‏إظهار الرسائل ذات التسميات بيانات. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات بيانات. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 19 يونيو 2013

الاحتجاجات في ساو باولو لماذا نحن في الشوارع ؟ حركة المواصلات المجانية MPL


الاحتجاجات في ساو باولو
لماذا نحن في الشوارع ؟
حركة المواصلات المجانية MPL
ترجمة:  ياسر عبد الله


إن نظام المواصلات العامة القائم على السماح للشركات الخاصة باستغلالها وفرض تعريفة ركوب نظير خدمات النقل العام هو نظام فاشل، وسيستمر في الدخول في أزمات طالما استمر  الانتقال داخل المدينة محكوم بمنطق السلعة بدلًا من اعتباره حقًا للجميع.
فهذا المنطق، المسمى بمنطق الربح، يقود الشركات لرفع الأجرة بشكل متكرر بدعم من الحكومة، وهذا الارتفاع في الأجرة يدفع في النهاية ركابًا أكثر للتوقف عن استخدام المواصلات العامة، ومع قلة عدد الركاب، تشعر الشركات بالحاجة لرفع الأجرة مرة أخرى.
هذا عمل من أعمال العنف تجاه قطاع عريض من السكان، الذين، كما أوضح مقال نشر على موقع UOL  الأخباري مؤخرًا، عليهم الاختيار ما بين الطعام، أو دفع أجرة المواصلات، فحوالي 37 مليون برازيلي عليهم الامتناع عن ركوب المواصلات العامة لأنهم لا يستطيعون دفع الأجرة، وهذا الرقم ليس من اختراعنا ولم يأتِ من فراغ : فلقد بلغت الزيادة من 20 سنت (الريال البرازيلي[1] يقسم إلى 100 سنتافوس أو سنت) إلى 20 سنت أخرى (أي الضعف)، لقد أصبحت المواصلات، طبقًا للمعهد البرازيلي للجغرافيا والإحصاء IBGE ثالث أكبر مصدر نفقات للأسرة البرازيلية، وهذا ينزع حق التنقل من السكان.
بهذا المنطق، فإن على السكان المضطرين إلى استخدام المواصلات للذهاب إلى العمل، دفع الأجرة، بأكملها تقريبًا، بأنفسهم، دون أية مساهمة من القطاعات الأخرى المستفيدة من خدمات النقل العام، لهذا السبب نحن نؤمن بحقنا في المواصلات المجانية، التي لا تعني شيئًا أكثر من الدعم غير المباشر لقطاع النقل العام، وتقسيم تكلفة المواصلات العامة على الجميع طالما إن الجميع يستفاد من المواصلات.
هذا هو السياق الذي أدى لظهور حركة المواصلات المجانية في أكثر من مدينة برازيلية، ولهذا السبب كنا نناضل لسنوات من أجل تحسين وتحويل النظام السائد في إدارة المواصلات العامة، الآن، وبينما نتظاهر الآن ضد رفع أجرة الأتوبيسات في ساو باولو[2]، هناك آلاف آخرون يعلنون التضامن معنا في ريو دي جانيرو[3] وفي غويانيا[4]، حيث تم ربح معركة تخفيض الأجرة، مثلما حدث في بورتو ألِغرِه[5] منذ شهرين مضيا.
إن الحمل الثقيل على جيب المواطن العادي دفع المظاهرات لأن تكبر أكبر من الحركة نفسها، وأعمال العنف من قبل الشرطة العسكرية، جعل صبر المتظاهرين ينفد، وحول المظاهرات إلى انتفاضة شعبية.
لقد تحدث العمدة فرناندو حداد[6]، من باريس، وكذلك حاكم الولاية[7] جيرالدو ألكمين[8]، وطالبا من الحركة (حركة المواصلات المجانية) تحمل مسئولية لا تخصها، فلسنا من وقع العقود مع الشركات ولا نحن من حدد تعريفة ركوب المواصلات العامة لتقع على كاهل الفقراء، ولسنا نحن من قال أن الزيادة دون معدلات التضخم دون الوضع في الحسبان، أنه منذ 1994حتى الآن، بحساب تراكم معدلات التضخم الذي وصل إلى 332% فإن تعريفة ركوب الأتوبيس ستبلغ 2.16 ريال برازيلي، وستبلغ تعريفة مترو الأنفاق 2,59 ريال برازيلي.
إلى جانب ذلك فإننا نسأل : هل تراعي زيادة أجور أغلب السكان معدلات التضخم ؟
إن عدم التوافق ما بين تكلفة نظام المواصلات العامة، وكم ومتى وكيف يتحمل المواطن لاستخدامها، يبين كيف أن القرارات على الصعيد السياسي تتعارض مع الجانب التقني، إنها مسألة اختيار، لو قرر مجتمعنا أن النقل العام حق مكفول يجب أن يتاح للجميع، بدون أي محاذير أو تكاليف، فسيجد وسيلة لتحقيق ذلك، وهذا ما يجب حدوثه، كذلك، مع التعليم والصحة، لكن بدون مواصلات عامة، يرى المواطنون أن انتقالهم إلى الأماكن الضروية محظور عليهم، هل سيكون من حقنا أن نطالب تلميذًا بدفع تكلفة تعليمه؟ أو تلقيه الرعاية الصحية ؟
لا يمكن أن يتهرب العمدة فرناندو حداد من مسئوليته ويتوارى خلف حيلة الاشتراكات الشهرية، فهذا المقترح سيخدم فقط قطاعًا صغيرًا من الركاب لكنه سيرفع الدعم الحكومي لقطاع النقل العام بنسبة أكبر من 50%، ذلك الدعم الذي يمكن أن يوجه لخفض تعريفة الركوب.
المطلب الشعبي العاجل هو إلغاء الزيادة في تعريفة الركوب، وفقط عند تحقيق هذا الشرط يمكن لأي حوار أن يحدث، لقد حقق السكان هذا المطلب في ناتاو[9]، بورتو ألِغرِه وغويانيا، وساو باولو ستحقق ذلك عما قريب.

عن حركة المواصلات المجانية MPL  نينا كابلو، إريكا دي أوليفيرا، دانيال غويماريس ورافايل سيكويرا.





[1] الدولار الأمريكي يساوي حوالي 2.01 ريال برازيلي، ويرمز للريال البرازيلي بـ R$.
[2] تقع مدينة ساو باولو  (عاصمة ولاية ساو باولو) في جنوب شرق البرازيل وهي أكبر مدن البرازيل وأكبر مدن الأمريكتين وأكبر مدينة في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية وسابع أكبر مدينة في العالم من حيث تعداد السكان، يبلغ عدد سكانها 11 مليون و300 ألف نسمة.
[3] تقع مدينة ريو دي جانيرو في جنوب شرق البرازيل، وهي ثالث أكبر مدينة برازيلية، يبلغ عدد سكانها 6 ملايين و 300 ألف نسمة.
[4] تقع مدينة غويانيا (عاصمة ولاية غوياس) في غرب وسط البرازيل، ويبلغ عدد سكانها مليون و300 ألف نسمة.
[5] تقع مدينة بورتو ألِغرِه (عاصمة ولاية ريو غراندِه دل سول) في جنوب البرازيل، ويبلغ عد سكانها مليون ونصف نسمة.
[6] العمدة فرناندو حداد (عمدة مدينة ساو باولو) شغل منصب وزير التعليم من 2005 حتى 2012 عن حزب العمال البرازيلي، تم انتخابه عمدة مدينة ساو باولو عام 2013 خلفًا لغلبرتو كساب.
[7] تقسم جمهورية البرازيل الاتحادية إلى 26 ولاية ومنطقة فيدرالية واحدة تتمتع بخصائص الولاية هي العاصمة برازيليا، وتقسم الولايات إلى خمسة أقسام جغرافية هي الشمال والشمال الشرقي ووسط الغرب والجنوب الشرقي والجنوب.
[8] جيرالدو ألكمين تم انتخابه حاكما لولاية ساو باولو في 2011 مرشحًا عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي البرازيلي، خلفًا لألبرتو غولدمان.
[9] تقع مدينة ناتاو (عاصمة ولاية ريو غراندِه دو نورتِه) في شمال شرق البرازيل، ويبلغ عدد سكانها 950 ألف نسمة.

الأربعاء، 28 نوفمبر 2012

استكمال الثورة هو الضمان الوحيد ضد فاشية الإسلام السياسي



استكمال الثورة هو الضمان الوحيد ضد فاشية الإسلام السياسي



قامت ثورة 25 يناير من أجل تحقيق مطالب ثلاثة لخصها الشعب في شعار بسيط (عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية)،  ولم تقم أبدًا من أجل تنصيب حاكم فرد مستبد تتركز في يده كل السلطات، ولا لكي تقيم حكم جماعة تحتكر التحدث باسم الدين وتمارس وصايتها على الشعب باسم الدين، وتتخذ القرارات التي تحدد مصيره بالنيابة عنه، تحت غطاء وهمي يتمثل في حرية شكلية يمارسها الشعب كل عدة سنوات عبر صناديق الانتخاب التي لا يمكن لها إلا أن تكون انعكاسًا لتوازنات القوى بين فئات الطبقة الحاكمة المحتكرة لعناصر القوة في المجتمع متمثلة في المال والنفوذ واحتكار المعرفة، ولا يمكن بالتالي أن تعبر بأي حال عن إرادة حرة لمن يساقون إليها، فيتم تزوير هذه الإرادة و التحكم في نتائج الانتخابات بالأموال، و النفوذ، و شراء الأصوات واستغلال عواطف الناس الدينية.
 لقد لعب الإسلاميون منذ اندلاع ثورة 25 يناير دورًا هامًا في عرقلة تطور وعي الثورة الجمعي فدور الإخوان وحلفائهم هو امتداد لدور الأنظمة السابقة، في حماية إسرائيل وقمع الحركات الاجتماعية الصاعدة، تلك الحركات التي من الممكن أن تؤدي إلى ثورة اجتماعية شاملة في المنطقة العربية، وكان يجب وأدها قبل ارتباطها بإرهاصات الثورة الاجتماعية في جنوب أوروبا، وذلك يعد استكمالًا لدور مبارك الرئيسي كحارس لحدود إسرائيل وقامع للإسلام المتشدد، وقد تجلى دور قمع الحركات الاجتماعية في المراسيم التي حاولت حكومة عصام شرف إقرارها، المُجرمة لحق العمال في الإضراب والاعتصام، تلك الحكومة التي دعمها الإخوان قلبًا وقالبًا، خدمة للرأسمالية العالمية وتدفق رؤوس الأموال، ورغبة منهم في عرقلة تطور الثورات العربية والوقوف بها عند حدود سلطوية تستبدل ديكتاتورية بديكتاتورية أخرى، وتقف عائقًا أمام الحاق حركة الثورات العربية بتلك الناشئة في جنوب أوروبا، عن طريق صياغة هوية فاشية قائمة على رفض الجميع وإخضاعهم للوصاية السلطوية الشاملة.
وانكشفت حقيقة الإسلاميين، عندما وصلوا للحكم، وذلك بعدم اتخاذ أي قرارات جذرية لحل الأزمات  التي ترهق الجماهير، في حين شغلوا الحياة السياسية بقضايا فرعية وتافهة،  فلم يتخذ محمد مرسى أي إجراءات لتحقيق العدالة الاجتماعية،بل عمل هو ومعه التيار الإسلامي كله على كسر الإضرابات المتتالية واتهامها باتهامات ساذجة من قبيل الاعتداء على حرية العمل و تعطيل عجلة الإنتاج.
ومن ناحية أخرى فالتيار الإسلامي المسيطر على اللجنة التأسيسية للدستور والذي أصبح منفردا بها بعد انسحاب القوى الأخرى ما زال مصرًا على صياغات تقيد الحريات الإنسانية الأساسية، وهو ما يعطل إصدار الدستور حتى الآن، بسبب رفض القوى الأخرى لتلك الصياغات، ولذلك عمل محمد مرسي على تحصينها من الحل بحكم قضائي كان متوقعًا بعد أن فقدت شرعيتها، إلا أن مرسى لم يكتف  بهذا بل أعلن أيضًا تحصين قرارته من الطعن القضائي  وذلك فى ظل عدم وجود سلطة تشريعية لمراقبة هذه القرارات، كما منح نفسه سلطة تقديرية مطلقة في اتخاذ كل ما يراه مناسبًا من إجراءات بدعوى حماية أمن الوطن وسلامة أراضيه وما إلى ذلك من المصطلحات الفضفاضة التي تعج بها اللغة القانونية للاستبداد، ومن ثم أصبح فرعونًا جديدًا، وحاكمًا بأمره، لا معقب على حكمه ولا راد لقضائه، هكذا كشفت قرارات مرسي عن وجه التيار الإسلامي الحقيقي الذي اعتبر الثورة مجرد انقلاب سلطوي لاستبدال ديكتاتور بديكتاتور، و لا شك إن هذا لا يخص مرسي وتياره وحده لكن هناك قطاع عريض من القوى السياسية ينظر للثورة باعتبارها مجرد انقلاب سلطوي يتبعه تنصيب مستبد عادل، تيار عريض ينظر للثورة على إنها استبدال وصاية بوصاية أخرى وحكم سلطوي بحكم آخر.
وصاحب هذا الإعلان الدستوري الذي ألقاه مرسى مظاهر فاشية لا تخطئها العين لتدشين نظم يعادي ويتناقض مع مبادئ الثورة وأهدافها، فقد وجه خطابه لجماعته لا للشعب مما يشير لنيته لاستمرار نظام دولة الحزب الواحد، ، فيصبح حزب الحرية والعدالة بدلًا من الحزب الوطني، ومظاهر تمجيده كزعيم ملهم  بوضع صورته خلفه أثناء الخطاب، فضلا عن لغة التهديد لمعارضيه واتهامهم بكونهم من فلول النظام وممولين وبلطجية، و كان أول قانون تم تمريره في اليوم التالي لقرار مرسي هو قانون "حماية الثورة" الذي يحيل مجموعة من مواد قانون العقوبات المقيدة لحرية الرأي والتعبير والتظاهر والنشر إلى اختصاص نيابة استثنائية جديدة، ويسوق ذلك تحت ستار إعادة محاكمات قتلة الثوار والذي اشترط له ظهور أدلة جديدة فلا يعدو أن يكون تحصيل حاصل، وأتبع ذلك بإصدار تعديل لقانون النقابات العمالية يقيد حرية واستقلالية الحركة العمالية التي كانت أحد مكاسب ثورة 25 يناير.
 أمام هذا الوضع فإن المهمة الثورية ليست هي إسقاط الأخوان و الإسلاميين فقط بل إسقاط كل أجنحة الطبقة الحاكمة والمالكة سواء أكانت في الحكم أو في المعارضة الإصلاحية، هؤلاء الذين أعاقوا الثورة و خانوها بتكالبهم على السلطة، والذين سوف يكررون جرائم الإسلاميين لو أتيحت لهم الفرصة للحكم. و لا يختلفون كثيرا مع فاشية الأخوان ولا السلفيين إلا في بعض التفاصيل والرتوش الجمالية، فالبرجوازية في ظل الأزمة لا يمكنها إلا أن تكون فاشية و لا يجب أن نأمل منها حتى تحقيق مطالب الديمقراطية والليبرالية البرجوازية الصورية الهزيلة.

الشعب يريد إسقاط النظام
أناركيون شيوعيون
القاهرة 28 نوفمبر 2012

الأحد، 17 يونيو 2012

بيان : ثورتنا ليست إشاعة



بيان : ثورتنا ليست إشاعة !



عن موقع نواة


مازلنا نريد إسقاط النظام
ومازال شعارنا : شغل حرّية وكرامة وطنية
لا نهضة لا دساترة، لا حداثويين لا سلفيين … سنصنع البديل الذي يستجيب لمطالب الثورة !
لمّا اندلعت شرارة الثورة التونسية في 17 ديسمبر 2010، بعدما شبع شعبنا حَرقةً وحُرقةً واحتراقا وبعد أن سلبه الذين لا يشبعون قوته وحقوقه، كانت الشعارات التي هتفت بها الحشود واضحة صريحة:
“الشعب يريد إسقاط النظام”
“شغل، حرية، كرامة وطنية”
وكان العدوّ، رغم وجوهه المتعدّدة، سهل التوصيف: “سرّاقين بلادنا، قتّالين ولادنا“.
أمّا اليوم، بعد عام ونصف من “تهريب” بن علي، فان غضبنا يتصاعد يوماً بعد يوم بعد أن نجح شركاؤه الفعليون داخليًا وخارجيًا وشركاؤه الافتراضيون، الذين كانوا يتوسّلون شراكته دون جدوى في أغلب الحالات، في الالتفاف على شعارات الثورة وتشويهها ومحاولة شطبها من رهانات الحاضر فضلا عن محوها من الذاكرة الجماعية، كما أرادوا مثلاً عند فسخهم شعارات اعتصام القصبة…
بل ووصل بهم الأمر اليوم الى حدّ تحويل ثورة الكرامة الى مسرح صراعات هويّات قاتلة يتنافس على ركحه “رجعيّو الأنوار” مع “رجعيّي الظلام” على استلاب وعي النّاس وحرفهم عن القضايا التي ثاروا من أجلها… وذلك في نفس الوقت الذي يُفرج فيه القضاء غير المستقلّ عن المتّهمين بقتل شهدائنا ويتستّر فيه على الفاسدين الذين امتصّوا عرق فقرائنا ونهبوا ثروات بلادنا…
كلّ ذلك لصالح الحرب الضارية على السلطة والامتيازات المستعرة بين أحزاب وجمعيّات ولوبّيات هؤلاء الشركاء الذين تحرّكهم نفس الثقافة الزبونية اللاوطنية؛ ولا يهمّهم إلاّ الصراع المحموم على السلطة في المنابر الإعلامية والشبكات الاجتماعية وفي المحطّات الانتخابية وفي مواجهات ميليشياتهم وفي كواليس دوائر النفوذ المالي والسياسي الدوليّين.
إنّها الحرب القذرة التي تطحن رحاها يوميًا كلّ من شارك في الانتفاضة الشعبية. فيسجن القضاء الفاسد شباب الثورة ويعتدي البوليس المجرم على جرحاها وعلى أهالي الشهداء وعلى المعطّلين عن العمل والطلبة. وتسحق السياسة الاقتصادية التابعة من لا سقف لهم إلاّ سقف الفقر. ويشارك الاعلام المشبوه، على اختلاف ولاءاته، في تضليل الناس وتغيبب حسّهم النقدي لتيسير رميهم حطبًا لنار التعصبّ أو أوراقًا في صناديق الاقتراع.
أما قطبا هذه الرحى فهما كالآتي:
الترويكا: أو “كيف نبقى بالسلطة لأطول مدّة ممكنة”
أ – النهضة: رأس حربة الترويكا أو”الأغلبية الشرعية الشعبية المؤقّتة”
- تعيد إنتاج منظومة الحزب-الدولة دون أدنى حياء، وذلك بتنصيب الأعضاء والأقرباء والأنصار والموالين في جلّ المناصب الحكومية والإدارية. ولا تتوانى في عقد التحالفات مع التجمّعيين لضمان مساعدتهم ايّاها في الحفاظ على السلطة بحجة “مكره أخاك لا بطل” و”التجمع يتحكّم في دواليب الدولة “؛
- برنامجها الاقتصادي نيومحافظ – نيولبيرالي، يعتمد على ثقافة الصدقة ويتجاهل الصراع الطبقي (الذي تعتبره النهضة بدعة)، ويواصل خدمة أصحاب النفوذ والثروة على حساب الفئات المحرومة؛
- تستورد نماذج سياسية ودينية واقتصادية من الخليج وغيره، كما تتستّر بشكل سافر على الاعتداءات السلفية وتحمي المعتدين؛
- تتقاعس بشكل مثير للريبة عن معالجة الملفات الحسّاسة والعاجلة كتلك المتعلقة بالمحاسبة في قطاعات الأمن والعدل والمالية. بل وتتصرّف أحيانا بطريقة يُستَشفّ منها نوع من الانتقائية في رغبة المحاسبة (كأنّ المستعدين لتقديم ولائهم وخدماتهم يتمتّعون بحصانة شبه علنية عملا بقاعدة “من دخل دار أبي سفيان فهو آمن”) ؛
- سياستها الخارجية تقوم على منطق “من يدفع لنا فهو منّا ومعنا”، مهما كان هذا الطرف ومهما كانت جرائمه في حقّ شعبنا أو شعبه أو في حق الشعب الفلسطيني الشقيق؛
- ورغم بداهة ما تتمتّع به النهضة من درجة عالية من فقدان الكفاءة في شتّى المسؤوليات والملفّات التي تكفّلت بها إلاّ أن ذلك لا يفسّر الفرق الشاسع بين الخطاب ماقبل-انتخابي والخطاب مابعد-انتخابي، ولا التناقض الفاقع بين الخطاب الرسمي للقيادة وممارسات القواعد المعروف عنها انضباطها.
ب – حليفا النهضة: كـ”الزير المتكّي لا يفرّح لا يبكّي”
حزبا المؤتمر والتكتل، اللذين كان من المفترض أن يعدّلا ميزان قوى الأغلبيّة بشكل يضمن “القطيعة” مع استبداديّة النظام السابق، كرّسا بالعكس هيمنة النهضة. الأمر الذي ساهم في إغراقهما في انقسامات خطيرة أضعفتهما، كما أنّ جلّ وزرائهما في الحكومة لا يختلفون عن وزراء النهضة في ضعف الكفاءة وغياب الجرأة وأحيانًا في استغلال النفوذ. كما أنّ ذريعة الانشغال بالعمل على الدستور التي يلجأ لها الحزبان غالبًا لم تعد تنطلي على أحد.
المعارضة: أو كيف نسترجع االسلطة لأطول مدّة ممكنة.
أ – التجمع الدستوري: أو “داوني بالتي كانت هي الداء”
بعد أن تم حلّه قانونيا وبطريقة جعلت ملفّاته والعديد من ممتلكاته وأرصدته وأرشيفه في مأمن، وبعد أن تولّى قيادة البلاد في الفترة الانتقالية الأولى (قبل الانتخابات)، أمسى كوادر هذا الحزب بين عشيّة وضحاها يتغنّون بالثورة ويطلقون على النظام الذين كانوا أوفى حرّاسه اسم “العهد البائد”.
وانبعث من جديد حزب القمع والفساد والاستبداد في هيئة العشرات من الأحزاب والجمعيات بشكل فاضح، مستفيدًا من شبكاته القديمة التي لا يمكن للثورة ان تنجح من دون تفكيكها. إذ بات من الواضح أن الطبقة التي حكمتنا نصف قرن، حاشيةً لبورقيبة ثمّ لبن علي، لن تقبل التخلّي بسهولة.
بل إنّها محافظة على عجرفتها (لم يسجّل التاريخ ولو اعتذارات رمزية لمسؤولي التجمع من الشعب الذي قمعوه وسلبوه وقتّلوه، بل بالعكس كانت تصريحات العديد منهم مهينة في حقّ ضحاياهم) وعلى مصالحها ومصالح لوبياتها بتواصل تغلغلها في وسائل الإعلام وبضغوطها على القضاة الفاسدين لإطلاق سراح من تمّ إيقافه من بينهم ولاسترداد وتهريب أموالهم المسروقة من المال العامّ والخاصّ؛ وبالتقرّب ومحاولة عقد الصفقات المريبة مع حكام الترويكا الجدد عامّة والنهضة خاصّة لضمان حمايتهم مقابل خدمات يحقّ لنا التساؤل عن نوعها (خاصة إذا ما تذكرنا على سبيل المثال رفض وزير الداخلية النهضوي نشر قائمة البوليس السياسي ومخبري التجمّع).
ويحاول الدساترة التنكّر في لبوس ” عذرية حداثية بورقيبية” كانوا هم المسؤولين التاريخيين عن عدم اكتمال مشروعها وبقائه مفهوما سطحيا مُسقَطًا لا يستوعب المجتمعَ ولا يحتضنه المجتمعُ؛ يواصلون مغازلة الغرب والمتغرّبين بشعارات “دولة القانون” و”حقوق المرأة” و”الدولة-الأمّة” وبرسم استراتيجية واضحة تواصل تكريس نفس النموذج السياسي الاقتصادي والاجتماعي وذلك بـ:
اختزال المشكل الاقتصادي في مجرّد مشكل رشوة وفساد
اختزال النظام الاستبدادي والديكتاتوري في تجاوزات العائلات المصاهرة لبن علي.
اختزال الفساد في الممارسات الاقتصادية والسرقة امّا المشاركة في الاستبداد فهي “اجتهاد خاطئ” لا فساد.
وهي طريقة فعّالة لصرف الأنظار والانتباه الشعبي عن مواقعهم الحساسة التي مازالوا يتولّونها في ادارات الدولة ودواليب الاقتصاد ولحفظ نفس النظام الذي مازال يحمي امتيازاتهم إلى يوم الناس هذا.
ب – الأحزاب “الديمقراطية”: “إجريولنا ضربونا”
وهي خليط من الليبراليين واليساريين البورجوازيين الذين يحصرون صراعهم في حلبة الدفاع عن الحريات الفردية وحقوق الانسان. وهو صراع من أجل قضية نبيلة وعادلة غير أنّه في الأصل جزء لا يتجزّأ من القضية الكبرى: قضية الحرية في معناها الأشمل الذي يضمن حقوق الانسان الاقتصادية والاجتماعية. وبالتالي فإنّه لا معنى للتشدقّ بهذه الشعارات في ظلّ هيمنة طبقة ميسورة على أخرى ما تزال تتخبّط في هاجس الخبز اليومي والتهميش الثقافي والسياسي.
ومن المعروف أن هذه الأحزاب كانت لتكتفي برحيل بن علي أو حتى بقبول هذا الأخير مشاركتها إيّاه في الحكم، وهو ما جعلها تراكم الأخطاء التاريخية (من موقف 13 جانفي إلى مشاركة بعضها في حكومتيْ الغنّوشي) دون اعتذار، حافرةً بيديها الهوّة بينها وبين عامّة الشعب الذي طالما حاولت دون جدوى استمالته بشعارات العدالة الاجتماعية والديمقراطية التشاركية التي تستعملها بإفراط بلاغي دون أن يكون لها أدنى تصوّر أو مشروع مجتمعي يكرّسها ويبني لها مصداقية بين الفئات المفقّرة والمهمّشة.
ولعلّ هذه القطيعة السياسيّة المبكّرة التي جعلتها في معزل عن الشرائح الشعبية، والتي عمّقتها بانخراطها في لعبة الهُويّة المسمومة واستنزاف طاقتها للدفاع عن العلمانية كأولوية وطنية قبل ملف المحاسبة والعدالة الاجتماعية، هي ما جعلتها في حالة ضعف خطير أيقظ فيها غريزة البقاء – بدل أن يحدو بها إلى النقد الذاتي ومراجعة مواقفها وتموقعها داخل المجتمع.
الأمر الذي أدّى بها إلى ارتماء انتحاري في أحضان آبائها الروحيّين – البورقيبيون- وانخراطها معهم في حلف ضد “القوى الظلامية”، وفي دوّامة احتقار بورجوازي حقير للجسم الانتخابي والفئات الجهوية والاجتماعية التي رفضتهم و/أو لم تفهم مقاربة “الحداثة” التي ينادون بها.
وهي مقاربة لا تختلف جذريا عن المقاربة الحداثية المسقطة على المجتمع والتي أنتجتها الديكتاتورية كآلية هدفها الأول شرعنة بقائها وتسويق صورتها في الغرب؛ ممّا أضرّ أساسا بالمشروع المجتمعي التحرّري الحقيقي الذي لا يمكن أن يبنَى على غير قاعدة الحسّ النقدي والحوار والابداع المتواصل مع الموروث الثقافي والتضامن الإجتماعي والبحث والتعبير الحرّين (أي كلّ ما عطّلته الديكتاتورية التي تتحالف الأحزاب “الديمقراطية” اليوم مع أزلامها).

ج – اليسار: “فرايجيّة ونبّارة أو خانها ذراعها قالت مسحورة”
جزء منه اختار “الحلّ الأسهل” المتمثّل في التحالف الانتهازي مع “الاحزاب الديمقراطيّة” والانخراط في معركة “الحداثة” المغلوطة. فيما يحاول جزء آخر يضمّ أحزابا ونقابيين ومستقلين تجاوز ثنائية القوى المضادة للثورة ومواصلة المسار الثوري الذي كانوا في طليعته، قبل أن تتجاوزها الأحداث والحسابات الخاطئة، وطرح المسألة الاقتصادية وملف المحاسبة كأولوية عاجلة. لكنّ يبقى البعض رهينة صراعات زعاماتية و”مذهبية” سخيفة وبالية، وضحية عجزٍ عن الابداع الفكري وممارسة سياسيةٍ وتواصلية أثبتت عدم نجاعتها، في ظلّ حملات التشويه والتكفير والتضييق الأمني والمالي التي يمارسها ضدّها قطبا الثورة المضادّة (الإسلاموي والحداثوي).
عجز متراكم يجعلها نادرا ما تتجاوز مربّع ردّ الفعل إلى الفعل والمبادرة، وتجعل دورها هامشيًا في المعركة القائمة بين القوى المعادية للثورة.
إن هذا المناخ السياسي، الذي أقلّ ما يمكن أن يوصف به هو أنه مزري وبائس، يدلّ على مدى استفحال داء الدكتاتورية وثقافتها في الطبقة السياسية. وما يزيد الطين بلّة هو انّ الحرب الضروس التي تدور اليوم بين النخب الحاكمة القديمة والجديدة – قطبيْ الرحى – تغذّيها وتُسندها النخب السياسية والاقتصاديّة الغربية وتوابعها الخليجية التي لا تدّخر جهدًا لتقوية حلفائها (من الشقّين) اللذين يتنافسان على إرضائها وحماية مصالحها التجاريّة والماليّة والأمنيّة. وهو ما تثبته الأموال السياسيّة الطائلة التي ما انفكّت تنهمر على بلادنا، وتغرق “المجتمع المدني” الوليد بتمويلات مشبوهة تئد استقلاليّته وتفرغه من مضمونه الوطنيّ. ذلك بالإضافة إلى الحصانة المنيعة والتعتيم الذي تتمتّع به المؤسسة الأمنية والعسكرية والبنك المركزي مقابل حفاظهما على النظام السياسي والاقتصادي الذي لا يخدم غير مصالح القوى الأجنبية – أي بتعبير موجز: مقابل حفاظهما على حالة الاستعمار غير المباشر.
الحاصل : “بن علي هْرَبْ”، أما “إلي خلّى خليفة ما ماتِشْ” وما كلمة “النظام البائد” إلاّ ذرّ رماد على العيون.
يتصارع الفريقان المهيمنان على الحكم والمعارضة من أجل وراثة التحكّم في نفس النظام السياسي والإقتصادي والاجتماعي القائم على استغلال الفئات الشعبية والتفريط في ثروات البلاد وإغراقها في الديون وأسرها في التبعية، محافظين بشراسة على ما اكتسبه كل منهما من امتيازات، دون أي تجاوز للثنائيات التي تعيق تطوّر بلادنا منذ نصف قرن (السواحل/المناطق الداخلية، النخبة/الشعب، السياحة/الفلاحة)…
تُحرّك كلا الفريقين نفسُ العقلية الانتهازية والنزعة الاستبدادية مهما اختلف شكلها، ملتحيًا كان أو أمردا، في جلباب أو في تنّورة قصيرة، سواء كان بيده سبحة أو كأس نبيذ، سواء كانوا عبيدًا لفرنسا أو جواريَ لقطّر… وهم في كلّ الحالات جنودٌ لأمريكا.
أما الفئات الشعبية، وقود الثورة والوجبة اليومية لعصابة السرّاق، فهي لا تغدو فاعلا إلاّ في الجمل الرنانة التي تزيّن خطب السياسيين العصماء الذين نصّبوا أنفسهم ناطقين رسميّين باسمها في نفس الوقت الذي يعملون فيه على قيادتها إلى مذبحة المواشي. هذه الفئات غائبة تماما من معادلة الحرب التي أنتجتها ثورتها، لا يعبّر عنها أحد سياسيًا، فتلجأ إلى حلول من نوع حرق الذات، وقطع الطرق والاعتصام، ومواجهة رجال الأمن الفاسدين. عندها يهرع كلا الفريقين السياسيّين الى تشويه صورتها، فبينما ينادي أحدهما بصلبها وتقطيع أوصالها ينادي الثاني بإحالتها على قضاء ليس لأيّ منهما مصلحة في التعجيل بتطهيره. ذلك علاوة على تحويلهما وجهة الغضب الاحتجاجي الثوري، كلّما بات خطرًا عليهما، إلى طاقة تغذّي العداء الهُويّاتي – جهوي أو قَبَلي أو طائفي أو ديني\علماني – خاصّة في الجهات التي ترقد على ثروات طبيعية كالحوض المنجمي.

بناءًا على قراءتنا لهذا الوضع،
نحن التوانسة الممضون أسفله،
نساءًا ورجالا،
متديّنين أو غير متديّنين،
عمّالا وإطارات وطلبة وفلاحين، بطّالة أو شغّالين :
- نرفض أن نكون رهينة لأيّ من هذيْن الفريقين السياسيين المصمّميْن على خيانة الثورة عمليًا عبر الحفاظ على النظام الجائر الذي ثار عليه شعبنا؛ وبالتالي نرفض أن يكون خيارنا الديمقراطي الوطني محصورا بين عدوّيْ الثورة: النهضة وحلفائها والقايد السبسي وحلفائه؛
- عاقدون العزم على “التشويش” و”المشاكسة السياسية” عبر القلم وفي الساحات حتّى بلورة مشروع بديل نقدّمه إلى شعبنا وقواه الحيّة لنقاشه واثرائه والمضيّ سويّة في تفعيله؛.

مشروع لا مكان فيه لإستيراد قوالب سياسية او فكريّة جاهزة أو وصفات سحرية خارجية، ولا يكتفي بشعارات مطلبية جزئيّة جوفاء وفضفاضة من قبيل ” المزيد من العدالة الاجتماعية” و”التخفيف من التباينات التنموية الجهوية”
فالمطلوب برأينا بديل فكري سياسي اقتصادي فنّي اجتماعي… نمدّ أيدينا لصياغته مع كلّ من يشاركنا قراءتنا للمشهد وتحرّك فيه كلماتنا الألم والأمل؛ بديل لا يمكن ان يُبنَى بعيدا عن ساحات الواقع ولا بمنآى عن النضال على الجبهات المحورية التالية التي يفتحها شعار “شغل، حرية، كرامة وطنية”:

أوّلاً، “الشعب يريد المحاسبة“: إرساء آليات عدالة انتقالية تمثّل الضمانة الوحيدة للقطيعة مع النظام. رفض الاكتفاء بالتعويضات الماديّة، وضرورة الكشف العمومي عن كلّ قائمات وملفات البوليس السياسي والرشوة والفساد المالي واستغلال النفوذ والإجرام الفردي والمنظّم. إذ لا سلمَ بلا عدالة.
ثانيًا، “التشغيل استحقاق يا عصابة السّرّاق“: إن الصراع الطبقي موجود فعلا رغم نفي كلا الفريقين، وقد عبّر عن نفسه بوضوح منذ بداية الثورة في الجهات والأحياء المحرومة. ومادام لم يُعتَرَف به فانّ “الغضب الساطع آت” مجدّدًا لا محالة ولن تنجح الحلول الترقيعيّة او التخديريّة في اطفاء جذوته. إذ لا يقتصر الأمر على الفساد، بل يتعلّق بمنطومة اقتصادية واجتماعية يجب تغييرها برمّتها ومن دون ذلك لا مجال للحديث عن عدالة اجتماعيّة حقيقيّة، الشرط الضرورة لضمان الحرّيات العامّة والفرديّة.
ثالثًا، “الشعب التونسي شعب حرّ، لا أمريكا لا فرانسا لا قطر“: فضح الصفقات المشبوهة بين كلا الفريقين والنخب السياسية والاقتصاديّة الأجنبية؛ استرجاع أموال الشعب المنهوبة: لا ديمقراطية حقيقية بلا سيادة وطنية، ومن دون استقلاليّة القرار الوطني في كافّة المجالات.
نحن واعون بجسامة المهام التي نطرحها على أنفسنا وعاقدون العزم على توحيد قوانا لصياغة مضمون ملموس لهذه المهام وللنظام الحرّ والسيادي والعادل الذي نبتغيه لشعبنا كبديل عن النظام الذي طالب وطالبنا معه بإسقاطه.
مازلنا نعاني الهشاشة والضعف وسوء التنظّم، مازلنا مشبَعين بالتفاؤل والمثالية والشاعرية، لكنّنا مصرّون على ألاّ نترك القوى المعادية للثورة تنام قريرة العين، مصرّون على ألاّ نترك شعبنا ضحيّة واعية أو غير واعية لجلاّده ذي الوجهين.
وسيعلو صوت صراخنا من جديد فوق كلّ الشوشرات السلفية والحداثوية والنداءات المستنجدة بالديناصورات السياسية؛ حتّى لا ينسى أحد- وما تتآمر أغلب الطبقة السياسية من أجل أن يُنسى- ما مات من أجله شهداؤنا: حقّ شعبنا المسلوب في الشغل والحرّية والكرامة الوطنيّة.

كتب هذا البيان ووقّعه:
هالة اليوسفي، تريد الحياة و ستقاوم حتى يستجيب القدر.
غسّان بن خليفة، مواطن يرى انّ اسقاط النظام مهمّة ثورية لم تتمّ بعد.
بسام بونني ، مواطن مع تأجيل التنفيذ.
شكري حمد، لا صوت يعلو فوق صوت الشعب.
غسان عمامي، مواطن يريد إسقاط النظام ومحاسبة الأزلام واستكمال المهام لتحقيق الأحلام في الحرية و المساواة والسلام.

قائمة غير حصريّة للموقّعين :

وجدان الماجري، تريد الحقيقة.
نضال شامخ، إنسان يريد أحلام الشّهيد.
هاشم الوشّام، تونسي يريد بلدا نرتقي فيه من درجة “الرّعاع” إلى المواطنين.
فريال مباركي، لم اختر وطني ولكني اخترت حبه و جننت به حتى الموت من أجله فلست أغلى من شهدائه، أحلم أن أنجب منه حرية و كرامة و سلام فلا تقتلوا أحلامي ولن تقتلوني.
وفاء عبيدة، إنسانة تحب حق الشّهيد و الجريح و حق الحراق و الحق في الحلم.
حسني هارتلي، تونسي يريد الوعي والحرية.
أروى بركات، انسانة تريد الحرية والعدالة الاجتماعية باجتثاث النظام الفاسد.
غيث يوسفي، مواطن من سيدي بوزيد يريد : شغل حرية كرامة وطنية.
حبيب عايب، كرامة، شغل وعدالة إجتماعية.
سلمى المستيري، مواطنة تونسية تريد شغل حرية ،عدالة إجتماعية، و شعبًا واِعيًا عَقلياً، نفسياً وجسديًا.
ذكرى حواشي، مواطنة تريد الشغل والحرية والعدالة الاجتماعية.
ثريا عمامو، أريد حق المواطنة لكل التونسيين، العدالة الاجتماعية والحريات لن ترسخ إلا بإسقاط النظام السائد٠المحاسبة و إسترجاع الحقوق بداية.
قيس اليوسفي، مشروع مواطن يامن بانّ الانسان فوق كل اعتبار…يسقط النظام وينتصر الانسان.
مريم بن ترجم، مواطنة تريد عدالة مستقلة و إعلام حر.
منصف طالب، مواطن تونسي أريد المحاسبة ثم المصالحة ….لان ما يبنى على الباطل باطل.
داوود عبد المنعم الفالح، مواطن تونسي يريد العدل و العدالة.
سامي بن غربية، نصف مواطن يريد الحياة.
سليم باش حانبة، مواطن يرفض الظلم والظلام والــظـالمـيـن.
ريم تليلي، مواطنة فدّت من الكذب و التمهطيل.
حلمي سماط، انسان يرفض ان يعامل كرقم، يحب ارضه و اقسم العيش دون مذلة.
ملاحظة:لا يريد استعمال اكتيفيا ضد النفاخ.
ياسين زاير، مواطن تونسي يريد ان يحقق الاهداف التي استشهد من اجلها شباب تونس.
مالك لخوة، يريد عدالة إجتماعية.
هيكل حزقي، صعلوك من صعاليك الثورة يريد أفول الأسياد و أصنام النظام.
شان العنابي، مواطنة تونسية تريد شغل عدالة حرية و وطنا.
خنساء بن ترجم، تريد ان تحلم من جديد، بثورة مش بيعان الشهيد.
أمينة بن فضل، مواطنة تريد ان تنتمي لشعب يمشي و راسه مرفوع.
عبدالسلام حمدي، أمضي من أجل أن تعود الثروة والثورة لأصحابها الحقيقيين للقاعدة المواطنية الواسعة من أجل وطن أسعد وأرحب للجميع.
هاجر بوجمعة، مواطنة تونسية مع سبق الإصرار و الترصّد تحلم أن تكون حطّابا لتهوي على الجذوع بفأسها.
ريم عروسي، من أجل تجذير الحراك الثوري و التصدي للالتفاف على المسار الثوري.
أميمة زروق، شبه مواطنة تريد حق الانسان في انسانيته.
اثينا بلّاص، الهة الحرب و الحكمة، نصحح باسمي و اسم بَيْ دُزوس تطوال تقصار راكم باش تجيفو.
صفاء مسعود، من اجل العيش في كرامة و تحقيق كل اهداف الثورة.
اسكندر الديماسي، نكرة في هذا الوطن و هذا العالم يطمح لأن يعودة الحق في الّشغل و العيش لائق و الكرامة الانسانيّة لهذا الشعب و القصاص من كل اعدائه جددا كانوا او قداما.
ناصر نصيري، متمرد على كل أشكال التهميش والتفقير.
وائل ونيفي، كاره الديناصورات و عبدة الأصنام.
نضال العش، تائه في أروقة الثورجية وحالم بوطن موحد يتسع للجميع ويحفظ كرامة الأجيال القديمة والجديدة، حتى يصبح للإنسان معنى في وطن جرد من معنى الوطن.
حيفا، مواطنة تونسية الثورة الفعلية في الثنية.
يسري المنوبي، أناشد الإنسان بتولي حكم نفسه بنفسه.
شكري اليحياوي، محاسبة … محاسبة … لا صلح … لا مصالح.
هيثم بنزيد، الثورة مستمرة لتحقيق أهدافها.
وسيم لطيف، مواطن مع الإنعتاق الفكري و الإقتصادي.
أحلام الحناشي، مواطنة تحلم بتونس حرة.
غسان العثمني، من أجل الحد الأدنى من حقوق البشر.
ملاك الوسلاتي، مواطنة ضد الصلح و العمالة تطالب بتحقيق العدالة الاجتماعية و تفعيل المحاسبة.
أميرة الكرّاي، مواطنة مع وقف التنفيذ حتى استكمال المسار الثوري.
عزيز عمامي، مواطن يريد إسقاط النظام.
خولة الزغلامي، تونسية ضد نسيان وتناسي دماء الشهداء و تضحيات الجرحى.
حمد غضباني، مواطن يريد تحقيق الشعارات التي رفعها مفجّرو المسار الثوري.
مديحة الحناشي ، مواطنة تريد ثورة عقل عارمة.
أمل بلحسن، مواطنة ضد استغلال الانسان للانسان وتحت شعار التشّغيل استحقاق يا عصابة السرّاق.
حاتم السّعيدي، مواطن لا يهادن ولا يساوم… ولن يستكين.
مالك صغيري، مواطن متشائم العقل متفائل الارادة.
رحمة الباهي، مواطنة تطالب باستكمال الثورة.
مالك الخضراوي : “من لا يحب صعود الجبال يعش ابد الدهر بين الحفر”.

على الراغبين في إمضاء هذا البيان الاتصال ب: manifesterumeur@gmail.com.

الاثنين، 16 مايو 2011

بيان من أجل شيوعية تحررية - البديل التحرري



بيان من أجل شيوعية تحررية
البديل التحررى – فرنسا


كيف يمكن النضال اليوم ضد الرأسمالية؟
كيف يمكن تصور مشروع جديد، يقطع مع الاشتراكيات التسلطية، مع الدولانيين، المركزيين، اليعقوبيين، الذين دفعوا الحركة العمالية والاجتماعية إلى المأزق، سواء اللينينية، أو الستالينية، أو الاشتراكية-الديمقراطية؟
والسؤال هو كيف يمكن لهذا الصراع الذي نسميه اشتراكية أو شيوعية تحررية، والذي يصبو إلى قطيعة ثورية كونه يهدف إلى بناء مجتمع شيوعي بالمعنى الأصيل، أي المجتمع الشيوعي المدار ذاتياً، نقول كيف يمكن لهذا الصراع ان يسلك طريقاً متأقلماً مع المعطيات الجديدة والمعقدة للمجتمع المعاصر؟
هذه الوثيقة تعبر عن الاتجاهات الكبرى، عن المقترحات العامة لتيار نضالي يبحث عن أجوبة على هذه الأسئلة.
هذه الوثيقة لا تزعم تقديم أجوبة جاهزة، بصورتها النهائية: فهي ليست عقيدة، متزمتة، جامدة.
إنها تشكل فحسب نقطة انطلاق نظرية وعملية؛ فهي تُعبِّرُ عن التقاءات ، عن نقاط اتفاق؛ تطرح أسئلة. هي إذَن مجرد وسيلة للتفكير والعمل، والتي لن نذخر جهداً لتطويرها في المستقبل.
يريد هذا النص المشاركة في بناء تيار ثوري، دولي، جديد.
سوف نحاول إجراء توليف لعطاءات متعددة، مستقاة من الصراعات والتجارب التاريخية التي خاضتها التيارات الثورية المختلفة، الإدارية الذاتية (أي المرتكزة إلى مبدأ الإدارة الذاتية)، الأيكولوجية (البيئية)، النِسَوية، النقابية... نحن نعتبر أننا ننتمي إلى نَسَبٍ واسع ومتعدد يمد جذوره في الإرهاصات الأولى للحركة العمالية، في التيارات ضد التسلطية، النقابية الثورية، التحررية، الأنرشية، المجالسية، ولكننا نحاول توسيعَ رقعة مراجعنا أبعد من هذا، مع رفضنا الانصياع لأي عقيدة دوجمائية، أياً كانت، ماضية أم حاضرة.
نرغب في إيجاد تحديد معاصر لمفهوم الصراع الطبقي و للبروليتاريا، يأخذ في عين الاعتبار التحولات العميقة التي طرأت على عصرنا دون أن يبخس دور الانتفاضات والنضالات التي خاضتها الطبقات المسحوقة.
نؤكد أن الرأسمالية ليست المرحلة الأخيرة للتاريخ الإنساني، المرحلة النهائية وغير القابلة للتجاوز: من هنا ضرورة قيام مشروع ثوري جديد، لا يقتصر على شلة صغيرة من الناس، بل يستند إلى نضالات الشغيلة، نضالات العناصر الشابة، نضالات الطبقة التي تشكل قاعدة المجتمع، كما يستند إلى التنظيم الذاتي لهؤلاء وإلى قدرتهم على فرض سلطات مضادة.
نحاول إذن خلق توجه سياسي، اجتماعي، ثقافي، يمفصل كل أنواع النضال الجماهيري: من ناحية تلك المطالبة بانتزاع حقوق للناس، أو النقابية، وبصورة عامة تلك المنبثقة عن نضال الجمعيات (الجمعياتية)، ومن ناحية ثانية تلك النضالات (التعبيرات) الجذرية، البديلة، الثورية. إن هذا التوجه يرفض أن يضيع في متاهات الدهاليز المؤسساتية، في السياسة المهنية، إذ هو يمنح الأولوية للنضالات الاجتماعية وللنضال على الأرض مع الناس وللناس.
نريد بالضرورة أن ننتظم كي نكون أكثر فعالية، ولكننا نرفض الحزب شكلاً ومحتوى ووظيفةً. أخيراً ولأننا لا نزعم الإمساك بالحقيقة ولأن اتحاد القوى ضروري كي تزن في ساحة النضال، فإننا نبحث على التلاقيات الممكنة في العمل النضالي وفي الحوار مع كل القوى ضد الرأسمالية. لهذا نقترح فكرة حركة كبرى معادية للرأسمالية وذاتية الإدارة: هي قوة تعددية، واسعة، يشكل تيارنا أحد مكوناتها.
إنها كما تلاحظون قناعات تحدد هوية صراعنا والتي تساهم هذه الوثيقة في إيضاحها.

   نضال ضد الرأسمالية

نحن ضد الرأسمالية وبصورة جذرية. نحن لا نعارض فحسب تجاوزات النظام الرأسمالي الذي يهيمن اليوم على العالم أجمع، بل نعارض جذريا كل مرتكزاته: استغلال العمل الإنساني لمصلحة أقليات، أي أصحاب القيادة والامتياز؛ التخريب التدريجي للمصادر الطبيعية (للبيئة)؛ التطور العالمي غير المتساوي والإمبريالية؛ إنسلاب الفرد؛ السيطرة الدولانية على المجتمع.
كوننا ضد الرأسمالية فنحن نرفض منطق السباق من أجل الربح، منطق المؤسسة (أي المؤسسة التجارية)، نمط التطور الإنتاجي، التراتبية و اللامساواة الاجتماعية: نرفض إذن  هذه الشعارات التي يطلقها مجتمع يسيطر عليه كلياً نمط إنتاج رأسمالي وطبقات رأسمالية.
 نحن معادون للرأسمالية لأسباب اجتماعية، عبر التزامنا في الصراعات الطبقية للطبقة المستغَلة. كما معادون للرأسمالية لأسباب أتيقية (أخلاقية)، عبر التزامنا بالقيم المساواتية، التحررية، قيم العدالة الاجتماعية واحترام خصوصيات كل فرد. وكذلك لأسباب حياتية لأن الرأسمالية تقوم على استغلال أكثر فأكثر ضراوة للطبيعة التي تهدد في أمد منظور استمرار الإنسانية.
نحن معادون للرأسمالية أياً كان الشكل التاريخي الذي تتخذه: رأسمالية ليبرالية أو رأسمالية دولانية. نحن ضد الرأسمالية الليبرالية المؤسَسة على تنظيم "مستقل" للسوق والتي تزعم أنها "ديمقراطية" فيما في الحقيقة هي ترتكز على نمط إنتاج لا ديمقراطي جوهرياً وهي تهدف كلياً لتحقيق أرباح في جيوب الطبقات المسيطرة. كذلك نحن ضد رأسمالية الدولة وإن زعمت أنها "اشتراكية" أو حتى "شيوعية" فيما في الحقيقة هي تقوم على نمط استغلال وسيطرة طغيانية للشغيلة وعلى التحديد التسلطي للسوق لصالح طبقة من أصحاب الامتياز فائقة القوة تتمثل في البيرقراطية و تقنوقراطية الدولة (أي قيادة الحزب). وبالتالي نحن لا ندعم لا دولنة جزئية أو كاملة للرأسمالية الليبرالية ولا خصخصة جزئية أو كاملة لرأسمالية الدولة.
إن معاداتنا للرأسمالية تندرج منذ حين في النضالات اليومية التي هي في البداية محصورة بالضرورة في الإطار المفروض من قبل الطبقات المسيطرة. لكن هذه النضالات تدعمُ، عبر عملية النقد الجذري الذي تمارسه وعبر مشروع مجتمع بديل للرأسمالية، تدعمُ مفهوم اشتراكية "ذاتية الإدارة" وتحررية تساعد في قيام حراك واسع يناضل على خلفية الصراع الطبقي والانتفاضات الثورية الدائمة.

نضال منطلق من الصراع الطبقي
نؤكد أن تقسيم المجتمع إلى طبقات متناقضة يبقى الميزة الأساسية للرأسمالية المعاصرة. لقد عَرِفت الرأسمالية تحولات عميقة؛ فهي لم تكف ولن تكف عن التحول عبر دورة مستمرة من الأزمات والتوسع. وهي في أي حال ترتكز أولاً وأخيراً على علاقات سيطرة قياديين على مُقادين مع اللازمة المعروفة وهي استغلال الطبقات المسيطِرة للشغيلة اليدويين والذهنيين.
إن الطبقات الاجتماعية تتحدَّدُ بموقعها في علاقات السلطة ضمن الإنتاج – إنتاج الأشياء المادية، السلع، التجهيزات، إنتاج الخدمات – وسواء قام هذا الإنتاج في القطاع الخاص أم العام.
ولكن نعني بالطبقات الاجتماعية مجمل المرتبطين بهذه الفئات الاجتماعية والمتموقعة في الإنتاج: العائلات، الشباب، الذين لا يعملون، المتقاعدون، العاطلون عن العمل.. نعني إذن بصراع الطبقات الصراعات القائمة في المؤسسات أو المرتبطة بالعمل، بالبطالة، بالعمل غير الثابت، كما الصراعات القائمة في بقية المجتمع عندما تبرز هذه الصراعات تناقضات طبقية.
لقد طرأت على الطبقات الاجتماعية في الرأسمالية المعاصرة تغييرات في تركيبتها ولا يسعنا بالتالي الاستمرار في الاستناد إلى الصور التي تركها لنا القرن الماضي.
ونعني بالطبقة الرأسمالية مجمل الفئات التي تمسك بزمام القرار في الإنتاج والمجتمع والتي تقرر كيفية توزيع فائض إنتاج القيمة. فقد انضمت اليوم إلى البورجوازية المتميزة بالملكية الفردية شرائح رافقت تطور شركات ومؤسسات وإدارات الدولة: أي البيرقراطية والتقنوقراطية.
البروليتاريا الحديثة لا تقتصر على العمال وحدهم، رغم أن هؤلاء لا يزالون يحتلون مكاناً مهماً في المجتمع. بالنسبة إلينا البروليتاريا هي مجمل المجموعات الإنسانية التي لا تمتلك سلطة قرار حقيقية في الإنتاج، والملزمة بيعَ قوةِ عملها عبر وضعية العمل المأجور. هذه البروليتاريا تتشكل في قاعدتها من الشغيلة اليدويين ومن العمال والمستخدمين. بالإضافة إلى الشغيلة الذهنيين والمسيطَر عليهم والمستغلِّين مثل التقنيين والأساتذة.
إن جزءاً كبيراً من البروليتاريا الحديثة واقع في البطالة والعمل الهش، أي العمل المؤقت، غير الثابت. وهذه البطالة والعمل الهش أصبحا مُعطيين بنيويين وَزِنين في العلاقات الاجتماعية المعاصرة.
بين الطبقة الرأسمالية والبروليتاريا برزت شرائح متوسطة ومأجورة جديدة (كوادر، تقنيون..)، تقوم بمهام إدارة و تأطير. وتكتسب هذه الشرائح وزناً متزايداً سياسياً ولكن ثقافياً أيضاً. إن الصراع الطبقي يفترض أن نميز ضمن هذه الشرائح بين تلك التي يقتصر دورها على الأمور التقنية والمهنية، وتلك التي تشارك في تقرير غائية الإنتاج. هذه الشرائح المتوسطة والمأجورة الجديدة هي متنوعة بصورة قصوية بحيث ينبغي التفريق ضمنها بين شريحتين كبريين: الشريحة الأكثر ثراء والتي تتماهى مع الطبقة الرأسمالية ولا تتميز عنها إلا بقدر ابتعادها عن مراكز القرار، فيما الشريحة الأخرى تتداخل كلياً مع البروليتاريا.
إن تطور القطاع الثالث، وتزايد عدد التقنيين، وتناقص عمال الصناعة في البلدان الصناعية، والعمل الهش والبطالة، كل هذا أدى إلى إزالة الصورة الاجتماعية التقليدية التي كانت لا ترى إلا عمال الصناعة.
يمارَسُ اليوم صراع الطبقات بأشكال جديدة. لقد غدت صورة الطبقة المكونة فقط من العمال، الأقلية العمالية، كطليعة سوسيولوجية وقوة جذب وحيدة، غدت صورة قديمة وبائدة يقتضي استبدالها بمشروع وحدة جديدة، أوسع بكثير توحِد جميع مكونات البروليتاريا الحديثة، الذهنية واليدوية، المأجورة والغارقة في نمط العمل الهش، الصناعية والخدماتية (أعمال القطاع الثالث: التجارة، التأمين..)، مع أخذ الخصوصيات بعين الاعتبار،. هذه البروليتاريا الجديدة، المتعددة الأشكال ولكن القابلة للتوحيد على أساس وضعها المشترك، هذه البروليتاريا المسيطَر عليها والمستغَلَّة، ينبغي أن تبحث عن نقاط تلاقٍ مطلبية وضد رأسمالية مع جماهير واسعة من الشرائح المتوسطة المأجورة التي تسيطر عليها الرأسمالية. هذه التلاقيات سوف تنبني بفضل الصراعات الاجتماعية، الوعي الجماعي، بفضل بروز مشاريع جديدة تحوِّل وتطوِّر المجتمع.
دون أن نَصُبَّ في "رسولية" معينة، وانطلاقا فقط من دورها في علاقات الهيمنة والإنتاج، يمكن الجزم بأن البروليتاريا تحمل في طياتها صراعاً طبقياً دائماً، كامناً حيناً ومتفجراً أحياناً. يفرض هذا الصراع الطبقي على الطبقات المسيطرة تحولات وتسويات دائمة، تحددها موازين القوى، في مجالات العمل، توزيع الثروات، الحقوق، المؤسسات. ولكنها تحمل أيضاً إعادة نظر شاملة للرأسمالية، ما تمَّ التعبيرُ عنه بصورة دائمة على مرِّ التاريخ. يحمل إذاً الصراع الطبقي تحولاتٍ جزئية، متعارضة مع المنطق الرأسمالي والمصالح الرأسمالية، كما يحمل قطيعة ثورية ترسم قواعد مجتمع جديد يحرر الإنسانية جمعاء.
إن مشاركتنا في نضالات البروليتاريا لا تمنعنا من رؤية أن المجتمع على درجة كبيرة من التعقيد والتنوع، وأنه يمثل تشكيلة اجتماعية غير متجانسة تهيمن عليها الرأسمالية وقوانينها (لا سيما قوانين السوق)، وحيث تتعايش أشكال أخرى من الإنتاج (أو قل أشكال أخرى من استغلال الشغيلة): أشكال تعاونية، جمعياتية، ما قبل رأسمالية (الفلاحون، الحرفيون)، و فردانية. ثمة أشكال اجتماعية أخرى تدخل هكذا حقل صراع الطبقات: طبقة الفلاحين، الشرائح المتوسطة التقليدية، الشرائح المتوسطة المأجورة الجديدة، ما يطرح بالضرورة مشاكل نظرية وعملية عديدة لا يمكن اجتنابها خلال سيرورة إيجاد البديل للرأسمالية.
يجب أن نذكر هنا على وجه الخصوص "شغيلة الأرض" (المزارعون) الذين يقبع العدد الأكبر منهم تحت نير استغلال المنظومة المهيمنة، فَهُم يشكلون دوماً فئة اجتماعية مهمة سواء لجهة غائية عملهم أم لموقعهم في البيئة الطبيعية.

 
نضال ضد الإمبريالية

إن انتعاش الرأسمالية في القرن التاسع عشر والعشرين ما كان ليتم لولا النهب المنهجي لثروات بلدان الجنوب واستغلال البروليتاريا في الغرب من ناحية واستغلال بروليتاريا شعوب آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية من ناحية ثانية. تستند الرأسمالية على التطور غير المتساوي على مستوى الكرة الأرضية، على نظام عالمي إمبريالي حيث تفرض نفسها العواصم الكبرى، سواء مباشرة عبر الاستعمار، أم عبر الأنظمة المتواطئة، أم بسلاح المساعدات المصلحية والاستدانة.
ونتائج هذه السيرورة كارثية : تهديم التوازنات الطبيعية والزراعات الحيوية والإنتاج المحلي لصالح قطاعات تصديرية للثروات باتجاه العواصم (المتروبولات الكبرى). هكذا فإن اقتصاديات هذه البلدان هي غير مكتملة، تبعية، غير قادرة على الاستجابة لاحتياجات السكان. وما هي لازمة هذا الأمر: تزايد اللامساواة، البؤس والجوع. كما الهيمنة المتصاعدة للثقافة الغربية ولنمط حياة غربي لا بد أن يفتت القيم الخاصة لكل شعب.
نطالب فرنسا بإزالة الاستعمار عن بلدان "الدوم توم"، أي مناطق ما وراء البحار. نحن معادون بالكامل "لإمبرياليتنا"، ولا يمكن إلا أن ندعم بالشكل الأكثر وضوحاً نضالات الشعوب الواقعة ضحية هذه الإمبريالية، ولا سيما تلك التي تخوضها وستخوضها شعوب "الدوم توم" من أجل إزالة الاستعمار عن كاهلها. كما نعارض التدخلات العسكرية والحروب التي تسببت بها "دولتنا".
نحن ندعم جميع نضالات الشعوب ضد الإمبريالية ومن أجل استقلالها. وهذا الدعم المبدئي هو في آن واعٍ ونقدي. لقد أكدت التجربة أن نضالات الاستقلال، المشروعة دوماً في رفضها للسيطرة، وتالياً المستحقة كل الدعم، تُولد في غالب الأحيان أنظمة بيروقراطية، عسكريتارية، أو متورطة في شتى أشكال النيوكولونيالية. لا ترتكز جميع النضالات على المكونات الاجتماعية ذاتها، ودعمنا يذهب أولاً إلى الفلاحين الفقراء ومختلف شرائح البروليتاريا. لا ترسم جميع حركات التحرر الأهداف نفسها، ولا تستخدم الأسلحة والأشكال نفسها. ندعم أولاً القوى الأكثر ديمقراطية، الأكثر تمثيلاً والأكثر قدرة على مصارعة الرأسمالية والدولانية.
في مواجهة القمع ندعم الطموحات القومية والهوياتية[1]. دعمنا أمر أكيد ولكنه دعم نقدي، لا سيما إزاء مفاهيم تنزع إلى تثبيت تعارض بين الشعوب أو محو الواقع الطبقي، كما تتحفنا به الثلاثية المقدسة "أمة/دولة/وطن". مقابل هذه المفاهيم التي تحمل هيمنات جديدة ينبغي أن نواجهها بطرح آخر يكمن في حق كل شعب في العيش على "أرضه" بالمعنى التاريخي والثقافي للكلمة دون أن يحظر أي شعب، على شعوب أخرى، على ثقافات أخرى، حقٌَها في التعايش مع تلك الشعوب، والاختلاط بها. هدفنا هنا هو الإسهام في خلق مواطنة تقطع مع الانتماءات الإثنية والثقافية والقومية والدينية.
في البلدان الأوروبية  وبأشكال مختلفة نجد السيرورة ذاتها، سيرورة التطور غير المتساوي، سيرورة قمع الثقافات والشعوب، والتي ولدت مطالب قومية وأحياناً نضالات من أجل الاستقلال أو الحكم الذاتي (كما في أيرلندا، في منطقة الباسك الإسبانية، في كورسيكا). هنا أيضاً ثمة نضالات مشروعة تنال مشاركتنا أو دعمنا النقدي، لا سيما عندما تحمل هذه النضالات شرائح كبيرة من الشعوب المعنية والتي يمكن أن تفتح أفقاً "ضد-رأسمالي" وتحريري.

 نضال بيئي

يشكِل النضال البيئي تاريخياً جزءاً لا يتجزأ من النضال التحرري، كما يشكل برأينا أحد الجبهات الأساسية للنضال الثوري. عدة عناصر تدق اليوم ناقوس الخطر على البشرية وتمنح النضال البيئي أهمية أساسية: التلوث، تخريب البيئة، زعزعة استقرار المنظومات البيئية للكرة الأرضية.
لقد ولدت الرأسمالية قطيعة بين الإنسان والطبيعة. كيف لا والدينامية الخاصة بها تستند إلى ضرورة تحقيق نمو متزايد للإنتاج، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا على حساب نزيف دائم للمصادر الطبيعية. المنطق الإنتاجي هو المسؤول عن تخريب الطبيعة الهائل، عن التدهور العام لإطار الحياة، عن زعزعة لا سابق لها للتوازنات البيئية. تخريب طبقة الأوزون، خلل في التوازنات الحرارية للفضاء، فناء الغابات في النصف الشمالي للكرة الأرضية ("الأمطار الحمضية")، تلوث المياه من جرّاء رمي النفايات الصناعية والزراعية، تعدد الكوارث الصناعية (الكيميائية والنووية)، تخريب الغابات الاستوائية... تُحَضر لنا الحضارة الإنتاجية للغد مستقبلاً سوداوياً.
إن الحكومات والأحزاب الحاكمة والأجهزة الدولية تكرر الإعلانات وتتخذ أنصاف الإجراءات التي تحفظ المصالح الأساسية للشركات المتعددة الجنسيات والمسؤولية عن التلوث، ولكنها إجراءات غير كافية لكبح شتى أنواع تخريب الطبيعة.
إزاء المشاكل البيئية يبدو أن كل ما تحاول أن تفعله الرأسمالية أو المجتمعات البيرقراطية غير قابل للتطبيق. لقد خرب هذا المنطق الهدف "الطبيعي" للإنتاج، أي تلبية احتياجات المنتجين. يقود هذا المنطق الإنسانيةَ إلى مأزق أكيد.
إن النشاط الإنساني يقترب من حدود لم تعد تستطيع منظومة "الأرض" البيئية تحملَها. ثمة تناقض بين الإبقاء على اقتصاد رأسمالي إنتاجي وبقاء الإنسانية على قيد الحياة.
هكذا فإن النضال البيئي لا يندرج فقط ضمن النضالات من أجل إزالة التلوث ومن أجل وقف تخريب البيئة والطبيعة، رغم ضرورة هذه النضالات. فالنضال البيئي برأينا لا يمكن إلا أن يكون نضالاً ضد الرأسمالية بصورة جذرية. هذا النضال البيئي أو هذا المفهوم البيئي الجديد يجب أن يواجه أولاً منطق وطبيعة المنظومة القائمة، فيعرض نمطه الجديد في التطور، ومفهوماً آخر للعمل والتكنولوجيات، وشكلاً آخر للاستهلاك، وبالطبع علاقة أخرى بين المجتمع والطبيعة. يمكن للنضال البيئي أن يحمل مشروعاً مجتمعياً بديلاً للرأسمالية وبصورة شاملة، ومشروع حياة من نوع آخر مؤسسة على رابط عميق بين البشر والطبيعة، رابط مستعاد[2] ومتجدد. ولكن لنُحَذرَ من أمر هام: إن ما نقصده هنا ليس ذلك المفهوم الميتولوجي بعض الشيء، عن طبيعة "صافية" هدمها الإنسان. إذ إن الإنسان ونشاطاته الخلاقة والمنتجة تشكل جزءاً من الطبيعة. إن كوكبنا "الأرض"، بثروته النباتية والحيوانية لم يكن يوماً منظومة جامدة، بل على العكس من ذلك كان دوماً مقراً لتطور دائم، لتوازن دينامي لمكوناته.
إلا أن التطور التكنولوجي للقرن العشرين خلق وضعاً جديداً. فالإنسان قادر اليوم، إن لم يتحكم بتطوره، أن يخلق قطيعة خطيرة، خللاً عنيفاً في توازن الكرة الأرضية. لقد شهد القرن العشرون مرحلة التحول من التلوث "المقبول" (أي الذي يمكن أن يتحمله المحيط البيئي) والذي تسببت به اليد البشرية إلى "فقدان توازن بيئي" يهدد مستقبل الإنسانية. إن الإجراءات المجتزأة ليست فعالة إطلاقاً أمام التزايد الشامل لفقدان التوازن البيئي. ما يجب مواجهته هو المرض وليس حواليه.
والحال أن هذه المواجهة لا تأتي في أولوية برنامج عمل المؤسسات السياسية، كما ليست العمل الوحيد الذي يقوم به الأخصائيون الذين في وسعهم إيجاد حلول للمشاكل المستعجلة  التي كشف عنها علمُ البيئة. من أجل التصدي لهذا الأمر يقتضي قيام عمليات تعبئة جماهيرية كبرى. والموضوعات البيئية يجب ان تستعيدَها وترفعَها وتناضلَ من أجلها الحركة العمالية نفسها. لا سيما وأن الشغيلة هم المتضررون الأوائل من الكوارث البيئية، سواء في عملية الإنتاج أم في حياتهم اليومية.
ينبغي أن يتحكم البشر بالنمو السكاني (الديمجرافي)، أن تراقب إنتاجها الصناعي، واستهلاكها للطاقة الوقودية، أن تعيد ابتكار زراعة لا تقضي على مصادر المياه والأتربة. إن الإنتاجية الرأسمالية تتعارض كلياً مع هكذا تطور. من ناحية لأن هذه الإنتاجية تفترض بالضرورة نمواً متفجراً للإنتاج، للاستهلاك وللسكان؛ ومن ناحية ثانية لأنها ترتكز إلى مجتمعات غير مساواتية كلياً، وغير قادرة على التحكم بإدارة جماعية لتوزيع متجانس للثروات المتوفرة.
إن النضال البيئي، ولأن لا معنى له خارج توكيد ضرورة قيام نوع آخر من التطور، فهو مرتبط مباشرة بالنضال من أجل ديمقراطية مباشرة ومن أجل مساواة اقتصادية.
إنه لمن المرتقب أن تتخذ التعبئات البيئية تطورات مهمة. رغم أن تحقيق انتصارات جزئية هو أمر مهم، لكن مفعولها لا يكتمل إلا إذا ساهمت في إضعاف الهيمنة الأيديولوجية لمفهوم الإنتاجية[3] على الشعوب، إلا إذا ترافقت مع تطور الديمقراطية والتعاضد بين الناس... وشكلت خطوة باتجاه نمط جديد من التطور.
هكذا فإن النضال البيئي، إذا نظرنا إليه من زاوية مختلفة، يستطيع /ويجب/ أن يرتبط، بالصراعات الطبقية في إطار رفض شامل للرأسمالية.

نضال ضد كل الإستلابات
إن نضالنا ليس موجهاً فحسب ضد شكل من أشكال الإنتاج المادي وسيطرته على العمل والعمل والطبيعة. فنحن نحمل طموحات تحررية تتجاوز الصراع الطبقي وحده. لذا فإن تحرير كل فرد ليس بنظرنا هدفاً ثانوياً بل الهدف الأساسي للصراع الاجتماعي. بعيداً عن أي تعارض بين الأمرين، نحن نعتبر أن الحرية الفردية لا يمكن أن تتقدم بمعزل عن النضال الاجتماعي الجماعي.
منذ آلاف السنين القمع والإنسلاب يخنقان إبداع الفرد والمجموعات الاجتماعية: العنصرية، كره الأجانب، قمع النساء، القيود الأخلاقية التي تمارس ضد المثيلي الجنس، فرض المفاهيم الثقافية... وهذه الإنسلابات لم تخلقها الرأسمالية، بل هي تفيد منها كوسائل تمتن سيطرتها، عبر قمع القدرات الخلاقة والحيوية لكل فرد وعبر تعميق الكراهية والتفتت بين الناس.
 تندرج الأديان بين العناصر الأساسية المسببة للإنسلاب: عبر الرؤية للعالم التي تقدمها الأديان، والأشكال التراتبية التي تعتمدها، وتقييد حياة الأفراد ضمن شبكة من العقائد الجامدة والأفكار المحرَّمات المفروضة. فنحن بالطبع مؤيدون لحرية الإيمان وممارسة الطقوس الدينية ونحترم خيارات كل إنسان، ونستنكر كل أشكال القمع والحظر. لكننا نرفض كل إمساك من قبل الأديان بالمجتمع كما نريد إخضاع الأديان لنقد جذري.
 نحن إذاً مؤيدون لنضال شامل ضد كل أشكال الإستلاب والقمع والذي يصبو إلى الاحترام المطلق لهوية كل فرد، كي يستطيع الناس أن يعيشوا، ويحبوا، ويعملوا، ويبدعوا، ويعبروا عن آرائهم بحرية، دون عوائق من حيث العرق، والجنس، والانتماء إلى دولة (الجنسية)، والسن ونمط حياة، أن يستطيع الجميع إيجاد مكان في المجتمع الإنساني، يضمن لهم حياة مزدهرة ووسائل عيش كافية.
إذا كانت الرأسمالية تدعم هذه الإنسلابات المترسخة منذ الأزمنة الغابرة، مع تجديدها لها، فأنها بنفسها حاملة لإنسلابات خاصة: في العمل مثلاً حيث الفرد مجزأ، مهيمَن عليه ومختزَل إلى مجرد سلعة؛ وكذلك في علاقة الإنسان بالطبيعة؛ وفي الحياة اليومية حيث يحدد منطقُ الربح نمطَ الاستهلاك.‍‍‍??
نحن إذاً نؤيد تضافر الصراعات الطبقية مع الصراعات المختلفة الأخرى ضد كل أنواع الإستلاب. إن تهديم النظام الرأسمالي وبناء علاقات اجتماعية مساواتية وتحررية يوفران القواعد الضرورية لحقبة تحرير جديدة.
نضال ضد قمع النساء
هذا النضال مفروض في إطار الرأسمالية لأن هذه الأخيرة تفرض اللامساواة بين النساء والرجال في المؤسسات، كما المعاملة المهينة والاستغلال الجنسي. إن النضال من أجل تحرير النساء والمساواة في الحقوق مع الرجال هي موضوعة أساسية من موضوعات النضال التحرري، والذي لا يمكن فصلُه عن النضال ضد الرأسمالية والدولانية.
ولقد أدى هذا النضال قسطاً من مهمته إذ إن وضعية المرأة تحسنت بصورة فعلية في الواقع وفي وعي الناس بفضل النضالات النسائية في السبعينيات والثمانينيات. أما اليوم فإن هذه المكتسبات هي موضع إعادة نظر، لا سيما بما يخص حق الإجهاض. يجب علينا أن ندافع عن هذه المكتسبات في مؤسسات العمل وخارجها وأن نوسع نطاقها.
في كل مساحة تمَّ فيها تحقيق مكسب للمرأة نشهد ضغطاً معاكساً يهدف إلى حرمان المرأة حقها في التحكم في حياتها، في جسدها وفي حياتها الجنسية، وإلى إرجاع المرأة إلى موقع ثانوي وتبعي طبقاً للصورة التقليدية للمرأة. وهذا الضغط لا شك أنه يجد دعماً نشِطاً له في المنظومات القائمة، ولا سيما من قِبَل المؤسسات الدينية بمختلف طوائفها. هكذا فإن النضال ضد قمع النساء هو أحد نضالاتنا الأساسية في مؤسسات العمل وخارجها، وبالارتباط بالصراع الطبقي.
نضال ضد دولاني
نحن نرفض أسطورة الدولة الجمهورية، الحيادية، الديمقراطية، التي تسبح فوق كل المصالح الخاصة. الدولة هي، على العكس من ذلك، تنظيم العنف السياسي الذي يُفرضُ على الجماهير الكادحة. الدولة الجمهورية، ككل الدول، هي بنية هرمية ومركزية، قمعية، موحدية[4]. الدولة هي سلاح الطبقات الحاكمة، وهي تؤطر، تدرِّبُ، تصحِّح وتقمع السكان.
الدولة الحديثة هي دولة رأسمالية. إنها الجسم المركزي للرأسمالية، الذي يلتزم إدارة الإحتكارات الكبرى وينسج روابط متينة مع رأسمالية القطاع الخاص؛ الدولة الحديثة تعمل هي نفسها كمؤسسة (شركة) رأسمالية بين المؤسسات الأكثر أهمية، فتولِّد الطبقة التقنو-بيرقراطية المعروفة.
ترتكز الدولة الفرنسية إلى الصيغة التالية "أمة، وطن، دولة"، التي انبنت على حساب سحق الخصوصيات الثقافية، المناطقية، المحلية، لصالح ثقافة مركزية ومهيمنة. في إطار عملية الاندماج الأوروبي يعاد النظر بهذه السيرورة: فاللاحصرية-اللامركزية تحوٌِل بعض السلطات إلى بعض المحافظات (المناطق) والأقضية. لكن هذا الأمر لا يغير تحليلنا. فأوروبا التي يتم بناؤها تَختزل (وسوف تختزل أكثر) الخصوصيات. فهي تُمركز (وستمركز أكثر) السلطات الضرورية لديمومة النظام. تتبدل المستويات الجغرافية للدولة لكي تستجيب أكثر للطابع الدولي والعالمي للرأسمالية.
نحن نؤكد أن الرأسمالية والديمقراطية هما متناقضان، وأن الديمقراطية لا يمكن أن تنبني على إنتاج غير مساواتي بصورة جوهرية. إن المجتمع الرأسمالي الحديث مطبوع بالتناقض بين ادعائه بضمان المصالح الجماعية لكل السكان وبين غائيته الحقيقية وهي العمل لصالح أصحاب الامتياز. إن النضال من أجل ديمقراطية حقيقية هو أحد رهانات النضال الطبقي على قواعد تغيير نمط الإنتاج الحالي.
نحن ننتقد إذاً الصفة الوهمية والكاذبة "للديمقراطية البرلمانية" التي تخفي سلطة نمط الإنتاج الرأسمالي على المجتمع. لا يمكن فصل إمكانية اختيار قياديي الدولة والمشرعين عن البنية الهرمية للدولة ولا عن وظيفتها في إدارة الرأسمالية. إن النظام البرلماني يجعل من المواطن ناخباً سلبياً، يفوض سلطته إلى قادة يستحيل أن يعملوا لغير المصالح الأساسية للطبقات الرأسمالية.
هذا لا يعني أننا نساوي بين الدكتاتوريات والديمقراطيات البرلمانية. هذه الأخيرة هي نتاج تسوية فبرَكَها النظام ليفيد منها، تسوية بين الطموحات والنضالات الديمقراطية التي حملها السكان والبروليتاريا من ناحية، ومن ناحية ثانية بين مصالح الطبقات المهيمنة التي هي بحاجة لتوافق سياسي حد أدنى. هكذا فإن الدولة الحديثة البرلمانية تحمل تناقضات مهمة. إن النضالات التي تم خوضُها منذ قرنين فرضت حرية التعبير والتنظيم، حق الانتخاب العام، حق الانتخاب للنساء. وهي نفسها التي فرضت اهتماما خاصاً بالقضايا الاجتماعية والتضامنية، ومفهوماً مساواتيا للمرافق العامة. الدولة الحديثة هي ساحة رهان النضالات والتوترات الطبقية المتناقضة، يصبو بعضها إلى تعزيز هذه الحقوق الديمقراطية، وبعضها الآخر إلى إعادة النظر بها وتقليصها. لذا فنحن ضد خصخصة المرافق العامة التي تقلب رأساً على عقب منطق المصلحة العامة.
نحن لسنا رافضين للانتخاب بالمطلق. مع تأكيدنا أن أي تغيير جذري مفيد للبروليتاريا لا يأتي بالضرورة عبر المُنتخَبين، فإننا لا نستبعد مبدئياً إمكانية التصويت أو الدعوة إلى التصويت لهذا أو ذاك الناخب، في ظروف محددة، مع تذكيرنا الدائم بموقفنا النقدي الجذري من المفهوم الانتخابي وتفضيلُنا المطلقة للنضالات الاجتماعية.
نضالنا هو ضد الدولة. مقابل الدولة الرأسمالية والبرلمانية، نطرح مشروعاً بديلاً، من أجل ديمقراطية مدارة ذاتياً وفدرالية ومرتكزة على تجميع الوسائل الأساسية الإنتاج.
هذا النضال ضد الدولانية يعبِّر عن نفسه في الانتفاضات والصراعات ضد الجيش وعسكرة المجتمع، ضد النظام البوليسي، ضد الظلم، ضد النظام السجني، وضد النظام التربوي الحالي.
نساهم في النضالات ضد كل الدكتاتوريات ولتوسيع رقعة الحريات الديمقراطية في الأنظمة البرلمانية، مع تأكيدنا على أن المطلب الديمقراطي هو في حالة قطيعة مع جهاز الدولة ومع النظام الإجتماعي الذي تدافع عنه.
إستراتيجية مرتكزة على النضالات الاجتماعية وإدارتها الذاتية
وحدها النضالات المباشرة التي تقوم بها الجماهير يمكنها أن تفرض تحولات جدية مناقضة للمصالح الرأسمالية. بمواجهة الإستراتيجية الاجتماعية-الديمقراطية التي تقوم بتغييرات عبر المؤسسات الدولانية والأحزاب السياسية نحن نطرح إستراتيجية النضالات الاجتماعية. لذا فإن أصحاب القرار في هذه التغييرات ليسوا القادة السياسيين أو الأقليات المناضلة بل الشغيلة والشبان والسكان، الذين يدرجون نضالهم ضمن حركات جماهيرية تُشْرك دون أي نخبوية العددَ الأكبر من الناس المعنيين بالتغيير.
إن الإدارة الذاتية للنضالات والسلطة الممنوحة للجماهير والتنسيق بينها هي الشروط والأشكال الضرورية كي تقوم القاعدة بدور المقرِّر الجماعي. تجارب عديدة أظهرت صحة الديمقراطية المباشرة.
يسعى المناضلون أن يقدموا مساعدة أساسية في مجال إطلاق وقيادة الصراعات الجماهيرية. دون أن ننكر أهميتها وضرورة عملها نقترح على الأقليات الواعية والناشطة مفهوماً إدارياً ذاتياً لدور منشطي النضالات. إن نشاط المنظمين والناطقين باسم التنظيمات والمنسقين والمفوضين، كل هؤلاء الذين يقومون بدور إيجابي، ويسندون نشاطهم إلى مفهوم الإدارة الذاتية، نقول إن دور هؤلاء لا بد أن يكون متناقضاً بالضرورة، لأنه دور يحمل أهدافاً محدَّدة: أن تُدير العمل الحركات السياسية والاجتماعية نفسها (إدارة ذاتية)، أن يأخذ الجميعُ الكلامَ، أن يصل الأمرُ إلى حالة من الوعي والمساءلة الجماعية. هذه الجدلية الحية هي جد ضرورية. فهي تسمح تجنب عائقين: عائق القيادية وعائق العفوية.
إن الاستقلالية العمالية وبصورة أوسع استقلالية كل الحركات الاجتماعية هي ضرورية كي تستطيع القاعدة الاجتماعية التحكم بالنضالات. وهذه الاستقلالية هي إزاء المؤسسات الدولانية وسلطات أصحاب العمل. هي استقلالية إزاء كل شكل من أشكال الإدارة الخارجية.
إن النضالات الاجتماعية لا تقتصر على النضالات التي يخوضها الشغيلة في مؤسسات العمل. إن إعادة النظر الشاملة بالنظام تمر أيضاً بتحريكات (حشود) جماهيرية أخرى مدارة ذاتياً: تعبئة الشبان والعاطلين عن العمل وشغيلة العمل غير الثابت، والنضالات من أجل السكن، وإطار الحياة وحقوق المرأة والنضالات ضد العنصرية.
طِبقاً لهذا المفهوم للنضال الاجتماعي الأولوية بنظرنا ليست للجذرية الثورية، إنما لإمكانية تحريك شرائح مهمة من الشغيلة والناس، وتحريضها على النشاط النضالي، وفتح باب السجالات الجماعية.
فالثورة ذاتية الإدارة لا يمكن أن تنبني دون تأييد كثيف من المجتمع. إن أثرَ نضالاتنا اليوم على الوعي الجماعي هو مرتبط بالتأكيد بقدراتنا على تطوير ممارسات جماهيرية واسعة، ذاتية الإدارة، وبديلة.
من هذا المنظور سوف نتصدى لكل المحاولات الطليعية، تلك الأقليات التي تُنصب أنفسها ممثلةً للقاعدة. ففي المرحلة الأولى يقتضي بناء حركات تمثيلية فعلياً، وفي الوقت نفسه تقديم اقتراحات تهدف إلى مزيد من التقدم في موضوع التمثيل الفعلي للناس (القضاء على الانعزال، على التجمعات الكوربوراتية..) وطرح توجهات ذاتية الإدارة.
هذا لا يعني أنه ينبغي رفض كل عمل أقلَّوي (فئوي)، بل يعني أن العمل الأقلَّوي يجب أن يندرج ضمن أفق توسعي باتجاه الجماهير. نحن نؤكد أن النضالات المطلبية –والتي لا تحمل بالتالي أهدافاً ثورية- يمكن أن تحرك الجماهير المستغلَّة وتتيح وعي الجماهير لموقعها الطبقي وتقيم تجارب واقعية من التنظيم الذاتي الحاملة في طياتها قطيعات معادية للرأسمالية.
إن من شأن أهداف التغيير الكبرى والمشاريع البديلة التي تحملها الحركات الجماهيرية تسريع قيام تغيير شامل للمجتمع. كذلك إن من شأن تحقيق المشاريع البديلة مثل التعاونيات والنشاطات التعاضدية ذاتية الإدارة يمكن أن تحمل إعادة نظر شاملة للمجتمع، إذا ما بقيت مرتبطةً بالشغيلة والسكان والصراعات الطبقية. لسنا إذاً ضد المطالب ولا ضد الإصلاحات. إن خط التماس بين "الإصلاحية" و"الصراع الطبقي" يقع بنظرنا بين الإصلاحات المنتزَعَة بالنضالات المستقلة وبين الإصلاحات الممنوحة من قبل النظام أو التي يتم التفاوض بشأنها خارج أي نضال وتوتر.
لا بدَّ أيضا من ملاحظة أن الرأسمالية تتمتع بقدرة هائلة على استعادة الأمور وعلى إعادة النظر لاحقاً بكل ما اضطرت التنازل عنه تحت الضغط والنضال.

صراع نقابي ثوري
إن النضال المطلبي يمرُّ في غالب الأحيان في المؤسسات عبر العمل النقابي. نحن ندعو إلى المشاركة النشطة في العمل النقابي الذي ننظر إليه كممارسة جماهيرية وطبقية يقوم بها الشغيلة، دون ثمة فرض مسبق لأشكال التنظيم التي يختارها الشغيلة بصورة حرة في إطار السيرورة البديلة. فالتنظيم النقابي هو أو يجب أن يكون وسيلة لصالح هذه الممارسة الميدانية. نحن واعون لواقع أن الحركة النقابية تعيش بطبيعتها –وككل النضالات المخاضة ضد الرأسمالية في مرحلة غير ثورية- تناقضاً بين الاندماج والقطيعة، وأن الاندماج يُولِّدُ نزعة ثقيلة إلى التسويات الاجتماعية والبيرقراطية.
نحن ندعم عملاً نقابياً ثورياً متعارضاً مع الممارسات والتوجهات والبنى المهيمنة في التنظيمات النقابية. مطلبنا هو الاستقلالية النقابية والديمقراطية الداخلية والفدرالية، ودعم التنظيم الذاتي للنضالات واحترام الوحدة العمالية؛ نطالب بتعاون "ما بين مهني" ودولي، دون نسيان هدفنا الأخير وهو التغيير ذاتي الإدارة للمجتمع.
لكل فرد حق الانتماء إلى هذه أو تلك النقابة بحرية تامة. يمكن أن تتخذ نقابيتنا الثورية أُطراً مختلفة: كونفدراليات كبرى ذات توجه إصلاحي، بنى نقابية صغيرة، أو قطاعية ذات توجه نضالي طبقي، تجمعات للشغيلة ناشطة في الإطار النقابي. ما هو أساسي بالنسبة إلينا هي الإمكانية الفعلية التي تمنحها البنية النقابية لقيام نشاط نقابي في المؤسسة وتجمع مناضلين نقابيين.
هكذا فإن نقابيتنا تندرج أساساً في إطار العمل على الأرض ومع البنى القاعدية.
وكنقابيين ثوريين نرفض تماماً تقسيم العمل القائم بين الحزب الذي يهتم بالسياسة وتاليا بكل المسائل المجتمعية وبين نقابة لا تهتم إلا بالمطالب المباشرة في المؤسّسة. بنظرنا يجب أن يحمل التنظيم النقابي إستراتيجيته السياسية الخاصة لتغيير المجتمع والتي يبلورها بكل استقلالية.
أخيراً نحن نرفض الدور الذي منحته اللينينية للعمل النقابي حيث غدت النقابة مجرد "وصلة" بين الناس والحزب. إذا كان من الطبيعي أن تتمَّ مناقشة النشاط النقابي مثله مثل كل النشاطات المجتمعية داخل التيارات السياسية، إلا أننا نرفض ممارسة ما يمكن تسميته "العصبوية" والتي تعني أن كل عضو في النقابة ينصاع للمواقف التي يفرضها عليه حزبه.


صراع دولي
لقد انبنت الرأسمالية على المستوي العالمي كله وتالياً فإنه لا يمكن تصور إستراتيجية صراع طبقي في بلد واحد. الرهانات هي دولية والحركات الاجتماعية تسجل تأخراً كبيراً يستحيل أن يستمر. الصراع من أجل توجه دولي هو ضروري وهو صراع لا بد ان يسحق مقاومات قومية ومحلية عديدة. نحن نؤيد تنظيم روابط تنسيق دولية في القطاعات وعلى جميع الجبهات. الصراع الدولي يمر في آن عبر التعاضد الدولي والنشاطات النضالية الدولية. تعاضد دولي، مع نضالات المناضلين، بين الشعوب؛ نشاطات عملية متناسقة، بناء وحدات دولية لمواجهة سلطات هي متعددة الجنسيات منذ زمن طويل.
يصبو إذاً النضال الدولي إلى تعداد الروابط والنضالات على مستوى العالم كي يبرز مشروع تعاون واسع بين جميع السلطات المضادة، العمالية والشعبية، ضد الطبقات الحاكمة في الشرق والغرب، في الشمال وفي الجنوب.
هدفنا هو إعادة تأسيس حركة دولية جديدة، ضد رأسمالية وضد سلطوية، تفرض سلاماً عادلاً ومشروع كرة أرضية منزوعة كلياً من السلاح، حيثُ تُلغى الحدود بين البشر. وهذا الهدف يغدو أكثرَ إلحاحاً في ظل قيام نظام عالمي جديد تقوده الأمم المتحدة وحيث تغدو إمكانيات الشعوب أكثر فأكثر تواضعاً.
صراع ثوري
نحن ثوريون، أي أننا نؤيد تغييراً جذرياً للمجتمع. يسعى الصراع الطبقي أن يقود إلى تغيير سلم الأولويات والمعايير في المجتمع. يمكن أن يحل الصراع الطبقي علاقات إنتاج ذاتية الإدارة محل العلاقات الرأسمالية؛ أن يحل ديمقراطيةً ذاتية الحكم وفدرالية محل الدولة؛ أن يحل علاقة عالمية مساواتية جديدة محل النظام الإمبريالي.
أن نكون ثوريين فهذا لا يعني أن نكون سلبيين وأن ننتظر قطيعةً "سوف تقوم لا محال": ليس المستقبل مكتوباً في أي مكان، إنه ما سوف يصنعه الناس، وعند كل حقبة تاريخية تتعدد الإمكانات. ليس ثمة سبب يبرر مقولة أن التاريخ وصل إلى مرحلة أخيرة: الرأسمالية ليست الشكل الأخير للمجتمع الإنساني. إلا أن الاشتراكية ذاتية الإدارة لن تأخذ محل الرأسمالية ميكانيكياً، في نهاية "أزمة أخيرة" ذات مخرج واحد.
أن نكون ثوريين، هذا لا يعني كذلك أن نقطع أنفسنا عن شروط حياة ونضال محدودة فرضها الإطار الرأسمالي، طالما لم يتمَّ بعدُ القضاء على الرأسمالية. نحن نرفض مقولة "الكل أو اللا شيء" ونؤكد على العكس من ذلك أن الطريق الذي يمكن أن يمهد لثورة مقبلة يقوم عبر تناقضات المجتمع الواقعي، وعبر النضالات الجزئية التي يجب خوضها. نحن نرى أن القطيعة الثورية والانتقال من مجتمع رأسمالي إلى مجتمع ذاتي الإدارة هي ثمرة سيرورة صراع طبقي تاريخية وطويلة المدى، كما ثمرة ترشيد وعي الناس حيث يفرض الشغيلة والسكان سلطتهم المضادة تدريجياً.
كثوريين نحن لسنا بالضرورة مؤيدين لحل عنفي. الأساسي في سيرورة التغيير هو العمل البناء الذي يفترض أن يدافع الناس عن ذاتهم للحفاظ على المكتسبات. إلا أن درجة العنف هي أولاً ما تختاره وتفرضه الطبقات الحاكمة المنتصر عليها. يمكن إذاً أن يكون العنف ضرورياً. يجب بالتالي أن نكون حذرين، كي نتنبه لتجاوزات ولخطورة العسكرة.
ما عدا في حالات الحكم الدكتاتوري أو الاحتلال العسكري أو الكولونيالي، نحن معادون للعمليات الأقلوية (الفردية) العنيفة التي تقوم بها مجموعات مسلحة مقطوعة عن السكان والشغيلة، كما نحن نعارض القيام بعمليات تهدد حياة الناس. إن النشاط الأقلوي المسلح القائم في ظروف كهذه يؤدي إلى مواجهة مفتوحة مع الدولة ويشرع تعزيز قواها ويؤدي إلى انعزال بارانويي.
من ناحية أخرى، في إطار الرد النضالي لدى الجماهير ينزع النظام البوليسي والقضائي إلى تجريم أشكال عديدة من النضال الطبقي الجماهيري. لذا فإن علينا أن نقيم خط تماس واضح بين الأعمال الأقلوية المنعزلة والأشكال القاسية التي يمكن أن تتخذها نضالات الشغيلة والناس للدفاع عن مكتسباتها وعن نضالاتها.
كذلك نحن لا نخلط بين العمل المسلح الأقلوي وبين اللاشرعية التي تفرضها على التنظيمات الثورية والطبقة العمالية دولة قوية تتنكر لحق الإضراب أو التظاهر. كما لا نرى في العمل الرمزي للأقليات ضد رموز السلطة والاستغلال مجرد إرهاب أعمى.
أخيراً تجدر الإشارة إلى أن إرهاب الدولة هو المسؤول في أغلب الأحيان عن الأعمال المسلحة الأقلوية (التي يقوم بها مجموعة أفراد)، لا سيما في البلدان المستعمَرة.
خلاصة القول إن عمل الثوريين لا يمكن تحديده بمفهوم احترام الشرعية المفروضة من الدولة، بل هو يتطور طبقاً لوعي الجماهير التي تحدد هي، في نهاية المطاف، معيار مشروعية الأعمال النضالية.
الاشتراكية العفوية للجماهير
إن مفهومنا للاشتراكية ليس ثمرة عمل خارج صراعات البروليتاريا. نحن نؤكد على العكس أن الشغيلة أنفسهم هم الذين اكتشفوا عفوياً قواعد مجتمع بديل للرأسمالية، عبر نضالاتهم ولا سيما خلال الحقبات الثورية.
منذ الثورة الفرنسية بدأت تبرز العلامات الأولى. خلال كومونة باريس للعام 1871، في روسيا وأوكرانيا في الأعوام 1917 و1921، في أسبانيا من 1936 إلى 1937 تطورت قواعد اشتراكية أخرى ممكنة، سحقتها أخيراً البيرقراطية الجديدة أو البورجوازية. ثم جاءت كل تجربة ثورية تؤكد هذا الطموح إلى مجتمع وإلى إنتاج جديدين، حيث يبرز دور مؤسسات العمل الجماعية وذاتية الإدارة، والكومونات الحرة، ضمن فدرالية كبرى تنظم المجتمع الجديد.
هذه الاشتراكية العفوية للشغيلة ألهمت تياراً واسعاً في الحركة العمالية معادياً للتسلط (ضد تسلطي) ونحن نقر بانتمائنا إلى هذا التيار. كما نعلم ثمة تيارات أخرى فرضت نفسها خلال عشرات السنين: تصدت اشتراكيات دولة (اجتماعية ديمقراطية، لينينية، ستالينية) لطموحات الاشتراكية العفوية. لكن هذا المسار أوصل الحركة العمالية إلى المأزق.
لقد فتحت اشتراكية الشغيلة العفوية أفقاً رائعاً للإنسانية، برسمها شكلاً سامٍ من الديمقراطية عبر تحقيق مشاريع ومكتسبات واقعية. إلا أن التجارب التاريخية كشفت أيضاً حدوداً ونقاط ضعف يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار. لذلك فإن مشروعاً متماسكاً يحمله تنظيم يجمع مجموعة من المناضلين هو ضروري اليوم لطرح المشاكل التي تواجهها وستواجهها اشتراكية الشغيلة العفوية. وإذا كان قيام هكذا مشروع لا يمثل ضمانة كاملة فهو يساعد حركة الجماهير ذاتية الإدارة على تجاوز ضعفها وحدودها.

بديل لاشتراكيات الدولة
نحن نؤكد أنه يجب القطع مع اشتراكية الدولة، والاستلهام من الجذور العفوية لاشتراكية الشغيلة، وبلورة اشتراكية جديدة غير تسلطية (ضد تسلطية) لا بد منها لقيام نهضة للنضال الثوري.
الاجتماعية الديمقراطية
تستند الإجتماعية الديمقراطية على وهم الديمقراطية الشكلية بشكلها الجمهوري، على الإيمان بدولة "حيادية"، فوق الطبقات، والتي يمكن تالياً أن تقوم بدور إيجابي لصالح المستغَلين. ثمة خطآن في هذه النظرة: الوعد بتوجيه الدولة الرأسمالية ضد المصالح الرأسمالية؛ وهدف تغيير تدريجي للمجتمع من الرأسمالية إلى الاشتراكية، تغيير سلمي وشرعي، إصلاحي، عبر القوانين والأنظمة. نجد أنفسنا هكذا أمام إستراتيجية سياسية مندرجة ضمن مؤسسات الرأسمالية ومحترمة لقواعدها. الاشتراكية الديمقراطية هي أولاً اشتراكية دولانية، مرتكزة على تفويض السلطة، يفيد منها السياسيون والطبقات المسيطرة البيرقراطية والتقنوقراطية.
إن نتائج الاشتراكية الديمقراطية هي كوارثية على البروليتاريا. فهي تقيم سلاماً اجتماعيا حيث يفقد الشغيلة قدراتهم في المقاومة، وتخضع التنظيمات النقابية لقواعد النمط الانتخابي ولأوامر السياسات الحكومية عندما يمسك اليسار بزمام السلطة.
شيئاً فشيئاً كشفت الاشتراكية الديمقراطية عن نفسها بما هي شكل لإدارة رأسمالية تتطور باتجاه أكثر فأكثر ليبرالية.
اللينينية والستالينية
 في الأساس اللينينية هي مشروع تغيير ثوري للمجتمع تحت إدارة حزب قائد وعبر مركزة لكل الاقتصاد في أيدي الدولة، لكنه أفلس بفعل احتقار ومحاربة جوهر الاشتراكية العفوية للشغيلة، ذاتية الإدارة والفدرالية. هكذا الحصيلة جاءت مأساوية ولطخت كلمة "شيوعية" بمساوئ التجربة فيما الشيوعية هي برّاءة من كل هذه التجربة بل مضادة لها تماماً.
واليوم فإن التاريخ أثبت هذا الأمر: إن دولنة وسائل الإنتاج لا تعني بالضرورة القطيعة مع العلاقة "مهيمِن/مهيمَن عليه" الرأسمالية، بل تعني الانتقال من رأسمالية متفجرة، منافسة، إلى رأسمالية دولة، مع قيام طبقة جديدة مهيمِنة ومستغِلّة. لا يمكن تقديم الدولانية كشكل انتقالي بين الرأسمالية والاشتراكية بل كشكل جديد لقمع الشغيلة.
لا يستطيع أي حزب أن يعلن نفسه "طليعة البروليتاريا"، أن يزعم أنه يمثل وعي طبقة بحالها، وأن يحل نفسه محل هذه الطبقة في إدارة السيرورة الثورية والمجتمع، وأن يفرض دكتاتوريته على الشغيلة وباسم تحريرها.
إن الشكل المركزي للحزب اللينيني، القصوي في هرميته، يتفق تماماً مع هدفه في استلام السلطة وفي إدارة دولة تشرف على جميع النشاطات الاجتماعية، ما يقود بالضرورة إلى قيام نمط إرهابي داخل التنظيم، إلى سحق جميع التشكيلات الأخرى خارج الحزب، إلى القطيعة بين القائد والمُقاد، بين الحزب والشغيلة، بين الحزب والمجتمع.
إن إستراتيجية استلام السلطة من قبل الحزب تقود أيضاً إلى ممارسات كريهة في النضالات اليومية: تغدو التنظيمات الجماهيرية والنقابات مجرد حزام ربط وانصياع لأوامر الحزب، وتهيمن مفاهيم القيادية والمركزية في توجيه النضالات، وتخضع نشاطات المناضلين للفريضة العليا الكامنة في مصلحة الحزب.
بالتأكيد نحن لا نساوي بين الستالينية واللينينية. فاللينينية هي تيار ثوري أما الستالينية فهي أولاً منظومة دفاعية عن البيرقراطية. إلا أنه تجدر الملاحظة أن اللينينية هي التي هيأت لقيام هذه البيرقراطية ومهدت الطريق أمام الجرائم التي ارتُكِبت ضد الديمقراطية وضد الشغيلة.
إن التيارات الاجتماعية الديمقراطية واللينينية تقدم طرحاً غير صحيح لأنها تَعِدُ، كل حسب طريقته، بقيادة الدولة ضد المصالح الرأسمالية ولصالح الشغيلة (النهج الإصلاحي للدولة أو بناء دولة "عمالية"). إن التجارب الحكومية للاجتماعية الديمقراطية والنتيجة السلبية إجمالاً للنهج اللينيني-الستاليني هي المقبرة التي ترقد فيها الأوهام البروليتارية الواعدة "بالغد الجميل".
مع هذا لا يمكننا أن نختزل دور الاجتماعية الديمقراطية واللينينية معتبرين أنها زرعت الأوهام في الحركة العمالية. أكثر من هذا يجب أن نقرَّ بأن هذه التيارات استُخدمت غالباً كسلاح ضد الاشتراكية العفوية للشغيلة لأن مجيئهم إلى السلطة سلمياً أم عنفياً سمح بحل التناقضات الطبقية لصالح الرأسمال: إدارة الأزمات على يد الاجتماعية الديمقراطية وتطور رأسمالية الدولة على يد اللينينيين.
 أكثر من هذا، فإن هذه التيارات لم تتردد يوماً في القيام بدور معاد للثورة وبشكل واضح. ألمانيا 1918، روسيا وأوكرانيا 1921، الجزائر 1954-1962: أمثلة كثيرة عن مشاركتهم في القمع الدموي للحركات العمالية الثورية وانتفاضات الشعوب المستعمَرة.
ضرورة مشروع ثوري
 إنه لمن الضروري قيام مشروع ثوري جديد يكون بديلاً عن مشاريع اشتراكيات الدولة والليبرالية. نقصد بمشروع ثوري مشروع مجتمع اشتراكي ومشروع سياسي يقترح طريقاً يُحضِّر لشروط ثورة ذاتية الإدارة انطلاقا من الظروف الحالية.
يمكن أن تحمل اليوطوبيا تأثيراً حاسماً على الحركات الاجتماعية. فهي تغذي الخيال الجماعي والنضالات المباشرة في شكلها وفي هدفها، وتمنح قوة للنضال ضد الرأسمالية عبر اكتشاف إمكانيات خلق مجتمع بديل. الخيال ضروري لتغيير واقع الأمر.
إذا كنا نعتبر من الضروري أن يحمل تيارنا مشروعاً كهذا فنحن لا نزعم أننا نحل محل الحركات الاجتماعية التي تبتكر بنفسها خططها ومشاريعها. نحن نميز إذاً بين مشروعنا الخاص المنبثق من واقعنا وطموحاتنا وبين المشاريع التي تبتكرها الحركات الاجتماعية في بعض الحقبات التاريخية.
لا يزعم مشروعنا استباق المستقبل والتنبؤ به، ولا أن يكون خطة جاهزة لبناء الاشتراكية. انطلاقا من تجاربهم يجد الشغيلة الأجوبة الملائمة على الأسئلة المجتمعية. ولكن ضمن هذه الأجوبة يمكن لطروحاتنا أن تكون مساعداً وحافزاً يوجه النضال على المستوى الفكري والعملي بالاتجاه الأكثر تحرريةً، الأكثر ذاتي الإدارة.
إن صياغة مشروع ثوري يستند إلى التجارب التاريخية وتجارب النضال المعاصرة. وسوف يحاول المشروع تقديم أجوبة واقعية آخذاً بعين الاعتبار الصعوبات المصادَفة ضمن السيرورة التاريخية الواقعية. كذلك يجب أن يستند مشروعنا إلى التطور التكنولوجي والشروط الثقافية الحالية. يحتاج هذا المشروع إذاً لإعادة تقييم دائم، استنادا إلى التجارب الجديدة للنضالات الاجتماعية وإلى ما يحرزه المجتمع من تقدم.
إن صياغة مشروع تحرري معاصر يستتبع إعادة النظر أو التخلي عن عدد من الأفكار الميتولوجية والأخطاء والأفكار البائدة التي حملتها تاريخياً الحركة الثورية والتيارات التحررية. لا يمكن أن يتقدم المشروع التحرري دون أن ندير ظهرنا للدوجمائيات والأفكار البالية.
غائيات الاشتراكية اللاتسلطية
إن الاشتراكية التي نناضل من أجلها، الاشتراكية اللاتسلطية،  تصبو إلى تغيير جذري في المجتمع يحقق الاشتراكية العفوية للشغيلة والطموحات المساواتية والتحررية التي طالما تمَّ التعبير عنها في النضالات الطبقية التي خاضها المستغَلُّون في العالم والنضالات التحررية التي خاضها المقموعون (نضال المرأة، النضال من أجل الحريات العامة والفردية).
الاشتراكية اللاتسلطية هي البحث عن الديمقراطية الحقيقية: أي عندما يؤسس الشعب السيد بنفسه مجتمعه، عندما يقرر بنفسه سياسته، عندما يدير ذاتياً إنتاجه.
هكذا تكون الديمقراطية قد تحققت أخيراً بعد طي صفحة علاقات الإنتاج القائمة على العمل المأجور، وبعد تشريك وسائل الإنتاج الأساسية وتجميعها (جعلها جماعية) في القاعدة وليس دولنتها؛ كذلك لأن الإدارة الذاتية تكون قد حلت محل العلاقة "قائد ومقاد"، رئيس ومرؤوس"، وتكون قد حلت جماعة إنسانية قيد التوحد، متساوية وحرة سياسياً واجتماعيا، محل مجتمع منقسم إلى طبقات متناحرة.
وهذه الديمقراطية هي أصلية لأن جهاز الدولة قد تقوَّض، أي جهاز سيطرة الطبقات المستغِلة، ليحل محله تنظيم فدرالي للمجتمع، قائم على الإدارة الذاتية المعممة، الممارسَة في اتخاذ جميع القرارات الكبرى، وعلى السيادة الجماعية الفعلية، على الديمقراطية "من أسفل إلى أعلى" أو "من الأطراف نحو المركز"، على سلطة الجمعيات القاعدية ومجالسها المتشاركة بحرية.
 الاشتراكية اللاتسلطية هي الصراع من أجل مجتمع حيث يكون الفرد حراً ومسؤولاً في آن. حر في عالم واقعي حيث ترزح بثقلها الضرورات المادية وفي مجتمع حيث يتشارك الجميع في المسؤوليات الملقاة. الاشتراكية اللاتسلطية هي الحرية الكاملة في التعبير والقول والإبداع؛ حرية الإنسان في اختيار نمط حياته ونمط حياته الجنسية وثقافته. والقول أن الإنسان مسؤول يعني أنه سيد عمله. وهو مساوٍ للجميع يأخذ ما يعود إليه بعد توزيع نتاج العمل. إن غائية الاشتراكية اللاتسلطية هي بناء مجتمع حيث الجماعة المتضامنة تسمح للفرد أن يزدهر منمِّياً خصوصياته. هو مجتمع تتوازن فيه وتدعم بعضها البعض كل عناصره: الفرد، الإقليمي (أو المحلّي)، الخاص والجماعي، الاجتماعى، الثقافي: إنه مجتمع متساو وتحرري.
تقتضي إذاً الاشتراكية اللاتسلطية إزالة إنسلاب الجميع، نهاية جميع أنواع القمع، العنصرية، كره الأجانب، التضييق على الحريات وعدم التسامح، الذهنية البطركية. وهذا الهدف يمر حتماً عبر تغيير جذري في نمط الإنتاج، سواء في البنيان، في أشكال التنظيم والسلطة وفي الأهداف. إنها نهاية الإنتاج المحدد بالربح. هي بداية إنتاج متجِه نحو تلبية متساوية للحاجات المعبَّر عنها اجتماعيا، ما لا يعني تسطيح الحاجات وتوحيدها لأن المجتمع مؤسس على تحرير الأفراد والجماعات القاعدية، أي في آن على التعددية والانسجام في أنماط الحياة. إنه نمط إنتاج متعارض كلياً مع الإنتاج القائم على السباق المجنون والمهدِّم لإطار الحياة والذي يفتح الطريق إذاً لعلاقة جديدة تعيد إدماج الناس في توازن "الأيكوسيستيم" (توازن الفضاء). إنه إنتاج حيث الشغيلة، كل الشغيلة، والبروليتاريا جماعياً والشرائح الأخرى التي تسيطر عليها الرأسمالية، حيث كل هؤلاء يفلتون من العمل القائم على الإنسلاب والسيطرة والقيادة ليحل محله عمل يتم التحكم به ومنفتح على الإبداع الفردي والجماعي.
الإشتراكية اللاتسلطية هي نهاية نظام معيَّن للعالم. نهاية الكولونيالية والإمبريالية، لصالح علاقة متساوية ومتضامنة بين جميع الشعوب، مؤسسة على الاستقلالية، الإنتاج الممركز ذاتياً وعلى التقارب بين البلدان الغنية والفقيرة. نهاية النظام الدولاني لصالح فدرالية حرة للمناطق ذاتية الإدارة. نهاية الحدود والحرب وتهديدها، من أجل عالم دون حدود ومنزوع السلاح كلياً.
 السلطة المضادة والقطيعة الثورية
الثورة الشيوعية التحررية ليست مجرد ثورة سياسية تحل فريقاً حاكماً محل آخر أو تبدِّل في عبارات الدستور. إنها ثورة شاملة تصيب جميع أشكال المجتمع السياسية والثقافية والاقتصادية. لذا نتكلم على ثورة اجتماعية.
إن شروط الثورة – أي ما يقود شعباً أو شعوباً على طريق تغيير جذري كهذا – ليست لا أيديولوجية فقط ولا "موضوعية" فقط. الثورة ليست النهاية الميكانيكية لتطور القوى المنتجة. وهي ليست كذلك النتاج الصافي لسيرورة إيديولوجية. لا تأتي الثورة إلا بعد دينامية تكون الممارسات الاجتماعية في قلبها، ونعني الممارسات الواقعية للجماهير والأفراد، ونضالاتهم التي تقوم ضمن الشروط المادية لكل مرحلة والتي تسمح قيام وعي جماعي للذات وبروز مشاريع تغيير مجتمعي أكثر فأكثر إتساعاً.
 الثورة الاجتماعية إذاً تتحضر عبر سيرورة تاريخية حيث يشكِّل وعي الأفراد والطبقات الاجتماعية العنصرَ الأساسي، وهي ترتكز إلى تجارب واقعية عبر النضالات الطبقية والنضالات التحررية المنظمة ذاتياً. هذه السيرورة نسميها سلطة مضادة. والشغيلة لن يضعوا قواعد المجتمع البديل إلا عبر خوض تجربتهم الذاتية في الإدارة الذاتية.
ليست الحرية بالنسبة لنا هدفاً بعيداً يسمح باللجوء إلى أي وسيلة، بل على العكس من ذلك الحرية هي الهدف والوسيلة معاً. نحن نطرح دينامية عمل وتوعية ليس بإشراف قادة يُتبعون بعماء، بل على العكس إذ إن هذه الدينامية نريدها في إطار الإدارة الذاتية للنضالات حيث تعبِّرُ عن نفسها وتحقق ذاتها قواعد الناس والأفراد.
السلطة المضادة هي إذاً إستراتيجية سياسية اجتماعية لتهيئة شروط الثورة الاجتماعية التي تندرج منذ الآن في الصراعات اليومية. وهي تستند إلى النضالات المطلبية متجاوزةً الإطار المفروض من قبل سلطة الطبقات المسيطرة من أجل تطوير سلطات مضادة في القاعدة. وهذه السلطات المضادة لا يمكن أن تصبح تنظيماً بديلاً للدولة إلا عبر التنسيق فيما بينها وعبر توحدها فدرالياً.
إن القطيعة الثورية هي نتاج كل هذه السيرورة التي يمكن أن تمتد على مدى سنوات طويلة: إنه الانقلاب على السلطات الممأسسة، سلطات أصحاب الأعمال، الدولانية لتحل محلها السلطةُ المضادة، السلطة الجديدة. وهذه القطيعة تستند إلى دينامية تعيد الإمساك بالحياة الاجتماعية والإنتاج في الأساس، مع توفير الإطار الضروري لديمومتها وصلابتها.
إن القطيعة المعادية للرأسمالية (أو ضد الرأسمالية) هي نتاج حركتين متمفصلتين، كل واحدة منها ضرورية للأخرى. ليس ثمة قطيعة ثورية دون إعادة تملك الشغيلة لوسائل الإنتاج. هكذا فإن النضال ضمن المؤسسات وتحديداً حول مسائل العمل والإنتاج هي فعلاً جبهة لها الأولوية للنضال الثوري. ولكن ليس من قطيعة دون حركة اجتماعية ثانية تتطور خارج الإنتاج، تكتسب فسحات كبيرة من الإنتاج وتغزو جميع أجهزة المجتمع. لذا فإن المؤسسة (الشركة، المصنع..) لا يمكن أن تكون الأولوية الأولى للصراع الثوري.
فالبروليتاريا، في التحديد الواسع الذي نعتمده، هي بالطبع الطبقة المحركة والملهمة للثورة الاجتماعية. لكنها لن تكون بالضرورة الطبقة الوحيدة التي تقود الثورة. بل من مصلحتها أن تتحالف مع فئات أخرى لتحقيق جبهة واسعة ضد رأسمالية. لذلك فإن السلطة الجديدة لن تكون حصراً سلطة البروليتاريا – وإن سيكون للبروليتاريا وزنها المقرِّر- ولا بالطبع دكتاتورية البروليتاريا؛ إن السلطة الجديدة هي سلطة مجموعة اجتماعية جديدة، ثمرة علاقات إنتاج جديدة ذاتية الإدارة، ومتوحدة حول هوية "مواطنون-شغيلة" يشاركون في الإدارة الاشتراكية للإنتاج.
هذه السلطة الجديدة لا يسعها أن تتسع مباشرة لتشمل جميع السكان حيث يمكن أن يعبِّر عن آرائهم أعداء المجتمع الجديد أيضاً. وفي أي حال فإننا نلمس هنا أحد التناقضات الرئيسية للثورة ذاتية الإدارة في مرحلتها الأولى: من ناحية بناء ديمقراطية فعلية ومن ناحية ثانية ضرورة النضال ضد شريحة من الناس ممن لا يزالون متعلقين بالأفكار البالية. إلا أن الدينامية تكمن في الاختفاء التدريجي للفروقات الطبقية.
ثمة إذاً بعد القطيعة الثورية عدة مراحل من البناء الثوري والمرحلة الأولى لا شك أنها ستكون مطبوعة بانقسامات موروثة من الرأسمالية. ولكن منذ الأيام الأولى تقوم علاقات إنتاج جماعية – شيوعية بالمعنى الأصيل للكلمة- على مستوى وسائل الإنتاج الأساسية وتبعاً لنمط الإدارة الذاتية تنتظم من جديد المصالح العامة (الإدارات العامة) وحلقات التضامن التي كانت تحت إشراف الدولة. هكذا، محل النمط القديم، يحل شكل جديد ديالكتيكي قائم على المركزية واللامركزية في آن ونعني على الفدرالية. ثمة إذاً عدة مراحل انتقالية حيث يتعمَّقُ بناء الشيوعية ولكن في ظل غياب مجتمع انتقالي ملصوق بين الرأسمالية والشيوعية.
في كل هذه السيرورة الثورية – التي تبدأ بممارسات يومية مضادة للسلطة – يبدو لنا أن دور تيار لاتسلطي هو ضروري جداً. نحن نرفض الدور القيادي الذي تمنحه اللينينية للحزب الثوري والتي تقود الحزب للحلول محل الجماهير وليفرض في نهاية الأمر منظومة تولِّد البيرقراطية لا محال. إلا أن على الثوريين أن يقوموا بدور المنشِّطين والمرشدين. إن دعاوتهم تدخل ضمن دينامية وعي الناس لذاتهم عبر طرح نقد جذري للرأسمالية وعبر جعل اشتراكية الشغيلة العفوية نمطاً ممنهجاً. إن عمل الثوريين القائم على التنسيق والتلاقي والتنظيم هو ضروري في الصراعات الطبقية للمساعدة في تطوير التنظيم الذاتي وفي إبراز مشاريع بديلة. وهذا النوع من النضال الإرادي هو أحد شروط تطور سيرورة لا تخضع لأي قانون "حتمي" وحيث أن العفوية سبق وأثبتت في التاريخ قيمتها الاستثنائية، ولكن أيضاً عدم قدرتها على التغيير الجذري في المجتمع وتأسيس اشتراكية حرَّة. إن الحضور الناشط لتيار منظَّم ولا تسلطي هو ضروري للغاية من أجل اجتناب الانحرافات البيروقراطية: تيار يملك الوسائل التي تجعله يفرض نفسه في أوساط الشغيلة والشبان؛ تيار حاضر بقوة ومتشكِّل من مناضلين ناشطين (ومنشِّطين) في الحركات الاجتماعية، مناضلين مسموعين ومؤثرين. وأيضاً ضرورة التنظيم التي لا يجب أن تنسينا أن التنظيم ينزلق بسرعة في ورطة "القيادية" أياً كانت المزاعم التحررية. لذلك فإنه لا بدَّ من الحذر الشديد (الحذر الذاتي) لهذه الناحية عبر إتباع نمط الإدارة الذاتية للبنية النضالية التي تتيح الإدارة الجماعية للتنظيم من أسفل إلى فوق، والأسفل هنا هي القاعدة الغاطسة في قلب المجتمع.
من أجل شيوعية تحررية
إن مشروع المجتمع الذي نطرحه يستند إلى التجارب الفعلية التي قامت بها الشغيلة والشعوب: الكومونات الحرة، المجالس العمالية، الفدراليات، النقابية الثورية.
نسمِّي هذا المشروع "الشيوعية التحررية" وليست مرجعيتنا هنا التيار الشيوعي "الماركسي اللينيني" بل تيار الفكر الشيوعي الأكثر قدماً، المعادي للتسلطية، النقابي، المجالسي.
"الشيوعية": تعني المجتمع المؤسَّس على فكرة "اشتراكية وسائل الإنتاج، دون تملك خاص وممركز، أي مجتمع دون طبقات ودون دولة.
"والتحررية": تعني المجتمع الذي يهدف ويشترط تحرير المجتمع والشغيلة والأفراد، والذي يمرُّ عبر تحقيق المساواة الاقتصادية والديمقراطية من أسفل إلى أعلى في الإنتاج كما في المجتمع.
الشيوعية التحررية هو مشروع مجتمع قيد التطور تحركه سيرورة ثورية دائمة تعمل على توسيع رقعة هذا المجتمع الجديد على كافة الكرة الأرضية وعلى إدماج جميع الناس ضمن مشروعها.
نرسم هنا بعض المحاور الكبرى لهذا المشروع، كما يمكن تصور ذلك في المرحلة الأولى من بناء الشيوعية التحررية، أي في المرحلة حيث لا يزال عد كبير من الناس بعيداً عن الأفكار الجديدة، حيث لا تزال الثورة تواجه أعداءً عديدين في الداخل والخارج، وحيث يجب المباشرة بالتغيير ونحن نحمل على أكتافنا وزر الإرث التكنولوجي (الرأسمالي) الثقيل.
علاقات إنتاج ذاتية الإدارة
عندما نقول تشريك (أو اشتراكية) وسائل الإنتاج فنحن لا نقصد مركزة هذه الوسائل بل المقصود التملك الجماعي من قبل كل المجتمع، أي إدارة ذاتية للإنتاج في كليته، وإدارة ذاتية لكل وحدة عمل من قبل الشغيلة الذين يعملون فيها. ونقصد بالإدارة الذاتية سلطة القرار الجماعي لجمعيات الشغيلة، مع حرية كاملة في التعبير وتصويت ديمقراطي. فالإدارة الذاتية تقضي على علاقات الإنتاج الرأسمالية "قادة/مقادون"، مع ما تستتبعه من  تنظيم تراتبي وتجزيئي. في الإدارة الذاتية المسؤولون، المنسقون، المندوبون هم منتخبون من الجمعيات القاعدية؛ يمكن أن يتمَّ عزلهم في أي حين وهم يخضعون للإدارة الجماعية القاعدية؛ وهم ملزَمون بتطبيق الخيارات الكبرى تبعاً لتكليفات أمرية (ملزمة) من الجمعيات والمجالس المحلية تُجدَّدُ دورياً.
إن قَلب علاقات العمل رأساً على عقب يمرُّ عبر تغيير جذري لطبيعة العمل. سوف يصارُ إلى إعادة توحيد الوظائف اليدوية والذهنية التي فصلتها الرأسمالية عن بعضها: كل شغيل يساهم في إتخاذ القرار المرتبط بالإنتاج. تتضمن مدة العمل هذه المهام (ومن ضمنها أيضاً المسائل "السياسية" المتعلقة بالمنطقة، بالمجتمع)، ومهام التنفيذ كما يتمتع الشغيل  بوقت لا يستهان به مخصَّص للتأهيل. لا يعود وقت العمل خاضعاً للتقسيم الموروث من الرأسمالية بين العمل المجزَّأ من ناحية والتسلية من ناحية ثانية. المقصود هنا أن مشاركة الشغيل في عملية الإنتاج الجماعي وفي الحياة الاجتماعية تغدو وحدة غير قابلة للتجزئة الصارمة كما في السابق وفي كلا الحالتين تكون مشاركته نابعةً عن رغبة حقيقية لا تخلو من الغبطة والانتعاش.
هذا التغيير في أسلوب وطبيعة العمل وعملية إزالة الإنسلاب الذي يميزه هما النواة المركزية لسيرورة تغيير جذري عميقة للنسيج الإنتاجي والتكنولوجيات. وهذه التكنولوجيات ينبغي أن تتأقلم مع نمط الإنتاج الجديد ومع المعايير المجتمعية الجديدة التي ستدشِّن مرحلة من الإبداع والتجديد.
في المرحلة المرجوة يفلت الإنتاج من مستلزمات الإرباح. الاحتياجات الإنسانية هي التي تصبح مهيمنة. وهذه الاحتياجات ليست ولن تغدو يوماً "موضوعية": إنها تستجيب لمعطيات ثقافية، لطموحات شخصية ولكن أيضاً لما يقترحه الإنتاج. ثمة إذاً تنوُّع كبير من الاحتياجات التي تستدعي منظومة شديدة التعقيد تحدِّد بدورها مستلزمات الإنتاج. برأينا يمكن رسم  إواليتين تعملان في آن: الأولى إوالية التخطيط والتنسيق العام وذاتي الإدارة، تُمركز الاحتياجات في البلدات والمناطق، ووحدات وفدراليات الإنتاج. يضمن هذا التخطيط الإعمال الجماعي للتغييرات الكبرى، كما يضمن للجميع تلبية الاحتياجات الجوهرية بصورة حرَّة، مجانية، متضامنة (سكن، صحة، تأهيل، مواد تغذية أساسية...). أما الإوالية الثانية فهي تضمن المبادرة العفوية للأفراد وللجماعات القاعدية التي تعبر عن احتياجاتها في السوق المتحررة من إكراهات الاقتصاد التجاري ولكنها تتيح للجميع الإفادة من المنتوجات والخدمات المختلفة كل حسب ما يشاء.
ديمقراطية فدرالية وذاتية الإدارة
ترتكز الديمقراطية الفدرالية ذاتية الإدارة على الجمعيات القاعدية للشغيلة وللبلدات. وهي تنظم بنية المجتمع انطلاقا من المناطق، من أجل خلق مساحات سلطة جماعية قابلة للرقابة مباشرةً من قبل الناس. وهذه المساحات المناطقية ذاتية الإدارة (أو المُدارة ذاتياً) لا تعيد بالضرورة التقسيم الحالي للمناطق الإدارية. كما تصبو إلى الفدرالية الدولية للمناطق، ذات الأفق العالمي. تقرِّرُ قواعد مشتركة ذاتية الإدارة، ولكنها تحافظ على الحقوق المكتسبة عبر التملك الجماعي لوسائل الإنتاج. هذه الحقوق وهذه القواعد تفرض نفسها في كل المناطق، ضامنةً لكل فرد وكل جماعة الحماية الضرورية. من ناحية أخرى ثمة استقلالية كبيرة تميِّزُ نمط العمل في القاعدة، في البلديات وفي المناطق الفدرالية.
إن الفدرالية هي شكل تنظيم و"مَركزة/لامركَزَة" تسمح باجتناب عائق المركزية البيروقراطية و تذرير المجتمع[5]. إنه التوازن بين مبادرة واستقلالية الوحدات المُفَدْرلة والتضامن بين جميع هذه الوحدات: ارتباط داخلي بين بعضها البعض دون تراتبية، حيث يتخذ ويُطبِّق الجميع الخيارات الجماعية في المسائل المشتركة. الفدرالية تستتبع مفهوماً منفتحاً، جدلياً للمجتمع كمساحة حيث يمكن الموازنة بين حقل العام والخاص دون أن يتم اختزال أي منهما للآخر.
تقود الفدرالية إلى هيكلة المجتمع بصورة ثابتة. تضمن التنسيقَ على مستوى الإنتاج فدراليات مقسمة إلى  فروع. توحِّد (تجمع) كل منطقة البلدات ووحدات العمل. تشكل المناطق فدرالية دولية وتتمتع بقسط لا يستهان به من الاستقلالية. يقوم بمهمة التنسيق ضمن الفدرالية مجلس متشكل من عدد كبير من ممثلي القاعدة، ومن منتخبين مباشرين خاضعين لرقابة شديدة ومرتبطين بصورة وثيقة بموكليهم. كل فدرالية تعين مسؤولين خاضعين لإدارة القاعدة. هكذا فإن مجالس الفدراليات المناطقية والمهنية الخ. تقوم بمركزة سلطة القاعدة ليس عبر ممارسة السلطة باسم القاعدة بل بتنظيم النقاش الديمقراطي. فهي تضمن قيام استشارات منتظمة لكل السكان المعنيين بدءاً بالقاعدة وتحسم النقاش ارتكازا إلى الخيارات المختلفة. بعد ذلك يقع على عاتق مجلس الفدرالية تنفيذ القرارات الديمقراطية.  يُلجَأُ إلى هذه الاستشارات في المسائل الكبرى، في الخيارات الكبرى، فيما تقوم الوحدات الفدرالية باتخاذ المبادرة في قرارات عديدة أخرى.
لا تعطى الوكالة من القاعدة فقط عند انتخاب المندوبين أو المسؤولين وعلى أساس وعود المرشحين أو برامج تنظيماتهم المحتملة. فالوكالة الأمرية تُعطى بناء على محتوى تقرره القاعدة ويُجدَّدُ بانتظام. إن الديمقراطية من الأسفل إلى الأعلى تمثل شكل السلطة الجماعية الجديد بصورة تقطع كلياً مع التقسيم "قادة/مقادين"، "حكام/محكومين"، مع التفرقة بين الدولة من ناحية وبين المجتمع من ناحية ثانية. كل "مواطن-شغيل" يكون متشاركاً مع هذه السلطة والحكومة تكون هكذا قد دخلت المحترف والبلدة: إنها الحكومة الذاتية للمجتمع التي تستجيب طبيعياً لمطلب إدارة الإنتاج الذاتية.
الفروقات بين الدولة البرلمانية والفدرالية ذاتية الإدارة هي فروقات جذرية. إذ إن اتجاه السلطة أصبح معكوساً: أجهزة التنسيق المركزية غدت خاضعة لإدارة القاعدة. انتخاب ديمقراطي للمندوبين والمسؤولين، تفويض المهام من أجل التنسيق والقرارات العادية، ولكن رفض تفويض السلطة في القرارات الكبرى وبالتالي ديمقراطية مباشرة. تفقد هكذا الأحزاب دورها كموجِّه للسجال وكقوة تدير المجتمع: يمكن للتشكيلات السياسية أن تعبِّر بحرية عن آرائها وأن تغذي السجال الديمقراطي، إلا أن المفوضين يتلقون وكالاتهم من القاعدة وليس من الأحزاب.
الديمقراطية ذاتية الإدارة تفترض حرية التعبير والتنظيم المطلقة، حرية ممارسة الطقوس، الحرية التامة للصحافة.
أخيراً ثمة ضرورة للدفاع عن المجتمع الجديد من أعدائه الداخليين والخارجيين، لأن الانحراف سيبقى بالتأكيد، أقله في هذه المرحلة الأولى، كما ستبقى السلوكيات العنصرية أو الجنسية (استعداء المرأة مثلاً)؛ كل هذا سيفرض ضرورة قيام قانون، عدالة منظَّمة وأشكال من الدفاع الذاتي العسكري. ولكن الهدف هو بالتأكيد القضاء على الأجهزة القمعية للمجتمع القديم وإحلال بنى مراقَبَة بقوة من السكان والمجالس. إن مخاطر العسكرة والنظام البوليسي هي أكيدة في المرحلة الثورية وتتطلب حذراً شديداً، دون نسيان الغاية المرجوة وهي قيام مجتمع خالٍ من أي عسكرة وغير بوليسي.
تيار جديد
ندرج أنفسنا ضمن نَسَبٍ تاريخي يأخذ جذوره من بدايات الحركة العمالية. ولكن في آن نعتبر أننا تيار جديد، نتاج توليفات عديدة وتجاوزات عديدة.
ندرج أنفسنا في امتداد التيارات التاريخية اللاتسلطية الكبرى التي جهدت لترجمة طموحات الاشتراكية العفوية للشغيلة. لقد ضَمَنَ أتباع الفكر الجماعي اللاتسلطي للأممية الأولى، والنقابيون الثوريون والأنرشيون النقابيون، والشيوعيون التحرريون، لقد ضمن هؤلاء ديمومةَ تيار تحرري محوره الصراع الطبقي ونحن ننتمي له.
وهذا الإسناد لا يستتبع لا خضوعاً لعقيدة جامدة ولا مديحاً للماضي. هذا الإسناد (أو هذه المرجعية) هو نقدي لا يوفر نقاط الضعف والنقص والأخطاء. إن النزعات التي نستند إليها هي حية، متناقضة ومرتبطة بالحقبات التي ظهرت فيها. نحن نريد الإفادة من مكتسبات تيار رئيسي للحركة العمالية كما التخلي عن كل ما يمكن أن يبدو لنا خاطئاً وبائداً.
نحن في آن نقابيون ثوريون (أو أنرشيون نقابيون) وشيوعيون تحرريون. نقترح إذاً توليفاً لمجمل المكونات التحررية ذات لون "صراع طبقي" ونشكِّل بالتالي تياراً جديداً.
نحن لا نطمح لأي احتكار. توجد تنظيمات وتجمعات عديدة تعلن انتماءها لنسب تحرري. نحن مع خوض النقاش كي توضع قوانا معاً في أكثر الظروف الممكنة دون نكران خصوصيات كل فريق. رغبة مماثلة في المواجهة والتوحُّد تقودنا إلى رفض العصبوية بين كل القوى التي تناضل ضد الرأسمالية.
إلا أن مجهودنا التوليفي لا يتوقف عند التيارات التحررية وحدها. نحن نبحث عن تجميع للمكتسبات الإيجابية لمجمل التيارات الثورية.
إن مستقبل الماركسية الثورية بما لديه من لامركزية (لايعقوبية)، لا قيادية، لا يمكن أن يقوم بعد الفشل التاريخي للينينية دون أن ينهل من التيار التحرري العمالي ويتوحَّد معه. وهذا الأخير يربح الكثير إذا أدمَجَ وتجاوز في آن أجمل ما عند ماركس، أجمَلَ ما عند الماركسية الثورية والتيار المجالسي.
نهجنا النظري والعملي يتمحور حول مفهوم للتاريخ ومنهج تحليلي يُدمِجُ المعيارين الديالكتيكي والمادي، مبتعدين هكذا عن حتمية اقتصادية تبسيطية وميكانيكية.
مع ماركس وباكونين نحن نعارض المفهوم المثالي للتاريخ، والذي غالباً ما تشوبه أخلاقية أو ثنائية (مانوية) ضيقة، ونعطي الأولوية انطلاقا من عوامل اجتماعية ومادية وأيضاً، جدلياً، انطلاقا من عوامل ثقافية، سيكولوجية واعية، نقول إننا نعطي الأولوية انطلاقا من كل هذا للمفهوم الذي يرى أن البشر يصنعون تاريخهم بذاتهم. ثمة في السجالات التي كانت دائرة في الأيام الأولى للحركة العمالية، على تنوعها وتناقضها، رأسمال كبير من التفكُّر الفلسفي الذي يبدو لنا من الضروري إدماجه في صوغنا لمفهوم للتاريخ ولمنهج تحليل حالي يفلت من الحتمية الاقتصادية، مع تأكيده على الأهمية الكبرى للعوامل الاجتماعية والمادية.
إن التوليف الذي نبحث عنه لا يقتصر كذلك على النهل الإيجابي من التيارات الماركسية الثورية والتحررية. نحن ننهل أيضاً من مكتسبات التيارات الثورية والجذرية: ذاتية الإدارة، البيئية، النسوية، اليسارية النقابية...
هذه السيرورة العامة المتشكلة من توليفات وتجاوزات عديدة، ولكن أيضاً من تجديدات و إدماجات تتمحور حول الصراع الطبقي هي أحد شروط بروز تيار جديد في رحم الحركة العمالية والذي يجهد تنظيمنا للعمل على توكيده وتركيزه.
تنظيم ذاتي الإدارة
تنظيمنا ليس حزباً، لا نصبو إلى نيل أصوات الناخبين والاندماج في لعبة المؤسسات الدولانية.
إن النشاط الأساسي للتنظيم هو دعم تطور النضالات المعادية للرأسمالية وتطوير التنظيم الذاتي، وذلك بسياسته ودعاوته، بالجهد التفكيري النظري الجماعي، بالتأهيل، بالمساعدة التي يقدمها، بنضال أعضائه،  للوصول إلى سلطة مضادة تمارسها قاعدة المجتمع كما لقطيعة مع النظام الرأسمالي.
إن التنظيم يرتكز على هذا البيان من أجل بديل تحرري، طالما لم يقرر عكس ذلك الرفاق تبعاً للقواعد الفدرالية وذاتية الإدارة وحسب شروط العقد. هذا البيان ليس برنامجاً تاريخياً، ولا إعلان مبادئ جامدة، إنه ليس في نهاية الأمر سوى لحظة من سيرورة نظرية، عملية و تنظيمية تحتوي هي نفسها على إمكانية تجاوزها.
يحدد عقد نظامي قواعد سير عمل التنظيم ويربط جميع الأعضاء المتشاركين بصورة حرة.
إن التوجهات الإستراتيجية للتنظيم ومواقفه وقراراته تخضع للسجالات وللإدارة الجماعية ولتصويت قاعدة التنظيم. هذا الأخير يشكل هكذا ساحة اختبار للديمقراطية الفدرالية وذاتية الإدارة.
التنظيم هو إذاً فدرالية ذاتية الإدارة، قائمة على المسؤولية الجماعية لمجمل مناضليه. نحن نريد أن نقلب رأساً على عقب الصورة التقليدية للحزب التراتبي، ولكن دون أن ننكر ضرورة وأهمية نشاطات التنسيق والتنشيط في التنظيم؛ هذا يعني أننا نصبو إلى قيام إطار سجال ومشاركات أفقية ولا مركزية.
إن التنظيم هو مكان تعددي حيث يمكن لتنوع كبير من الآراء أن يعبِّرَ عن نفسه، على خلفية هوياتية مشتركة. وإذا كان من الطبيعي أن يكون لهذا التنظيم ديمقراطياً توجه أغلبي، فهو يحرص أشدَّ الحرص في آن على ضمان حقوق الأقليات والمجموعات القاعدية في التعبير، في السجال الداخلي طبعاً، ولكن أيضاً في صحافة التنظيم، طبقاً للشروط التي يضعها العقد النظامي.
يجهد تنظيمنا لتضافر نشاطات أعضائه من أجل مزيد من الفعالية. كذلك فهو يدعم التوجه الأغلبي. لكنه يحترم حرية الرأي والعمل لكل عضو. إذا كان جميع الأعضاء ملزمين باحترام الآخر عند الكلام أو العمل باسم التنظيم فإنهم لا يخضعون إلا لخياراتهم الخاصة عندما يناضلون في الحركات الاجتماعية.
بما أننا تنظيم "صراع طبقي" فإننا نعطي الأولوية للعمل في أوساط البروليتاريا وفي أماكن عملها وحياتها. لكننا لا نهمل الإنغراس في أوساط الشبان وتثبيت حضورنا في مجمل الحركات الاجتماعية.
يرفض تنظيمنا كل علاقة إدارة وإشراف على نضالات الشغيلة والناس. يمكن أن نساهم في تنظيم مبادرات وعمليات تعبئة. لكن إدارة الصراعات الاجتماعية يجب أن تكون في يدِ القاعدة، وإن كان مناضلو تيارنا من عداد منشِّطي هذه النضالات.
صراعنا دولي وبناء تيارنا يمرُّ عبر تعدد المبادرات، باتجاه هيكلة دولية.
من أجل حركة كبيرة مناهضة للرأسمالية وذاتية الإدارة
لا يزعم تنظيمنا أن يصبح بقواه وحده البديل للرأسمالية. نحن نريد أن نكون قوة موحدِّة في الحركة الثورية وفي الحركة العمالية لأننا نرفض كل عصبوية وكل انعزالية.
نريد أن نسهم في نهضة النضال الثوري الجماهيري، في إعادة تأسيس الاشتراكية في القرن الواحد والعشرين. للوصول إلى هذا الهدف ترتكز إستراتيجيتنا السياسية على جدلية بين مستويين من التعبير والتنظيم مختلفين ومتكاملين:
- تنظيم وتطوير تيار تحرري جديد يتمحور حول الصراع الطبقي (تيار "صراع طبقي").
- بروز حركة واسعة ضد رأسمالية وذاتية الإدارة، حيث يندمج فيها التيار التحرري الجديد دون أن يختفي.
في جعبتنا إذاً مشروع كبير للوحدة يتحقق في ممارساتنا اليومية ويشكل جزءاً لا يتجزأ من هويتنا. وهذا المشروع نقترحه على مجمل القوى السياسية والنقابية والبيئية والجمعياتية التي تقاتل ضد الرأسمالية. سوف تشهد هذه الحركة الواعدة توحداً بين مناضلين ذوي أصول أيديولوجية مختلفة وذوي أولويات نضالية متنوعة. هذه الحركة ستكون تعددية، منفتحة، وفي تبحث عن نقاط التلاقي على قواعد أساسية.
إن الحراك المقبل المعادي للرأسمالية سيكون قوة جماهيرية لها وزنها الفعال في المجتمع، وهي ستساهم في تعدد السلطات المضادة وتحضِّرُ شروط القطيعة الثورية. وسيسجل بالتالي هذا الحراك نضالاته قبل أي شيء في الساحة الاجتماعية، في قاعدة المجتمع، رابطاً بين النضالات المختلفة، النضالات العمالية والنضالات الشبابية، مقترحاً حلولاً ترتكز على مفهوم الإدارة الذاتية. حراك سياسي اجتماعي إذاً وليس حزباً جديداً. وإذ نأخذ بعين الاعتبار الظروف الواقعية المختلفة لكل بلد، فإننا ندرج مشروعنا البديل ضمن مقاربة دولية، توحِّد تدريجياً جميع القوى البديلة لليبرالية، للاجتماعية الديمقراطية، وللستالينية، في أوروبا وفي العالم أجمع.
هذا الحراك لن يولَدَ "بسهولة"، بإعلان ذاتي، أو باتفاق شركاء. إنه نتاج سيرورة تاريخية تصنعها نقاط التلاقي والتوحد والصوغ والممارسات الواقعية. سوف يكون القرار إذاً للنضالات الاجتماعية الكثيفة ولتطورها الهجومي.
نحن بحاجة لرسم مخطط النضال بصورة جماعية، أما إذا جمَّعنا هذه النضالات تجميعاً فهذا لن يسمح بالاستجابة لأزمة التوجُّه (النظري والسياسي) ورسم الآفاق الواضحة، لأزمة الهوية التي تلغم الحركة العمالية والاجتماعية.
إن ما يجب تقديمه هو مشروع سياسي جديد. لصوغ هذا المشروع سوف تتواجه أفكار مختلفة؛ في هذا السجال سنكون قوة اقتراح وإقناع، لنتقدم نحو توليف جديد، الأكثر تحررية، على غرار النقابية الثورية التي كانت ثمرة جدليةٍ بين آفاق تحررية وتنظيمات جماهيرية.
نطمح لممارسات عملية ومشتركة في القاعدة، لأننا نعتبر أن البديل الجماهيري، المنغرس في الأحياء المكتظة، في المصانع، بين الشبان، ينطلق من المشاكل الواقعية التي يعيشها الناس. نشاطات جديدة هي ضرورية كي تسمح للانتفاضات المجتمعية القاعدية أن تعبر عن نفسها وأن تنظم ذاتها.  هذه النشاطات العملية المشتركة ستقدم الإجابات الضرورية، بوجه تهديدات اليمين المتطرف وأكاذيب الاجتماعية الديمقراطية. بهذا فقط يمكن أن يكتسب هذا البديل قوى جديدة.
إن بروز هذا الحراك الكبير هو إحدى أولويات تيارنا. هذا لا يعني أننا سنختفي روحاً وجسداً في التجمع المقبل. نريد أن نكون إحدى القوى المبادِرة، إحدى القوى الموحِّدة. وأن نصبح غداً إحدى القوى الأساسية والمسموعة، ضمن حركة ثورية، حركة عمالية مؤسَّسة من جديد... ومتجددة.

نص مقرَّر في 18-19-20 أيار 1991.

هوامش البيان :
1 Départements d Outre mer.
2 Territoires d Outre mer.
3  - التي تناضل من أجل توكيد هويتها.
4- لأنه كان قائماً في التاريخ الغابر.
5- الإنتاجية هنا تعني الإنتاج الرأسمالي، أي الإنتاج بهدف تحقيق الأرباح وبصرف النظر عن الأضرار اللاحقة بالطبيعة.
6 - أي أنها تفرض نمطاً واحداً أوحداً.                                                                                      7 - من ذرة أي تفتيت المجتمع.




عن موقع الحوار المتمدن