باعتبارها كيان ارهابى - تعرف جيدا كيف تتعامل مع التهديدات بالعنف أو الارهاب . و ان لم يكن هناك أى حركات سياسية او اجتماعية تستخدم الارهاب كسلاح ، فسوف تعمل على خلق بعضها ، مما يمكنها - فى النهاية - من تبرير وجودها . لكن وجودنا نحن ،كأناركيين ، يوقع الذعر فى قلوب من يملكون القوة و السلطة : و سلاحنا الأعظم - ليس العنف ، و انما قوة الفكرة .

سوف يحاولون اقصاءنا مرارا ، باعتبارنا حمقى مثاليين أو ارهابيين غير عقلانيين . لكنهم - و بغض النظر عما سوف يفعلونه - لن ينجحوا ، فقط لأن أفكارنا ستتغلب - فى النهاية - على أى عائق يضعونه فى الطريق .

نحن ، باختصار ، خطيرين ، لأننا نشكل تهديدا مباشرا لكل النظم و الحكومات السلطوية - المدنية منها و الدينية .

حسنا ، هل الأناركية اذن خطيرة لمن يتسلط و يقمع و يستغل ؟ نعم ، بالتأكيد . هل هى خطيرة للمتسلط عليه ، للمقموع ، للمُستغَل ؟ . أبدا ! .

الاثنين، 16 يناير 2012

مجتمع من الرُضع ؟

هل نحن مجتمع من الرُضع ؟
الأناركية والحياة بلا حكومة



تملك الأناركية الكثير من سوء السمعة هذه الأيام، لا يتخيل الناس، بمجرد ذكرها، غير صفوف من عربات محترقة، وعصابات من لصوص هائمة، وعنف أخرق فى الشوارع، لا تعني الأناركية شيئًا، سوى انهيار النظام الاجتماعي نفسه - هكذا يقال لنا - و لكن هل هذا صحيح؟، هل الحكومة هى الأساس الجوهرى للمجتمع حقا ؟
أن يقال أننا سنمزق المجتمع، إذا ما تخلينا عن حكومة تقف فوق رؤوسنا، و تلوح أمامنا مهددة بعصا السلطة. أن يقال هذا، فلا يعنى غير أننا لسنا أكثر - في الحقيقة - من مجرد مجموعة من الأطفال الرضع ممن لا حول لهم و لا قوة، وأن كل شئ نبنيه و نتشاركه، يتم فقط بنعمة أسيادنا العطوفين، هؤلاء الذين يحموننا و ينقذوننا من أنفسنا. المجتمع هو سلطة الحكم. سلطة الحكم هى المجتمع. دائمًا و أبدًا.
ولكن أين تسكن سلطات الحكم فى حياتنا اليومية؟، هل الحكومة هى التى تهتم بالمرضى فى المستشفيات؟، كلا، إنهم الممرضون والأطباء. هل الحكومة هى من تُسَير القطارات ووسائل النقل؟، كلا، إنهم عمال النقل العديدين. هل الحكومة هى التى تبنى و تصلح المنازل؟، كلا، إنهم عمال البناء. ربما تقوم الحكومة بتوظيف جميع هؤلاء، ولكن هذا لا يفرقها عن أى رئيس فى شئ : لا يقوم بأى عمل و يجنى كل الأرباح فى النهاية.
لكن اذا كان الناس هم الذين يرعون شئون الحياة اليومية عمليًا، فأين إذًا تلك الحكومة التى لا تقدر بثمن، والتى من غيرها سوف نضيع جميًعا؟، أي وظيفة تؤديها تلك الحكومة، و لا نقدر نحن على الإتيان بها من أجل أنفسنا؟
نحن لسنا مجتمعًا من الرضع، ولا نحتاج الحكومة لتنقذنا من أنفسنا. يمكن للمرء أن يتأمل الدولة ليجد أنها ليست ذلك الكيان كلي المعرفة كلي الرعاية، الذى يبدو عليه. كلا، إننا نحن - فى الحقيقة - من عليه أن ينقذ نفسه ، من نظام يهتم بالربح أكثر من ممارسة الحياة نفسها.
وهذا هو ما تعنيه الأناركية حقًا : أن يُسَير عموم الناس شئون مجتمعهم، معًا و بالاشتراك، بهدف منفعتهم هم - و ليست منفعة القلة من، الأغنياء و الأقوياء. يمكن اختصار هذا، من خلال شعار ثورى :
الحكومة تحتاجنا ، لكننا لا نحتاج أبدًا الحكومة




.............................................................................
* النص الأصلى :
http://zabalazabooks.net/2011/06/25/leaflet-what-no-government/

الأربعاء، 11 يناير 2012

الحياة لا العمل - بيتر كروبوتكين


الحياة لا العمل *

- بيتر كروبوتكين * -

يجب أن نقر - و نعلن على الملأ - أن لكل شخص ( الحق فى الحياة ) قبل أى شئ ، مهما كان موقعه فى المجتمع القديم : قويا أو ضعيفا ، قادرا أو غير قادر . و أن هذا المجتمع مُلزَم باقتسام وسائل الوجود ، بين الجميع ، و بغير استثناءات . يجب أن نقر بهذا ، و ننادى به علانية ، و نسعى للوصول اليه .

يجب أن يكون مُدبرا جدا أن يعلم العمال ، منذ اليوم الأول للثورة ، أن عصرا جديدا انفتحت أبوابه أمامهم : أن أحدا - من الآن فصاعدا - لن ينام تحت الجسور " و القصور بجانبه " . لن يشعر بالجوع " وسط الطعام " . لن يموت بردا " بالقرب من متاجر عامرة بالفرو " . يجب أن يعلم العمال أنه ، منذ الآن ، كل شئ لكل شخص - نظريا و عمليا . و أنه أخيرا ، و للمرة الأولى فى التاريخ ، يتم انجاز ثورة تأخذ بعين الاعتبار " حاجات " الناس قبل أن تروضهم بشأن " الواجبات " .

لا يمكن لهذا أن يتأتى من خلال أعمال البرلمان ، و انما فقط بحيازة - فورية و فعالة - لكل شئ ، بما هو ضرورى لضمان رفاهية الجميع . هذا هو السبيل العلمى الوحيد حقا المؤدى للعمل . الطريق الوحيد الذى تفهمه و ترغبه الناس .

يجب الحيازة ، باسم الناس ، على صوامع الحبوب و متاجر الملابس العامرة و منازل السكن . لا يجب أن يضيع شيئا . علينا أن ننظم طريقة - بغير تأخير - لاطعام الجائع ، لاشباع جميع الحاجات ، للوفاء بكل طلب ، للانتاج - ليس لمنفعة خاصة لهذا أو لذاك - و لكن بما يضمن حياة و نمو المجتمع ككل .

كفانا كلمات غامضة على شاكلة ( الحق فى العمل ) . تلك التى أضلت الناس فى عام 1848 * ، و ما زالت تستخدم لنفس السبب . لنمتلك شجاعة الاقرار أن الرفاهية للجميع - الممكنة ، من الآن فصاعدا - لابد أن تتحقق . عندما طالب العمال بالحق فى العمل ، عام 1848 ، تم تنظيم ورش العمل - على مستويات قومية و محلية - و ارسالهم ليكدحوا هناك بمعدلات انتاج منخفضة ، و عندما طالبوا بضرورة تنظيم العمل ، كانت الاجابة : " صبرا يا رفاق ، ان الحكومة تنظر فى الأمر ، أما الآن فلتستريحوا - أيها الكادحين الشجعان - بعد طول كفاحكم من أجل الطعام " . كانت المدافع يتم اعدادها ، فى نفس الوقت ، و يُستدعى الاحتياطى ، و تُفكك تنظيمات العمال - بطرق عديدة تعرفها الطبقة الوسطى جيدا - حتى قيل لهم ذات يوم أن يذهبوا لاستعمار أفريقيا أو يُطلق النار عليهم .

ستكون النتيجة أكثر اختلافا ، لو يطلب العمال الحق فى الرفاهية . يطلبون حق حيازة ثروة المجتمع ، بطلبهم للرفاهية : أن يحتلوا منازلا للسكن ، حسب حاجة كل أسرة . أن يضعوا يدهم على متاجر الطعام ، و يعرفوا معنى الوفرة ، بعدما عرفوا معنى الندرة جيدا جدا . يطالبون بحقهم فى كامل الثروة - ثمرة جهد أجيال من الماضى و الحاضر - و يتعلموا من خلال وسائلها أن يلتذوا بالمتع الأسمى من فنون و علوم ، تلك التى احتكرتها الطبقة الوسطى طويلا .

و بينما يؤكدون حقهم فى العيش برفاهية ، يفعلون نفس الأمر - لما هو أكثر أهمية : حقهم فى تحديد ماهية تلك الرفاهية بالنسبة لهم . ما الذى يجب انتاجه لضمانها ؟ . و ما الذى يجب نبذه باعتباره غير مهما ؟ .

ان الحق فى الرفاهية ، يعنى امكانية العيش كآدميين ، و تنشئة أطفال يكونوا أعضاء فى مجتمع أفضل من مجتمعنا الحالى . بينما الحق فى العمل لا يعنى غير الحق فى أن تكون عبدا دائما للأجر ، كادحا أبديا محكوم و مُستغَل من قبل الطبقة الوسطى .

الحق فى الرفاهية هو ثورة اجتماعية . الحق فى العمل ، ليس غير ، طاحونة من النشاط التجارى .

لقد آن الآوان للعمال أن يؤكدوا على حقهم فى الارث المشترك .. و فى الحيازة .


............................................................................

1 . النص ، مقطع من الفصل الثانى لكتاب " الاستيلاء على الخبز " . أما العنوان ، فمن وضع المترجم .

النص الذى اعتمدت عليه الترجمة :

http://theanarchistlibrary.org/HTML/Petr_Kropotkin__The_Conquest_of_Bread.html#toc9

2 . بيتر كروبوتكين ( 1842 - 1921 ) : لاسلطوى روسى ، واحد من أهم المنظرين للشيوعية اللاسلطوية . قام بتأليف العديد من الكتب و المقالات ، موضحا الأسس المنطقية و العلمية التى تؤكد امكانية تطبيق الأفكار اللاسلطوية بشكل سلس و فعال على الأرض . من أهم تلك الأعمال " الاستيلاء على الخبز " ، " الحقول ، المصانع ، و ورش العمل " ، " الأخلاق : الأصل و التطور " و " المساعدات التبادلية : عامل للتطور " .

3 . ثورة فبراير 1848 : أسقطت الحكم الملكى ، و أسست للجمهورية الفرنسية الثانية . قامت الحكومة الجديدة بارساء قاعدة الحق فى العمل ، فى محاولة للتخلص من البطالة المتفشية فى فرنسا آنذاك ، من خلال تأسيس ورش مركزية للعمل . تم تضمين القاعدة فى عام 1948 ، فى الاعلان العالمى لحقوق الانسان ، المادة 23 ، الفقرة الأولى :

" لكل شخص الحق فى العمل، وله حرية اختياره بشروط عادلة مرضية كما أن له حق الحماية من البطالة " .

الاثنين، 9 يناير 2012

الرجل ذو العصا الكبيرة - ديفيد جرايبر


 الرجل ذو العصا الكبيرة  *
ديفيد جرايبر *
ترجمة : مينا ناجي


يحب الأكاديميون أطروحة ميشيل فوكو التى تحدد المعرفة و القوة، و تؤكد على أن القوة الغاشمة لم تعد العامل الرئيسى فى السيطرة الاجتماعية. يحبونها، لأنها، تتملقهم : الصيغة النموذجية للناس الذين يحبون أن يروا أنفسهم ثوريين سياسيين، حتى و ان كان كل ما يفعلونه هو كتابة مقالات سيقرأها - فى الأغلب - بضع عشرات آخرين، داخل إطار البيئة المؤسسية .
لكن بالطبع لو أن أحدًا من هؤلاء الأكاديميين ترجل لمكتبتهم الجامعية ليراجع بعض كتب لفوكو، من دون أن يتذكر جلب بطاقة هوية سارية المفعول، ثم قرر أن يدخل على أية حال. لو أن أحدًا منهم فعل هذا، سوف يكتشف عاجلًا أن القوة الغاشمة ليست بعيدة الى هذا الحد الذى يحب أن يتخيله : رجل ذو عصا كبيرة - مدرب تماما بشأن كم سيكون قاسيًا ضرب الناس بها - يقوم بطرد الأكاديمى سريعًا. 
فى الحقيقة، يتغلغل تهديد الرجل ذو العصا الكبيرة فى كل لحظة من عالمنا. حتى أن معظمنا تخلى عن التفكير فى عبور ما خلقه من حواجز و خطوط لا حصر لها. على هذا النحو، فقط، لم يعد علينا أن نذكر أنفسنا بوجوده. إن نظرت مثلًا لامرأة جائعة تقف على بعد ياردات من كوم ضخم من الطعام - و هو حدث يومى بالنسبة لمعظمنا، سكان المدن - سيكون هناك سبب يمنعك من التقاط بعض الطعام فقط و اعطائه اياها : أن رجلًا ذو عصا كبيرة سيأتى و من المحتمل جدا أن يضربك. 

يجد اللاسلطويون سعادتهم - فى المقابل - فى تذكيرنا بمثل هذا الرجل. لسكان مجتمع كريستيانا، فى الدنمارك على سبيل المثال، طقوسًا لعيد الميلاد، يلبسون فيها على غرار بابا نويل و يأخذون لعبًا من المتاجر ليوزعونها على الأطفال فى الشارع، فقط - جزئيًا - لكى يستمتع الجميع بمرأى رجال الشرطة و هم ينهالون ضربًا على بابا نويل و يعيدوا الألعاب و قد انتزعوها من الأطفال الباكين.
هذا التأكيد النظرى يفتح الطريق لنظرية عن علاقة القوة - ليس بالمعرفة و انما بالجهل و الغباء. لأن العنف، خصوصصا العنف الهيكلى حيث تتركز القوة كلها فى جانب واحد، يخلق الجهل. ليس عليك أن تتكبد عناء اكتشاف ما الذى يظنه الناس بشأن سير الأمور، إن امتلكت القوة لأن تضربهم فوق رؤوسهم كلما أردت. الطريقة مضمونة النجاح، بالتالى، لتسطيح الترتيبات الاجتماعية - و تجاهل تلك اللعبة مدهشة التعقيد من وجهات النظر و الانفعالات والرؤى والرغبات والتفاهمات المتبادلة، التى تتكون منها فى حقيقة الأمر الحياة الانسانية - الطريقة مضمونة النجاح لذلك هو أن تضع قاعدة ثم تتوعد بمهاجمة من يكسرها.
العنف، لهذا السبب، هو الملاذ المفضل للكائن الغبى. العنف هو نوع من الغباء الذى يستحيل مواجهته - تقريبًا - برد ذكى. وهو أيضًا، بالطبع، أساس الدولة.

.......................................................................................

1. النص، مقطع من كتاب (شذرات لإنثروبولوجيا لاسلطوية) الصادر فى 2004 عن دار نشر Prickly Paradigm Press صفحة 71- 73،  أما العنوان فمن وضع المترجم.
يمكن تحميل الكتاب من خلال هذا الرابط :
2. ديفيد جرايبر ( ولد فى 1961 ) : لاسلطوى و انثروبولوجى أمريكى. واحد من الملهمين - والمشاركين - فى حركة إحتلال الميادين. له العديد من الإسهامات فيما يتعلق بالقضايا المعاصرة من وجهة نظر أناركية. أهم أعماله : شذرات لانثروبولوجيا لاسلطوية ، نحو نظرية انثروبولوجية للقيمة ، الدَيْن : الخمسة آلاف سنة الأولى .


  


             












   
        

الخميس، 5 يناير 2012

المقاعد الخالية - بيتر كروبوتكين





المقاعد الخالية *

بيتر كروبوتكين*

ترجمة : مينا ناجي


" كتب كروبوتكين هذا النص ، آنذاك ، قبل نحو 120 عاما من لحظتنا هذه ، متحدثا عن التناقضات الداخلية لكوميونة باريس *، تلك التى عصفت بها - مع الأخطار الخارجية - بعد وقت ليس بالطويل من نشأتها ، و مشيرا لبعض الأحداث الفرنسية الأخرى ، و قد شدد على الفارق الواضح بين ما يتعلق بالانتفاضة و ما يتعلق بالثورة . و يبدو أن نفس النص يصلح تماما لالقاء الضوء على ملابسات المشهد المصرى ، الآن"      


..............................................................................



اننا ندرس جميعا الجانب الدرامى للثورة كثيرا جدا ، و الجانب العملى قليلا جدا . نميل الى أن نرى فقط الآثار المسرحية ، ان جاز التعبير ، لهذه الحركات العظيمة : قتال الأيام الأولى ، المتاريس . و لكن هذا القتال - هذا الصدام الأول - سرعان ما ينتهى . و بعد الاطاحة بالنظام القديم فقط ، يمكن القول أن العمل الحقيقى للثورة يبدأ .

ينجرف الحكام القدامى بنفخة من انتفاضة - عاجزين ، منزوعى القوة ، و مهاجَمين من جميع الجوانب . لم يعد هناك ملكية برجوازية ، خلال أيام قليلة من العام 1848 * ، و كانت باريس قد نست بالفعل " ملكها المواطن " بينما كان لويس فيليب يتقن هروبه بمركبة مغطاة . و اختفت حكومة تيير ، خلال ساعات قليلة من يوم الثامن عشر من مارس للعام 1871 ، تاركة باريس سيدة مصيرها . مع ذلك 1848 و 1871 ليست غير انتفاضات .

يختفى سادة النظام القديم ، أمام الثورة الشعبية ، بسرعة مدهشة . يهربون من البلاد ليتآمروا آمنين فى مكان آخر ، مبتكرين الوسائل من أجل عودتهم .

تختفى الحكومة السابقة . يتردد الجيش أمام مد الرأى الشعبى ، و لا يعد طائعا لقادته ، الذين يرحلون أيضا بحكمة . تقف القوات على مقربة بغير تدخل ، أو تنضم للمتظاهرين . تقف الشرطة مسلمة ، غير واثقة ان كانت تهاجم الحشد أو تصرخ : تحيا الكوميونة ! ، بينما يتراجع البعض الى مقراتهم " فى انتظار ملذات الحكومة الجديدة " . يحزم المواطنون الأغنياء حقائبهم و يلتجئون الى أماكن آمنة . و يبقى الشعب .

هكذا تُعلن الثورة . ينادى بالكوميون ، فى العديد من المدن الكبيرة . يطوف الآلاف من الناس فى الشوارع ، و يحتشدون فى نوادى مرتجلة فى المساء ، سائلين : ماذا سوف نفعل ؟ . يناقشون ، بحماسة ، الشأن العام - الذى يهتم به الجميع : أكثر المتحمسين ، ربما ، هم هؤلاء الذين كانوا فى الماضى أكثر اللامبالين . فى كل مكان ، هناك الكثير من حسن النية و الرغبة العارمة فى تأكيد الانتصار . انه وقت التفانى الفائق . و الناس مستعدون للمضى قدما .

كل هذا رائع و جليل ، لكنه - ما يزال - ليس الثورة . كلا . سيبدأ الآن فقط عمل الثائر .

سيتم ارضاء عطش الانتقام ، بلا شك . و سوف يدفع أنصار واترين و توماس عقوبة عدم شعبيتهم * ، لكن هذا الأمر من حوادث النضال فقط و ليس ثورة

يهرول السياسيون الاشتراكيون ، الراديكاليون ، عباقرة الصحافة المهمشون ، الخطباء ، مواطنو الطبقة الوسطى ، و العمال الى دار البلدية و مكاتب الحكومة ، و يستحوذون على المقاعد الشاغرة . يبتهج قلب بعضهم بالزركشات المذهبة * - معجبين بأنفسهم فى المرايا الوزراية - و يدرسون لاعطاء الأوامر بأجواء من أهمية تتناسب مع وضعهم الجديد . يجب أن يملكوا وشاحا أحمر ، قبعات مطرزة ، و ايماءات وقورة متسلطة لكى يأثروا على رفاقهم فى المكاتب أو المصانع . بينما يدفن البعض الآخر نفسه فى الأوراق الرسمية ، محاولا - بأفضل الارادات - تحديد رأسها من ذيلها .

يخطون القوانين و يصدرون المراسيم الكلامية المحلقة عاليا ، و التى لن يتحمل عناء تنفيذها أحد ، لأن الثورة جاءت . يسعون لاقرار الأنماط القديمة للحكم ، باعطاء انفسهم سلطة " لم يعد لها وجود " . و يحملون أسماءا مثل : حكومة مؤقتة / لجنة الأمن العام / محافظ / حاكم البلدية / مفوض المصلحة العامة ، و ما غير ذلك . يجتمعون ، بانتخاب أو تزكية ، فى لجان أو مجالس بلدية ، من عشرة أو عشرين تيار مختلف - ليسوا بالظبط جوقات منعزلة - و انما - على الأقل - العديد من الطوائف التى تمثل العديد من الأساليب فيما يتعلق بنطاق و اتجاه و هدف الثورة .            

يتبارز معا الاصلاحيون ، الجمعيون ، الراديكاليون ، اليعاقبة ، و البلانكيون * . يهدرون الوقت فى حروب كلامية . يتداخل الرجال المخلصين مع الطامحين - الذين حلمهم الوحيد هو القوة ، و يزدرون الحشود أينما ظهروا . يتلاقون معا بوجهات نظر متناقضة تماما ، و يُجبَرون على تكوين تحالفات متعسفة فى سبيل خلق أغلبية لا تستمر الا يوما . يتشاحنون ، و قد دعوا بعضهم البعض بالرجعيين و المستبدين و الأوغاد ، غير قادرين على الوصول لفهم بأى مقياس جدى . ينسحبون فى مناقشات بشأن تفاهات ، و لا يقدمون شيئا أفضل من التصريحات الرنانة . لكنهم - مع ذلك - يأخذون أنفسهم بجدية ، غير عالمين أن القوة الحقيقية للحركة فى الشارع .

كل هذا يمكنه أن يسعد هؤلاء الذين يحبون المسرح . لكنها ليست الثورة . لم يتحقق شئ بعد ، فى الوقت الذى يعانى فيه الناس . المصانع عاطلة عن العمل . ورش العمل مغلقة . الصناعة فى ركود تام . العامل لا يتقاضى حتى الأجر الهزيل الذى كان له من قبل . أسعار الطعام ترتفع . لكن الناس تنتظر بصبر ، مع هذا الاخلاص البطولى الذى يميزهم دائما ، و الذى يصل لأقصاه فى الأزمات الكبرى ، قائلين ، فى عام 1848 : " نحن نضع تلك الشهور الثلاثة من الحاجة فى خدمة الجمهورية " ، بينما كان يتلقى ( ممثليهم ) و السادة نبلاء الحكومة الجديدة أجرهم بانتظام ، و قد وصلوا لأحقر احساس ذاتى تافة بأهمية المنصب

الناس تتألم . و يظنون - مع ايمان طفولى و حس فكاهى لجماهير تثق فى قادتها - أن " هناك " ( فى المجلس التشريعى ، فى دار البلدية، فى لجنة الأمن العام ) توضع مسألة رفاهيتهم فى الاعتبار . و لكنهم " هناك " يناقشون كل شئ تحت الشمس ، باستثناء رفاهية الناس . عندما اجتاحت المجاعة فرنسا ، فى عام 1793 * ، و أقعدت الثورة ، و بينما كان الناس يرتدون لأعماق البؤس ( و الشانزلزية يصطف بالعربات الفاخرة حيث تتباه النساء بالمجوهرات و البذخ ) ، كان روبسبير يحث اليعاقبة * لمناقشة اطروحتهم بخصوص الدستور الانجليزى . بينما كان العمال يعانون ، فى عام 1848 ، من الانقطاع العام للتجارة ، كانت الحكومة المؤقتة و المجلس التشريعى يتشاحنان بخصوص المعاشات العسكرية و عمل السجن - بغير عناء التفكير ، بشأن كيفية معيشة الناس فى ظل هذه الأزمة .

و ان كان للمرء أن يلقى لوما على كوميونة باريس - تلك التى ولدت تحت مدفع البروسيين ، و استمرت سبعين يوما فقط - سيكون من أجل نفس الخطأ : هذا الفشل فى فهم أن الثورة لا يمكنها أن تنتصر الا عندما يُطعم هؤلاء الذين يقاتلون فى جانبها . اذ أنه ، بخمسة عشر بنسا فى اليوم ، لا يستطيع الرجل أن يحارب على المتاريس ، و فى نفس الوقت ، يعول أسرة .     


...............................................................................
    

* هوامش الترجمة :
          

1 .  النص هو مقطع من الفصل الثانى من كتاب " الاستيلاء على الخبز " . أما العنوان فمن وضع المترجم .

النص الأصلى :  http://theanarchistlibrary.org/HTML/Petr_Kropotkin__The_Conquest_of_Bread.html#toc8

2 . بيتر كروبوتكين : لاسلطوى روسى ، واحد من أهم المنظرين للشيوعية اللاسلطوية " الشيوعية الأناركية " . قام بتأليف العديد من الكتب و المقالات ، موضحا الأسس المنطقية و العلمية التى تؤكد امكانية تطبيق الأفكار اللاسلطوية بشكل سلس و فعال على الأرض . من أهم تلك الأعمال " الاستيلاء على الخبز " ، " الحقول ، المصانع ، و ورش العمل " ، " الأخلاق : الأصل و التطور " و " المساعدة التبادلية : عامل للتطور " . 

3 . كوميونة باريس ( 18 مارس - 28 مايو 1871 ) : موجة ثورية قامت على اكتاف الطبقة العاملة ، بسبب تردى الأوضاع الاقتصادية - خصوصا بعد الهزيمة الفادحة لفرنسا فى الحرب ضد بروسيا . أسقط الباريسيون حكومة أدولف تيير ، و انتخبوا بدلا منها مجلسا محليا (الكوميونة ) تضمن العديد من العمال و غير العمال على اختلاف طوائفهم السياسية ( من اصلاحيين الى راديكاليين ) . ألغت الكوميونة التجنيد الاجبارى و الجيش النظامى ، و أحرقت المقصلة علنا ، فى الوقت الذى رتبت فيه لاتخاذ بعض السياسات الاشتراكية - لم تستطع تحقيق معظمها لقصر عمرها . انتهت بتحالف السلطات المركزية ضدها ، المنتصرة ( بسمارك من بروسيا ) و المنهزمة ( تيير من فرنسا ) و اجتياح الجيش الفرنسى الحكومى - بالتنسيق مع البروسيين - باريس ، و اعدام الآلاف من سكان المدينة .                 

4 . ثورة فبراير 1848 : أسقطت الحكم الملكى ، و أسست للجمهورية الفرنسية الثانية .

5 . جاك ليونار كليمنت توماس : جنرال فرنسى حكومى ، كُلف بالقضاء على ثورة الباريسيين مع بداية نشأة الكوميونة . لم يطع جنوده الأوامر باطلاق النار ، و تم أسره و اعدامه

6 . يقصد ملابس الحكم الرسمية فى ذلك الوقت

7 . التيارات السياسية التى شاركت فى ادارة كوميونة باريس  

8 . من ضمن أحداث الثورة الفرنسية ( 1789 - 1799 (

9 . شخصيات سياسية بارزة فى الثورة الفرنسية 



الأحد، 25 ديسمبر 2011

اللاسلطوية في صورة سؤال وجواب - بوب بلاك ترجمة مينا ناجي




اللاسلطوية 101

 بوب بلاك *

ترجمة : مينا ناجي


الأصل بالانجليزية Bob Black Anarchy 101





* ما هى اللاسلطوية ؟ و من هم اللاسلطويون ؟


اللاسلطوية هى فكرة عن الطريقة المثلى للعيش . اللاسلطوية هى أسلوب حياة .

اللاسلطوية هى فكرة أن الحكومة ( الدولة ) غير ضرورية و ضارة ، و المجتمع اللاسلطوى هو مجتمع بغير حكومة . اللاسلطويون هم من  يؤمنون بتلك الفكرة و يرغبون فى العيش فى غير سلطوية ، مثلما فعل أسلافنا جميعا يوما .

هؤلاء المؤمنون بالحكومة - مثل الليبراليين ، المحافظين ، الاشتراكيين و الفاشيين - يعرفوا بكونهم دولانيين .

يمكن أن تبدو اللاسلطوية على هذا النحو سلبية بشكل بحت ، انها فقط " ضد " شئ ما . لدى اللاسلطويين ، فى الحقيقة ، العديد من الأفكار  الايجابية بخصوص العيش فى مجتمع بغير دولة ، و لكن على العكس من الماركسيين ، الليبراليين و المحافظين ، لا يقدمون مخططا تفصيليا  للعمل .


* هل كان هناك يوما مجتمعا لاسلطويا ناجحا ؟


نعم ، العديد من الآلاف . اذ أن جميع البشر عاشوا ، فى أول مليون من سنواتهم أو أكثر ، فى جماعات صيد و التقاط صغيرة العدد متساوية  فى الحقوق ، بغير تراتبية أو سلطة . هؤلاء هم أسلافنا . لابد أن المجتمعات اللاسلطوية كانت ناجحة ، لأن بغير ذلك أحدا منا لم يكن ليوجد  الآن . عمر الدولة مجرد آلاف قليلة من السنوات . و الأمر استغرق كل هذا الوقت حتى يتم قمع المجتمعات اللاسلطوية الأخيرة مثل  مجتمعات قبائل البوشمن * ، البيجمى ، و سكان استراليا الأصليين .


* و لكن لا يمكننا أن نعود لمثل تلك الطريقة فى الحياة ؟


تقريبا كل اللاسلطويين يوافقون على هذا . و لكن تظل دراسة تلك المجتمعات أمرا ملهما ، و أحيانا لالتقاط بعض الأفكار عن كيفية عمل  مجتمع طوعى تماما ، فردانى للغاية ، و مع ذلك تعاونى . لنأخذ مثالا واحدا : رجال القبائل لديهم فى الأغلب طرق شديدة الفعالية لحل  النزاعات من ضمنها الوساطة و التحكيم غير الملزم . تعمل طرقهم تلك بشكل أفضل من نظامنا القانونى ، لأن عائلة ، أصدقاء و جيران  المتنازعين تشجعهم على التوافق على حل معقول للمشكلة ، مستعينة بالمتعاطفين الجديرى بالثقة من جانب الطرفين . حاول خبراء أكاديميين  ، فى السبعينات و الثمانينات ، زرع بعض من تلك الأساليب فى النظام القانونى الأمريكى ، لكن بطبيعة الحال ذبل الزرع و مات ، لأنه يحيا  فقط فى مجتمع حر .   


* اللاسلطويين سذج . انهم يظنون الطبيعة البشرية طيبة فى جوهرها ..


ليس الأمر على هذا النحو . صحيح أن اللاسلطويين يرفضون الأفكار المتعلقة بالفساد الفطرى أو الخطية الأصلية - هى أفكار دينية لم يعد  يؤمن بها معظم الناس . و لكنهم لا يؤمنون عادة أن الطبيعة البشرية طيبة فى جوهرها أيضا . انهم يأخذون الناس كما هم . أن البشر ليسوا  أى شئ بشكل جوهرى . نحن من نعيش فى ظل الرأسمالية و حليفتها ، الدولة ، فقط أناس لم تملك أبدا فرصة أن تكون كل شئ يمكن أن  تكونه .

على الرغم من أن اللاسلطويين غالبا ما يوجهون نداءات أخلاقية نحو الأفضل عند الناس - تماما مثل دعوتهم للمصلحة الذاتية المستنيرة -  فاللاسلطوية ليست عقيدة للتضحية بالنفس ، هذا مع أنهم لطالما حاربوا و ماتوا من أجل ما يؤمنون به . يؤمن اللاسلطويون أن تنفيذ فكرتهم  الأساسية سوف يعنى حياة أفضل تقريبا للجميع .   


* كيف يمكنك الوثوق فى أن الناس لن تفترس بعضها البعض بغير دولة تكافح الجريمة ؟


ان لم يكن باستطاعتك الوثوق فى عدم افتراس البشر العاديون لبعضهم ، كيف يمكنك الوثوق فى أن الدولة لا تفترسنا جميعا ؟ هل الناس الذين يحصلون على السلطة لا أنانيون ، مكرسون ، و أسمى منزلة من الناس الذين يحكمونهم الى هذا الحد ؟ . الحق انه كلما زاد ارتيابك فى  جيرانك ، كلما زادت أسبابك لأن تصبح لاسلطويا ! . فى ظل اللاسلطة ، تُختزل القوة و تنتشر فى جميع الأنحاء . الجميع يملك البعض ، و  لكن أحدا لا يملك أكثر من اللازم . فى ظل الدولة ، تتركز السلطة و معظم الناس لا يملكون شيئا منها فى الحقيقة . أى نوع من القوة تحب أن تقف ضدها ؟ .


* و لكن - لنتحدث بواقعية - ماذا سيحدث ان لم تكن هناك شرطة ؟


مثلما يلاحظ اللاسلطوى آلن ثورنتون : " الشرطة لا تقوم بأعمال الحماية و انما الانتقام " . فلتنس باتمان يقود فى الأرجاء ليوقف الجرائم  الدائرة . لا تمنع دوريات الشرطة الجريمة ، و لا تلقى القبض على المجرمين . عندما تم ايقاف دوريات الشرطة سريا و انتقائيا فى أحياء  مدينة كنساس ، بقت معدلات الجريمة على حالها . دراسة أخرى تجد بالمثل أن عمل المباحث و مختبرات الجريمة لا تأثير له على معدل  الجريمة . و لكن عندما يجتمع الجيران على حماية بعضهم البعض و صرف ما من شأنهم أن يكونوا مجرمين ، سيجرب الأخيرين حى آخر  تحميه فقط الشرطة . يعرف المجرمون أنهم يتعرضون لخطر أقل هناك .     


* و لكن الدولة الحديثة مرتبطة بعمق فى تنظيم الحياة اليومية . تقريبا كل نشاط لديه نوع من الارتباط مع الدولة ؟


هذا صحيح ، و لكن عندما تفكر فى الأمر ، ستجد أن الحياة اليومية - تقريبا بأكملها - لاسلطوية . اذ نادرا ما يقابل المرء رجل شرطة الا  عندما يدون له تذكرة مرور لتجاوز السرعة . تسود الترتيبات الطوعية و التفاهمات فى كل مكان تقريبا . مثلما كتب اللاسلطوى رودلف  روكر : " الحقيقة أنه حتى فى ظل أسوأ أنواع الاستبداد ، تنتظم معظم علاقات الانسان الشخصية مع زملائه من خلال توافق حر  و تعاون  تضامنى ، الأمر الذى بدونه ستكون الحياة الاجتماعية غير ممكنة على الاطلاق " .

الحياة العائلية ، البيع و الشراء ، الصداقة ، العبادة ، الجنس ، وقت الفراغ .. جميعها أمور لاسلطوية . حتى فى مكان العمل - الذى يعتبره  العديد من اللاسلطويين قهريا تماما مثل الدولة - يتعاون المرؤوسين ، بشكل مستقل عن رئيسهم ، فى سبيل الحد من العمل و انجازه .

يتحدث البعض أن اللاسلطوية لا تصلح . و لكنها ، تقريبا ، الأمر الوحيد الذى يفعل ! . تتكئ الدولة - بشكل غير مستقر - على أساس من  اللاسلطة ، كذلك الأمر بالنسبة للاقتصاد .


* فلنفترض انك على حق ، أن اللاسلطوية طريقة أفضل للحياه من تلك التى نحياها الآن ، كيف يمكننا أن نتخلص من الدولة لو انها قوية و  قامعة مثلما تقول ؟


لطالما فكر اللاسلطويون فى هذا السؤال ، و لا يملكون اجابة واحدة بسيطة . لقد حاربوا الفاشيين على الجبهة فى أسبانيا العام 1936 ،  عندما حاول الجيش القفز على السلطة و حيث كان هناك مليونا من اللاسلطويين ، فى الوقت الذى أيدوا فيه استيلاء العمال على المصانع و تشكيل الفلاحين لتعاونيات على الأرض . و فعلوا الشئ نفسه فى أوكرانيا ما بين 1918 - 1920 ، حيث كان عليهم مجابهة كلا من القيصريين و الشيوعيين . لكن ليس على هذا النحو يمكننا اسقاط النظام فى عالم القرن الحادى و العشرين .

فلتتأمل الثورات التى أطاحت بالشيوعية فى شرق أوربا . كان هناك بعض العنف و الموت ، فى بعض الدول أكثر من غيرها ، و لكن ما  أسقط السياسيين و البيروقراطيين و الجنرالات - نفس الأعداء الذين نواجههم - هو رفض معظم السكان للعمل أو فعل أى شئ آخر من أجل  الحفاظ على استمرارية نظام فاسد . ماذا كان على الحكوميون فى موسكو أو وارسو أن يفعلوه ؟ أن يلقوا بالسلاح النووى على رؤوسهم ؟ أن  يبيدوا العمال الذين يقتاتون من خلالهم ؟    

لقد آمن معظم اللاسلطويين منذ أمد ، أن ما يسمونه الاضراب العام ( الرفض الجمعى للعمل ) يمكنه أن يلعب دورا كبيرا فى انهيار الدولة .


* اذا كنت ضد جميع الحكومات ، اذن أنت بالتأكيد ضد الديمقراطية ؟


ان كانت الديمقراطية تعنى أن يتحكم الناس فى حياتهم ، اذن جميع اللاسلطويين سيكونون - مثلما أسماهم اللاسلطوى الأمريكى بنيامين تاكر - " ديمقراطيين جيفرسونيين ثابتين " . سيكونون وحدهم الديمقراطيين الحقيقيين . و لكن هذه ليست الديمقراطية كما هى فى الواقع .

ينتخب جزء من الناس ، فى الحياة الحقيقية ( فى أمريكا دائما ، تقريبا ، قلة من الناس ) ، حفنة من السياسيين يتحكمون فى حياتنا بتمرير  القوانين و استخدام بيروقراطية و شرطة - غير منتخبة - لتنفيذها ، سواء أرادت الأغلبية ذلك أم لم ترد .

مثلما كتب الفيلسوف الفرنسى روسو مرة - و هو ليس لاسلطويا : " فى الديمقراطية ، يكون الناس احرار فقط فى لحظة تصويتهم . باقى  الوقت هم عبيد الحكومة " .

يقع السياسيون و البيروقراطيين فى مناصبهم تحت تأثير قوى من الشركات التجارية الكبرى و جماعات المصالح الخاصة الأخرى فى أغلب  الأحيان . الجميع يعلم هذا . البعض يستمر فى الصمت لأنه يستفيد من أصحاب السلطة . الكثير يستمر فى الصمت لأنه يعلم أن المعارضة لا  تجدى نفعا ، و ربما يتم تسميتهم متطرفين أو حتى " لاسلطويين / فوضويين ! " ان تحدثوا عن الأمر كما هو . بعض من ديمقراطية !! .


* حسنا ، ان لم تنتخب مسئولين لاتخاذ القرارات ، فمن سوف يفعل ؟ لا تخبرنى أنه بامكان كل شخص أن يفعل ما يروق له بشكل شخصى  دون اعتبار للآخرين ؟


لدى اللاسلطويين العديد من الأفكار بشأن كيفية اتخاذ القرارات فى مجتمع طوعى و تعاونى حقا . يؤمن معظم اللاسلطويين أن مثل هذا  المجتمع يجب أن يرتكز على تجمعات محلية ، صغيرة بما يكفى لأن يعرف الناس بعضهم البعض ، أو يتشاركون على الأقل فى روابط  أسرية أو صداقات ، آراء ، أو اهتمامات .

و لأنه مجتمع محلى ، فالناس يشتركون أيضا فى معرفتهم الشائعة ببيئته . انهم يعرفون أنه سيتعين عليهم العيش مع تبعات قراراتهم ، على  العكس من السياسيين أو البيروقراطيين الذين يقررون لأشخاص آخرين .

يؤمن اللاسلطويين أن اتخاذ القرارات لابد أن يتم دائما على أصغر مستوى ممكن . كل قرار يمكن أن يتخذه الأفراد لأجل أنفسهم - بغير  تداخل مع قرارات أى شخص أخر من أجل نفسه - لابد أن يتم على هذا النحو . كل قرار يُتخذ فى مجموعات صغيرة ( مثل الأسرة ،  التجمعات الدينية ، أو زملاء العمل .. الخ ) هو من جديد لهم ، طالما لا يتداخل مع الآخرين . ستذهب القرارات التى تحمل تأثيرا أكثر اتساعا بشكل ملحوظ ، ان كانت تهم أحدا ، الى مجلس عارض للجماعة قائم على المواجهة المباشرة .

مثل هذا المجلس ، مع ذلك ، ليس هيئة للتشريع . لا أحد منتخب . يمكن لأى شخص أن يحضر . يتحدث الناس باسم أنفسهم . و لكن بينما  يتحدثون بشأن مسائل محددة ، يدركون جيدا أن الفوز بالنسبة لهم ليس - كما كان بالنسبة لمدرب الفوتبول فينس لومباردى - ليس " الشئ  الوحيد " . انهم يبتغون الفوز للجميع ، و يثمنون صحبة جيرانهم . انهم يحاولون ، فى البداية ، التقليل من سوء الفهم و توضيح المسألة . هذا  كاف ، فى الأغلب ، للتوصل لاتفاق . و ان لم يكن ، سيعملون على القبول بحل وسط . كثيرا جدا ما ينجزونه . ان لم يكن ، يستطيع المجلس  ارجاء المسألة - اذا كان أمرا لا يستلزم قرارا فوريا - من أجل أن تتناقش بشأنها الجماعة بأكملها قبل الاجتماع الآخر . ان فشل هذا ،  ستتحرى الجماعة ما اذا كانت هناك طريقة لأن تنفصل الأغلبية مؤقتا عن الأقلية ، كل منفذا لأولوياته .

لدى الأقلية خيارين ، ان استمر الناس فى خلافاتهم التى لا يمكن التوفيق بينها : يمكنها أن تساير الأغلبية هذه المرة ، لأن هارمونية الجماعة  أكثر أهمية من المسألة . و ربما يمكن للأغلبية أن تسترضى الأقلية بقرار بشأن أمر آخر . اذا فشل كل شئ ، و كانت المسألة شديدة الأهمية  بالنسبة للأقلية ، يمكنها أن تنفصل لتكون مجتمعا مستقلا ، تماما مثلما فعلت مختلف الولايات الأمريكية ( كونيتيكت ، رود ايلاند ، فيرمونت  ، كنتاكى ، مين ، يوتاه ، فيرجينيا الغربية .. الخ ) . ان كان انفصالهم ليس حجة ضد الدولانية ، فهو ليس حجة أيضا ضد اللاسلطة .

هذا ليس فشلا للاسلطة ، لأن الجماعة الجديدة ستعيد خلقها . اللاسلطة ليست نظاما كاملا ، انها فقط أفضل من جميع الأنظمة الأخرى .    


* لا يمكننا اشباع جميع احتياجاتنا من خلال مستوى محلى ..


ربما ليس جميعها ، و لكن هناك أدلة من علم الآثار لتجارة لمسافات طويلة - على مدى مئات أو حتى آلاف الأميال - فى أوربا اللاسلطوية  ما قبل التاريخية . أدارت المجتمعات اللاسلطوية البدائية - التى قام بزيارتها الأنثروبولوجيين فى القرن العشرين ، مثل البوشمن و ساكنى  جزر التروبرياند القبليين - تجارة من هذا النوع بين " شركاء تجارة " فرديين .

لا تعتمد اللاسلطة العملية أبدا على اكتفاء ذاتى محلى كامل ، و لكن يلح العديد من اللاسلطويين المحدثين على أن التجمعات و المناطق لابد أن تكون مكتفية بذاتها قدر الامكان ، كيلا تعتمد على دخلاء بعيدين و غير شخصيين من أجل الضروريات .

حتى فى ظل التكنولوجيا الحديثة ، التى صممت خصيصا - فى الأغلب - لتوسيع الأسواق التجارية من خلال تدمير الاكتفاء الذاتى ، حتى فى ظل هذا ، الكثير من الاكتفاء الذاتى المحلى ما زال ممكنا ، أكثر بكثير مما تريد الحكومات و الشركات لنا أن نعرف .


*  أحد تعريفات اللاسلطة هو الفوضى . أليس هذا ما سوف تكونه اللاسلطة : فوضى ؟


بيير- جوزيف برودون ، أول شخص يسمى نفسه لاسلطويا ، كتب يقول : " الحرية هى أم ، و ليست ابنة ، النظام " . النظام اللاسلطوى  أرفع شأنا من نظام الدولة القهرى ، لأنه ليس نظاما من قوانين جبرية ، و لكنه ببساطة كيفية اقرار تجمعات من البشر - تعرف بعضها  البعض - سبل العيش معا . يرتكز ، اذن ، النظام اللاسلطوى على القبول المشترك و المنطق السليم .


* متى تشكلت فلسفة اللاسلطوية ؟


يعتقد بعض اللاسلطويين أن أفكارا لاسلطوية عبر عنها ديوجين الكلبى فى اليونان القديمة ، لاوزى فى الصين القديمة ، و صوفيين من العصر الوسيط و أيضا أثناء القرن السابع عشر ابان الحرب الأهلية الانجليزية . 

لكن اللاسلطوية الحديثة تبدأ مع وليام جودوين و كتابه " العدالة السياسية " المنشور فى انجلترا 1793 . أحياها ، فى فرنسا ، بيير - جوزيف  برودون فى أربعينات القرن التاسع عشر بكتابه " ما هى الملكية ؟ " ملهما حركة لاسلطوية وسط العمال الفرنسيين . عرف ماكس شتيرنر فى " الأنا و ما لها " 1844 معنى الأنا المستنيرة ، التى هى قيمة لاسلطوية أساسية . توصل الأمريكى يوشيا وارن - بشكل مستقل فى نفس  الوقت - لنفس الأفكار ، و أثر فى حركة واسعة النطاق فى ذلك الوقت لتأسيس مجتمعات يوتوبية . تطورت الأفكار اللاسلطوية لمسافة أبعد،  من خلال الروسيان : ميخائيل باكونين ، الثورى العظيم ، و بيتر كروبوتكين ، الدارس شديد الاحترام .    

و يأمل اللاسلطويين أن تستمر أفكارهم فى التطور فى ظل عالم متغير .                        


* هذه الأمور الثورية لها صدى مماثل كثيرا للشيوعية ، و لا أحد يريد ذلك ..


لقد ظل اللاسلطويين و الماركسيين أعداء منذ ستينات القرن التاسع عشر . و على الرغم من أنهم تعاونوا ، فى بعض الأحيان ، ضد أعداء  مشتركين - مثل القيصريين أثناء الثورة الروسية أو الفاشيين الأسبان أثناء الحرب الأهلية الأسبانية - فان الشيوعيين لطالما خانوا اللاسلطويين . من كارل ماركس لجوزيف ستالين ، و الماركسيين يتهمون بعنف اللاسلطويين .

يسمى بعض اللاسلطويين - أتباع كروبوتكين - أنفسهم " شيوعيين " ، و لكنهم يناقضون بشيوعتهم الحرة ، الناشئة من أسفل ( ادارة الموارد  الطوعية للأرض ، المرافق ، و العمل ، من خلال تجمعات محلية يعرف فيها الناس بعضهم البعض ) يناقضون بها الشيوعية المفروضة  بالقوة من خلال الدولة ( تأميم الأراضى و مرافق الانتاج ، انكار كل حكم ذاتى محلى ، و تحويل العمال لموظفين للدولة ) . كيف يمكن  للنظامين أن يكونا أكثر اختلافا ؟

رحب اللاسلطويين ، و فى الحقيقة شاركوا ، فى سقوط الشيوعية الأوربية . و ساعد بعض اللاسلطويين الأجانب المنشقين من الكتلة الشرقية  لسنوات طويلة - الأمر الذى لم تفعله الحكومه الأمريكية . و الآن ، فاللاسلطويين ناشطين فى كل البلاد الشيوعية سابقا .

أضعف التداعى الشيوعى بالطبع الثقة فى كثير من اليسار الأمريكى ، و لكن ليس اللاسلطويين . اذ أن العديد منهم لا يعتبرون أنفسهم  يساريين على أية حال .          

بقى اللاسلطويين فى جميع الأنحاء قبل الماركسية ، و ها نحن مازلنا باقين بعدها .


* ألا يؤيد اللاسلطويين العنف ؟ 


لا يقارب اللاسلطويين فى العنف الديمقراطيين ، الجمهوريين ، الليبراليين و المحافظين . يبدو هؤلاء الناس فقط سلميين ، لأنهم يستخدمون  الدولة فى القيام بأعمالهم القذرة : أن تكون عنيفة لحسابهم . و لكن العنف يظل عنفا . ارتداء زى أو التلويح بعلم لا يغير هذا . الدولة عنيفة  بحسب التعريف . بغير العنف ضد أسلافنا اللاسلطويين - جماعات الصيد و الالتقاط و المزارعين - ما كانت لتوجد دول الآن . بعض  اللاسلطويين يؤيدون العنف ، و لكن كل الدول تخوض فى العنف كل يوم .

بعض اللاسلطويين ، وفق تراث تولستوى ، سلميين من حيث المبدأ . و يعتقد عدد قليل نسبيا منهم فى استمرار الاعتداء ضد الدولة . لكن  يؤمن معظمهم بالدفاع عن النفس و يقبلون بدرجة من العنف أثناء موقف ثورى .

ليست المسألة فى واقع الأمر العنف مقابل اللاعنف و لكنها تتعلق بالفعل المباشر . يؤمن اللاسلطويين أنه لابد للناس - كل الناس - أن تقبض  على أقدارها بأياديها ، فرديا أو جماعيا ، سواء كان القيام بهذا قانونيا أو غير قانونى ، و سواء تضمن عنفا أو كان يمكن تحقيقه بشكل سلمى.

        
* ما هى بالظبط البنية الاجتماعية للمجتمع اللاسلطوى ؟


معظم اللاسلطويين ليسوا " بالظبط " متأكدين . سيكون العالم مكانا مختلفا للغاية بعد ابطال سلطة الحكم .

لا يقدم اللاسلطويين فى العادة مخططا تفصيليا ، و لكنهم يطرحون بعض المبادئ الارشادية . انهم يقولون أن المساعدات التبادلية - التعاون  عوضا عن المنافسة - هى أصح أساس للحياة الاجتماعية . انهم فردانيين من جهة اعتقادهم أن المجتمع يوجد لمنفعة الفرد - و ليس العكس .  و هم يفضلون اللامركزية ، بمعنى أن أسس المجتمع لابد أن تكون تجمعات محلية مباشرة . ثم تتفدرل تلك التجمعات ، فيما يتعلق بالمساعدات  التبادلية ، فقط لتنسق الأنشطة التى لا يمكن أن تقوم بها التجمعات المحلية منفردة .

تقلب اللامركزية اللاسلطوية الهرمية القائمة رأسا على عقب . فى الوقت الحالى ، كلما ارتفع مستوى الحكم ، كلما زادت القوة التى يملكها .  أما فى ظل اللاسلطة ، فالمستويات الأعلى من الاتحادات ليست حاكمة على الاطلاق و لا تملك قوة قهرية ، و كلما ارتفعت كلما قلت  المسئولية المفوضة لهم من أسفل .

مع ذلك ، فاللاسلطويين يدركون خطر أنه ربما تصبح تلك الفيدراليات بيروقراطية و دولانية . نحن يوتوبيين ، و لكن أيضا واقعيين . علينا  أن نراقب تلك الفيدراليات عن كثب . مثلما صاغ الأمر توماس جيفرسون : " اليقظة الأبدية هى ثمن الحرية " .


* أى كلمات أخيرة ؟


ونستون تشرشل - سياسى انجليزى سكير ميت و مجرم حرب - كتب ذات مرة أن " الديمقراطية هى اسوأ نظام للحكم ، باستثناء ما يتعلق  بجميع الأنظمة الأخرى " . اللاسلطوية هى أسوأ نظام للمجتمع ، باستثناء ما يتعلق بجميع الأنظمة الأخرى . كل الحضارات - مجتمعات  الدولة - انهارت و تعاقبت ، حتى الآن ، بواسطة مجتمعات لاسلطوية . مجتمعات الدولة - بطبيعتها - غير مستقرة . ستنهار حضارتنا أيضا  عاجلا أو آجلا . انه ليس قريبا جدا لنبدأ التفكير فيما سوف يحل محلها ، و لكن اللاسلطويين يفكرون فى الأمر لما يزيد عن المائتى عام .

نحن ندعوك لاستكشاف أفكارنا ، و الانضمام لنا فى محاولة جعل العالم مكانا أفضل .


............................................................................................


- هوامش الترجمة :


1 . بوب بلاك  ( ولد فى 1951 ) : لاسلطوى أمريكى ، كتب العديد من المؤلفات - كتبا و مقالات - فيما يتعلق بوضع اللاسلطوية و سبلها فى عالمنا المعاصر بشكل عام ، و المجتمع الأمريكى بشكل خاص ( من أهمها " الغاء العمل و مقالات أخرى " و " اللاسلطة بعد اليسارية") . يميل لكلا من المدرسة الفردية و ما بعد اليسارية فى التراث اللاسلطوى ، مع ذلك يبقى العمل نافذة جيدة للتعريف بما يعتقده  اللاسلطويين بشكل عام .

2 . قبائل البوشمن : مجموعة عرقية بدائية ، تتوزع مابين بتسوانا و ناميبيا . يبلغ عددهم الآن حوالى 82 ألف . يعتبرون من أقدم  المجموعات العرقية فى أفريقيا على الاطلاق . أكثر ما يثير الاهتمام بالنسبة للبوشمن هو ممارساتهم الاجتماعية واضحة اللاسلطوية ، اذ  يتخذون قراراتهم بالاجماع و يفسحون مساحة واسعة للنساء لتلعب أدوارا اجتماعية تتخطى فيها الهرمية الأبوية التقليدية . و يتوج الأمر  باقتصادهم " المجانى " القائم على تقديم السلع و الخدمات طوعا بغير اتفاقات تبادلية ملزمة .