ما هي الأناركية
جون فلود
" انهضوا كما تنهض الأسود من سباتها/ بأعداد لا حصر لها/ انفضوا عنكم السلاسل التي تربطكم إلى الأرض / التي ألقيت عليكم وانتم نيام/ كما تنفضون قطرات المطر / انتم كثير وهم قلائل"
الشاعر الانجليزي برسي شلي
خلال السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين نهضت الحركة العالمية الأناركية من سباتها العميق، في أنحاء كثيرة من العالم تكتسب الأفكار وطرائق التنظيم الأناركية أرضية قبول أوسع من ذي قبل، وبالرغم من ذلك، لازال الكثيرون يربطون ما بين الأناركية والعنف، والتخريب، والفوضى، هذا المفهوم الخاطئ عن الأناركية يتم دعمه عبر وسائل ومؤسسات الأعلام الجماهيري، من قبل أولئك الذين يرغبون في تشويه الحركة الأناركية، ومن نافل القول، إن هذه الفكرة المغلوطة عن الأناركية لا تحمل أدنى علاقة مع مفهوم المجتمع الذي يحاول الأناركيون خلقه عبر نضالاتهم.
ولدت الأناركية في خضم النضال الطبقي وظهرت في تاريخ الحركات الاشتراكية والعمالية، يرغب الأناركيون في استبدال النظام الاقتصادي الحالي القائم على استغلال الأقلية للأغلبية بنظام آخر، نظام يمتلك فيه العمال، الذهنيون واليدويون، السلطة والثروة التي ينتجونها للمجتمع وذلك سيسمح للناس أن يقرروا ما يحتاجون، هذا النظام الاقتصادي المخطط والمدار بصورة ديمقراطية سيتم توجيهه لتلبية حاجات الناس بدلاً من توجيهه لتلبية جشع الأقلية المسيطرة.
لكن الأناركيون يعتقدون أن السيطرة على الاقتصاد لا يمكن ممارستها عبر سلطة مركزية شمولية، فالأناركيون يرون الحرية كقلب الاشتراكية النابض، والتاريخ، والفهم العقلاني والخبرات السابقة تعلمنا انه بمجرد نشوء سلطة مركزية فإن المجموعة الحاكمة تعميها بالسلطة وتشعر أنها تعرف أفضل ما يخص الصالح العام، وعادة ما تستخدم تلك المجموعة الحاكمة سلطتها الجديدة ضد أعدائها، حتى ولو كان أعداؤها هم نفسهم ذلك الشعب الذي تحكم باسمه، إن الخبرة التاريخية المريرة للثورتين الروسية والإسبانية وتجارب أخرى عديدة عبر التاريخ تعلمنا أن الرأسمالية والبنية الطبقية لا يمكن انهاءهما من الأعلى، فالحرية لا تضمنها الحكومات أو النخب، الحرية تنتزع عبر نضالات العمال والفئات الأخرى المقهورة في المجتمع.
بدلاً من تعيين رؤوساء (جيدين) وقادة لتسيير الأمور (الأقلية) بدلاً من بقية المجتمع (الأغلبية)، يدعو الأناركيون الشعب نفسه لممارسة سلطته المباشرة على كافة نواحي الحياة، يعتقد الأناركيون إن أي معاملة مشتركة بين الأفراد يجب أن تكون تحت سلطة الأفراد المعنيين أنفسهم لا تحت مراقبة أي سلطة قمعية خارجة عنهم.
سيكون أساس المجتمع القادم الذي يدعو له الأناركيون مجالس العمال واللجان الشعبية المنتخبة بصورة حرة، في هذه المجالس وفي تلك اللجان يمكن للناس أن تلتقي معًا وتنافش كيفية استغلال موارد مجتمعها، هذه المجالس يمكنها الاتحاد على مستوى قطري أو عالمي لتقرير كيفية إدارة جماعات أكبر، وتعين المجالس المحلية مندوبين للمجالس الوطنية والإقليمية والدولية، ولو تم تجاوز التفويض من قبل أحد المندوبين او تصرف ضد رغبة اللجنة التي فوضته يتم تجريده مباشرة من سلطاته، في كل الحالات فإن سلطة إتخاذ القرار ستقع على الجماعة الممثلة للمجلس ككل لا على المندوب الفرد، بالرغم من ذلك لا يجب الاعتقاد ان تلك الديمقراطية المباشرة ستقرر فقط توزيع البضائع والمنتجات ففي مجتمع أناركي سيكون للناس سلطة التحكم في كيفية الانتاج نفسها بما يناسب ظروف معيشتهم.
إن الأناركية لا تشبع مجرد رغباتها (الحيوانية) من طعام، ملبس، مسكن إلى آخره، فهي تمنحنا الكرامة والسلطة على كافة مجريات حياتنا، انها تخلق الظروف الاجتماعية التي تجعل البشر قادرين على التطور الحر وإدراك إمكاناتهم الحقيقية.
من الواضح أننا لسنا على مقربة من هذا المجتمع المثالي الجميل بعد، لكن، لا ينبغي اعتبار الأناركيون مجرد حالمين بيوتوبيا ما، فالأناركيون يدركون إن هناك نضال طويل وقاسي يتطلبه الوصول وتحقيق أهدافنا الأساسية، وبدلًا من الجلوس على الكنب وانتظار سقزط الراسمالية أو انتظار الثورة العالمية كي تأتي لنجدتنا، يؤمن الأناركيون باهمية التنظيم، هنا والآن، على أسس متطلبات العمل اليومي ويشترك الأناركيون في الاتحاد العمالية والنضالات المجتمعية، كما يكافحون التمييز على أساس الجنس او اللون أو العقيدة ويدافعون عن الاختيار الفردي الحر ومن أجل حياة أفضل وسلطة أكبر للأفراد على مقدرات أمورهم.
الأناركية إذًا هي تحليل ما هو سيء في المحتمع القائم، واستراتيجية شاملة لتغييره، ورؤية لمستقبل أفضل قائم على التضامن، المساواة، والحرية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.