نظرة أخرى بعد سبعين سنة مقال لتوم فيتزل
ترجمة وتقديم : احمد زكى
مسلسل تاريخ احداث الحرب الاهلية الاسبانية
٢٨ يناير ١٩٣٠ اجبار الديكتاتور الاسباني، ميجويل بريمو دا ريفيرا على الاستقالة
١٩٣١
١٤ ابريل اعلان الجمهورية الاسبانية الثانية، وذهاب الملك الفونسو الثالث عشر الى المنفى
٦ مايو الحكومة الجديدة تعلن انهاء التعليم الاجباري في المدارس
٨ مايو تعديل القانون الانتخابي للسماح للمرأة بحق التصويت
٢٥ مايو اعلان مانويل ازانيا، وزير الحرب، تخفيض كبير في حجم الجيش الاسباني
١٦ اكتوبر استقالة رئيس الوزراء نيسيتو زامورا، واستبداله بمانويل ازانيا
١٧ اكتوبر تصديق الجمعية التشريعية الاسبانية على اباحة الطلاق
١١ ديسمبر انتخاب نيسيتو زامورا رئيسا للجمهورية الاسبانية الثانية
١٩٣٢
١٠ اغسطس يتزعم الجنرال خوسيه سانيوريو انتفاضة ضد الحكومة
١٩٣٣
٨ يناير انتفاضات اناركية في سرقسطة واشبيليه وبيلباو ومدريد
٢٨ فبراير جيل روبلز يشكل الحزب الكاثوليكي (CEDA)
٢٩ اكتوبر خوسيه انطونيو بريمو دا ريفيرا يؤسس حزب كتائب اسبانيا
١٩ نوفمبر فوز الاحزاب اليمينية بالانتخابات العامة ضد اليسار المنقسم
٢ ديسمبر انتفاضات اناركية في قطالونيا واراجون
١٩٣٤
٢٠ ابريل العفو عن الجنرال خوسيه سانيوريو.
٧ اكتوبر القبض على مانويل ازانيا واحتجازه في برشلونة
١٩٣٥
٦ ابريل محكمة بضمانات دستورية تعلن براءة مانويل ازانيا
سبتمبر انشاء اندريه نين وجواكين مورين لحزب العمال للتوحيد الماركسي (POUM)
٢٠ ديسمبر فرانشيسكو لارجو كاباليرو يحل محل انداليشيو برييتو كرئيس للحزب الاشتراكي
١٩٣٦
١١ يناير توقيع حلف انتخابي بين الحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي
١٥ يناير مانويل ازانيا ينظم تشكيل الجبهة الشعبية
١٦ فبراير فوز الجبهة الشعبية بالانتخابات العامة في اسبانيا
١٩ فبراير الرئيس نيسيتو الكالا زامورا يعين مانويل ازانيا رئيسا للوزراء
٢١ فبراير الجمعية التشريعية الاسبانية تمنح العفو لكل من اتهم بالتمرد
٢٧ فبراير اغلاق مقرات الكتائب الاسبانية في مدريد
٢٨ فبراير اجتماع فرانشيسكو فرانكو وايميليو مولا ويوان ياجو وخوسيه سانيوريو لمناقشة التكتيكات
اعفاء الجنرال ايميليو مولا من القيادة وارسل الى بامبلونا
١٤ مارس حكومة الجبهة الشعبية تحظر حزب الكتائب الاسبانية
القبض على خوسيه انطونيو بريمو دا ريفيرا واتهامه بتهريب اسلحة غير مشروعة
٤ ابريل مانويل ازانيا يطرح تفاصيل تشريعاته الاصلاحية
٧ ابريل خلع نيسيتو الكالا زامورا من منصبه كرئيس للجمهورية الاسبانية
١٣ ابريل اجتماع ايميليو مولا مع جونزالو كويبو دا اللانو لمناقشة امكانية انتفاضة عسكرية
١٨ ابريل الجمعية التشريعية تحظر حضور الضباط العسكريين الاجتماعات السياسية السرية
٨ مايو انتخاب مانويل ازانيا رئيسا للجمهورية الاسبانية
انداليشيو برييتو يرفض منصب رئيس الوزراء
٢٠ مايو الحكومة تأمر باغلاق المدارس الكاثوليكية لحماية نفسها من هجمات احراق الممتلكات العامة.
٢٨ مايو صدور الحكم على خوسيه انطونيو بريمو دا ريفييرا بالسجن ٥ اشهر بسبب تهريب الاسلحة
الحرس المدني يقمع تجمعا جماهيريا يساريا في يست ويقتل ١٩ شخصا اثناء التجمهر
٣١ مايو اطلاق الرصاص علي انداليسيو برييتو اثناء تجمع جماهيري اشتراكي في ايسيخا
٢ يونيو الجمعية التشريعية تصدر قانونا يمنع اخلاء واضعي اليد على الاراضي الزراعية عن اراضيهم
٩ يونيو اكثر من مليون عامل يدخلون اضرابا عاما في اسبانيا
٦ يوليو لويس بولين يرتب سفر فرانشيسكو فرانكو جوا الى المغرب
١٢ يوليو اغتيال الكتائبيون الاسبان لضابط حرس الهجوم الجمهوري خوسيه كاستيلو
١٣ يوليو مقتل الزعيم المناصر للملكية خوسيه كالفو سوتيلو ثأرا لمقتل كاستيلو
١٨ يوليو انتفاضات عسكرية ناجحة في المغرب واشبيليه
الجنرال فرانشيسكو فرانكو يصدر اعلانا لايجاد مسوغات للتمرد
دولوريس ايباروري (الباسيونيرا) تلقي خطابها الاذاعي الشهير "لن يمروا"
٢٠ يوليو مقتل الجنرال خوسيه سانيوريو في حادث طائرة
حزب العمال البريطاني يعبر عن دعمه لحكومة الجبهة الشعبية
خوسيه جيرال رئيس الوزراء الاسباني يتقدم بطلب للحكومة الفرنسية من اجل تزويده بالسلاح
٢٤ يوليو الجنرال ايميليو مولا يؤسس لجنة الدفاع الوطني
لجنة الميليشيا المناهضة للفاشية تؤسس الكتيبة الاناركية
قوات المتمردين تستولى على غرناطة
٢٦ يوليو ادولف هتلر يوافق على اعطاء معونة عسكرية للجنرال فرانشيسكو فرانكو
الكومنترن يوافق على تشكيل الكتيبة الدولية
٢٨ يوليو القوات الجوية الالمانية تصل الى المغرب وتبدأ في نقل القوات الوطنية الى اسبانيا
٣٠ يوليو تسع طائرات قاذفات قنابل ايطالية تصل الى المغرب
٢ اغسطس ليون بلوم يعلن سياسة فرنسا بعدم التدخل في الحرب الاهلية الاسبانية
٤ اغسطس الجنرال فرانكو والجيش الوطني يستولى على بادايوس
٦ اغسطس الجنرال فرانكو يؤسس مركز قيادة في اشبيليه
٨ اغسطس فرنسا تغلق حدودها وتمنع المتطوعين من العبور الى اسبانيا
١٠ اغسطس انداليسيو برييتو يناشد في خطاب اذاعي انهاء الارهاب الاحمر
١٢ اغسطس المتطوعين الاوائل في الكتيبة الدولية يصلون الى اسبانيا
١٤ اغسطس القوميون يرتكبون مجزرة ضد الجمهوريين في بادايوز
١٥ اغسطس ستانلي بالدوين يعلن حظر تصدير السلاح الى اسبانيا
١٩ اغسطس مقتل فيدريكو جارسيا لوركا على ايدي الكتائبيين في فيثنار
٢٦ اغسطس السلطات القومية تفتح باب التجنيد الاجباري
٢٨ اغسطس القوات القومية تقصف مدريد بالقنابل لاول مرة
٤ سبتمبر فرانشيسكو لارجو كاباليرو يشكل حكومة جمهورية جديدة
٥ سبتمبر الجيش الوطني يستولى على ايرون ويغلق الحدود مع فرنسا
٧ سبتمبر خوسيه اجويري يشكل حكومة استقلال ذاتي في الباسك
٩ سبتمبر ممثلون عن ٢٧ بلدا يشكلون لجنة عدم تدخل في لندن
الكسندر اورلوف من قوميسارية الشعب للشئون الداخلية (الاستخبارات الروسية) يصل الى اسبانيا
٢١ سبتمبر الجنرالات الوطنيون يختارون فرانكو رئيسا للدولة
٢٥ سبتمبر الفاريز ديل فايو يترافع عن الجمهورية الاسبانية وقضيتها في عصبة الامم
١ اكتوبر الحكومة الجمهورية تصدق على الاستقلال الذاتي في الباسك
٣ اكتوبر اول وزارة يشكلها فرانكو تتضمن اخوه وثلاثة جنرالات ودبلوماسي
٩ اكتوبر ٦٥٠ عضو من الكتيبة الدولية يصلون الى اليكانتي
١٢ اكتوبر اول شحنات المعونة تصل من الاتحاد السوفيتي الى اسبانيا
٢٢ اكتوبر الجنرال خوسيه ميايا يتولى مسئولية الدفاع في مدريد
٢٥ اكتوبر ارسال ٥١٠ طن من ذهب بنك اسبانيا الى الاتحاد السوفيتي
١ نوفمبر القوات الوطنية تصل الى الضواحي الغربية والجنوبية لمدريد
٢ نوفمبر الجيش الوطني يستولى على برونيت
٦ نوفمبر القوات الوطنية تبدأ حصار مدريد
الحكومة الجمهورية تنتقل من مدريد الى فالنسيا
٨ نوفمبر الكتيبة الدولية وميليشيات الشعب ترد هجوما للقوات الوطنية على مدريد
١٠ نوفمبر لجنة عدم التدخل الدولية تقرر انه لا يوجد دليل على تدخل اجنبي في اسبانيا
١٤ نوفمبر بوينافنتورا دوروتي يصل مدريد مع كتيبته الاناركية
١٥ نوفمبر جحافل الكوندور، احد اسراب القوات الجوية الالمانية تدخل المعارك للمرة الاولى.
١٨ نوفمبر ادولف هتلر وبينيتو موسوليني يعترفان بنظام فرانكو
١٩ نوفمبر مقتل بوينافنتورا دوروتي اثناء الدفاع عن مدريد
٢٠ نوفمبر اعدام ميجويل بريمو دا ريفيرا، زعيم الكتائب الاسبانية، في اليكانتي
١٣ ديسمبر القوميون يحاولون قطع طريق مدريد لاكورونا الى الشمال من مدريد
١٦ ديسمبر طرد اندريس نين من الحكومة
١٧ ديسمبر الشيوعيون يصرون على اخراج حزب العمال للوحدة الماركسية من حكومة قطالونيا
٢٢ ديسمبر متطوعون من ايطاليا يصلون اسبانيا للقتال في جانب القوميين
١٩٣٧
٦ يناير الرئيس فرانكلين دوايت روزفلت يحظر صادرات السلاح الى اسبانيا
١٢ يناير قمع الانتفاضة الاناركية في بيلباو
١٤ يناير تظاهرت ميليشيات الاناركيين واعضاء حزب العمال لوحدة الماركسيين في برشلونة من اجل الثورة الاجتماعية
٨ فبراير الجنرال جونزالو كويبو دا اللانو والجيش القومي يستوليان على ملقا
١٢ فبراير الكتيبة الدولية توقف تقدم القوميين عند جارما
٥ مارس مؤتمر الحزب الشيوعي الاسباني يطالب باستئصال حزب العمال لوحدة الماركسيين
٨ مارس الفيلق الايطالي يستولى على جوادالاجارا
١٨ مارس الجيش الجمهوري يهزم الفيلق الايطالي خارج مدريد
٣٠ مارس الجنرال ايميليو مولا يفتتح هجوم القوميين في منطقة الباسك
١٩ ابريل فرنشيسكو فرانكو يوحد الكتائب الاسبانية مع الكارليين الكاثوليك ليشكل حزبا واحدا
٢٦ ابريل جحافل الكوندور الالمانية تقصف وتدمر جرنيكا، عاصمة الباسك في الشمال الاسباني
٣ مايو الاناركيون والسينديكاليون يتمردون في برشلونة ضد اسلوب الحكومة السلطوي
٥ مايو فرنشيسكو لارجو كاباليرو يرسل بحرس الهجوم الى برشلونة
١٠ مايو الاسبوع الدامي، الجيش الجمهوري يقمع انتفاضة برشلونة
١٧ مايو خوان نجرين يحل محل لارجو كاباليرو كرئيس للحكومة الجمهورية
٣ يونيو مقتل الجنرال ايميليو مولا في حادث تحطم طائرة
١٦ يونيو خوان نيجرين يصدر قرارا بتجريم حزب العمال لوحدة الماركسيين
القبض علي اندريس نين وتوجه له تهمة التواطؤ مع الجنرال فرانكو
١٩ يونيو جيش القوميين يستولى على بيلباو
٢٠ يونيو اغتيال اندريس نينو زعيم حزب العمال لوحدة الماركسيين على يد عملاء الاتحاد السوفيتي.
٢٤ يونيو راؤول روبسون يلقي خطابا هاما عن الحرب في قاعة البرت بلندن
٢٦ يونيو القوات القومية تستولى علي سانتاندر
٦ يوليو الجنرال فنسنت رويو يشن هجوما على برونيت
١٠ اغسطس خوان نيجرين يحل مجلس اراجون الذي كان يهيمن عليه الاناركيون
٢٥ اغسطس الجيش القومي يستولى على ميناء الساحل الشمالي سانتاندر
٢٨ اغسطس القوميون يقصفون مدريد لاول مرة
الفاتيكان يعترف بنظام فرانكو
١ اكتوبر القوات الجمهورية تستولى على بلشيت
١٧ اكتوبر فرانشيسكو لارجو كاباليرو يعلن معارضته لخوان نيجرين
٢٨ اكتوبر القوات الجمهورية تتحرك من فالنسيا الى برشلونة
١٢ نوفمبر كونفدرالية العمل الوطنية تنسحب من حكومة الجبهة الشعبية
٨ ديسمبر القوات الجوية القومية تقصف برشلونة
١٤ ديسمبر الجيش الجمهوري يشن هجوما على اراجون
١٩٣٨
٩ يناير الجيش الجمهوري يستولى على مدنية تيرول من القوميين
٣٠ يناير الجنرال فرانكو يضم اول مدني الى حكومته
٢٢ فبراير جيش القوميين يستعيد سيطرته على مدينة تيرول
١٦ مارس القوات الجوية الايطالية تبدأ قصف برشلونة بالقنابل
١٧ مارس ليون بلوم، وقد عاد للسلطة مرة اخرى في فرنسا، يعيد فتح الحدود مع اسبانيا
٢٨ مارس انداليسيو برييتو يدعو لبدء مباحثات سلام
٥ ابريل خوان نيجرين يطرد انداليسيو برييتو كوزير للحرب من وزارته
١٥ ابريل جيش القوميين يستولى على بلدة فيناروز الجمهورية
١ مايو خوان نيجرين يقترح ١٣ بندا لعقد السلام
٢١ يونيو ليون بلوم يستقيل والحدود الفرنسية الاسبانية تغلق مرة اخرى
٢٥ يوليو ٨٠ الف جندي من القوات الجمهورية تبدأ في عبور نهر ابرو
٣ سبتمبر جيش القوميين يخترق خطوط الجمهوريين عند كانديسا
٢١ سبتمبر خوان نيجرين يعلن الانسحاب المقترح للكتيبة الدولية من اسبانيا
٤ اكتوبر كل القوات الاجنبية التي تحارب في صف الجيش الجمهوري تغادر خطوط القتال
٢٨ اكتوبر بداية محاكمات قيادات حزب العمال لوحدة الماركسيين في برشلونة
١٥ نوفمبر استعراض الكتيبة الدولية لقواتها في شوارع برشلونة
١٦ نوفمبر جيش القوميين يحقق انتصارا عند نهر ابرو
١٩ نوفمبر فرانكو يمنح المانيا امتيازات تعدينية في مقابل معونتها العسكرية
١٩٣٩
٢٥ يناير خوان نيجرين ينتقل وحكومته من برشلونة الى فيجويراس
٢٦ يناير القوميون يحتلون برشلونة
٤ فبراير الرئيس مانويل ازانيا يعبر الحدود الى المنفى
٢٧ فبراير نيفيل تشمبرلين يعترف بحكومة الجنرال فرانكو
٤ مارس خوان نيجرين يحاول تشكيل حكومة شيوعية على المناطق التي يسيطر عليها
سيجيسموندو كاسادو وجوليان بيستييرو يؤسسان عصبة الدفاع الوطني المعادية لنيجرين
٦ مارس خوسيه ميايا القائد الجمهوري في مدريد ينضم الى عصبة الدفاع الوطني المعادية لنيجرين
٧ مارس لويس بارسيلو، القائد الجمهوري للفيلق الاول، يحاول استعادة مدريد
٨ مارس هزيمة القوات الشيوعية في مدريد
١٢ مارس خوان نيجرين ومستشاروه السوفيت يفرون من اسبانيا جوا.
٢٧ مارس الجيش القومي يدخل مدريد بعد حصار دام حوالي ٣ سنوات
٣٠ مارس جيش القوميين يحتل فالنسيا
١ ابريل الجنرال فرانكو يعلن نهاية الحرب الاهلية الاسبانية.
نظرة للماضي بعد سبعين سنة بقلم: توم فيتزل
سلطة العمال والثورة الاسبانية
في الانتخابات القومية الاسبانية عام ١٩٣٦، نجح ائتلاف من الليبراليين والاشتراكيين في اكتساح حكومة يمينية قمعية ليخلعها من السلطة ويحل محلها. اطلق العمال الاسبان، مستفيدين من وجود مناخ اقل قمعا، اوسع موجة اضرابات في التاريخ الاسباني، بعشرات من الاضرابات العامة التي شملت مدن بأكملها ومئات من الاضرابات الجزئية. بنهاية يونيو كان مليون عامل قد اعلنوا الاضراب.
بعد ما يقرب من شهر بعد انتخابات فبراير ١٩٣٦، قادت فدرالية العمال الزراعيين ٨٠ الف عامل زراعي معدم في حملة للاستيلاء على ٣ الاف مزرعة في "سيبريا الاسبانية" - منطقة استريمادورا التي ضربها الفقر الطاحن . احتد الاستقطاب السياسي، وقد علت نبرة الجدل داخل البلاد حول المستقبل، بعمليات اغتيال ثأرية متبادلة بين اليسار واليمين. ومع الدعوات العلنية من السياسيين اليمينيين لاستيلاء العسكر على السلطة، بدأ في التاسع عشر من يوليو الانقلاب الذي توقعه الجميع في اسبانيا.
لاول مرة في تاريخ اسبانيا، يقاوم الشعب بطريقة هجومية محاولة استيلاء للجيش على السلطة. انهزم الجيش في ثلثي البلاد. تحركت النقابات لتصادر مقادير هائلة من ارصدة الرأسماليين، وتضع معظم الاقتصاد الاسباني تحت ادارة العمال. انشأت النقابات جيوشها العمالية الثورية الخاصة لمحاربة العسكريين الاسبان. تسببت محاولة العسكر سحق الحركة العمالية في البلاد في انطلاق ثورة الطبقة العاملة الاسبانية التي كانت تخشاها النخبة الاسبانية منذ وقت طويل. الحرب الاهلية نفسها كانت صراعا طبقيا في احد اكثر اشكاله تطرفا.
اثنان من اللاعبين الرئيسيين في هذه الدراما كانتا فدراليتين من فدراليات العمال الكبرى بالبلاد. أولاهما هي الكونفدرالية الوطنية للعمل (CNT) بعضوية اوائل عام ١٩٣٦ بلغت ١.٦ مليون عامل (طبقا للاحصاءات الحكومية). هذه الكونفدرالية هي نتيجة سبعة عقود تقريبا من العمل الاناركي لتنظيم العمال في اسبانيا. منذ عام ١٩١٩ قامت تلك الكونفدرالية على اساس "النقابة الفردية" - نقابات صناعية محلية مدارة ذاتيا. في برشلونة عام ١٩٣٦ بلغت عضوية اتحادات نقابات عمال البناء والمعادن في الكونفدرالية اكثر من ٣٠ الف عضو في كل من القطاعين.
لم يكن هناك احد في اي نقابة من اتحادات الكونفدرالية الوطنية للعمال يتلقون رواتب نظير عملهم كمسئولين فيها. احب العمال الفكرة الاناركية القائلة بأن الكفاح المشترك لا يجب ان يصبح ابدا مهنة شخصية وسبيل ارتزاق شخصي. آمن الاناركيون بفكرة أن المسئولين مدفوعي الرواتب يشجعون العمال على ان يتطلعوا اليهم بوصفهم الزعماء القادرين على حل مشاكلهم، وهذا يؤدي الى هيمنة هؤلاء الرؤساء على النقابات. في ١٩٣٦ تواجد عدد قليل جدا من القادة مدفوعي الرواتب في كونفدرالية العمل الوطنية - السكرتارية القومية، وسكرتارية منطقة قطالونيا، وسكرتارية النقابة الصناعية الوطنية لصناعة الصيد التجاري. هؤلاء المسئولون، وهيئة تحرير الصحف اليومية للكونفدرالية في مدريد وبرشلونة، كانت اجورهم تساوي اجر عامل متوسط. وكانت هذه المناصب المدفوعة الاجر تدور على شاغليها بعد سنة واحدة فقط.
الاناركيون في كونفدرالية العمل الوطنية - في الوقت الذي نظموا فيه النضالات حول الهموم المباشرة، شجعوا ايضا المناقشات حول رؤى مجتمع ما بعد الرأسمالية، دون هياكل للظلم والاضطهاد والاستغلال. "انعدام السياسة" في الكونفدرالية كان يعني انها تعارض الاستراتيجية الانتخابية او البرلمانية في التغيير الاجتماعي. كان هدف مناضلي الكونفدرالية هو تحرير الطبقة العاملة من الاضطهاد الطبقي من خلال العمل الجماعي بواسطة العمال انفسهم.
كل وحدة نقابية تتشكل من "اقسام" لها مجالسها الخاصة بها ومندوبين منتخبين عن مكان العمل. في الصناعات الانتاجية مثل النسيج والصناعات المعدنية، هناك قسم لكل منشأة او مصنع. في صناعة البناء، "الاقسام" تتطابق مع المهن المتنوعة في الصناعة. كل الاتحادات الصناعية المستقلة ذاتيا في المدينة او المقاطعة (كوماركا) تتجمع معا في مجلس عمالي محلي (الفدرالية المحلية).
كانت النقابات جزءا من سياق اوسع لمؤسسات الحركة. نظم اليسار التحرري في اسبانيا ايضا مدارس بديلة وشبكة كثيفة مما كان يسمى الاتينيوس - مقرات مراكز مجتمعية. كانت الاتينيوس مراكز للجدل، والفعاليات الثقافية، وفصول محو الامية (نسبة بين ٣٠٪ الى ٥٠٪ من السكان كانوا اميين في اسبانيا الثلاثينات)، وهكذا. الفكرة المميزة للاناركية الاسبانية كانت هي تمكين الناس العاديين، وتحضيرهم للمشاركة الفعالة في الكفاح من اجل التحول الاجتماعي.
كانت النقابية التحررية لكونفدرالية العمل الوطنية شكلا من السياسة "المجازية". بتطويرهم لنقابات تقوم على اساس المشاركة في صنع القرار من خلال المجالس والمندوبين المنتخبين غير مدفوعي الاجر،اعتقد مناضلو الكونفدرالية انهم يمارسون شكل من التنظيم يمثل تصورا لمجتمع مستقبلي يدير العمال فيه الصناعة ويدار المجتمع ذاتيا من خلال ديموقراطية المشاركة المجالسية.
المنظمة العمالية الكبرى الثانية في اسبانيا كانت الاتحاد العام للعمال (UGT)، بعضوية ١.٤ مليون عامل في اوائل ١٩٣٦. انحاز الاتحاد العام للعمال لصف حزب العمال الاشتراكي الاسباني (PSOE) رغم ان الحزب الشيوعي الاسباني كان نشيطا داخله ايضا. كان الاتحاد العام هو اغلبية التنظيم النقابي في المناطق الوسطى القشتالية من اسبانيا، التي تشمل مدريد، وشكل كذلك اغلبية في مناطق مناجم الفحم في اوسترياس على ساحل الاطلنطي الشمالي. فدرالية العمال الزراعيين (FNTT) بالاتحاد العام للعمال بلغت عضويتها نصف مليون في ربيع عام ١٩٣٦. من خلال حملتها من اجل الاصلاح الزراعي بالاستيلاء على الاراضي، شكلت الفدرالية الفلاحية حركة ثورية جماهيرية في الريف.
الرواج الاقتصادي وفرق الموت
الحشد والتعبئة الجماهيرية والاستقطاب الاجتماعي الذي ادى الى الحرب الاهلية كان قمة ازمة اجتماعية استحكمت في اسبانيا طوال عقود. بدأت الازمة في الاعلان عن نفسها ابان فترة الحرب العالمية الاولى. اتخذت اسبانيا وضع الحياد اثناء الحرب واصبحت قادرة على التجارة مع كلا الطرفين: الحلفاء والمحور. بدأت عملية رواج للصناعة الكثيفة والتمدين في قطالونيا. واستمر كل هذا الازدهار اثناء الرواج العالمي للعشرينات. في تلك الفترة كانت برشلونة اسرع المدن في غرب اوروبا نموا. نشأت ضواحي صناعية سريعا حول المصانع الجديدة. كانت برشلونة مركزا تجاريا كبيرا في البحر المتوسط منذ العصور الوسطى، وكانت بيتا لطبقة رجال الاعمال في شتى مجالات الاقتصاد.
ايضا ادى الرواج الاقتصادي بسبب الحرب العالمية الاولى الى نمو المنظمتان الرئيسيتان للعمال في اسبانيا، الكونفدرالية والاتحاد العام. وشجعت الثورة الروسية في فبراير ١٩١٧ ايضا على ظهور اتجاه راديكالي بشكل متنامي. كانت اعلى نقطة في الكفاح العمالي اثناء الحرب العالمية الاولى اضرابا وطنيا عاما في ١٩١٧، ايدته كلتا المنظمتان، الكونفدرالية والاتحاد العام. في برشلونة سادت الكونفدرالية على المدنية حتى تحرك الجيش لقمع الاضراب. (رواية فيكتور سيرج "ميلاد سلطتنا" هي رواية مؤثرة عن احداث الاضراب العام في برشلونة عام ١٩١٧).
لمواجهة التهديد المتنامي للكونفدرالية في قطالونيا، بدأ سيفريانو مارتينيز انيدو، رئيس شرطة برشلونة، تجنيد مسلحين لاغتيال مسئولي ونشطاء الكونفدرالية، بمساعدة البوليس. قدم اصحاب الاعمال ومسئولو الكنيسة الكاثوليكية الرومانية التمويل اللازم لفرق الموت هذه. اثناء هذه الفترة وقعت ٤٤٠ محاولة قتل عمال في قطالونيا . اجبر العمال على الانضمام قسرا لنقابات العمال "الصفراء"، ("الاتحادات النقابية الحرة")، تحت تهديد السلاح. قلب صغير من العمال الكارليين المتدينين كانوا قد شكلوا هذه النقابات الحرة. الكارلية كانت شكلا من الفكر السياسي الكاثوليكي اليميني في اسبانيا. كرد فعل، شكل بعض الاناركيين الشباب مجموعات عمل مسلح، قامت بعمليات ثأرية اغتالت فيها اصحاب الاعمال وزعماء الكنيسة الذين شاع عنهم تمويلهم لفرق الموت تلك.
لسنوات ظلت اسبانيا تحاول التمسك باخر قطعة ارض من امبراطوريتها في المغرب. في ١٩٢٣ احدى الحملات العسكرية في المغرب، ارسلها الملك الفونسو، افضت الى كارثة راح فيها ١٠ الاف جندي اسباني. اطبق الجيش بالديكتاتورية على اسبانيا، برئاسة الجنرال ميجويل بريمو دا ريفيرا، جزئيا كوسيلة لقمع الغضب الناتج عن هذه الكارثة. تم حظر الكونفدرالية في عموم البلاد. تقدم بريمو دا ريفيرا مخططا لدمج الاتحادات النقابية في الدولة بواسطة هيئات التحكيم؛ وشجع الجنرال مشاركة الاتحاد العام للعمال بوصفه بديل "اكثر مسئولية" من الكونفدرالية. "النقابات الحرة"، التي بشرت بالتناغم بين العمل ورأس المال وبشكل من الفاشية الكهنوتية البروليتارية، تنافست مع الاتحاد العام للعمال على التمثيل داخل هيئات التحكيم. شكلت النقابات الحرة، بدعم من الدولة ورجال الاعمال، منظمة على المستوى القومي عام ١٩٢٥ (الفدرالية الوطنية للنقابات الحرة - FNSL) بعضوية ٢٠٠ الف ، مساوية في الحجم تقريبا للاتحاد العام للعمال.
اضراب الايجارات الجماهيري
هرب الملك من البلاد مع انهيار الديكتاتورية عام ١٩٣٠. جاءت الانتخابات بتحالف من الليبراليين والاشتراكيين الى السلطة، ليحكموا جمهورية جديدة. استعادت نقابات الكونفدرالية الوطنية للعمل الحق القانوني في التنظيم.
اتحاد نقابات عمال برشلونة للبناء في الكونفدرالية، في مواجهة البطالة المتنامية والرغبة في اعادة بناء منظمتهم، بدأوا حملة لاجتياح مواقع البناء لضم اعضاء ولمطالبة المقاولين باستئجار مزيد من العمال بنسبة ١٥٪. كان منطق نقابات البناء ان قطاع الاسكان في قطالونيا قد حقق ارباحا خيالية اثناء فترة الرواج في العشرينات - ارباح ارتبطت باستثمارات غير انتاجية. زيادة اعداد العاملين في الصناعة سوف يساعد على دوران مزيد من النقود، مما يساعد على معارضة الاتجاه نحو الركود. مع تدفق العمال الى الوحدات النقابية لكونفدرالية العمل الوطنية، انهارت اتحادات مهن البناء في فدرالية النقابات الحرة الكاثوليكية.
في اواخر العشرينات، بدأ جدل على مستوى هيئة الكونفدرالية حول الاتجاه المستقبلي للاتحادات النقابية. احد جوانب هذا الجدال كان اقتراحا لمجموعة اتحادات محلية في اتحادات الصناعة الوطنية من اجل عمل منسق ضد اصحاب العمل في الصناعة عبر البلاد كلها. خوان بييرو - عامل زجاج متعلم تعليما ذاتيا ومنظر نقابي ذو وزن كبير - استطاع اقناع كونجرس الكونفدرالية بالسماح لقيام اتحادات وطنية داخل الصناعة في ١٩٣١. ومع ذلك، بعض الاناركيين عارضوا هذا المقترح على ارضية انه قد يؤدي الى تطور بيروقراطية جديدة تتشكل من مسئولين مدفوعي الاجر لا تستطيع النقابات المحلية وقتها السيطرة عليهم. نتيجة لهذه المعارضة، نشأت اتحادات وطنية للنقابات في صناعات قليلة جدا داخل الكونفدرالية قبل عام ١٩٣٦. قام اتحاد وطني نقابي للصناعة بين عمال شركة الهاتف الوطنية الاسبانية. في ١٩٣١، شنت الكونفدرالية اضرابا عبر البلاد ضد شركة التليفونات. كان ذلك مبادرة للشروع في نضال نقابي من اجل الدفاع عن حقوق قوة العمل النسوي التي كانت تعمل بشكل كبير في وحدات التحكم المركزي لتشغيل خطوط الهاتف.
جانب اخر من الجدال داخل الكونفدرالية كان هو كيفية الخروج من قفص النضال داخل الصناعة الذي يركز فقط على قضايا الاجور وظروف العمل. كان هناك شعورا قويا بأن الكونفدرالية تحتاج الى مد نفوذها ليتجاوز سياق الكفاح العمالي الصرف الى مناطق اخرى من المجتمع. نادى خوان بييرو بتشكيل لجان احياء سكانية للتنظيم حول القضايا الاعرض التي تهم الطبقة العاملة، وليس فقط المسائل المتعلقة بظروف العمل.
اثناء رواج العشرينات، ارتفعت الايجارات حوالي ١٥٠٪ في برشلونة. الازدحام، وبناء البيوت الرخيصة بواسطة كبار الملاك خربي الذمة والاسكان دون المرافق الاساسية مثل المياة اصبح امرا شائعا. في بدايات الثلاثينات، بدأ نشطاء الكونفدرالية مناقشة امكانية الكفاح حول مسائل الايجارات، وبدأت المقالات حول ازمة السكن في الظهور في الصحيفة اليومية الكبرى التي تديرها الكونفدرالية في برشلونة، سوليداريداد اوبريرا.
بدأ الكفاح ضد الايجارات بلقاء جماهيري لاتحاد بناء الكونفدرالية في ابريل عام ١٩٣١. في هذا اللقاء اقترح ارتورو باريرا وسانتياجو بيلباو تشكيل لجنة دفاع اقتصادي، بمشاركة اتحادات نقابية اخرى. كان كلا من باريرا وبيلباو اعضاء بارزين في فدرالية الاناركيين الايبريين (FAI). هذه الفدرالية كانت اندماجا فضفاضا لجماعات اناركية عملت بشكل اكبر كتكتلات داخل اتحادات الكونفدرالية النقابية.
بعد سلسلة من لقاءات لجان الاحياء، استقرت حملة الايجارات على مطلب بتنزيل الايجارات ٤٠٪ في لقاء جماهيري بقصر الفنون الجميلة في الخامس من يوليو. قرر اللقاء ان مقدمات الايجار التي يدفعها المستأجرون يجب استخدامها لدفع ايجار الشهر التالي وبعد ذلك سوف يرفض المستأجرون دفع الايجار اذا لم يوافق اصحاب العقارات الكبار على تخفيض الايجار. هيئة الغرفة التجارية لاملاك المدن - منظمة اصحاب العقارات - نددت بالحملة بوصفها انتهاك اجرامي لحقوقهم. طالبت الغرفة الشرطة بالعمل من اجل قمع هذه الحملة. بنهاية اغسطس، اخذت مفوضية الدفاع الاقتصادي تعلن ان ١٠٠ الف من الناس توقفوا عن دفع الايجار.
الطاقات التي انضمت الى الكفاح من اجل الايجار العادل تعدت العضوية التي كانت قائمة وقتها في كونفدرالية العمل الوطنية وانضمت اعداد كبيرة من النساء اللائي كن لهن دورا نشيطا في الكفاح. في احد المرات جماعة من الاسالتوس (asaltos) - فرق الاغارة - قوة بوليس وطنية شبه عسكرية انشأها السياسيون الجمهوريون في اوائل الثلاثينات - ارسلت لاخلاء احد المستأجرين، تراجعت تلك القوة متقهقرة عندما واجهتها جموع حاشدة من النسوة والاطفال. ولأن موظفي البلدية المسئولين عن تنفيذ قرارات الاخلاء كان يتهيبون القيام بذلك امام حشود الناس او بسبب تعاطفهم مع اضراب الايجارات، بدأ كبار الملاك تجنيد ميليشياتهم الخاصة لتنفيذ قرارات الاخلاء.
اشتكت منظمة كبار الملاك للحكومة الوطنية وطالبتها بالتحرك لقمع الاضراب. لارجو كاباليرو، السكرتير التنفيذي للاتحاد العام للعمال واحد زعماء الحزب الاشتراكي الاسباني، كان عضوا في وزارة حكومة التحالف الاشتراكي الليبرالي. كاباليرو لم يكن متعاطفا مع اضراب الايجارات، واصفا اياه "بالاضراب الاحمق". في نفس الوقت، اتحاد كاباليرو العام للعمال كان يوفر غطاءا لكسر اضراب التليفون الذي تقوده كونفدرالية العمل في مدريد.
وسط حركة الاضراب في برشلونة، حدث تفجيرا هائلا. لم يصب احد، ولكن وقع دمار شديد بمعدات التليفونات هناك. وحتى رغم انه لم تكن هناك صلة بين هذا الانفجار واضراب الايجار، استخدمت الحكومة هذا الانفجار ذريعة لحظر لقاءات مفوضية الدفاع الاقتصادي. حظرت الحكومة ايضا لقاءات اتحاد نقابات التليفونات المشارك في الكونفدرالية.
عينت الحكومة الوطنية محاميا من التيار المحافظ كحاكم مدني لقطالونيا الذي اعلن انه ببساطة لن يسمح باستمرار اضراب الايجارات. بدأت السلطات في استخدام الاعتقال الوقائي لاحتجاز سانتياجو بيلباو و٥٢ اخرين من نشطاء الكونفدرالية. كان معنى الاعتقال الوقائي ان بالامكان احتجاز الشخص لاجل غير مسمى دون توجيه اي تهمة له ودون تحويله للقضاء. تلك كانت احد الوسائل الكريهة التي استخدمتها الديكتاتورية العسكرية. ظن الناس ان تلك الاساليب هي اساليب من الماضي لا تستخدمها الجمهورية الجديدة.
فعليا، استطاع البوليس قمع اضراب الايجارات عن طريق القبض على المستأجرين الذين كانوا قد عادوا الى شققهم بمساعدة جيرانهم بعد اخلاءهم منها. ورغم ذلك، في مناطق عديدة من المدينة دخل عدد من الملاك الافراد في صفقات لتخفيض الايجار مع المستأجرين. لهذا شعر عديد من المستأجرين انهم قد اكتسبوا شيئا ما. بالنسبة للجيل الاصغر من اعضاء الكونفدرالية، تلك كانت المرة الاولى التي ينخرطون فيها في حملات عمل مباشر على نطاق واسع. بالنسبة للمشاركين من الطبقة العاملة كان ذلك درسا مباشرا في الطريقة التي تصطف بها تلاوين كبيرة من المجموعات ضدهم، من ملاك العقارات الى السياسيين الى رجال الشرطة .
الارض والكنيسة
كانت اسبانيا في الثلاثينات بلدا يعيش تطورا اقتصاديا غير متساوي. ربما تبدو قطالونيا الصناعية الثرية مثل مناطق اخرى متطورة في بلاد اوروبا الغربية، ولكن المناطق الاسبانية الاخرى كانت بالاحرى مختلفة. كانت اسبانيا ما تزال بلدا زراعيا، ٤٥.٥٪ من السكان "ذوي النشاط الاقتصادي" يعملون في مهن مرتبطة بالزراعة. في اي بلد زراعي جزء كبير من الثروة مرتبط بملكية الارض. في جنوب جبال جواداراما توجد منطقة الاقطاعيات التي يعمل بها الاقنان، هذا الاقليم الذي تعرض لغزو الجيش القشتالي من بلاد المور في العصور الوسطى. كان المستثمرون الرأسماليون يرعون تلك الاقطاعيات - اقطاعيات ضخمة - بعد كسر القيود الاقطاعية على بيع الاراضي في القرن التاسع عشر. في هذا الاقليم امتلكت ٢٠٠٠ عائلة ٩٠٪ من الارض. في الوقت الذي يستخدم ٧٥٠ الف عامل معدم دون ارض في زراعة هذه الارض باجور تساوي حد الكفاف.
شمال جبال الجواداراما مناطق تملك فيها الفلاحين الصغار مزارع صغيرة الى متوسطة المساحة. في بعض مناطق الشمال، كانت الحيازات صغيرة جدا الى الحد الذي لا يكفي لاعاشة اسرة واحدة. اضطر الفلاحون الى تأجير انفسهم مقابل اجر، او العمل في الحصاد مقابل حصة من المحصول.
القاعدة الاجتماعية الرئيسية لاحزاب اليمين المتطرف كانت من المزارعين الذين يمتلكون الارض في مناطق الشمال مثل قشتالة القديمة ونافاري، والشريحة الوسطى المتدينة - رجال الاعمال الصغار، والمحامون، والموظفون الخ - في بلدات المحافظات. في المدن الكبيرة وعلى طول ساحل الاطلنطي وسواحل البحر المتوسط تلك الطبقات الوسطى كانت القاعدة الاجتماعية للاحزاب الجمهورية الليبرالية.
اعتبرت طبقات النخبة في اسبانيا الكنيسة الكاثوليكية الرومانية الاسبانية كعامل ايديولوجي جوهري للنظام الاجتماعي. ولكن الكنيسة كانت مكروهة بشكل واسع بين اوساط الطبقة العاملة بسبب تبشيرها الذي نادى بالرضا بالفقر بينما تكتنز ارصدة واموال واسعة وتحتضن القطاعات الاوفر حظوظا والاوسع ثراءا في المجتمع. في الثلاثينات كان عدد رجال الدين في اسبانيا اكبر من اي بلد اخر ما عدا ايطاليا. تواجد ٣٥ الف اسقف و٨٠ الف راهب وراهبة. ورغم ذلك، لم يكن حضور اللقاءات الدينية واسعا جدا. جنوب جبال الجواداراما، بلغ هذا الحضور نسبة متدنية تساوي ٥٪ من السكان . للعلم كان معني معارضة الكنيسة ان العديد من المدرسين والاطباء كانوا ضد رجال الدين. معاداة رجال الدين شاعت بين اليسار الاسباني، من الاناركيين العماليين الى الجمهوريين الليبراليين من الطبقات المتوسطة.
اول حكومة ليبرالية/اشتراكية في ١٩٣١ هاجمت سلطة الكنيسة عن طريق عدم التصريح باي دور للكنيسة في التعليم غير النصائح الدينية. تم حل نظام الجيزويت القوي. تأسس نظام الزواج والطلاق المدني.
الانتفاضات وصراع الفصائل.
انخرط الائتلاف الليبرالي/الاشتراكي ايضا في اعمال قمع متنوعة موجهة ضد نقابات الكونفدرالية الوطنية للعمل. رحب كاباليرو بهذه التدابير القمعية وانتهزها فرصة لبناء نقابات الاتحاد العام للعمال على حساب الكونفدرالية. في هذا المناخ القمعي، والذي دفع بالكونفدرالية الى مواجهات مباشرة مع السلطات، عدد من المجموعات الاناركية في الكونفدرالية دفعت النقابات الى محاولة اضراب عام ثوري والى انتفاضات مغامرة. في سيناريو نمطي، جماعة من الاناركيين تستولي على مبنى البلدية، وترفع عليه العلم باللونين الاحمر والاسود، وتحرق سجلات الملكية وتعلن قيام "الشيوعية التحررية" في البلدة. اطلق المدافعون عن هذه الاساليب عليها اسم "التمرينات الثورية". محاولات الانتفاضة هذه كانت ردة للمفهوم الاناركي في القرن التاسع عشر المعروف باسم "الدعاية من خلال الفعل" - فكرة ان عمل يضرب به المثل يقوم به مجموعة ثوار يمكنه ان يشعل شرارة هبة جماهيرية تلقائية. في اكثر هذه المحاولات سوءا - اضرابا عاما قوميا في يناير ١٩٣٣- نفذت فرق الاعدام شبه العسكرية مذبحة في قرية كاساس فييجاس بالاندلس. احرقت عائلة بأكملها في كوخها واطلق البوليس النار على من استسلم من الاخرين.
اسوأ مخاوف العديد من النقابيين تحققت في هبة يناير ١٩٣٣: كتب جيروم مينتز، " حفنة صغيرة من المتشددين استخدمت الكونفدرالية الوطنية ونقاباتها الاقليمية وورطوا كامل العضوية في اعمال خطيرة ومؤذية. سحلت العضوية سحلا شديدا في قتال الشوارع، وقبض على الزعماء وتعرضوا للضرب، واغلقت النقابات ".
من وجهة النظر السينديكالية، التحول الاجتماعي يتطلب تنظيم وتعليم الطبقة العاملة بشكل مسبق، وتطوير مهاراتها وثقتها بنفسها، وصنع استراتيجية ثورية متماسكة، وليس اعتمادا على "التلقائية" الصرف. خوان بييرو، في كتابه "السينديكالية" الصادر عام ١٩٣٣، وضع الفكرة كالتالي:
"بالنسبة لنا، الثورة الاجتماعية ليست موضوع الانتفاض بشكل عنيف ضد قوات الدولة النظامية... تتكون الثورة الاجتماعية من الاستيلاء على المصانع والمناجم، والارض والسكك الحديدية. لا يكفي ان تستولى على الثروة الاجتماعية، من الضروري ان تعرف كيف تستخدمها - وان تستخدمها فورا، دون اي انقطاع ".
سوف يكون"الاستمرار" مضمونا بحقيقة ان التحول الاجتماعي يتم تنفيذه بواسطة العمال انفسهم، الذين يمتلكون المهارة لاستمرار تشغيل الصناعة.
صراع الفصائل داخل الكونفدرالية الوطنية للعمل في اوائل الثلاثينات اشتعلت سخونته بعد ارسال مجموعة من ثلاثين مسئولا وناشطا في النقابات وثيقة مكتوبة الى صحافة الرأسماليين ينتقدون فيها ما زعموا انه "ديكتاتورية" تهيمن على الكونفدرالية بواسطة فدرالية الاناركيين الايبيرية. اشتهر الناشطون الثلاثون واتباعهم باسم الاتجاه الثلاثيني. لم يكن الثلاثينيون فقط هم المعارضون للانتفاضات المغامرة التي تقوم بها فدرالية الاناركيين الايبيريين بقطالونيا. مجموعات فدرالية الاناركيين خارج قطالونيا اتخذت موقفا نقديا ايضا. بقيام الجمهورية، احد قيادات الثلاثينيين - انجيل بيستانيا - بدأ الدفاع عن فكرة تشكيل حزب سياسي للعمال، وسرعان ما اسس الحزب السينديكالي ليدخل منافسا في الانتخابات البرلمانية. ورغم ان معظم الثلاثينيين لم يتبع بيستانيا في سياسة الانتخابات، قلق اناركيون شتى من ان يكون ذلك هو الطريق الذي يتوجه اليه الثلاثينيون.
وثارت هواجس فدرالية الاناركيين في قطالونيا بسبب جماعة لينينية منتظمة داخل نقابات كونفدرالية العمل الوطنية. في ١٩٣٠ فدرالية عمال قطالونيا وجزر البليار اندمجت مع اغلبية من الحزب الشيوعي القطالوني لتشكل كتلة العمال والفلاحين (BOC). كتلة العمال والفلاحين كانت كتلة معادية للستالينية رغم اتخاذها القالب اللينيني "لحزب الطليعة". كانت كتلة العمال والفلاحين قوية على نحو خاص في منطقة لايدا. احد الشخصيات القيادية في الكونفدرالية بمنطقة لايدا كان يواقين مورين، المدرس الشعبي. مورين كان قائدا لهذه الكتلة.
حاولت الكتلة ايضا تحقيق السيطرة على المراكز المجتمعية (الاتينيوس) في قطالونيا. كانت الهيئة الرئيسية التي تتخذ القرارات في تلك المراكز المجتمعية هي المجالس الدورية التي تنتخب اللجنة الادارية للمركز. استعرضت الكتلة قوتها في تلك المجالس لتحقيق السيطرة على اللجنة الادارية.
بحلول عام ١٩٣٢ حققت الفدرالية الاناركية الايبيرية قدر من الهيمنة على كونفدرالية العمل الوطنية كافي ليجعلها قادرة على طرد النقابات التي تهيمن عليها جماعة الثلاثينيين وكتلة العمال والفلاحين. نتيجة لذلك فقدت كونفدرالية العمل الوطنية معظم تنظيماتها النقابية في منطقة لايدا. في ١٩٣٤ شكلت النقابات التي تسيطر عليها كتلة العمال والفلاحين فدرالية جديدة للعمال، وهي فدرالية العمل للوحدة النقابية (FOUS). في ١٩٣٥ اندمجت الكتلة مع جماعة لينينية اصغر وغيرت اسمها لحزب العمال لتوحيد الماركسيين (POUM).
في ١٩٣٣ كسبت الاحزاب اليمينية الانتخابات، ودخلت اسبانيا مرحلة الحكم القمعي، المعروفة باسم "السنتان السود". في هذا الوقت لارجو كاباليرو وكثير من اعضاء الحزب الاشتراكي بدأوا في الميل يسارا. بدأ كاباليرو في الحديث عن الحاجة الى "ثورة بروليتارية" و"حكومة عمال".
عدد من الاحداث ادى الى تحول حزب العمال الاشتراكي الاسباني الى اليسار: صعود هتلر الى السلطة في المانيا والحزب الاجتماعي المسيحي الفاشي الكهنوتي في النمسا، وارتفاع معدلات البطالة، والغضب الشعبي نتيجة مذبحة قرية كاساس فييجاس، وتصلب اصحاب الاعمال الاسبان. كميات الاموال القليلة التي اتيحت لتقديم اراض الى الفلاحين معدمي الارض بواسطة الحكومة لم تكن كافية على الاطلاق لانجاز القدر المطلوب من الاصلاح الزراعي. كان هناك القليل جدا من الفائدة التي يمكن تعيينها من تحالف حزب العمال الاشتراكي الاسباني مع الجمهوريين الليبراليين في سنوات ١٩٣١-١٩٣٣.
احد علامات انتقال الاشتراكيين الى اليسار كانت محاولة قام بها الحزب اثناء الاضراب الوطني العام في اكتوبر ١٩٣٤. علاقات الحزب مع كونفدرالية العمل الوطنية لم تكن قد تطورت بعد، ولم يتحقق بينهما الا قدر قليل من التنسيق مما حكم على الاضراب بالفشل في معظم انحاء اسبانيا. كان الوضع مختلفا في استورياس حيث عمل الاتحاد العام للعمال والكونفدرالية سويا من اجل تطوير "تحالف عمالي" لمدة شهور. وهكذا في اكتوبر امسكت النقاباتان بزمام المنطقة لمدة اسبوعين، في انتفاضة مشتركة. ولكنهما كانتا معزولتين. عندما ارسلوا بالجيش لسحق التمرد، قتل الالاف وارسلوا بالاف عدة الى السجون. اغتصبت زوجات وبنات المتمردين وتعرضن للايذاء والتشويه البدني بواسطة الكتيبة الاجنبية - وهي وحدة من الجيش تشكلت من المجرمين وقطاع الطرق وعصابات اللصوص من بلاد عديدة. القت الانتفاضة بالذعر في قلوب طبقات النخبة بينما استبعد القمع الوحشي الطبقة العاملة لتنأى بنفسها عن الاحداث.
الرؤية اليسارية التحررية
في اوائل عام ١٩٣٦ بلغت عضوية الاتحاد العام للعمال والكونفدرالية الوطنية للعمل اعلى مستوى لها في كل الاوقات. وفي الاثناء التي امسك بخناق البلاد كلها جدل مكثف حول المستقبل، انتشرت موجة من الاضرابات عمت انحاء البلاد، متضمنة اضرابات عامة عديدة باتساع المجتمع كله. بانتصار تحالف الاشتراكيين والليبراليين في انتخابات فبراير، امكن للعمال ان يتوقعوا فسحة يتنفسون فيها لتنظيم اضرابات وللضغط من اجل التغيير. كانت اتحادات العمال الزراعيين تنفذ اصلاحها الزراعي عبر استيلاء جماهيري على الاراضي الزراعية. منظر الجماعة الثلاثينية خوان بييرو اخبر صحفيا من الصحفيين في مايو: "الجماهير تتحرك نحو الثورة".
العديد من الناس، مع نداء نشطاء اليمين الى الجيش للامساك بالسلطة، توقعوا انقلابا عسكريا. في وسط هذا المناخ من الحشد والتعبئة والازمة، عقدت كونفدرالية العمل الوطنية كونجرسا قوميا في سرقسطة. بحلول عام ١٩٣٥ كانت الجماعات الاناركية القطلونية قد تحركت بعيدا عن مرحلتها المبكرة التي كانت تنادي فيها بالانتفاضات الثورية واتجهت صوب مصالحة مع الثلاثينيين. الفيدرالية الاناركية الايبيرية، حتى توفر اقصى وحدة ممكنة من اجل المعارك القادمة، دعت انصار الثلاثينيين الى العودة الى الكونفدرالية الوطنية للعمل.
من بين القضايا التي تناولها الكونجرس كانت رؤية الكونفدرالية لنوع المجتمع الذي تريد خلقه، وهو ما اطلقت عليه اسم "الشيوعية التحررية". وثيقة الرؤية التي اقرها كونجرس سرقسطة حاولت خلق تأثيرات نافذة اناركية كوميونالية وسينديكالية تحررية على التفكير اليساري التحرري الاسباني في تصوراته لمجتمع ما بعد الرأسمالية.
وضع تصور لهيكل مزدوج الحاكمية للمجتمع، يقوم على اساس مجالس اماكن العمل ومجالس السكان في مناطق سكنهم بالقرى واحياء المدن. تنتخب مجالس اماكن العمل هيئات وتتصل هذه الهيئات في فدرالية قومية للصناعة، لادارة مختلف الصناعات.
وضع الكونجرس ايضا تشديدا قويا على "البلديات الحرة" واستقلالها الذاتي، ليعكس تأثرا قويا للاناركية الكوميونالية. وهذا عن طريق مؤسسة تضرب بجذورها في مجالس السكان بالقرى والاحياء الحضرية. في المدن الكبيرة، مثل برشلونة، تنتخب المجالس مجلسا للبلدية. اعضاء هذا المجلس البلدي سوف يستمرون في العمل في وظائفهم المعتادة في مجال الانتاج الاجتماعي، والقضايا الهامة سوف ترجع الى المجالس القاعدية من اجل اتخاذ القرار.
في كتيب التخطيط الاجتماعي المقترح من قبل دييجو عباد دي سانتيلان ، الفدراليات القومية للصناعات وهي فدراليات تتمتع بالاستقلال الذاتي على تنوعها سوف تتصل بمجلس اقتصادي، يعمل بدوره كهيئة تنسيقية. ولكن الخطط الفعلية سوف تتطور بواسطة المؤتمرات الاقليمية والقومية لمندوبين من فدراليات الصناعة، بمساعدة طاقم للدعم الفني. وهذه النظرة، في الواقع العملي، نسخة سينديكالية ديموقراطية للتخطيط التشاركي.
تختلف وثيقة الرؤية لكونجرس سرقسطة عن اقتراح عباد دي سانتيلان باضافة هيكل لمجالس السكان وفدراليات جغرافية لهؤلاء السكان كتعبير عن الحكم الذاتي السياسي وايضا كقناة ليدلي المستهلك برأيه، مع اضطلاعه بمسئولية تسيير وعدم تعارض الاقتراحات الخاصة بالخدمات العامة مثل الرعاية الصحية والاعلام وتخطيط المدن والاسكان. ولكن كيف سينضم عمليا صوت المستهلكين الى نظام التخطيط الاجتماعي؟ في الحقيقة لم تقل وثيقة سرقسطة شيئا عن ذلك. لم تمتلك الاناركية التقليدية مفهوما ما عن التخطيط التشاركي - التطور التفاعلي لخطة اجتماعية من خلال التفاوض بين العمال والمستهلكين.
قدمت وثيقة سرقسطة طريقا لوصل البلديات الحرة في مؤتمرات شعبية قومية واقليمية. في الواقع العملي، مهدت تلك الطريقة السبيل الى هيئات تشريعية محلية واقليمية وقومية. وضعت الوثيقة ايضا تصورا "لميليشيا شعبية" - بكلمات اخرى، جيشا - كوسيلة للدفاع عن النظام الاجتماعي الجديد . الهيكل الذي يستطيع ان يضع احكام وقواعد لمجتمع والذي يدافع عن السلطة التي تنفذ هذه الاحكام والقوانين بالقوة؛ هذا الهيكل هو في الواقع فكرة سياسية، شكل من الحكم. إن لم تكن الحياة السياسية التحررية هي دولة، اذا المطلوب هو وضع تمييز بين الحياة السياسية (او هيكل للحكم) والدولة. الاناركيون التقليديون الذين كتبوا حول هذه المسألة لم يكونوا واضحين فيها بشكل كبير.
محاولة بيتر كروبوتكين لوضع هذا التمييز ادت الى التشديد على الاستقلال الذاتي المحلي واللامركزية المميزة للاناركية الكوميونالية الاسبانية: لان "الدولة تأسست من اجل غرض محدد وهو فرض حكم الطبقات المهيمنة، اي حركة نحو تحويل الاقتصاد الى الشكل الاجتماعي و"تحرير العمل" يتطلب "شكلا جديدا من التنظيم السياسي" يكون "اكثر شعبية، اكثر لا مركزية، اقرب الى حكم ذاتي شعبي" منه الى "حكومة نيابية"، التي تمثل نوع الدولة المميزة للرأسمالية، من وجهة نظر كروبوتكين .
ورغم ان كونجرس سرقسطة تبنى اقتراحا من اجل "تحالف عمال ثوري" مع فدرالية نقابات اتحاد العمال العام، فشل الكونجرس في مناقشة استراتيجية فعلية او برنامج عملي في مواجهة الوضع المباشر الذي تواجهه كونفدرالية العمل الوطنية. نتيجة لذلك، اجبرت الكونفدرالية على "اتخاذ خطوات عملية في اضطراب شامل " (بكلمات قيصر ام لورينزو) بعد الكونجرس بشهرين، في اعقاب الانقلاب العسكري الذي استولى على الحكم.
الانقلاب
بدأ استيلاء الجيش في اسبانيا في ساعات الصباح الاولى ليوم التاسع عشر من يوليو. في الخامسة صباحا بدأت صافرات المصانع ببرشلونة في الانطلاق. رتبت الكونفدرالية عملية اطلاق صافرات المصانع كاشارة تنبيه لمنظمة الدفاع التابعة لها بأن الجيش يتحرك وان القوات العسكرية تخرج من قواعدها. كانت الكونفدرالية قد نظمت حوالي ٢٠٠ مجموعة دفاع عن الاحياء في انحاء منطقة برشلونة، تتكون هذه المجموعات من حوالي ٢٠٠٠ ناشط مسلح، وقد انشأت الكونفدرالية لجنة دفاع عمالية اقليمية للتنسيق بين هذه المجموعات. في الليلة السابقة على الانقلاب اسرت مجموعات الدفاع العمالية شحنة من السلاح من على سفينة راسية في ميناء برشلونة.
وعندما ركزت الكونفدرالية قواتها عند احد قواعد الجيش في الصباح، قام رقيب في الجيش الاسباني باطلاق الرصاص على ضابطه الفاشي واقنع زملاءه الجنود بالاستسلام. وهكذا فتحت الكونفدرالية طريقا للحصول على مدد كبير من السلاح. الموظفون في شركة الحافلات اسروا السيارات المدرعة التي تستخدمها الشركة لنقل الاموال السائلة واستخدموها كسيارات مدرعة في القتال. فور انتقال الكونفدرالية الى العمل المباشر ضد الجيش، اشتركت الميليشيات شبه العسكرية في القتال. في برشلونة، باحد احياء الطبقة العاملة حول ثكنات للجيش، قام رائد في الشرطة بتسليم السلاح لأي شخص يستطيع ان يظهر له بطاقة النقابة. بدأ الطيارون في القوات الجوية الاسبانية قصف مواقع الجيش حول برشلونة والاغارة عليها.
لم يحدث في اي مكان باسبانيا ان اتخذ صف جنود الشرطة المبادرة في قتال الجيش من انفسهم. في المواقع التي فشل العمال فيها بالقيام بتحركات هجومية مسلحة ومنحوا ثقتهم للمسئولين في الحكومة الليبرالية، لعب البوليس لعبة الصبر والانتظار. في معقل الكونفدرالية القوي بسرقسطة، في اراجون، وضع احد زعماء الكونفدرالية المحليين ثقته في احد المسئولين المحليين الجمهوريين الليبراليين. عندما تمرد الجيش، كانت النتيجة مذبحة رهيبة. في عام ١٩٧٩ اكتشفت مقبرة جماعية خارج سرقسطة تحتوي على ٧ الاف جثة.
تقريبا في كل مكان باسبانيا تحرك نشطاء النقابات فيه بطريقة هجومية ضد الانتفاضة العسكرية وانضمت لهم قوى الشرطة، انهزم الانقلاب العسكري. في مدريد عديد من اعضاء حرس الهجوم كانوا اشتراكيين. اماكن قليلة هي التي استطاع الناس فيها هزيمة الجيش دون مساعدة البوليس. لم يكن هناك مكان في اسبانيا تمرد فيه جنود الجيش ضد ضباطهم دون ان يحاصرهم العمال ورجال الشرطة الغاضبون.
ضباط البحرية الاسبانية كان معظمهم تقريبا من ذوي الدماء الزرقاء ابناء الطغمة المالية من كبار ملاك الارض. كانوا يحتقرون الصفوف الادنى من البحارة. العديد من البحارة الاسبان كانوا يعملون سابقا في صناعة النقل البحري التجاري في اسبانيا حيث كانوا على الاغلب اعضاء في نقابات الكونفدرالية او نقابات الاتحاد العام للعمال. كانوا هم ايضا يكرهون ضباطهم. في الليلة التي سبقت التاسع عشر من يوليو عقد البحارة في الاسطول الاسباني اجتماعات سرية، وانتخبوا لجان السفن، وشرعوا في القبض على الضباط الفاشيست او اطلاق النار عليهم.
بنهاية الاسبوعين، فقد الجنرالات الفاشيست تقريبا نصف قوة جيشهم القائم في اسبانيا، و٤٠٪ من قوة الشرطة وثلثي قوة البحرية ومعظم القوات الجوية. انهزم الانقلاب العسكري في ثلثي اسبانيا، بما فيها المناطق الصناعية والمدن الكبيرة.
اهم قوة كانت متاحة للجنرالات الفاشيست هي ٢٥ الف رجل يشكلون قوام الجيش الافريقي، وهي القوة الاستعمارية التي صلبت عودها المعارك من المرتزقة ورجال العصابات الاجرامية. ومع سيطرة البحارة على سفن البلاد الحربية في يوليو، وتلك السفن تجوب مضيق جبل طارق جيئة وذهابا، اصبحت امكانية النقل البحري لجيش افريقيا من المغرب الى اسبانيا قضية مستحيلة مؤقتا. عند هذه النقطة، مدت المانيا النازية يد العون للجنرالات الفاشيست الاسبان بتزويدهم بطائرات وطيارين المان لنقل جيش افريقيا الى اسبانيا – وهو اول جسر جوي ينقل جيشا بأكمله الى ميدان المعركة في التاريخ العسكري. ومع استيلاء العمال على معامل تكرير النفط ومحطات البنزين في اسبانيا، تعرض الجيش الفاشي لخطر نفاد الوقود منه. قدمت شركة تكساكو ساعتها شكلا اخر من المعونات الدولية. الرئيس التنفيذي لهذه الشركة امر ناقلات النفط البحرية التي تجوب البحار التوجه الى الموانئ التي يسيطر عليها الجيش الفاشستي. زودت الشركة الجيش بخمسة ملايين دولار بنزين في مقابل دفع آجل للثمن.
وفي نفس الوقت، ضباط البحرية البريطانية في جبل طارق اصابهم الرعب من مشاهدة السفن الحربية الاسبانية يقودها بحارة من الرتب الادنى غير مبالين بالقواعد التقليدية المرعية للزي وتبادل التحيات برفع قبضات اليد. عاون ضباط البحرية البريطانية الفاشيست الاسبان معاونة مباشرة. عندما كان الجيش الاسباني يحاصر من البر بلدة الجيسيراس، حاول بحارة الاسطول الاسباني حماية البلدة من البحر عن طريق اطلاق نيران مدافع سفنهم ضد مواقع الجيش الفاشي. منعت البحرية البريطانية ذلك بواسطة تحرك السفن الحربية البريطانية امام البلدة.
انشأت لجان تطهير في المدن التي استولى عليها الجيش الفاشي. تشكلت هذه اللجان بشكل نمطي من مسئول من البوليس، وكاهن، وممثل كتائب الفاشيست، ومالك ارض محلي. اعدت قوائم باسماء اليساريين المعروفين كان ينفذ فيهم الاعدام بشكل منهجي. طبقا لعضو من الكتائب: "٨٠٪ من الذين تم اعدامهم في الصفوف الخلفية كانوا عمال. استهدف القمع بتر الطبقة العاملة جسديا، وتدمير قوتها... لقد كانت حربا طبقية ". تقول التقديرات ان السلطات اعدمت بين ١٠٠ و٢٠٠ الف شخص في المنطقة التي سيطر عليها الفاشيون اثناء الحرب الاهلية.
بعد هزيمة الجيش في برشلونة في العشرين من يوليو، تدفق مئات الالاف من الناس في الشوارع، ليحتفلوا بالانتصار. رئيس البوليس، فريدريك ايسكوفيت، وقد انتابه القلق من نمو قوة كونفدرالية العمل، ارسل بالشرطة الى مستودعات سلاح الجيش في سانت اندرو حيث كان بالمخازن حوالي ٣٠ الف بندقية. ولكنهم وصلوا بعد فوات الاوان. كانت الفدرالية قد استولت على السلاح توا . احتلت الكونفدرالية ايضا التحصينات العسكرية في مونتيوخ، المطلة على برشلونة.
الكونفدرالية، اضافة الى توزيعها السلاح على جماعات الدفاع عن الاحياء، تحركت فورا لخلق جيشها الخاص. تم تجنيد الاف النساء والرجال من اعضاء نقابات الكونفدرالية. اصدرت لجنة الدفاع الكونفدرالية قرارا بمصادرة السيارات - تاكسيات، وسيارات ركوب الاغنياء، والحافلات، والشاحنات. نظمت طوابير من وحدات الميليشيا المتحركة بغرض القيام بهجوم لطرد الجيش من قطالونيا والمناطق المجاورة لها. سلطة اتخاذ القرار العليا في كل طابور كانت مجلس اعضاء الميليشيا. انتخب ضابط للقيادة ("المندوب الرئيس") في كل طابور. الوحدات الادنى انتخبت مندوبا "للجنة الحرب" - اللجنة الادارية للطابور. ضابط الجيش الاسباني المتعاطف كان يلحق بكل طابور كمستشار فني. الاتجاه العام والكلي للطوابير كان عمل لجنة الدفاع الخاصة باتحادات الكونفدرالية.
اثناء صيف ١٩٣٦، طردت طوابير ميليشيا العمال الجيش الفاشي من فالنسيا وقطالونيا خارج مقاطعة قطالونيا ومن مساحة ١٠٠ كيلومتر الى الغرب عبر منطقة اراجون - اوسع مساحة من الارض غنمتها واستولت عليها القوى المعادية للفاشية في الحرب الاهلية.
كانت برشلونة مركز صناعة السيارات الاسبانية. اتحاد الصناعات المعدنية في الكونفدرالية تحرك مباشرة بعد ١٩ يوليو لمصادرة ارصدة هذه الصناعة، وتحويلها الى الانتاج الحربي لصالح ميليشيا النقابة. خلال اسابيع، انشأت الكونفدرالية ٢٤ مصنعا للمعادن والكيماويات لصناعة القنابل والمتفجرات والسيارات المدرعة لصالح جيش العمال الثوري.
الجدل في الكونفدرالية حول السلطة السياسية
طبقا لاقوال مساعديه، كان لويس كومبانيز قلقا وعصبيا في ٢٠ يوليو. رئيس شرطته ايسكوفيت، كان قد حذره توا بأن الشرطة لم يعد في استطاعتها اعادة تأكيد سلطة الحكومة . الكونفدرالية الان بحكم الامر الواقع تمتلك قوات مسلحة في قطالونيا. كان كومبانيز رئيسا للحكومة الاقليمية البرلمانية في قطالونيا ورئيس الحزب الجمهوري اليساري لقطالونيا. كان هذا الحزب قد هزم العصبة القطالونية، حزب البزنس الكبير، في انتخابات فبراير ١٩٣٦. الشرائح المتوسطة القطالونية - صغار التجار والبزنس الصناعي الصغير، وصغار ملاك الارض، والمحامون والمهنيون، والمدراء والعائلات الفلاحية - كانوا القاعدة الاجتماعية الرئيسية للحزب الجمهوري اليساري.
شغل كومبانيز وظيفة المحامي السابق للكونفدرالية، ويعرف كثير من الاناركيين. احتاج الى توجيه نداء لهم يمنعهم من الاطاحة بحكومته.
كان ريكاردو سانتز، وبوينافنتورا ديوروتي، وخوان جارسيا اوليفير نشطاء قياديين في لجنة الدفاع الاقليمي بالكونفدرالية، واعضاء في جماعة "نحن" (Nosotros) - احدى جماعات الفدرالية الاناركية الايبيرية. دعا كومبانيز هؤلاء الرجال الى مكتبه في العشرين من يوليو. اخبرهم كومبانيز:
"اول كل شيء يجب علي القول انه لم يتم التعامل ابدا مع كونفدرالية العمل ولا الفدرالية الاناركية بالاهتمام الواجب الذي يستحقانه. لقد تعرضتم للملاحقة الفظة باستمرار. وانا، الذي اعتدت ان اكون معكم، اجبرتني الحقائق السياسية الواقعية على ان اعارضكم واطاردكم. انتم الان تسيطرون على المدينة وعلى قطالونيا لانكم بمفردكم استأصلتم العسكريين الفاشيين. ولكن دعني اذكركم انه لا ينقصكم العون اليوم من رجال حزبي، وايضا العون من الجندرمة والحرس الرئاسي... لقد ربحتم والسلطة بين ايديكم. لو انكم لستم في حاجة لي ولو انكم لا تريدونني كرئيس لقطالونيا، اخبروني الان ولسوف اكون مجرد جندي اخر في الكفاح... انتم تستطيعون الاعتماد على ولائي كرجل وكقائد حزب يؤمن ان الماضي المجلل بالعار قد اتى الى نهايته اليوم وانا آمل مخلصا ان قطالونيا سوف تقف في طليعة البلاد الاكثر تقدما في القضايا الاجتماعية ".
اقترح كومبانيز عندئذ مشاركة الكونفدرالية في لجنة ميليشيا معادية للفاشية، تسيطر عليها احزاب الجبهة الشعبية، لادارة المجهود الحربي ضد العسكرية الفاشية. تلك كانت مراهنة قمار ماهرة لأن استقلال اللجنة الاسمي عن الدولة سوف يسمح للاناركيين ان يقولوا انهم لا يشاركون في هيئة حكومية ولكن ذلك سوف يجرهم الى سياق عمل تحت سيطرة زعماء احزاب الجبهة الشعبية، ولسوف يترك الحكومة سليمة لا تمس.
كان الرأي الشخصي لسانتز وديوروتي وجارسيا اوليفير ان الكونفدرالية يجب عليها الاطاحة بالحكومة الاقليمية ، ولكنهم لم يصرحوا بهذا الرأي لكومبانيز. اخبروه ان الكونفدرالية هي التي تتخذ قرار فيما يجب عمله. تلك الليلة، عقد مجلس برشلونة المحلي للعمل في الكونفدرالية لقاءا لتقرير موقفه من هذا الموضوع. في ذلك اللقاء، كان موقف جارسيا اوليفير ان "الحركة يجب ان تستولى على السلطة". فيليكس كاراسكير، احد معلمي المدارس، ودييجو عباد دي سانتيلان، كلاهما ممثلان للفدرالية الاناركية، دخلا سجالا ضد اقتراح جارسيا اوليفير. الا ان الجدل حكمه اطار مفردات سؤال: "هل يجب ان نفرض رؤيتنا بالشيوعية التحررية؟ هل يجب ان تحكم الكونفدرالية بمفردها؟" كان منطق كاراسكير وعباد دي سانتيلان ان ذلك سوف يكون ديكتاتورية تفرضها الاقلية. بعد نقاش ساخن، صوت مجلس برشلونة للعمل ضد اختيار الاستيلاء على السلطة .
ومع ذلك، هذا القرار لم يفض الى تسوية المسألة. القرار الفعلي سوف يقرره الاجتماع الشامل الاقليمي لكل المجالس المحلية للعمل في الكونفدرالية لمنطقة قطالونيا. دعت السكرتارية الاقليمية للقاء في ٢٣ يوليو. كان هذا اللقاء الاقليمي الشامل اجتماعا لاكثر من ٥٠٠ مندوب عن المجالس المحلية للعمل في الكونفدرالية. اقيم الاجتماع في كاسا دي كامبا، المقر الرئيسي السابق لجمعية اصحاب العمل. هذا المبنى الواسع كان قد تم الاستيلاء عليه كعمل ثوري، من اجل توفير فضاء لاجتماعات الكونفدرالية، وفدرالية الاناركيين ومنظمة النساء الاناركيات.
اقترح وفد مجلس العمال في منطقة بايو لوبريجات ان الاتحادات النقابية يجب ان تستولى على السلطة وتطيح بالحكومة الاقليمية؛ الان حانت اللحظة لتنفيذ برنامج كونفدرالية العمل الثوري، من وجهة نظرهم. بايو لوبريجات هي منطقة الضواحي الصناعية في الحد الجنوبي لبرشلونة، وهي منطقة تم بناؤها اثناء الرواج الصناعي في العشرينات. طلب وفد بايو لوبريجات من جارسيا اوليفير ان ينسق ويعتمد على موقفهم اثناء الجدل. كان جارسيا اوليفير خطيبا مفوها عمل معظم حياته كنادل في المقاهي، عندما لم يكن في السجن. تركته خبرة حياته الطويلة في الكفاح الطبقي متمتعا باحساس قوي ان الطبقة العاملة سوف يكون عليها ان تفرض ارادتها على المجتمع اذا ما كان له ان يحرر نفسه ابدا.
شدد جارسيا اوليفير على ان العملية الثورية يجب ان نحكمها، ولا يمكن تركها في فراغ سلطة، هذا الفراغ الذي "سوف يسمح للاتجاهات الماركسية المتنوعة ان تمسك بزمام الامور وتقضي علينا". السكرتير الاقليمي، ماريانو فاسكيز - عامل بناء من اصل غجري - حافظ على موقفه باستمرار بأنهم يجب ان يقبلوا بعرض كومبانيز بالمشاركة في لجنة ميليشيا معادية للفاشية مؤقتا بينما "يحكمون من الشوارع".
كان المتحدثون الرئيسيون ضد جارسيا اوليفير هم فيدريكا مونتسني ودييجو عباد دي سانتيلان. مونتسني - روائية اناركية وخطيبة مفوهة تمتلك منزلا في حي راق ببرشلونة - كانت من اتباع الاناركية الفردية المتطرفة لماكس شتيرنر. كان كلا من مونتسيني وعباد دي سانتيلان عضوين في جماعة نيرفيو احدى جماعات فدرالية الاناركيين الايبيريين. مونتسيني كانت عضوة بلجنة شبه الجزيرة في فدرالية الاناركيين وكلاهما هي ودي سانتيلان تواجدا في هذا الاجتماع كممثلين للفدرالية الاناركية الايبيرية.
كان منطق مونتسيني ان مقترح جارسيا اوليفير لتنفيذ برنامج الكونفدرالية "بالشيوعية التحررية" سوف يعني فرض "ديكتاتورية اناركية" على السكان. ركز عباد دي سانتيلان على خطر التدخل الاجنبي، مشيرا الى وجود السفن الحربية البريطانية بالقرب من الشواطئ الاسبانية.
اشار جارسيا اوليفير، في رده عليهما، الى انه لم يتكلم ابدا عن "ديكتاتورية" للاناركيين او للكونفدرالية. واعترض على وصف حكم اتحادات العمال النقابية "ديكتاتورية". واحتج جارسيا اوليفير بأن الكونفدرالية، بوصفها منظمة الاغلبية العمالية، عليها التزام ان تتصدر الطريق الى الامام في الثورة وانه يؤمن ان الممارسات التحررية الديموقراطية وايديولوجية الكونفدرالية سوف تكون ضمانا بأن حاكمية الاتحادات النقابية للمجتمع لن تتحلل الى نظام حكم سلطوي. وصنف تعليقات عباد دي سانتيلان بوصفها فقط دعوة للخوف. وفي رد على فاسكيز، قال جارسيا اوليفير انه على الاقل اعترفت السكرتارية الاقليمية بأن الثورة يجب ان نحكمها. ولكنه اصر على ان الكونفدرالية يجب ان تتحمل مسئولية صنع الثورة.
واثناء حديث جارسيا اوليفير، قطع حديثه بملاحظة ان فيدل ميرو - عضو اخر من جماعة نيرفيو الاناركية وناشط في جماعة الشبيبة التحررية - كان يتنقل من مندوبين الى مندوبين اخرين في القاعة، ليحشد الاصوات. عندما جرى التصويت، اقتراح التعاون مع احزاب الجبهة الشعبية في لجنة ميليشيا معادية للفاشية حصل على الاغلبية .
في ذكرياته الشخصية، اشار جارسيا اوليفير الى ان المندوبين تجمعوا على عجلة، دون اي فرصة للتشاور مع النشطاء في الاتحادات النقابية او فرصة لمناقشة تبعات ما هم بصدد تقريره. اعتقد جارسيا اوليفير ان اللقاء خضع زيادة عن اللزوم لنفوذ "المثقفين الاناركيين من البورجوازية الصغيرة" مثل مونتسيني وعباد دي سانتيلان، اللذان امتلكا نفوذا مؤكدا من خلال الصحافة الاناركية في قطالونيا.
لكن لماذا تأرجح موقف مندوبي المجالس العمالية مع ملاحظات مونتسيني ودي سانتيلان؟ تصور السلطة السياسية للاتحادات النقابية على انها "ديكتاتورية الكونفدرالية الوطنية للعمل" ربما يكون نتيجة لابهام في المفهوم السينديكالي عن الحياة السياسية "المجازية". الفكرة بأن الاتحادات النقابية التحررية "تمثل تصورا مستقبليا" لمجتمع يتمتع بالادارة الذاتية لشئونه يمكن تفسيرها على انها تعني ان الاتحاد النقابي نفسه يمسك بالادارة الاقتصادية والسياسية للمجتمع - والسينديكاليون قد يتكلمون هكذا في بعض الاحيان. وهذا قد يؤدي الى استنتاج ان الكونفدرالية نفسها قد تكون الهيكل الحاكم للحياة الاقتصادية والسياسية. من هنا "ديكتاتورية كونفدرالية العمل الوطنية".
ولكن المفهوم السينديكالي للحياة السياسية المجازية، "بناء المجتمع الجديد في رحم القديم"، لا يجب ان يفسر بهذه الطريقة. من الممكن ان نفهمه على انه يعني ان ممارسات وعادات ديموقراطية المشاركة المألوفة تقوم من خلال منظمات الاتحادات النقابية الجماهيرية ومن ثم ينعكس هذا في الهياكل الجديدة لادارة العمال للاقتصاد وهياكل الحاكمية السياسية، المنفصلة عن الاتحادات النقابية نفسها. كانت كونفدرالية العمل الوطنية ذات العضوية البالغة ٣٥٠ الف عضو هي منظمة العمال ذات الاغلبية في قطالونيا. كانت سوف تمتلك نفوذا عظيما على الاتجاه الذي سوف يأخذه هيكل السلطة السياسية الذي يشارك فيه الاتحاد العام للعمال (UGT) وفدرالية العمل للوحدة النقابية الماركسية (FOUS) كأقليات.
حديث مونتسيني عن "ديكتاتورية الكونفدرالية" دبجته هذه السيدة بعناية ليمتلك جاذبية للافكار المسبقة عند الاناركيين. ولكن ذلك الرأي لم يضع اطارا مناسبا للاوضاع التي كانت تواجه الكونفدرالية في ذلك الوقت. في الشهور التي تلت، سوف تصر الكونفدرالية على ان هدفها هو "انتصار الثورة البروليتارية". النصر في هذا المسعى كان يتطلب ان تهدم الطبقة العاملة القواعد المؤسسية التي تقوم عليها سلطة الطبقات التي تهيمن على الطبقة العاملة وتستغلها.
القاعدة الاجتماعية التي قامت عليها الاحزاب السياسية الجمهورية في اسبانيا كانت طبقات البزنس الصغير والفئات المهنية والفئات التي تشغل الوظائف الادارية العليا. هذه الطبقات الاجتماعية كانت سوف تعارض لا محالة الثورة البروليتارية، حيث ان الاخيرة كانت ولا بد انها سوف تحل سلطة وامتيازات هذه الطبقات. اي سلطة سوف يحتفظ بها قادة الاحزاب القومية الجمهورية واحزاب الباسك الوطنية في الحكم سوف تستخدم لاعاقة عملية تمكين الطبقة العاملة. اكثر من ذلك، الحزب الشيوعي، منذ تبنيه للتوجه نحو "الجبهة الشعبية"، والجناح الاجتماعي الديموقراطي في حزب العمال الاشتراكي الاسباني، تحالف هذان الحزبان مع هذه الشرائح الوسطى المعادية للفاشية.
من ناحية اخرى، ومن الواضح بشكل مساوي، ان انتصار للطبقة العاملة كان يحتاج الى اقصى قدر من وحدة الطبقة العاملة. لم تستطع الكونفدرالية تجاهل ١.٤ مليون عامل في الاتحاد العام للعمال. وفي قطالونيا، كان هناك ايضا ٧٠ الف عامل في اتحادات فدرالية العمل للوحدة النقابية التابعة لحزب العمال للتوحيد الماركسي. جماهير اعضاء الكونفدرالية في كفاح الحياة او الموت ضد الجيش، كانت تصر على ضرورة ان تشكل الكونفدرالية تحالف مع منظمات الطبقة العاملة الاخرى. وكانت الكونفدرالية توا قد الزمت نفسها "بتحالف العمال الثوري" مع الاتحاد العام للعمال في الكونجرس الذي عقدته في مايو. وحدة الكونفدرالية مع الاتحاد العام في انتفاضة استورياس في اكتوبر ١٩٣٤ كانت مثالا يألفه كل فرد من الناس.
اذا لم تتمكن الكونفدرالية من الخروج ببرنامج عملي من اجل سلطة سياسية موحدة للطبقة العاملة، فقد كان هذا يعني ان البديل الوحيد سوف يكون تلك الاستراتيجية التي يروج لها الشيوعيين واحزاب الجبهة الشعبية الاخرى: وحدة من اعلى الى اسفل بين قادة وزعماء احزاب الجبهة الشعبية من خلال دولة جمهورية يعاد بناءها. لم يكن هناك اختيار اخر واقعي. اما ان تستولي الكونفدرالية على السلطة السياسية بالاشتراك مع اتحادات نقابية اخرى، او ان يقود الاحتياج الى الوحدة في الكفاح ضد الجيش الفاشي الى حل الجبهة الشعبية. في الحالة الاخيرة، سوف يعاد بناء الدولة الاسبانية - جهازا استبداديا تراتبيا يستخدم للدفاع عن مصالح الطبقات التي تهيمن على الطبقة العاملة.
ورغم ان جهاز الدولة الجمهورية كان منزوع السلاح بشكل مؤقت، بسبب تمرد الجيش القديم والشرطة القديمة وبناء ميليشيا العمال الثورية، الا ان جهاز الدولة كان مازال محتفظا بموارد ذات وزن ما دام سليما لم يمس. كان جهاز الدولة هذا يمتلك شرعية اجتماعية في عيون الطبقات الوسطى الجمهورية، وكان مسيطرا على النظام المالي للبلاد، واحتياطي الذهب والعملات الاجنبية والعلاقات التجارية. تقريبا بعد الانقلاب مباشرة بدأ الحزب الشيوعي حملته لاعادة بناء الدولة الجمهورية.
ومعنى هذا ان السؤال الحقيقي الذي واجهته الكونفدرالية كان هو كيف تخلق هيكلا مشتركا لحكم البلاد مع الاتحادات النقابية الاخرى، يكتسح من امامه جهاز الدولة القديم ويعمل على تأسيس سلطة الطبقة العاملة.
ما فعلته الكونفدرالية كان فعليا الالتفاف حول هذا الاستنتاج... ولكن ذلك اخذ منها ستة اسابيع اخرى من الجدل في الاتحاد.
لجنة الميليشيا المعادية للفاشية في قطالونيا لم تكن اداة "السلطة المزدوجة" للطبقة العاملة. في الواقع زعماء الجبهة الشعبية سيطروا على اللجنة، بالضبط مثلما سيطروا على الحكومة. عدد اعضاء الكونفدرالية البالغ عددهم ٣٥٠ الف شخص كان لهم فقط ثلاث مقاعد من ١٥ مقعدا في اللجنة، مع مقعدين اثنين اخرين لفدرالية الاناركيين الايبيرية. الاتحاد العام للعمال الذي كانت عضويته ١٠٠ الف في قطالونيا، كان لديه ايضا ثلاثة مقاعد. اتحاد مزارعي اسكويرا احتل مقعدا واحدا. كان للاحزاب السياسية الجمهورية الممثلة للطبقة الوسطى اربعة نواب.
خلال ايام بعد الانقلاب العسكري، تشكلت منظمة سياسية جديدة في قطالونيا - الحزب الاشتراكي الموحد لقطالونيا (PSUC). تشكل هذا الحزب من اندماج اربعة احزاب صغيرة: قسم من حزب العمال الاشتراكي الاسباني (PSOE) في قطالونيا، والحزب الشيوعي القطالوني (PCC) والحزب البروليتاري (وهو جماعة عمالية قطالونية قومية)، والاتحاد الاشتراكي (وهي جماعة ديموقراطية اجتماعية). الحزب الاشتراكي الموحد لقطالونيا، ٦ الاف عضو، اصبح فرعا للحزب الشيوعي الاسباني (PCE) التابع لخط موسكو في قطالونيا. احتل الحزب الاشتراكي الموحد لقطالونيا مقعدين اثنين في لجنة الميليشيا المعادية للفاشية، رغم ان حزب العمال لتوحيد الماركسيين (POUM) الاكثر عددا احتل مقعدا واحدا .
فدرالية العمل للوحدة النقابية الماركسية (FOUS) ذات الـ ٧٠ الف عضو لم يكن لها ممثلين. في اغسطس زعماء الكونفدرالية الاقليميين في قطالونيا يدخلون في صفقة مع الاتحاد العام للعمال من اجل السماح فقط لحاملي بطاقات الاتحادات النقابية لكلا المنظمتين بالدخول في نظام حصص الطعام الذي نشأ في اعقاب الانقلاب الفاشي. وقد اجبر هذا الاجراء حل فدرالية العمل للوحدة النقابية الماركسية (FOUS). كان هذا خطأ طائفيا من جانب قادة السينديكالية الاناركية. كان الخط السياسي لحزب العمال لوحدة الماركسيين (POUM) اقرب لخط الكونفدرالية منها لخط الشيوعيين الموالين لموسكو. وسرعان ما دعم الشيوعيون سيطرتهم على الاتحاد العام للعمال في قطالونيا. لو تركت فدرالية العمل للوحدة النقابية (FOUS) سليمة لم تمس لتوفر للكونفدرالية حليفا هاما.
برهنت لجنة الميليشيا المعادية للفاشية على عدم فاعليتها. لم تكن هناك سياسة موحدة او تنسيق حقيقي. كل منظمة استخدمت مواقعها كما تهوى وتريد. فدرالية مزارعي اسكويرا، والحزب الاشتراكي الموحد لقطالونيا وحزب العمال لوحدة الماركسيين كل من هذه المنظمات امتلكت فرق ميليشياتها الخاصة، متباعدة بها عن ميليشيا اتحادات الكونفدرالية الاوسع والاكثر عددا. كل واحدة من هذه المنظمات الاربع ادارت ميليشيتها ووفرت لها نظام امداد خاص بها وحدها. كان هذا هو النسق في اسبانيا كلها. لم تكن تلك هي الطريقة الفعالة لادارة كفاح مسلح ضد الجيش الفاشي. كان هناك فشلا عاما في التنسيق.
نشطاء ا لكونفدرالية القياديون وقادة الميليشيا رأوا حاجة واضحة لقيادة موحدة ونظم امداد وتدريب موحدة. وإن لم يستطعوا القيام بذلك نحو الميليشيا، فلسوف يكون هناك بالتأكيد ضغوط من اجل اعادة خلق جيش تقليدي تديره الدولة الجمهورية. خلال ايام من الانقلاب العسكري، بدأ الحزب الشيوعي دق الطبول من اجل اعادة خلق عسكرية تقليدية تتخذ الاوامر من اعلى الى اسفل.
كان من الممكن انقاذ نظام الميليشيا لو كانت الكونفدرالية قد تمكنت من ايجاد طريقة لخلق ميليشيا موحدة. الطريق الوحيد لصنع ذلك كان سوف يكون خلق هيكل حكم عمالي موحد لكل اسبانيا. كانت الاتحادات النقابية في حاجة للاستيلاء على السلطة.
لمعارضة السعي نحو اعادة بناء جيش هرمي تراتبي قديم، القى جارسيا اوليفير بخطاب في ١٠ اغسطس، مناديا بجيش ثوري للشعب:
"جيش الشعب الخارج من رحم الميليشيا يجب ان ينتظم على مبادئ جديدة. سوف ننظم مدرسة عسكرية ثورية ندرب فيها الضباط الفنيون الذين لن يكونوا نسخة كربون من الضباط القدامى، ولكن بالاحرى وببساطة فنيين يتبعون تعليمات الضباط الذين اثبتوا ولاءهم للشعب والبروليتاريا ".
في اجتماع شامل اخر للكونفدرالية في قطالونيا في اخر ايام اغسطس، جارسيا اوليفير، شاعرا بالاحباط والسخط من عجز لجنة الميليشيا المعادية للفاشية، اقترح مرة اخرى ان تستولى الكونفدرالية على السلطة، وان تلغي الجمهورية الاقليمية، وتقيل زعماء الاحزاب السياسية من اي دور، وتختزل دور الاتحاد العام للعمال الى اقلية، متماشيا مع حجمها في قطالونيا .
في ٣١ اغسطس، خوسيه جيرال، رئيس الوزراء في مدريد، اخبر عضوا في لجنة الكونفدرالية الوطنية: "كل شيء بين ايدي الكونفدرالية! الكونفدرالية تدير الحرب كما تريد ولكن دون المشاركة في المسئوليات العليا. احكموا! استولوا على السلطة! ".
في الاخير، اقيم مؤتمر لكامل الهيئة القومية للكونفدرالية في ٣ ديسمبر، بناء على اصرار الوفد الاقليمي لقطالونيا، وقررت الكونفدرالية التقدم باقتراح تشكيل حكومة عمالية ثورية لتحل محل الحكومة القومية للجبهة الشعبية: مجلس دفاع وطني يتكون من سبع مندوبين من الاتحاد العام للعمال وسبعة من الكونفدرالية، مع لارجو كاباليرو رئيسا . المجلس الوطني سوف يكون جزءا من نظام فدرالي مع مجالس دفاع اقليمية. سلطات هذه المجالس سوف تكون مقصورة على وظيفة الدفاع الذاتي الاجتماعي - "محاكم الشعب"، وميليشيا الشعب الموحدة. لن يكون لمجالس الدفاع اي سلطة للتدخل في ادارة الصناعة؛ سوف تدار الصناعات بواسطة العمال. كتب عميل روسي في اسبانيا رسالة للسلطات السوفيتية قال فيها: "وجد التفكير في خلق مثل هذه المجالس استجابة واسعة حتى بين الجماهير التي لم تكن تحت سيطرة نفوذ الاناركيين" . اقترحت الكونفدرالية ميليشيا الشعب الموحدة التي سوف تقوم بالسيطرة على "مفوضيات الكونفدرالية والاتحاد العام للعمال المشتركة" . سوف يكون لدى العمل المنظم احتكارا للسلطة المسلحة في اسبانيا.
ومع ذلك، فات الوقت بالنسبة للكونفدرالية. طوال الستة اسابيع الاولى بعد الانقلاب العسكري، ترأس الحكومة في مدريد ليبراليون عاجزون بلا فعالية. ومع ذلك، لارجو كاباليرو، السكرتير التنفيذي للاتحاد العام للعمال، كان قد اصبح توا رئيسا للوزراء في اوائل سبتمبر. وصرح كاباليرو علنا ان الثورة يجب عليها ان تجمد حركتها حتى نهزم الجيش الفاشي. مارسيل روزنبرج، السفير السوفيتي، حذر كاباليرو من ان اقتراح الكونفدرالية سوف يدمر "الشرعية الدولية" للجمهورية الاسبانية. مانويل ازانيا، رئيس الجمهورية، هدد بالاستقالة. ممثلو الكونفدرالية، لمجاملة الشيوعيين، عقدوا لقاءا مع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الاسباني واكدوا لهم ان كوادرهم في نقابات الاتحاد العام للعمال تعتبر تمثيلا لهم في السلطة المقترحة.
تاريخ لارجو كاباليرو والاشتراكيون اليساريون كان تاريخا من التأرجح. كانوا يتكلمون عن "الثورة البروليتارية" في لحظة، ثم يتراجعون بعدها لمواقف اشتراكية ديموقراطية معتدلة في اللحظة التالية. لاعطاء شخصية كاباليرو بعض القوة، احتاج الامر وضعه في موقف حرج. في قطالونيا كانت الكونفدرالية تمتلك المقدرة على شطب الحكومة الاقليمية ببساطة وتنفيذ اقتراح مجلس مشترك للحكم مع الاتحادات النقابية الاخرى. ولكن القيام بذلك كان سوف يجبر الاتحاد العام للعمال على تطبيق هذا الحل في كل انحاء اسبانيا.
انشئت مجالس للدفاع الاقليمي في استورياس واراجون. مجلس استورياس تشكل من ١٥ عضوا، بأغلبية من الاتحاد العام للعمال. اخذ الجمهوريون من الطبقات الوسطى مقعدان فقط. في اراجون فكرة المبادرة بتشكيل مجلس دفاع اقليمي تسيطر عليه الكونفدرالية جاءت من الاتحادات النقابية في القرى التابعة للكونفدرالية في منطقة اراجون التي حررتها الميليشيا العمالية.
ولكن قطالونيا كانت اكثر اهمية بكثير من مقاطعتي استورياس واراجون الريفيتان. كان لقطالونيا ثلاث ارباع طاقات اسبانيا الصناعية واوسع مدينة في اسبانيا. لو كانت حكومة قطالونيا الاقليمية قد استبدلت بهيكل حكم الطبقة العاملة، لم يكن يستطيع كاباليرو تجاهل ذلك. ولكن بدلا من ذلك، ذهبت كونفدرالية قطالونيا في الاتجاه المضاد. انضمت الكونفدرالية الى الحكومة الاقليمية في ٢٦ سبتمبر. وقد نسف ذلك بالكامل قدرة الكونفدرالية على المقايضة مع كاباليرو لانها بذلك اخبرته انها غير جادة في مقترح مجلس الدفاع.
وبينما كانت المفاوضات تدور في مدريد بين الكونفدرالية والاتحاد العام للعمال حول مجلس الدفاع الوطني، اقام ادواردو دي جوزمان محرر صحيفة الكونفدرالية المسماة "كاستيلا ليبرا" في مدريد. في رأيه، مبادرة تشكيل حكومة الطبقة العاملة في مدريد عرقلها فشل الكونفدرالية في الاستيلاء على السلطة في برشلونة. وحتى لو لم يكن التنفيذ الكامل "للشيوعية التحررية" ممكنا في هذه اللحظة، كان من الممكن خلق "حكومة بروليتارية - ديموقراطية طبقة عاملة شاملة تمثل فيها كل قطاعات البروليتاريا - ولكن البروليتاريا وحدها... ان تصنع ثورة، يجب الاستيلاء على السلطة. لو كانت الكونفدرالية فعلت ذلك في قطالونيا، لكانت قد ساعدت، ولم تعق، وضعنا كاقلية في مدريد. ولكنهم اعتقدوا ان السيطرة على الشارع لا تكفي، ولا ان تكون مسيطرا على السلاح. لقد اغفلوا بالكامل اهمية جهاز الدولة".
طبقا لما قاله جوزمان، "كانت البرجوازية الصغيرة لا محالة معارضة للبروليتاريا. كان الشيوعيون يجندون اعضاءا من هذه الطبقة، وكان من المقدر للتحالف مع الجمهوريين من البرجوازيين الصغار ان يمنح هذا المعسكر قوة اذا ما اعيد تأسيس الحكومة الاقليمية والحكومة المركزية". اعتقد جوزمان ان تلك كانت غلطة الكونفدرالية، الا تندفع نحو اقامة حكومة الطبقة العاملة من البدايات الاولى حين انعدم على الاطلاق وجود حكومة ذات فعالية في مدريد". في رأيه، "ضاعت لحظة ثورية حملت في ثناياها وعدا عظيما ".
افترض دي جوزمان وجود تشوش حول مفهوم "رفض العمل السياسي" في الكونفدرالية. في رأيه ان ذلك كان يجب ان يعني "ببساطة الا نشارك في مهزلة الانتخابات البرلمانية ". وهو ليس مثل القول بأن العمل السياسي - هيكل الادارة الشعبية للحكم - امر ضروري من اجل استبدال الدولة. وبالضبط مثل تشديد السينديكاليين على أن استمرار وتواصل الانتاج الاجتماعي يتم الحفاظ عليه وصيانة استمراره عبر عملية التحول الاجتماعي، نفس المنطق يمكن تطبيقه على الوظائف السياسية - صنع وتنفيذ القوانين الاساسية في المجتمع. تلك الوظائف هي ايضا وظائف ضرورية.
استجابة لهموم الاشتراكيين وهواجسهم حول ولاء "البرجوازية الصغيرة المعادية للفاشية"، عدلت الكونفدرالية مقترحها بمجالس الدفاع الوطنية، في اجتماع لكامل هيئتها الوطنية في منتصف سبتمبر، فاصبح المجلس يتشكل من خمس مندوبين عن الكونفدرالية، وخمسة من الاتحاد العام للعمال، واربعة ممثلين للاحزاب الجمهورية. بهذا التعديل، تبنى احد الاحزاب الجمهورية الصغيرة - الجمهوريون الفدراليون - مقترح الكونفدرالية. ولكن لارجو كاباليرو استمر في رفض الاقتراح باعتباره "قفزة خارج اطار الدستور". بانضمام الكونفدرالية للحكومة الاقليمية في قطالونيا، عرف كاباليرو ان الكونفدرالية ليست جادة في اقتراحها. قدم كاباليرو اقتراحا مضادا: ان تنضم الكونفدرالية لحكومة الجبهة الشعبية القائمة.
وفي النهاية، وفي اجتماع اخر لكامل هيئة الكونفدرالية في ٢٨ سبتمبر، هوراشيو برييتو، سكرتير جماعة الثلاثينيين القومية في الكونفدرالية، دفع في اتجاه قبول عرض كاباليرو. عارض وفد قطالونيا هذا الرأي بعناد. التنظيم الاقليمي في قطالونيا لم يكن منسجما في الرأي - فقد عارض ان تقوم الكونفدرالية على المستوى القومي بفعل ما كانوا قد فعلوه هم في قطالونيا.
الكونفدرالية في الاخير، وقد فشلت في تخطيط مسارا متماسكا لتوحيد الطبقة العاملة في بنائها لهياكل حكم جديدة، واستبدال الدولة الجمهورية، انضمت الى الحكومة القومية للجبهة الشعبية في ٣ نوفمبر، واحتلت اربعة مقاعد فقط من ١٨ مقعد وزاري . في اللقاء الاول للحكومة الجديدة، اقترح خوان بييرو ان توافق الحكومة على شرعية تحويل الاقتصاد الاسباني كله الى الشكل التعاوني. اوقف هذه المبادرة اعتراض الجمهوريون من الطبقات الوسطى، والقوميون من اقليم الباسك، وحلفاءهم الشيوعيون والاشتراكيون الديموقراطيون.
خلال شهر اكتوبر كله، الصحيفة اليومية للكونفدرالية في برشلونه، سوليداريداد اوبريرا، صعدت حملة كبرى تدعو لمقترح مجلس دفاع قومي مشترك بين الكونفدرالية والاتحاد العام للعمال. الان وقد اختارت الكونفدرالية التعاون من خلال جبهة شعبية، ارادت اللجنة الاقليمية للكونفدرالية خطا "ثوريا اقل صلابة" في هذه الصحيفة. من بين هيئة التحرير الذين اقيلوا بسبب معارضتهم لسياسة التعاون مع الجبهة الشعبية كان الصحفي المعوق، حاييم باليوس ومدير تحرير الصحيفة، ليبرتو كاليخاس. سوف يظهر كلا من باليوس وكاليخاس فيما بعد على سطح الاحداث في محاولة لاعادة احياء مقترح مجلس الدفاع العمالي في ربيع ١٩٣٧.
الاتحادات النقابية تتحرك نحو تحقيق التحول الاجتماعي من اسفل
لا يوجد تعبير اوضع عن الروح الثورية للكونفدرالية عن نزع الملكية الواسع للصناعة الرأسمالية في اسبانيا الذي تم على ايدي اعضائها في صيف عام ١٩٣٦، وادارة العمال المباشرة لها اثناء الحرب الاهلية.
في منطقة برشلونة وحدها، استولت الاتحادات النقابية على اكثر من ٣٠٠٠ منشأة كبيرة. لم تصدر تعليمات للقيام بذلك من اللجان القومية او الاقليمية في الكونفدرالية. جرت تلك التحركات بمبادرة من نشطاء الاتحادات المحلية. انتشرت عمليات نزع الملكية الخاصة للمنشآت الانتاجية في قطالونيا متزامنة مع سيطرة الكونفدرالية بحكم الامر الواقع على السلطة المسلحة.
بيرنيت بولوتن، كان مراسلا امريكيا لوكالة يو بي اي في اسبانيا في ذلك الوقت. من بين الصناعات التي وضعها بولوتن في قائمته كصناعات "صادرتها الاتحادات النقابية وتسيطر عليها لجان العمال" كانت الصناعات التالية: السكك الحديدية، النقل البحري التجاري، سيارات الاجرة والحافلات العامة والتاكسيات وشركات القوى الكهربائية، والغاز، والمياه، ومصانع عبوات الزجاج، والعطور، والنسيج والورق والاسمنت ومصانع صناعة الاغذية والبيرة وصناعة السينما والمسرح، والمسارح الاستعراضية ودار الاوبرا الكبرى، والصحف والمطابع، والمتاجر الكبرى، والفنادق والمطاعم الفاخرة والبارات . اضافة الى ذلك، شركات النقل البري، والمخابز، ومحلات الحلاقين وصناعات الزجاج والبلور، والصناعات البدائية في جبال البيرينيز، وصناعة الاثاث، والمستشفيات صودرت ايضا. الاتحاد القومي لنقابات التليفونات الصناعية للكونفدرالية الوطنية للعمل استولى على شركة التليفون الوطنية الاسبانية، اكبر فروع الشركة الامريكية المتعددة الجنسيات اي تي تي. في فالنسيا، خلقت الكونفدرالية منظمة لادارة شراء وتعبئة وتصدير محاصيل الموالح - اكبر مصدر في اسبانيا للعملات الصعبة من التبادل الاجنبي في الثلاثينات.
صودرت الاف من بيوت الاثرياء ومثلها من الشقق الواسعة في المباني السكنية الضخمة. كان هناك على الاقل ٢٠٠٠ من التجمعات الزراعية التعاونية تأسست في انحاء المنطقة المحررة المعادية للفاشية.
وقبل مناقشة تفاصيل الادارة الذاتية التي خلقتها الاتحادات النقابية، من المفيد ان نضع في بالنا ماذا كان غرض الكونفدرالية من ذلك. قبل الحرب الاهلية، لم تدافع الكونفدرالية ابدا عن مبدأ ان اماكن العمل يجب ان تصبح ملكية تعاونية خاصة لعمالها.
دافعت الكونفدرالية عن مبدأ الملكية الاجتماعية. كل مواقع العمل في صناعة ما يجب ان تتجمع معا في فدرالية صناعية تكون مسئولة عن ادارة تلك الصناعة. سوف تنسق مجالس اقتصادية اقليمية وقومية بين الفدراليات الصناعية. سوف تنعكس الملكية الاجتماعية في عملية تطوير الخطط الاجتماعية المتوقع ان تلتزم بها هذه الفدراليات الصناعية من خلال عملها. كما كتب عباد دي سانتيلان، المجالس الاقتصادية "سوف تتلقى الاوامر والتعليمات من اسفل، عمل المجالس الاقتصادية هو ضبط تفاصيل هذه التعليمات طبقا لما تخرج به المؤتمرات الاقليمية والقومية".
وطبقا لقول خوان فيرر، صاحب المكتبة الذي كان سكرتيرا لاتحاد نقابات العمال التجاريين في الكونفدرالية ببرشلونة:
"كانت فكرتنا في الكونفدرالية بأن كل شيء يجب ان يبدأ من العمال، وليس - كما ينادي الشيوعيون - كل شيء يجب ان تديره الدولة. ولذلك اردنا من اجل تحقيق هذه الغاية ان ننشئ فدراليات صناعية - للنسيج والصناعات المعدنية واقسام المتاجر الكبرى الخ - سوف تكون ممثلة في مجالس اقتصاديات كلية (macroeconomics) تقوم بادارة الاقتصاد. كل شيء، بما فيه التخطيط الاقتصادي، سوف يبقى هكذا بين ايدي العمال ".
وفي تنويعات على هذا الموضوع اقرها كونجرس سرقسطة، كان هناك ايضا اسهام في مدخلات عملية التخطيط الاجتماعي حول قضية من يحدد ماذا ننتج وهي مجالس السكان حسب النطاق الجغرافي في الاحياء او القرى وفي مؤتمرات الشعب الاقليمية والقومية التي تصل ما بين هذه المجالس السكانية وبعضها البعض.
من وجهة نظر السينديكالية التحررية، التحويل الاجتماعي للاقتصاد من المفترض بناءه "من اسفل"، من خلال النشاط المباشر للعمال انفسهم. كان هناك جانبين او مرحلتين لعملية التحول الاجتماعي السينديكالي. المرحلة الاولى كانت مصادرة ممتلكات الرأسماليين وخلق فدراليات صناعية، لقمع منافسة السوق بين المشاريع في الصناعة الواحدة. المرحلة الثانية كان من المفترض ان تكون التخطيط الاجتماعي الكلي. في الواقع العملي، لم تصل اسبانيا ابدا الى هذه المرحلة الثانية.
في عدد من الصناعات، تحركت الاتحادات النقابية سريعا لخلق فدراليات صناعية، لتدمج بين ارصدة البزنس في تلك الصناعة. واينما نشأت فدراليات صناعية، كانت تلك الفدراليات من نوعين. في بعض الحالات، اصبحت اتحادات نقابات الكونفدرالية نفسها فدراليات صناعية تدير الصناعة. وفي حالات اخرى، كانت الفدرالية الصناعية هيكلا جديدا، منفصلا عن الاتحاد النقابي. مال هذا النوع الثاني من الفدراليات الصناعية الى الظهور في الاماكن التي كانت الاتحادات النقابية للاتحاد العام للعمال قوية. كانت الفدراليات الصناعية منفصلة رسميا عن الاتحادات النقابية بحيث يمكن لها ان تصبح منظمة يتشارك فيها الاتحاد العام للعمال والكونفدرالية في السلطة.
شركة مدريد-سرقسطة-اليكانتي هي شركة ضخمة للسكك الحديدية، قطاع خاص تقوم بتشغيل خطوط من مدريد لبرشلونة وفالنسيا، والخط الرئيسي بطول ساحل المتوسط. في العشرين من يوليو، وما زالت حرب الشوارع تدور في برشلونة، مناضلو اتحاد النقابات الصناعية القومي للسكك الحديدية في الكونفدرالية ابلغوا اعضاء الادارة العليا للشركة انهم مفصولين من وظائفهم. استولى العمال على الشركة. تمت مصادرة خط الترام الكهربائي الذي يعمل خارج برشلونة ايضا، وتم دمج السكك الحديدية معا في شبكة مواصلات واحدة. هذا الاستيلاء كان مبادرة من الاتحادات النقابية للكونفدرالية ولكن سرعان ما سار معها الاتحاد العام للعمال في نفس الطريق. امتلك كل اتحاد منهم نفس الحصة من قوة العمل. اطقم تشغيل القطارات، بتراثهم النضالي الاقوى، مالوا بعضويتهم النقابية الى الكونفدرالية. وكلاء المحطات، وكتبة السكك الحديدية ورؤساء العنابر مال معظمهم ناحية الاتحاد العام للعمال.
تسمت المنظمة الجديدة التي تشكلت لادارة تشغيل شبكة السكك الحديدية باسم فدرالية السكك الحديدية الثورية. اللجنة المنسقة - التي تتكون من ستة اعضاء من الاتحاد العام للعمال وستة من الكونفدرالية - تسمت باسم اللجنة الثورية. وفيما عدا المدير التنفيذي الذي كان منصبه لكل الوقت، باقي اعضاء اللجنة الثورية جميعهم استمروا في عملهم بوظائفهم الاعتيادية. لكل قسم من اقسام خطوط السكة الحديدية ولكل محطة، تشكلت لجنة من المندوبين المختارين بواسطة مجلس محلي. كانت مقترحات اللجنة تعرض في المجالس التي تعقد كل اسبوعين، من اجل تصديق العمال عليها او رفضها.
كانت السكك الحديدية تحقق خسارة قبل الحرب الاهلية، بسبب تنامي استعمال السيارات. لتحسين كفاءة شبكة المواصلات، تكفلت فدرالية السكك الحديدية بعمل بحث مكثف واسع لخدمات النقل بمساعدة اتحادات النقل في الكونفدرالية. وضعوا خريطة لكل انواع الترام، والنقل البري، وخدمات النقل البحري التجاري. اكتشفت الفدرالية ان مناطق شتى ريفية فقيرة لا تشتغل بها وسائل مواصلات عامة. وفي نفس الوقت، كان هناك العديد من الازدواجية في خدمات النقل على طول الممر الساحلي. ونتيجة لهذا، اتفقت نقابات النقل في الكونفدرالية على خطة لانهاء بعض الخدمات التي تنافس السكك الحديدية مثل خطوط السفن البحرية الساحلية، وخلقت خدمات للشحن البري والترام في المناطق الريفية المحرومة. انشأت السكك الحديدية فرعا جديدا في منطقة اراجون الريفية لخدمة كلا من القرى والميليشيا العمالية على جبهة الاراجون .
صادر اتحاد نقابات المنافع العامة في الكونفدرالية والاتحاد العام للعمال اكثر من عشرة محطات توليد كهرباء، وغاز ومياة. بشكل اولي، انشأت الاتحادات النقابية "لجنة مراقبة" بعد ١٩ يوليو في الشركات المختلفة، مع بقاء الادارة العليا القائمة في اماكنها. لم تحدث حالات نزع الملكية الا في نهاية شهر اغسطس. وكما حدث مع صناعة السكك الحديدية، تشكلت فدرالية صناعية منفصلة عن الاتحادات النقابية لتولي وظيفة الادارة العليا في الصناعة. كان كلا من الاتحاد العام للعمال والكونفدرالية باتحاداتهما النقابية للمنافع العامة يمتلكان تقريبا حصة مساوية من قوة العمل - كلا منهما لديه عضوية ٨٠٠٠ في قطالونيا. المجالس الادارية لمحطات المياة والغاز والكهرباء باقسامها، كل منها تشكل من اعداد متساوية من مندوبين عن الكونفدرالية والاتحاد العام للعمال، ويتحملون المسئولية امام مجالس العمال الدورية في المناطق المختلفة .
تواجدت العديد من الصناعات التي اصبحت اتحادات الكونفدرالية النقابية نفسها فدراليات صناعية لها، اي اداة الادارة الذاتية للعمال في الصناعة.
استولى اتحاد صناعة الاخشاب في الكونفدرالية بقطالونيا على الورش الصغيرة التي تصنع الدواليب الخشبية، حيث كانت ظروف أغلبها غاية في السوء، ومستوى الصناعة غير كفء وظروف العمل خطرة. استبدلت تلك الورش بمصنع جديد، اسمه دبل اكس. استوردت النقابة ماكينات فرنسية بآخر صيحة في تجهيزات الامان. صودر مصنع كبير للاثاث قائم ولكن اضيف له عنبرين لتوسيعه. كل مصنع من هذين المصنعين استخدم ٢٠٠ عامل.
احدى جماعات فدرالية الاناركيين الايبيرية عارضت السعي لضم كامل الصناعة في عملية تشغيل صناعية واحدة يديرها الاتحاد النقابي. دافعت هذه الجماعة عن مبدأ خلق مراكز انتاج صغيرة تتمتع بالادارة الذاتية. الناقدون لافكار تلك الجماعة وصفوا مثل هذا الموقف بردة للخلف الى حقبة الحرفيين الذين يعملون عند انفسهم ما قبل الرأسمالية. اقتراح الفدرالية الاناركية الايبيرية تلقى الهزيمة.
استولت النقابات ايضا على متاجر بيع الاثاث بالتجزئة. تم الاستيلاء على الصناعات البدائية في جبال البايرينيز. دبرت النقابات امر الصناعة بأكملها من استخراج المواد الخام الى بيع المنتج النهائي في المعارض.
آمنت النقابات انها يجب ان ترعى مجمل حياة اعضاءها وراحتهم في المعيشة. لتحقيق هذه الغاية شيدت النقابة صالة رياضات بحمام سباحة من الحجم الاوليمبي في مصنع دبل اكس. في احد اودية الجبال انشأت النقابات مزارع لانتاج الطعام لعائلات اعضاء الاتحاد النقابي.
يتذكر احد اعضاء الاتحاد النقابي لصناعة الاخشاب هذا الامر قائلا، "المفهوم الذي ساد هو ان الطبقة العاملة يجب ان تحصل على اثاث جيد باسعار رخيصة ".
مال اتحاد نقابات صناعة الاخشاب، مع وجود العديد من مناضليه مع الميليشيا في الجبهة، الى تعيين اصحاب العمل السابقين او اولادهم كرؤساء اداريين في الاقسام. كان هناك خطرا ما بوضع مثل هؤلاء الناس في هذه المناصب وقد اعتادوا على سلطة اعطاء الاوامر وانتظار الطاعة من الاخرين. في نفس الوقت، لم تتحول لجان الاتحاد الى مجالس ادارية لمنظمة تدير الصناعة. طبقا لقول احد اعضاء الاتحاد، تطور السخط لان الاعضاء شعروا انهم خارج عملية صنع القرار حيث كانت "تقاليد الكونفدرالية هي مناقشة وفحص كل شيء". احد المشاكل، في رأيه، كانت هي الفشل في اصدار نشرة اخبارية تحافظ على اعلام الاعضاء بما يدور .
وكما في معظم حالات الادارة الذاتية للعمال في برشلونة لم تنتخب لجان جديدة لعمال خدمات المحال بعد ان تحولت اللجان النقابية لصناعة الاخشاب الى مجالس ادارية تدير الصناعة. اجرى رونالد فريزر مع عدد من النقابيين المخضرمين في الكونفدرالية حوارا لصالح صحيفة دم اسبانيا فقالوا انهم يعتقدون ان هذا الفشل في اعادة خلق منظمات نقابية منفصلة كان احد الاخطاء.
الغاء النظام الطبقي ليس مجرد عملية شكلية رسمية لنزع الملكية وخلق منظمات جديدة. يحتاج هذا الالغاء الى اعادة التفكير في توصيفات الوظيفة، وتساوى السلطة عبر تعلم مهارات جديدة وتولي العمال المسئوليات التي كان يؤديها في السابق "مهنيون". "العادات المتأصلة في اعطاء الاوامر واطاعتها يجب تحطيمها. ولان النظام الجديد يرث تباينات في المهارات والتعليم والعادات مستمدة من الانظمة الكهنوتية التراتبية للسلطة، هناك خطر بالعودة الى تجسيد الخبرة واتخاذ القرار في قالب هرمي تراتبي جديد. ربما تستدعي الضرورة وجود المنظمات النقابية - المنفصلة عن هيكل الادارة الذاتية للصناعة - لرعاية مصالح العمال في مجرى عملية الانتقال هذه.
احد الصناعات الاخرى التي اعيد تنظيمها بالكامل كانت صناعة قص الشعر (الحلاقة). قبل ١٩ يوليو، تواجد ١١٠٠ دكان حلاقة في برشلونة، معظمهم هامشي للغاية. عمل بهذه الصناعة ٥٠٠٠ مساعد حلاق هم من بين اقل العمال اجرا في برشلونة. كانت الحكومة الاقليمية قد اعلنت قرار ٤٠ ساعة عمل في الاسبوع وزيادة الاجور بنسبة ١٥٪ بعد ١٩ يوليو – وهو واحد من عدة قرارات حاول بها اسكويرا اجتذاب دعم العمال. وقد تسبب هذا القرار في خراب العديد من محلات الحلاقة. عقدت جمعية عمومية واتفق على اغلاق كل المحلات الغير رابحة. استبدل الـ ١١٠٠ محل بشبكة من ٢٣٥ مركز للحلاقة في الاحياء، بتجهيزات افضل واضاءة افضل مما كانت عليه المحلات القديمة. وقد اصبح ممكنا، نتيجة للكفاءة المكتسبة، ان ترفع الاجور بنسبة ٤٠٪. ادار كامل الشبكة مجالس من اتحاد الحلاقين النقابي في الكونفدرالية. اصبح اصحاب المحلات السابقين اعضاءا في الاتحاد .
بالنسبة لبعض الناقدين، التحويل الاجتماعي لصناعة الحلاقة كان خطأ: "ما هو في الواقع الذي حولوه ليكون ملكية تعاونية؟"، تساءلت سباستيا كلارا، موظفة في حكومة الثلاثينيين في قطالوينا؛ "مقص، وموس، وزوج من كراسي الحلاقين. وماذا كانت النتيجة؟ كل هؤلاء المالكين الصغار... تحولوا ضدنا الان ".
ملاحظة كلارا تتغاضى عن فعالية المكاسب التي تحققت باجور اعلى للعمال وفكرة ان التحويل الاجتماعي ليس فقط مجرد تحويل اجتماعي للارصدة المادية ولكنه تغيير لعلاقات السلطة الاجتماعية. هدف الحركة السينديكالية التحررية كان القضاء على خصوع وتبعية العمال الموروثة في كونهم مأجورين يعملون لمصلحة الريس مقابل اجر.
الرعاية الصحية صناعة تحولت هي الاخرى بواسطة الثورة. في سبتمبر ١٩٣٦، تشكل اتحاد نقابي جديد لصناعة الصحة تابع للكونفدرالية في برشلونه من ٧٠٠٠ عضو - منهم ٣٢٠٠ من الممرضين الذكور. انتظمت المهن المتنوعة للرعاية الصحية داخل اقسام في اتحاد الصحة النقابي. انتزع هذا الاتحاد ملكية المستشفيات وخلق وادار نظاما مجتمعيا جديدا للرعاية الصحية في قطالونيا.
قبل يوليو، الممارسة الطبية نمطيا امتلكها الاطباء الكبار، الذين استأجروا بدورهم شباب الاطباء كمساعدين لهم. تركزت الخدمات الطبية في الاحياء الاكثر ثراءا. غالبا ما كان الاطباء يغيبون عن القرى الفقيرة. قصد النظام الجديد توفير توزيع اكثر عدالة للموارد الصحية. اذا لم يكن لدى قرية فقيرة طبيب، كان الاتحاد النقابي للصحة يسعى لتوفير طبيب لهذه القرية.
حاول الاتحاد النقابي للصحة ان يوقف العمل الخاص في الطب ولكنه لم يكن قادرا على نيل موافقة اغلبية الاطباء على ذلك. طلب الاتحاد من الاطباء كلهم العمل لمدة ثلاث ساعات يوميا من اجل الاتحاد النقابي الصحي، مما كان يوفر لهم وقتا كافيا في اليوم لرؤية مرضاهم الخصوصين. وكان الاتحاد يدفع لهم اجرا واحدا عندما كانوا يعملون لصالحه - ولكن اجر الاطباء في الساعة كانت يساوي اربعة اضعاف الاجر القياسي للعامل.
قدمت الحكومة بعض التمويل للمساعدة في رفع الاجور في نظام الرعاية الصحية المجتمعي في قطالونيا، ولكن هذا العون لم يكن كافيا لتغطية كل النفقات. ورغم ان تردد المنتفعين على العيادات الخارجية للشبكة الصحية الجديدة كان مجانيا، الا ان الاتحاد النقابي للرعاية الصحية فرض رسوما لزيارة الاطباء في عياداتهم ولاجراء الجراحات. نتيجة لذلك، عديد من النقابات والاتحادات، والصناعات التعاونية وتعاونيات القرى دخلت في اتفاقيات خاصة مع الاتحاد النقابي للرعاية الصحية لتقدم خدمات الرعاية الصحية المجانية لاعضائهم وعائلات الاعضاء. ادار الاتحاد الصحي عيادات اسنان وتولى ايضا اجراء الابحاث وصناعة الدواء والكيماويات الطبية.
انتشر نظام الرعاية الصحية الاجتماعي عبر انحاء المنطقة المعادية للفاشية من خلال عمل ٤٠ الف عضو في الفدرالية الصناعية القومية للرعاية الصحية المنضمة للكونفدرالية، والتي تتشكل من ٤٠ اتحاد نقابي محلي .
الجزء الاكبر من نظام النقل العام الداخلي في برشلونة كان نظام التروللي باص، والذي كان يعمل علي ٦٠ خطا في انحاء المدنية الكبرى. كانت شركة ترام برشلونة هي التي تقوم بشغيل هذا النظام، وهي شركة مملوكة اساسا لمستثمرين بلجيك. من العاملين السبعة الاف العاملين في الشركة، انتمى ٦٥٠٠ منهم للنقابة الموحدة للنقل في الكونفدرالية.
في العشرين من يوليو، اكتشفت مجموعة مسلحة من نقابة النقل في الكونفدرالية ان الادارة العليا في شركة ترام برشلونه قد هربت. اقيم اجتماع جماهيري لعمال النقل في اليوم التالي وصوتت الجمعية باغلبية كاسحة لصالح نزع ملكية شركات النقل باسم الشعب. تم الاستيلاء على ثلاث شركات خاصة للحافلات، وشركتين للتليفريك، وشركة قطارات مصاحبا للاستيلاء على شركة التروللي باص.
تضرر نظام التروللي باص بشدة في حرب الشوارع - دمرت العربات، وانهارت الاسلاك وعواميدها، وتحطمت الاكشاك الكهربائية، وتعطلت مسارات التروللي بمتاريس الشوارع. استطاعوا عمال النقل بعد ان عملوا ليلا ونهارا، استعادة نظام النقل في خمسة ايام. ومع الوقت اعادوا طلاء عربات الترام والتروللي باص باللونين الاحمر والاسود المميزين للكونفدرالية. قبل ١٩ يوليو، كانت اكشاك الكهرباء المغذية للترام والتروللي باص تقع في منتصف الشوارع مما جعل من الضروري بالنسبة لترام وتروللي باص برشلونة ان يسيروا في دورانات حادة مما كان يعرضها في احيان كثيرة الى الخروج عن قضبانها. بعد استيلاء الاتحاد النقابي على الشركة، نظمت فدرالية المنافع العامة المدارة بواسطة العمال اعادة وضع الاكشاك الكهربائية بطريقة تجعل سير الخطوط اكثر استقامة.
انماط النقل المتعددة - الاتوبيسات، قطار الانفاق، الترام - كانت "اقسام" منفصلة في الاتحاد النقابي، مثل مستودعات قطع الغيار الهائلة. كل هذه الاقسام كانت تدار من خلال لجان منتخبة، مسئولة امام مجالس العمال. انتخب احد المهندسين لكل لجنة ادارية، لتيسير عملية المشورة الفنية بين العمال اليدويين والمهندسين. كانت هناك جمعية عامة شاملة لاتخاذ القرارات التي تؤثر على نظام النقل ككل. لم يوجد منصب مدير اعلى او مدير تنفيذي.
كان ترامواي برشلونة يعمل بنظام تعريفة المنطقة الذي كان يعني زيادة التكلفة بالنسبة للناس في الضواحي العمالية الخارجية حتى ينتقلوا الى وسط المدنية. تحول نظام التشغيل تحت ادارة العمال الى تعريفة واحدة بسيطة عبر منطقة المدينة الكبرى، لمساواة تكلفة التعريفة لكل الركاب. ورغم تخفيض تذكرة الركوب هذه، استطاع نظام المواصلات الذي اداره العمال ان يحقق ارباحا. تم شراء كميات كبيرة من الادوات الميكانيكية الامريكية والفرنسية، حتى يكتفي نظام النقل الداخلي ذاتيا من قطع الغيار. دخل اتحاد النقل والمواصلات في الكونفدرالية في ترتيبات مع الاتحاد النقابي الجديد للصحة لضمان رعاية طبية مجانية لعمال النقل والمواصلات وعائلاتهم.
وبسبب القيود زمن الحرب المفروضة على جميع انواع السيارات، ازداد نسبة الركاب حوالي ٦٢٪ خلال السنة الاولى من ادارة العمال لشبكة المواصلات. لم يكن ممكنا الحصول على عربات ترام جديدة. وللتكيف مع زيادة عدد الركاب، اعاد العمال ترتيب الاماكن داخل ورش الصيانة، لتخفيض الوقت المطلوب لعمل الصيانة الدورية للعربات. عدد من العربات المتهالكة اعيد بناءها واعيدت للخدمة. تم بناء سيارات خفيفة الوزن جديدة لخطي التليفريك.
بعد صدور قرار الحكومة الاقليمية بالملكيات التعاونية في اكتوبر ١٩٣٦، شبكة النقل التي كانت تديرها الاتحادات النقابية، اعيد تنظيمها كتعاونية خدمية موحدة قطاع عام، منفصلة رسميا عن اتحادات الكونفدرالية. في بعض الاقسام من التعاونية حيث تواجد الاتحاد العام للعمال - كما في مترو الانفاق - كان لدى الاتحاد العام للعمال مندوبين في اللجان الادارية. قبل التاسع عشر من يوليو، عمال القضبان كانوا من اقل العمال اجرا وكان اجر العمال المهرة اكثر ٥٠٪. بعد الاستيلاء على الصناعة، كل العمال غير المهرة تلقوا نفس الراتب، بينما العمال المهرة (مثل العمال الميكانيكيين) كانت اجورهم ٦٪ اعلى فقط. تطوع العمال ايام الاحاد للعمل بالعنابر التي اقامتها نقابات النقل من اجل بناء المواد الحربية من اجل الميليشيا العمالية .
في سبتمبر، عقد مؤتمر في برشلونة لوضع حل عام لاماكن العمل المصادرة في الاقتصاد عموما. كيف تمضي الكونفدرالية نحو التحويل الاجتماعي للملكية؟ ماذا يجب ان تفعل الكونفدرالية بالمشاريع المصادرة؟ نمطيا، تلك المنشآت كانت تديرها الاتحادات النقابية بعد مصادرتها.
قبل الحرب، لم تدافع الكونفدرالية ابدا عن فكرة تحويل المشاريع المصادرة الى تعاونيات، تعمل في اقتصاد سوق. للمرة الاولى، اقترحت الفكرة في هذا المؤتمر كحل مؤقت لملء الفجوة الحادثة، حتى يأتي الوقت الذي يمكن فيه تنفيذ التحويل الاجتماعي الكامل للملكية. استخدمت كلمة "تعاونية" لوصف هذا الحل المؤقت لسد الفجوة عندما اقترحها في المؤتمر خوان فابريجاس، وهو محاسب قومي قطالوني انضم الى الكونفدرالية بعد يوليو ١٩٣٦.
يتذكر خوان فيرر، سكرتير الاتحاد النقابي التجاري بالكونفدرالية، "حتى تلك اللحظة، لم اكن قد سمعت ابدا عن التحويل التعاوني كحل لوضع الصناعة - كانت المتاجر الكبرى تدار بواسطة الاتحاد النقابي. الذي كان يعنيه النظام الجديد هو ان كل مشروع تحول الى التعاونية سوف يحتفظ بشخصيته الفردية، لكن لهدف اعلى وهو الدخول في فدرالية لكل المشاريع داخل نفس الصناعة ".
في ذلك المؤتمر، الاتحادات النقابية الاقوى، مثل المواصلات، والمنافع العامة، وعمال الصناعات الخشبية، والترفيه العام، والتي شرعت توا في تحقيق المرحلة الاولى من التحويل الاجتماعي للملكية - تجسيد كامل الصناعة في فدرالية صناعية - ارادت تلك الاتحادات استمرار هذا المسار. الاتحادات النقابية الاضعف والاصغر ارادت تحويل المشاريع المصادرة الى تعاونيات.
كانت التعاونيات المدارة ذاتيا تأكيدا عظيما على مقدرة الطبقة العاملة على ادارة الانتاج. طبقا لاقوال فيكتور البا - عضو حزب العمال للوحدة الماركسية اثناء الثورة:
"تعاونيات ١٩٣٦ لم تفشل فقط، ولكنها كانت تعاونيات ناجحة. مع وضع الظروف في الاعتبار، كانت هذه التعاونيات تجسيدا لمبدأ ان العمال يستطيعون القيام بالاعمال الادارية للمشاريع بنفس كفاءة او اكثر كفاءة من اصحاب العمل ".
رغم ذلك، عدم اتمام الثورة - الوجود المستمر للسوق والدولة، والفشل في خلق نظام للتخطيط الاجتماعي الشعبي - خلق المشاكل.
احد المشاكل التي بزغت كانت عدم تساوي التعاونيات بين بعضها البعض بسبب الاختلافات في تجهيزات كل مشروع من المشاريع التي ورثتها، والاختلاف في اتصالاتها بالاسواق، او اختلافات اخرى في اوضاع كل منها. على سبيل المثال، المرحلة الاولى من التحول الاجتماعي للملكية لم تتحقق بشكل اولي في صناعة النسيج ببرشلونة. استمر كل مشروع كتعاونية منفصلة. طبقا لقول جوزيب كوستا، سكرتير الاتحاد النقابي للنسيج في الكونفدرالية في الضاحية القريبة بادالونا:
"لم نر تعاونيات النسيج في برشلونة كنموذج لخبرتنا. معامل النسيج الفردية التي اصبحت تعاونيات تصرفت هناك من البداية كما لو انها وحدات مستقلة ذاتيا بالكامل، تسوق منتجها على قدر ما تستطيع هي مع اعطاء انتباه ضئيل للوضع العام. لقد تسببت في مشكلة فظيعة. كانت نوعا من الرأسمالية الشعبية ".
في بدالونا، نقابات الكونفدرالية نسقت ما بين كل معامل النسيج في انحاء البلدة.
صناعة النسيج، مثل كل الصناعات الانتاجية الاخرى في قطالونيا، كانت تنتج للسوق الاسباني. خسرت الصناعة في اسبانيا، وثلث البلاد في ايدي الجيش الفاشي، نصيبا كبيرا من سوقها. الانتاج الصناعي في قطالونيا انخفض بنسبة ٣٠٪ اثناء السنة الاولى من التحول التعاوني.
في النهاية، في فبراير ١٩٣٧، عقد مؤتمر مشترك بين الكونفدرالية والاتحاد العام للعمال لصناعة النسيج في قطالونيا لتأسيس مجلس صناعي للنسيج - فدرالية صناعية تقوم بالتنسيق وتنهي المنافسة بين معامل النسيج. وافق الكونجرس على ان تحويل المعامل الفردية الى تعاونيات كان خطأ وان من الضروري الشروع سريعا في الاتجاه نحو التحويل الاجتماعي الكامل لهذه الصناعة.
غالبا ما تتعامل التعاونيات مع خسارة الاسواق بالعمل لعدد ساعات اقل او بدفع اجور ناس لا تعمل اصلا. طبقا لاقوال عباد دي سانتيلان، اكثر من ١٥ الف من سكان قطالونيا في ديسمبر 1936 كانوا يتلقون رواتب دون ان يعملوا. وكما لاحظ، لم يكن امرا ذو كفاية اجتماعية ان يكون لديك مثل هذا العدد الكبير من الناس الذين يعملون اقل من المطلوب او لا يعملون بتاتا؛ فالمجتمع يخسر عمل هم قادرون على ادائه. لو وجد نظام للتخطيط الاجتماعي لكان سمح باعادة تخصيصهم لوظائف طبقا للطلب وطبقا للاحتياج الى ما يراد انتاجه.
اعاد عباد دي سانتيلان تأكيد الموقف الاصلي للكونفدرالية في صالح اقتصاد محول اجتماعيا:
"نحن حركة معادية للرأسمالية، وضد اصحاب الاملاك. لقد رأينا في الملكية الخاصة لادوات العمل، للمصانع، لوسائل النقل، في الجهاز الرأسمالي للتوزيع، السبب الاولي للبؤس وانعدام العدالة. نحن نريد تحويلا اجتماعيا لكل الثروة من اجل الا نترك فردا واحدا على هامش مأدبة الحياة ".
في اقتصاد محول اجتماعيا، الاتحاد المحلي والفدراليات الصناعية ليسو "ملاكا" للصناعة ولكنهم "فقط مديرون اداريون لخدمة المجتمع بأكمله"، هذا ما قاله دي سانتيلان.
فشل الكونفدرالية الوطنية للعمل في تجسيد السلطة السياسية كان في حد ذاته سببا لعدم اكتمال الثورة الاقتصادية. الحكومة الاقليمية سيطرت على الائتمانات الخارجية والنظام المالي. مع الوقت، اصبحت الصناعة التعاونية مديونة بشدة للحكومة. وقد استخدم ذلك فعليا لتأمين سيطرة متزايدة للدولة في السنوات الاخيرة من الحرب الاهلية، كما اكتسب الحزب الشيوعي سلطة متزايدة وتحرك نحو اقتصاد مؤمم.
هدف الاجر عند الكونفدرالية في الثورة كان "اجرا واحدا". لو تم تنفيذ هذا الهدف، لكان ذلك يعني ان كل شخص سوف يأخذ نفس الاجر في الساعة. اوضح ناشط في نقابة النسيج بالكونفدرالية هذا المنطق كالتالي:
"نحن التحرريون لدينا مبدأ ملزم لنا: كل منا سوف ينتج طبقا لقدراته، وكل منا سوف يستهلك طبقا لاحتياجاته. الانتاج مثل الساعة - كل جزء يعتمد على الاخر. لو فشل احد الاجزاء تتوقف الساعة عن العمل. انه لامر صعب جدا ان تحدد اي من العمال الذين يقومون بهذا القدر الكبير والمتنوع من المهام هو الاكثر اهمية. عامل المنجم يحفر ويستخرج الفحم، والعامل ينقله الى المصنع، والعامل الفران يدفعه الى الافران التي تحرك المصنع. دون اي عامل منهم سوف تتوقف العملية. كلهم يجب ان يتلقوا نفس الاجر؛ الفرق الوحيد يجب ان يعتمد علي اجابة اسئلة مثل: هل الرجل اعزب ام متزوج ويعول اطفال؛ وفي الحالة الاخيرة، يجب ان يحصل المتزوج على نصيب اكبر لكل من يعوله ".
نفذ الاجر الواحد في بعض الصناعات وبعض المواقع. احد مثل هذه المواقع كان مدينة هوسبيتالت دي لوبريجات، ضاحية عمالية في الحد الجنوبي من برشلونة. كان النسيج هو الصناعة الاكبر هناك ولكن تواجد ايضا عدد من الصناعات المعدنية بورشها لتشكيل المعادن وافران صهرها. اتحادات الكونفدرالية في هوسبيتالت كانت جزءا من مجلس العمل لبايو لوبريجات التي دافعت عن الاطاحة بالحكومة الاقليمية في يوليو ١٩٣٦. في مدينة هوسبيتالت اكتسحت الكونفدرالية حكومة المدينة القديمة، ووضعت مكانها لجنة ثورية. عقدت اللجنة الثورية للكونفدرالية مجالس احياء متنوعة لتستطلع اراءها. لم يساو ذلك تماما فكرة الكونفدرالية السابقة على الحرب الداعية الى "بلديات حرة" لأن المجالس المشكلة على اساس جغرافي تلك لم تنتخب مجلس بلدية جديد؛ بل كانت مجالس تسيطر عليها الاتحادات النقابية.
قررت كونفدرالية هوسبيتالت، بسبب الاختلافات في الاوضاع الاقتصادية للتعاونيات، ان تنفذ سياسة الاجر الواحد بالشروع في التحويل الاجتماعي لاقتصاد البلدة، عن طريق دعم التعاونيات الاحسن وضعا للتعاونيات الاخرى الاقل بالعون المالي .
فدرالية السكك الحديدية الثورية ساوت اوليا اجور كل عمال السكك الحديدية. في ذلك الوقت، كان الحرس على بوابات عبور محطات السكة الحديد في اسبانيا معظمهم من النساء. كانت هذه النسوة اقل العمال اجورا في قطاع السكة الحديد. تلك النسوة كن اكثر من كسب من مساواة الاجر في السكة الحديد. فيما بعد، ومع ذلك، احتاجت فدرالية السكك الحديدية الى استئجار العديد من المهندسين. اضطرت الفدرالية اضطرارا الى ان تدفع لهؤلاء المهندسين اجورا اعلى مرتين ونصف.
في ظل اقتصاد السوق، يستطيع المهنيون المتعلمون ان يستفيدوا من خبراتهم النادرة ليطالبوا باجور اعلى ومميزات اخرى. يمكن التعامل مع هذه المشكلة مع الوقت في اقتصاد مجتمعي بنظام التعليم المجاني للعمال ومع الحملات المنهجية لرفع مهارات العمال. ولكن ذلك يستغرق وقتا للتنفيذ، وكان الاقتصاد المجتمعي لم يتجسد في الواقع العملي بعد.
تحققت المساواة في الاجر بين الرجال والنساء الذين يؤدون نفس العمل بطريقة عشوائية فقط هنا وهناك وحدثت على الغالب الارجح فقط في المواقع التي نظمت فيها منظمة النسوة الاحرار جمعيات للعاملات. تشكلت منظمة النسوة الاحرار على المستوى القومي في ربيع ١٩٣٦. في قطالونيا، خرجت منظمة النسوة الاحرار من هيئات النساء في اتحادات الكونفدرالية النقابية.
في اوائل الثلاثينات، الوحدة النقابية للصناعات المعدنية في الكونفدرالية بدأت دفع راتبا صغيرا لسوليداد استوراخ للعمل كمنظمة للنشاط. ثار قلق النقابة على نقص انخراط النسوة العاملات في نشاطها. اكتشفت استوراخ ان العاملات اذا ما حاولن الحديث في لقاءات النقابة بالكونفدرالية، فانهن كن يتعرضن للسخرية والاستهزاء من قبل الرجال. لم تكن المشكلة فقط سلوكيات ذكورية شوفينية من الرجال.
انتهت استوراخ بأن آمنت ان من الضروري لهؤلاء النسوة ان يكون لديهن منظمتهن المستقلة ذاتيا - ساحة آمنة لهن يستطعن دراسة القضايا الاجتماعية، وتعلم الخطابة، ويتم تحضيرهن ليكن ناشطات. ساعتئذ سوف تستطيع النساء ان تمسك بقضيتهن مع الرجال في اجتماعات النقابة. النتيجة كانت هيئة النساء في كونفدرالية العمل الوطنية بقطالونيا. ايضا نظمت هيئة النساء انشطة رعاية الاطفال حتى تستطيع الناشطات حضور اجتماعات النقابة ويترشحن فيها كمندوبات.
نصت منظمة النسوة الاحرار على ان غرضها هو تحرير النساء من "العبودية ثلاثية الابعاد" المتمثلة في عبودية "الجهل، والعبودية كنسوة، والعبودية كعمال". لم تستخدم النساء اللائي اسسن منظمة النسوة الاحرار مصطلح "نسوي - feminist". كن واعيات بوضعهن الطبقي مثل اندادهن الذكور. وبالنسبة لهن، "النسوية - feminism" كانت حركة للمرأة بهدف الحصول على وضع نخبوي في المهن المختلفة، والادارة العليا، والحكومة. اثناء الثورة والحرب جندت المنظمة ٣٠ الف مرأة من الطبقة العاملة تقريبا.
الشابات اللائي شكلن منظمة النسوة الاحرار، رغم ولائهن لحركة الكونفدرالية، اصررن على ان تحرير المرأة هو امر يتميز عن تحرير الطبقة العاملة، ورفضن ان يكن مجرد زوائد خارجية تابعة - "ملحقات نسوية" - لفدرالية الاناركيين الايبيرية او لكونفدرالية العمل الوطنية. لم تؤمن المنظمة ان الرجال يستطيعون تحرير المرأة. زعماء فدرالية الاناركيين الايبيرية والكونفدرالية، من ناحية اخرى، اصروا على ان حركة النسوة المستقلة ذاتيا هي حركة "انقسامية".
احد ميادين التغيير في علاقات النوع في اسبانيا اثناء الحرب كان الازدياد الكبير في عدد النساء العاملات في الصناعة. حيث ذهب الرجال الى القتال في جيش الشعب المعادي للفاشية، تم تجنيد النساء ليحلوا محلهم في الحياة المدنية.
جمعية النسوة المناهضات للفاشية (AMA) تشكلت بين النسوة العاملات في الصناعة. هذه الجمعية كانت "حزام اشعاع" للحزب الشيوعي. ومع انتشار نفوذ الجمعية النسائية لمناهضة الفاشية في الصناعات، خشى نشطاء الكونفدرالية من انضمام النساء الى اتحادات الاتحاد العام للعمال النقابية. في هذه الحالة قد ينحسر وجود اتحادات الكونفدرالية. لمواجهة ذلك، فتحت النقابات المحلية للكونفدرالية قاعات اتحاداتها لمنظمة النسوة الاحرار. قدمت النقابات ساحاتها لمراكز رعاية الاطفال، وجماعات النساء الدراسية، وفصول محو الامية وبرامج تعليم الصبية من النساء. في المصانع التعاونية، كان يتم ايقاف العمل للسماح لناشطات منظمة النسوة الاحرار لالقاء محاضرات.
احد الصناعات التي كان لمنظمة النسوة الاحرار وجود قوي فيها هي صناعة النقل العام. كانت بورا بيريز عضو منظمة النسوة الاحرار وكانت واحدة من اولى النساء اللائي عملن قائدات لعربات الترام والتروللي باص في شوارع برشلونة. وكما تتذكر بورا بيريز، رجال نقابة النقل العام في الكونفدرالية اتخذوا من النساء "صبيان لهم يعملن في الصيانة الميكانيكية والقيادة، وهم الذين علمونا حقا الادوار التي قمنا بها". رفاق كونفدرالية النقل العام، كما تقول بيريز، "تلقوة صدمة من النظرات المبهوتة على وجوه الركاب عندما علموا ان من يقود الترام الذي يركبونه امرأة ".
الخط البياني للحزب الشيوعي الاسباني
برغم الثورة البروليتارية الحقيقية التي كانت تجري في اسبانيا، اصر الحزب الشيوعي الاسباني على ان الاجندة المباشرة في اسبانيا هي اجندة "ثورة ديموقراطية بورجوازية"، وان الكفاح يجب ان نراه ببساطة من منطلق الدفاع عن "الجمهورية الديموقراطية".
موقف الحزب الشيوعي الاسباني، ومحاولة الاممية الشيوعية لاخفاء طبيعة الثورة العمالية الفعلية في اسبانيا في دعايتها بالبلاد الاخرى، تم تخطيطها لطمأنة "الديموقراطيات" الرأسمالية الغربية، وتكرر قول ذلك على الاغلب، خصوصا في الولايات المتحدة، وبريطانيا وفرنسا. طرح الشيوعيون ومؤيدوهم وجهة النظر القائلة ان ذلك هو احسن سبيل لكسب الحرب ضد العسكرية الفاشية.
معظم الجدل التاريخي حول دور الشيوعية في الثورة والحرب الاهلية الاسبانية قد تركز حول مخططات ستالين الجيوبوليتيكية. كان الاتحاد السوفيتي قد بدأ توا في الخروج من عزلته الدولية، منضما الى عصبة الامم في ١٩٣٤. محاولة الشيوعيين لتهدئة مخاوف "ديموقراطيات" الرأسمالية البريطانية والامريكية والفرنسية لم تكن تكتيكا فقط من اجل الحصول على شحنات السلاح ولكنها كانت ايضا من اجل التكيف مع مخاوف ستالين من العسكرية الالمانية، ورغبته في الدخول اما في حلف عسكري مع "الديموقراطيات" الغربية وإما جرهم الى الصدام مع القوى الفاشية.
ولكن الحزب الشيوعي الاسباني طور قاعدته الاجتماعية الخاصة في اسبانيا اثناء الحرب الاهلية. ماذا كان المعنى الاجتماعي الحقيقي للحزب الشيوعي الاسباني في اسبانيا؟ لاجابة هذا السؤال، نحتاج الى القاء نظرة على البناء الطبقي للرأسمالية المعاصرة. رأى ماركس في الرأسمالية في القرن التاسع عشر بشكل اساسي صراع ثنائي القطبين بين الرأسمال والعمل.
ومع ذلك، ومنذ نهاية القرن التاسع عشر، ظهور اشكال للرأسمالية تنظمها الدولة، واشكال الكوربوريشن الظاهرة جلبت معها ظهور طبقة رئيسية جديدة، انا اسميها طبقة المدراء او رجال الادارة . فور ان اصبحت المشاريع الرأسمالية على هذا القدر الكبير جدا من الاتساع فوق طاقة اصحاب الاعمال على ادارتها بانفسهم، كان على الرأسماليين ان يتنازلوا عن قدر من ميدان السلطة لمستويات تراتبية من المدراء والمهنيون في الشركات العملاقة وشركات الدولة الضخمة. سلطة طبقة المدراء لا تقوم على اساس الملكية ولكن على اساس احتكارهم النسبي لادوات اتخاذ القرار واشكال العمل الاخرى ذات المكانة والنفوذ. تمتلك طبقة المدراء مصالح طبقية خاصة بهم. اكثر من ذلك، هذه الطبقة تمتلك القدرة على ان تكون طبقة حاكمة. المسار الذي ارتاده الحزب البلشفي في الثورة الروسية كان يعبر عن استخدامهم الدولة لبناء نظام اقتصادي جديد تتولى فيه طبقة المدراء الحكم، دون وجود رأسماليين.
لو اقتصرت زاوية رؤيتنا على البعد الطبقي للتحول الاجتماعي، هناك نمطان مختلفان محتملان للثورة المناهضة للرأسمالية. الثورة البروليتارية، لو ناجحة، هي عملية تفكيك الابنية الطبقية لسلطة الرأسماليين وطبقة المدراء للدرجة التي لا تسمح بعدها لايهما ان يهيمنا على الطبقة العاملة واستغلالها. ثورة المدراء، مع ذلك، هي مسار خط بياني للتغيير، لو كان ناجحا، يخلع الرأسماليين من موقعهم المهيمن ولكنه يمنح المكانة والنفوذ لطبقة المدراء كمجموعة مهيمنة جديدة. وتظل الطبقة العاملة مجموعة خاضعة ومستغلة.
الخط البياني لمسار الحزب الشيوعي الاسباني هو نموذج لما اسميه النضال اليساري لطبقة المدراء - السعي من اجل استراتيجيات وبرامج تمنح المكانة والنفوذ لطبقة المدراء، في ظل خطابة يسارية او خطابة مناهضة للرأسماليين. طبقة المدراء اليسارية هي اخر دفاع عن نظام الطبقات في البيئة الاجتماعية حين تهدد حركة الطبقة العاملة بقاء نظام الطبقات هذا. تمكين طبقة المدراء من النفوذ والسلطة كان واضحا في استراتيجية الحزب الشيوعي الاسباني: الحملة لاعادة بناء جهاز الدولة؛ الحملة لبناء جيش وشرطة هرمية المراتب وتجنيد كتائب من الضباط في الحزب؛ الحملة لتجنيد الشرائح المتوسطة في المجتمع الاسباني والدفاع عن مصالحهم؛ التحركات اثناء الحرب نحو تأميم الصناعات التعاونية وفرض سيطرة الدولة عليها.
مفهوم الحزب الشيوعي للثورة في اسبانيا كان مفهوم الثورة على مراحل. كانت المرحلة "البرجوازية الديموقراطية" هي مهمة النضال المباشر. فكرة المراحل هذه عبر عنها بوضوح جيورجي ديميتروف، سكرتير الاممية الشيوعية، في لقاء للاممية عقد في ٢٣ يوليو ١٩٣٦:
"يجب علينا في المرحلة الحالية الا نعين مهمة - للشيوعيين الاسبان - لخلق سوفيتات ومحاولة تأسيس ديكتاتورية البروليتاريا في اسبانيا. سوف يكون ذلك خطأ قاتلا. لذلك يجب القول: تصرفوا متنكرين بالدفاع عن الجمهورية؛ لا تتخلوا عن سياسة النظام الجمهوري في اسبانيا عند هذه اللحظة... عندما يتدعم موقفنا، نستطيع ان نمضي الى المزيد". (تشديد مضاف )
كان هناك صراعا جيوبوليتيكيا دوليا بين نخبة المدراء في الدولة السوفيتية وبين القوى الامبريالية الرأسمالية. تحتاج الامبريالية الرأسمالية للاحتفاظ بانحاء الكوكب بقدر ما تستطيع مفتوحا امام تغلغل الرأسمال الخاص المتجول واساليب استغلاله. اي ثورة - سواء ثورة طبقة مدراء ومنسقين، ام ثورة قوميين، ام ثورة بروليتاريا - "تنتزع" مناطق من العالم خارج استحواذ الرأسمال الامبريالي سوف تضعف من قوة الرأسمالية العالمية ولهذا السبب سوف ترجح معارضة القوى الامبريالية الرأسمالية لها. ولنفس السبب، اي ثورة لطبقة المدراء سوف تكون في صالح نخبة المدراء للدولة السوفيتية.
شعار الدفاع عن "الجمهورية البرجوازية الديموقراطية" كان له معنيين بالنسبة للشيوعيين الاسبان. الاول، تحت هذا الشعار عمل الحزب الشيوعي في اسبانيا على تجنيد اعضاء من البزنس الصغير وطبقات المدراء، عن طريق الدفاع عن مصالحهم.
المعنى الثاني لدفاع الحزب الشيوعي الاسباني عن "الجمهورية البرجوازية" كان حملتهم لاعادة بناء جهاز الدولة الجمهورية. الاستراتيجية الثورية طويلة المدى للحزب الشيوعي كانت استراتيجية انتشار وتغلغل. باعادة بناء القيادة الهرمية المراتبية داخل ماكينة الجيش والشرطة، عمل الشيوعيون على الامساك والسيطرة على مناصب الضباط. هدفهم كان استخدام ذلك كوسيلة للاستيلاء فعليا على سلطة الدولة في اسبانيا.
بنهاية سبتمبر، بدأت حكومة الجبهة الشعبية عملية بناء قوة شرطة قومية جديدة، تحت اسم الحرس الوطني الجمهوري، وصلت الى ٢٨ الف فرد في ديسمبر. في نفس الوقت، تأسست قوة هائلة من ٤٠ الف فرد لشرطة حرس الحدود والجمارك تحت ادارة الدكتور خوان نجرين، استاذ الفسيولوجي والاشتراكي الديموقراطي الذي ينتمي لعائلة ثرية. في نوفمبر، قررت الحكومة استبدال ميليشيا العمال بجيش تقليدي له قيادة من اعلى الى اسفل. استطاع الحزب الشيوعي أن يغنم السيطرة على الاكاديمية الجديدة التي نشأت لتدريب الضباط. سيطر الحزب ايضا على القوميسارية الجديدة للحرب التي انشأت لممارسة النفوذ السياسي على الجيش من خلال شبكة من القوميساريين السياسيين. سيطر الشيوعيين على عملية تدفق الجرائد الى القوات في الجبهة. ضغط الشيوعيون ضغطا عظيما على الضباط لحثهم على الحصول على بطاقات عضوية بالحزب. هؤلاء الضباط الذين لم ينصاعوا لذلك تم نسفهم. دمر الحزب الشيوعي الاسباني معنويات الجيش "بواسطة التصرف على اساس اشرس حلقية ممكنة"، كما يتذكر احد الاعضاء الاشتراكيين اليساريين من عصبة الشبيبة الاشتراكية الموحدة .
في يوليو ١٩٣٦، بدأ الحزب الشيوعي الاسباني من وضع ضعيف. كانت عضويته في اسبانيا اقل من ٤٠ الف، ويمتلك تأييدا قليلا جدا داخل الطبقة العاملة الاسبانية. استخدم الشيوعيون العديد من التكتيكات للتغلب على وضع الضعف هذا. اولا، استخدم الشيوعيون استراتيجية افتراس قاعدة الحزب الاشتراكي. عدد من قادة منظمة الشبيبة الاشتراكية (ومنهم سانتياجو كاريللو) اخذوا في جولات بروسيا حيث المأدب والنبيذ. هؤلاء الشيوعيون السريون تفاوضوا حول اندماج بين منظمتي الشبيبة الاشتراكية والشيوعية، لخلق منظمة الشبيبة الاشتراكية الموحدة (JSU). افترضت صفقة الاندماج ان سياسات الشبيبة الاشتراكية الموحدة سوف تقرر داخل كونجرس يعقد لهذا الغرض. جماعة الشبيبة الاشتراكية كانت اكبر واوسع من الشبيبة الشيوعية واحتوت على العديد من اتباع الجناح اليساري الذي يستلهم كاباليرو في الحزب الاشتراكي. تم منع الاشتراكيين اليساريين من الحصول على سيطرة على قسم الحزب الاشتراكي في قطالونيا من خلال تكتيك اندماج مماثل. في خريف ١٩٣٦، حاول القادة الشيوعيون اقناع لارجو كاباليرو بالموافقة على اندماج بين الحزبين الاشتراكي والشيوعي. وقتها رأي كاباليرو نتيجة مثل هذه السياسة ولذلك رفض الاقتراح.
الفلاحون مالكو الارض، واصحاب الحوانيت، وملاك البزنس الصغير والمتوسط، والمدراء ، واصحاب الياقات البيضاء كانوا القاعدة الاجتماعية العريضة للاسكويرا في قطالونيا. وغالبا ما كانت هذه الشرائح الاجتماعية المتوسطة تشعر بالرعب من فكرة نزع ملكية الاعمال والمباني، وادارة الاتحادات النقابية للصناعة. في بلاد اخرى مهددة بالثورة البروليتارية، تلك الشرائح الاجتماعية اصبحت القاعدة الاجتماعية للفاشية. ولكن في قطالونيا كانت الشرائح الوسطى مناهضة للفاشية لانها كانت تنتمي لتيار القومية القطالونية. نجح الشيوعيون في تجنيد هذه الشرائح الوسطى الجمهورية النزعة في انحاء المناطق المعادية للفاشية لان الشيوعيين ظهروا كمدافعين عن مصالح هذه الطبقات اكثر تشددا واكثر انتظاما من الاحزاب الجمهورية القديمة.
اول اقتتال بين الحزب الاشتراكي الموحد لقطالونيا (PSUC) وكونفدرالية العمل الوطني في قطالونيا كان حول تشريع نزع ملكية مشاريع الاعمال. وقع هذا الاقتتال في اكتوبر، بعد ان انضمت الكونفدرالية الى الحكومة الاقليمية. طبقا لقول اندرو كابديفيلا، عامل النسيج الاناركي،
"قاتل الحزب الاشتراكي الموحد لقطالونيا والاسكويرا بشراسة من اجل تخفيض اعداد المشاريع المؤهلة لتحويلها الى تعاونيات بينما تمسكت الكونفدرالية وفدرالية الاناركيين الايبيريين باكثر القرارات راديكالية قدر الاستطاعة. سبب موافقة الكونفدرالية على تحويل الملكية الى الشكل التعاوني هو عدم استطاعتها تحويل الملكية الى الشكل الاجتماعي كما كان هدفنا. استولى العمال على المصانع... ولكن النصر لم يكن انتصار الكونفدرالية وحدها. لم نستطع الاستيلاء على الاقتصاد كله والسيطرة عليه ".
معظم ما عارضه الشيوعيون كان التحويل الاجتماعي للاقتصاد بواسطة النقابات، وعملية ربطها لكامل الاقتصاد بشكل مستقل عن الدولة. المحافظة على بقاء مشاريع القطاع الخاص كان سبيلا لايقاف وسد الطريق على التحويل الاجتماعي للاقتصاد تحت سيطرة الاتحادات النقابية. القانون الذي تم تمريره قنن فقط لعملية مصادرة المشاريع التي تزيد عمالتها عن ١٠٠ عامل، او المشاريع التي تتراوح عمالتها بين ١٠٠ و٥٠ عامل فإنها تصادر لو ان ٧٥٪ من عمالها قرروا مصادرتها. في الممارسة العملية، تجاهلت الكونفدرالية ببساطة حقيقة ان ذلك لم يكن متماشيا مع مصادرة الاعداد الواسعة من مشاريع الاعمال الاصغر التي كانت الفدرالية قد نفذتها. محاولات الحزب الاشتراكي الموحد لقطالونيا (PSUC) قطع الطريق على التحركات التي تتجاوز المصادرة الى ضرب اقتصاد السوق كان تكتيكا داعما للمهنيون والمدراء اضافة الى اصحاب البزنس الصغير.
ايضا نظم الحزب الاشتراكي الموحد لقطالونيا اصحاب مشاريع الاعمال الصغيرة واصحاب المحلات في منظمة مشاريع الاعمال الصناعية والتجارية الصغيرة (GEPCI). بحلول ربيع ١٩٣٧، ترعرعت منظمات اتحاد العمال العام في قطالونيا لتصل بالعضوية الى ٣٥٠ الف عضو (ومن ضمنهم ١٨ الف من منظمة مشاريع الاعمال الصناعية والتجارية الصغيرة)، متساويا تقريبا مع عضوية الكونفدرالية البالغة ٤٠٠ الف عضو. تأسس الكثير من هذا النمو على قيام الحزب الاشتراكي الموحد لقطالونيا بتنظيم الشرائح الوسطى من السكان. بنى الشيوعيون مركز ثقل قوي مضاد للثورة العمالية في قطالونيا.
شحنات الاسلحة السوفيتية للحكومة الجمهورية ووصول الكتيبة الدولية اثناء معركة مدريد في اكتوبر-نوفمبر ١٩٣٦، منح الحزب الشيوعي هالة من المكانة والنفوذ وكان سببا ثالثا لنمو قوتهم هذه. في نهاية سبتمبر ١٩٣٦، لويس كامبانيز وبوينافنتورا دوروتي زارا لارجو كاباليرو في مدريد في محاولة للحصول منه على التزام بجزء من احتياطي ذهب اسبانيا لامداد الصناعة الحربية والميليشيا بمزيد من الموارد. وافق كاباليرو اوليا على ذلك، ولكن خوان نيجرين اقنعه بتغيير رأيه. في ١٣ سبتمبر، وافق كاباليرو على ان يرسل نيجرين احتياطي الذهب الى حيثما يريد. في ذلك الوقت كانت اسبانيا تمتلك رابع اكبر احتياطي ذهب في العالم، مساويا ٨٠٠ مليون دولار (١١ بليون دولار باسعار اليوم). اقنع الشيوعيون نيجرين ان يرسل ٧٠٪ من احتياطي الذهب الى روسيا. كان الاسبان قد تلقوا تأكيدات شفوية بأن الذهب يمكن اعادة تصديره اليهم في اي وقت قد يرغبونه. فور وصول الذهب الى موسكو، علق ستالين رغم ذلك انه "لن يستطيع الاسبان رؤية ذهبهم مرة اخرى، بالضبط كما لا يستطيع ان ير المرء حلمة اذنه".
نقل الذهب الاسباني الى روسيا دمر على نحو بالغ الاقتصاد الاسباني والمجهود الحربي ضد الفاشية. عندما تسربت اخبار ان البيزيتا الاسبانية لم تعد تتمتع بغطاءها الضخم من الاحتياطي الذهبي، هبطت قيمة البيزيتا بحدة في اسواق تغيير العملات الاجنبية. بحلول ديسمبر فقدت العملة الاسبانية نصف قيمتها. وقد تسبب ذلك في ارتفاع عظيم لتكلفة الواردات، وهكذا دمر ستالين قدرة اسبانيا المعادية للفاشية على استدامة المجهود الحربي .
قدم كل من هتلر وموسيليني ونظام الحكم الفاشي في البرتغال الدعم العسكري للجيش الفاشي الاسباني. في كتابه اسلحة لاسبانيا كشف الباحث البريطاني جيرالد هاوسون وثائق بتفاصيل غنية عن شحنات الاسلحة التي قدمت لكل جانب في الحرب الاهلية. اظهر هاوسون ان العسكر الفاشيست تلقوا اسلحة اكثر بكثير جدا مما تلقاه الجانب المعادي للفاشية. ارسل الروس مواد حربية للاسبان اقل بكثير مما كان يعتقد في السابق. ارسلوا القليل جدا من الاسلحة الحديثة. معظم الاصناف كانت قديمة وتوقف استعمالها.
واصبح من الصعب جدا على الجانب الاسباني المعادي للفاشية ان يحصل على سلاح باي ثمن نتيجة للمقاطعة التي نفذتها فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة. اغار مكتب التحقيقات الفدرالي على المخازن الكبيرة في المكسيك لاحتجاز الارقام الكودية للاسلحة كجزء من المشاركة الامريكية في جهود المقاطعة.
العهد الجديد (النيو ديل) في الولايات المتحدة الامريكية مال اوليا الى السماح بارسال شحنات اسلحة الى الجانب المعادي للفاشية في اسبانيا. نظم الاساقفة الكاثوليك حملة ضغط مكثفة ادت الى الدعم الامريكي لما يسمى حلف "عدم التدخل" (رغم حقيقة ان كنيسة الباسك الرومانية الكاثوليكية دعمت الجانب المعادي للفاشية). في مايو ١٩٣٨، قاد جوزيف كينيدي جهود جماعة ضغط كاثوليكية اخرى اوقفت بنجاح محاولة رجال الكونجرس الليبراليين افشال المشاركة الامريكية في المقاطعة .
اضطر وكلاء الجمهوريين الاسبان لتقديم رشاوى ضخمة في كل مكان ذهبوا اليه في العالم من اجل الحصول على السلاح. حلف "عدم التدخل" جعل القوى الاسبانية المعادية للفاشية اكثر اعتمادا على الاتحاد السوفيتي.
ارسال الذهب الى روسيا منح النظام السوفيتي السيطرة على تدفق الاسلحة على اسبانيا. مثلا، في اواخر ١٩٣٧، جارسيا اوليفير تعامل مع خوان نيجرين من خلال اقتراح تنظيم جيش حرب عصابات في جبال الاندلس. كانت معظم اراضي الاندلس قد اجتاحتها القوات الفاشية في الاسابيع الاولى من الحرب الاهلية ولكن كان من المعتقد ان الاف من القوى المعادية للفاشية يختبأون في الجبال هناك. اراد جارسيا اوليفير اسلحة وامدادات لتنظيم جماعة من حوالي ٢٠٠ رجل يتسللون الى الجبال. هذه المجموعة القلب سوف تنظم من ثم جيشا يناوش القوى الفاشية في خطوطها الخلفية. وافق نيجرين اوليا على ذلك. ولكن المندوب السوفيتي رفض الترخيص لهم بالسلاح لانهم لا يريدون جيش حرب عصابات يسيطر عليه الاناركيين.
ولم يؤد ارسال الذهب الى روسيا سوى تسهيل سرقة ستالين للاسبان. وقد باع السوفيت الاسلحة باسعار باهظة من خلال نسبة خاصة لتبادل العملات، لصالحهم، في صفقات الاسلحة. نصب الروس على الاسبان في ٥٠ مليون دولار في بيعهم طائرتين فقط. كتب هاوسون: "من كل اعمال النصب، والغش، والسرقات والخيانات التي قامت بها الحكومات والمسئولون ومهربو السلاح من كل انحاء العالم والتي كان على الجمهوريون ان يلقموا افواههم حجرا ويصمتوا عنها... سلوكيات ستالين والمسئولين الاعلى في المناصب السياسية العليا بالدولة السوفيتية (nomenklatura) نحوهم... كانت الاكثر قذارة، والاعظم غدرا، والاضعف حجة ".
"كرونشتاد الاسبانية"
في اوائل عام ١٩٣٧ شعر الشيوعيون بالقوة التي تكفي لعمل تحركات تمكنهم من وضع مهيمن في اسبانيا. وصلت عضوية الحزب الشيوعي الاسباني الى ٢٣٠ الف في مارس، اضافة الى عضوية منظمة الشبيبة الاشتراكية الموحدة التي وصلت وحدها الى ٢٥٠ الف عضو . اثناء نفس هذه الفترة، نمت عضوية فدرالية الاناركيين الايبيرية الى ١٦٠ الف عضو. فقط حوالي ٤٠٪ من عضوية الحزب الشيوعي الاسباني كانت من الطبقة العاملة.
ظهرت النية الشيوعية في التحرك ضد ثورة العمال واضحة جلية في صحيفة البرافدا في ديسمبر ١٩٣٦: "بالنسبة لقطالونيا، تطهير التروتسكيين والسينديكاليين الاناركيين قد بدأ، ولسوف يجري بنفس القوة التي جرى بها في اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية".
خوان دومينيخ، سكرتير اتحاد نقابات عمال الزجاج في الكونفدرالية، كان مسئولا عن امدادات الغذاء في الحكومة الاقليمية في قطالونيا. في السابع من يناير، منظمة الامداد بالتموين التي تسيطر عليها الكونفدرالية كان قد تم حلها بناء على اوامر الحكومة الاقليمية. مسئولية الامداد بالطعام انتقلت من دومينيخ الى الحزب الاشتراكي الموحد لقطالونيا. القى الحزب المهمة على عاتق السوق الحر والبزنس - وهو تحرك دعم من قوة منظمة البزنس التجاري والصناعي الصغير في قطالونيا (GEPCI). كانت النتيجة ارتفاعا كبيرا في اسعار اصناف الطعام، بسبب الدعاية ونقص ونفاد المواد الغذائية. الصحافة الشيوعية القت باللائمة على التعاونيات.
في ٢٣ يناير، اتحاد العمال العام في قطالونيا، الذي سيطر عليه الان الشيوعيون، عقد "مؤتمرا" للفلاحين اصحاب الارض في قطالونيا. كان هذا المؤتمر بشكل اساسي احباط دعائي موجه ضد التعاونيات الزراعية. تحريض الشيوعيين ادى الى هبة مسلحة من فلاحي مقاطعة تاراجونا، نتج عنها صدامات مسلحة مع الحرس الثوري وقوات دوريات المراقبة (ميليشيا شكلها البوليس بعد ١٩ يوليو ١٩٣٦). تصاعد الصدام عندما بدأ رودريجوز سالاس، رئيس الشرطة الجديد الموالي للشيوعيين، التحرك لتجريد المدنيين من السلاح في برشلونة - وهو الهجوم على جماعات الدفاع عن الاحياء في الكونفدرالية. هذه الصدامات ادت الى قرار من الحكومة الاقليمية بحل ميليشيات دوريات المراقبة في ٤ مارس.
في نوفمبر ١٩٣٦، عندما انضمت الكونفدرالية الى حكومة الجبهة الشعبية، جارسيا اوليفير اصبح وزيرا للعدل. وقد جعله ذلك مسئولا عن نظام السجون في اسبانيا. في اكتوبر اخذ حرس السجون الف من السجناء اليمينيين في سجون مدريد الى اطراف البلدة وتم اعدامهم، دون اوامر بذلك. لمنع الانتهاكات من هذا النوع، عين جارسيا اوليفير احد الاناركيين، ميلكور رودريجوز، رئيسا للسجون في مدريد. في نفس الوقت، كان الشيوعيون قد اكتسبوا السيطرة على الحكومة الثورية في مدريد، بالسيطرة على عصبة الدفاع في مدريد. في ٢٠ ابريل ١٩٣٧، صرح رودريجوز بأن سجنا شيوعيا سريا قد تم اكتشافه في مدريد. في هذا السجن كان ابن اخت احد المسئولين الكبار في حزب العمال الاشتراكي الاسباني معتقلا، وعدد من الاشتراكيين الذين تم تعذيبهم فيه. هذه الفضيحة ادت بحكومة كاباليرو الى حل عصبة الدفاع في مدريد. غير الحزب الشيوعي الاسباني نغمة حديثه عن كاباليرو بعد ذلك بوقت قصير. في اوائل ١٩٣٦ وشمت الصحافة الشيوعية كاباليرو بخاتم "لينين اسبانيا". في ربيع ١٩٣٧ كانت صحافتهم تصفه كابله عجوز يعاني من الشيخوخة.
في ٢٥ ابريل، اغتيل ناشط الحزب الاشتراكي الموحد، رولدان كورتدادا، احد مجموعة الثلاثينيين السابقين، في منطقة بايو لوبريجات - احد معاقل الاناركية. قبض على احد الناشطين الاناركيين البارزين في بايو لوبريجات ولكن لم يقدم دليلا على اتهامه. كانت جنازة كورتدادا فرصة لمظاهرة جماهيرية حاشدة في الشوارع - استعراض قوة من الشيوعيين.
في مناخ من التوتر المتزايد، انفجر الصدام بين الشيوعيين والكونفدرالية في الثالث من مايو عندما هاجمت قوات ضخمة من الشرطة التي يسيطر عليها الشيوعيين مبنى تحويل المكالمات التيليفونية الذي يديره العمال في برشلونة، مع اغارات اخرى منسقة على مباني تحويل المكالمات في مناطق اخرى. نظام التليفون في اسبانيا كان مدارا بواسطة فدرالية العمال التي تسيطر عليها الكونفدرالية الوطنية للعمل. كان عمال الكونفدرالية يسترقون السمع على مكالمات المسئولين الحكوميين من اجل الاحتفاظ بمعلومات عن مواقفهم. استخدم الشيوعيون هذا الامر كذريعة لمحاولة الاستيلاء على نظام التليفونات في اسبانيا. لم يكن الحزب الاشتراكي الموحد لقطالونيا ضد هذه الممارسة للتنصت على المكالمات، على كل. وكما يتذكر احد المساعدين القريبون من زعيم الحزب الاشتراكي الموحد لقطالونيا خوان كوموريرا فيما بعد: "طبعا، لو كان الحزب في موقع يستطيع فيه التنصت على المحادثات التليفونية، لكان صنع ذلك ايضا. يريد الحزب دائما ان يلم بكل المعلومات بشكل حسن ". كانت مسألة سلطة.
انتشر سريعا خبر الهجوم على مبنى التليفونات. خلال ساعات انطلقت لجان الدفاع عن الاحياء في الكونفدرالية الى العمل ضد الشرطة التي يسيطر عليها الشيوعيين وبدأت في مترسة المباني. انضم حزب العمال للوحدة الماركسية ومنظمة الشبيبة التحررية الى هذا الاقتتال الداخلي وسرعان ما سيطرت جماعات العمال المسلحين على معظم انحاء المدينة والضواحي. انتشر اضراب عام في كل منطقة برشلونة. احتفظت القوات الحكومية بسيطرتها فقط على بعض اجزاء من المنطقة المركزية.
كل هذا القتال كان رد فعل تلقائي من الطبقة العاملة ضد لعب مسلح بالسلطة من قبل الشيوعيين. حاولت اللجان المحلية والاقليمية في الكونفدرالية التفاوض حول انهاء القتال، ومنعت وحدات جيش الكونفدرالية من التدخل. في الرابع من مايو، اذاعت الكونفدرالية من خلال مكبرات الصوت ومن خلال راديو النقابات نداءات لانهاء القتال وناشدت كل شخص ان يعود الى عمله. كلا من فيديريكا منتسيني وجارسيا اوليفير، الوزيرين الاناركيين في الحكومة القومية، اذاعا من خلال الراديو مناشدات بانهاء القتال. وصف عضو من حزب العمال لوحدة الماركسيين ما حدث في المتاريس كرد فعل على خطاب مونتسيني في الراديو:
"مقاتلو الكونفدرالية كانوا هائجين غضبا لدرجة انهم امسكوا بمسدساتهم واطلقوا الرصاص على جهاز الراديو. بدا الامر عجيبا ولكنه حدث امام عيني. لقد جن جنونهم غضبا على الاطلاق، ومع ذلك اطاعوا ما طلبوه منهم. ربما هم اناركيون، ولكن عندما يصل الامر الى منظماتهم فلديهم انصياعا هائلا للانتظام ".
بدأ العمال في السادس من مايو تفكيك المتاريس. فورا انتهز الحزب الاشتراكي الموحد في قطالونيا هذه الفرصة التي منحها الوضع للاستيلاء على مبنى التليفونات. بدا ان زعماء الكونفدرالية يصدقون ان كل شيء سوف يعود الى حاله كما كان قائما قبل الاقتتال، حيث ان "اعضاءنا قد اظهروا اسنانهم حامية". لكن الامور لم تمض على هذا النحو.
قوة بوليس شبه عسكرية شديدة التسليح باعداد كبيرة ارسلت الى برشلونة لاعادة فرض سلطة الحكومة. استولت هذه القوات على مخازن كبيرة للسلاح تحتفظ بها الكونفدرالية. في الحادي عشر من مايو، تم دفن ١٢ جثة مشوهة بشدة لاناركيين شباب في مدفن بالقرب من ريبوليت. في الخامس من مايو، قتل الشيوعيون الاناركي الايطالي كاميلو بيرنيري، استاذ الفلسفة والمنفي المهاجر بسبب الفاشية الايطالية، ومعه اناركي ايطالي اخر.
في لقاء لمجلس وزراء حكومة الجبهة الشعبية في ١٥ مايو، اقترح الشيوعيون تحركا لحظر الكونفدرالية وحزب العمال لوحدة الماركسيين. رد كاباليرو بأن ذلك لا يمكن تنفيذه بطريقة قانونية ابدا، وانه لن يسمح بذلك طالما بقي رئيسا للحكومة. عندئذ غادر الوزراء الشيوعيون الاجتماع. وعندما قال كاباليرو، "مجلس الوزراء ما زال منعقدا"، غادر الوزراء الاشتراكيون الديموقراطيون، والجمهوريون والقوميون الباسك الاجتماع ايضا، مساندة للشيوعيين. فقط الوزراء الاشتراكيون اليساريون الثلاثة والوزراء الاربعة من الكونفدرالية ايدوا كاباليرو.
كانت الحكومة المركزية والحزب الشيوعي الاسباني هما المنتصر الاساسي في احداث مايو الدامية. تم طرد الكونفدرالية من كلا من الحكومة المركزية والحكومة الاقليمية في برشلونة.
سريعا، حرمت الحكومة المركزية الحكومة الاقليمية في قطالونيا من سيطرتها على البوليس المحلي وفعليا دمرت الاستقلال الذاتي لقطالونيا. كامبانيز واسكيرا تم تهميشهما بالكامل. حل خوان نيجرين محل كاباليرو - وهو الاشتراكي الديموقراطي الذي كان متعاطفا مع الشيوعيين. تحرك الشيوعيون ضد الاشتراكيين اليساريين، مستخدمين البوليس للاستيلاء على صحفهم الكبرى التي يسيطر عليها فصيل كاباليرو في حزب العمال الاشتراكي الاسباني.
صدق نيجرين على القمع الموجه ضد حزب العمال لوحدة الماركسيين الذي رفض كاباليرو ان يفعله. اندرو نين، زعيم حزب العمال لوحدة الماركسيين، سريعا ما قبض عليه، وتعرض للتعذيب والاغتيال بواسطة عملاء شيوعيين. في ١٥ اغسطس، صدر قرار بمنح سلطات لهيئة التحقيق العسكرية (SIM). هذه الهيئة هي شرطة سياسية سرية، يتسيدها عملاء البوليس السري العسكري السوفيتي (GPU). في مدريد وحدها كان عدد عملاء هيئة التحقيق العسكري السريين حوالي ٦٠٠٠.
كان بيل هيريك عضو الحزب الشيوعي الامريكي من نيويورك يخدم في كتيبة ابراهام لنكولن باسبانيا. في مذكراته، يصف هيريك كيف رشقته عيون غاضبة عدوانية بينما يسير في جولة ببرشلونة مرتديا زي الكتيبة الدولية اواخر عام ١٩٣٧... وكيف بصق الناس عليه. كتب هيريك عن ان احد الرؤساء في الحزب اجبره على مشاهدة اعدام شاب من الثوريين رميا بالرصاص في احد سجون هيئة التحقيق العسكرية. وصف هيريك مشهد اعدام فتاة هتفت "تحيا الثورة - Viva la revolución" في وجه احد بلطجية هيئة التحقيقات العسكرية الذي اطلق رصاصة ففجر رأسها. سيطر منظر اعدام تلك الفتاة على مخيلة هيريك ولازمه شبحها مما ادى الى خروجه فعليا من الحزب الشيوعي الامريكي بعد عودته الى مدينته نيويورك .
قامت استراتيجية الجبهة الشعبية على اساس فكرة محاولة الحصول على سماح من القوى الامبريالية الرأسمالية بشحنات السلاح الى الجانب المعادي للفاشية في اسبانيا. ولم تكن تلك استراتيجية واقعية تماما. القلق الاكبر للنخبة البريطانية كان البلشفية، وليس الفاشية. وهذا هو سبب تقديم الحكومة البريطانية في الثلاثينات تنازلات لا تنتهي لهتلر.
قادت استراتيجية الجبهة الشعبية بشكل طبيعي الى رؤية الكفاح على انه حرب اصطلاحية تقليدية. ولكن بمعايير الحرب التقليدية، كان الفاشيون يمتلكون ميزة متقدمة. كان لديهم جيشا مدربا وسبل للحصول على سلاح بكميات اكبر، عن طريق هتلر وموسوليني. فشل تنظيم حروب عصابات خلف خطوط الفاشيين جاء من هذه الصورة التي رسمت الكفاح بوصفه حرب تقليدية. ولكن حرب العصابات كانت سوف تستفيد من تميز الجانب المعادي للفاشية بالتأييد الجماهيري لتكبيل قطاعات واسعة من الجيش الفاشي.
لم توجه نداءات على اسس طبقية الى العمال في البلاد الاخرى لأن استراتيجية الجبهة الشعبية لم تصور القتال على انه كفاح جوهري من اجل سلطة الطبقة العاملة. وكما كتب جورج اورويل:
"فور ان تم تضييق منظور الحرب الى مجرد "حرب من اجل الديموقراطية" اصبح مستحيلا ان تتوجه بأي دعوة واسعة المدى تناشد عون الطبقة العاملة في الخارج... السبيل الذي كانت تستطيع الطبقة العاملة في البلاد الديموقراطية ان تساعد به الرفاق الاسبان كان هو العمل الصناعي - الاضراب والمقاطعات. لم يبدأ حدوث اي شيئ من هذا القبيل ابدا ".
الميزة المتقدمة الكبرى التي امتلكها الجانب المعادي للفاشية هي الحماس الثوري الجماهيري. ناور الشيوعيون لاكتساب السيطرة على الجيش، واخفاء او تدمير ادارة العمال للصناعة، وساهموا في تحطيم المعنويات.
التحويل التعاوني القسري
في اغسطس ١٩٣٧، اصدرت حكومة نيجرين مرسوما بإلغاء مجلس اراجون للدفاع الذي تسيطر عليه الكونفدرالية. قوات الجيش تحت قيادة الجنرال الشيوعي انريك لايستر حطمت التعاونيات، وسلمت الارض مرة اخرى الى ملاكها، وقبضت على ٦٠٠ من اعضاء الكونفدرالية (وقتلت بعضهم).
اتهم الشيوعيون، لتبرير مذبحة اراجون، اتهموا الاناركيين بانهم يديرون عمليات نظام تعاوني اجباري. زعم الشيوعيون انهم ذهبوا الى هناك لتحرير المزارعين. عرض الاناركيون من جانبهم صورة ان تشكيل التعاونيات للاقتصاد الزراعي في اراجون كان منتجا لمبادرات محلية، حركة تحرر من اصحاب العمل الزراعيين وملاك الاراضي المستغلين. قامت شواهد تدعم كلا الصورتين.
طبقا لماكاريو رويو، العضو الفلاح باللجنة الاقليمية للكونفدرالية باراجون، عنصر من عناصر الاكراه لم يكن من الممكن تفاديه في اي ثورة. فالطبقات المهيمنة لا محالة سوف تقف موقفا مضادا لتحرر الطبقة العاملة. ولكن الى اي مدى يمتد هذا الاكراه والارغام؟ سياسة الشيوعيين حول الزراعة كانت مصدرا للنزاع مع اقسام من فدرالية العمال الزراعيين (FNTT) في الكونفدرالية والاتحاد العام للعمال.
الشقاق الاكبر كان حول السياسة نحو ملاك الاراضي المتوسطين والكبار الذين لم يفروا من اراضيهم كرد فعل لانقلاب الجيش. هؤلاء الناس امتلكوا الارض الكافية لتأجير عمال يعملون لصالحهم. هؤلاء الملاك كانوا المعادل الاسباني لطبقة الكولاك في الثورة الروسية عام ١٩١٧. في معظم الاراضي المعادية للفاشية، كلا من فدرالية العمال الزراعيين والكونفدرالية عادة ما اتخذوا موقف يسمح لهؤلاء الملاك الفلاحين بالاحتفاظ بالارض التي تستطيع عائلاتهم زراعتها فقط. كان هدف فدرالية العمال الزراعيين والكونفدرالية هو القضاء على استخدام العمل المأجور في الريف.
ولكن الحزب الشيوعي الاسباني كان معارضا لنزع ملكية اي مالك للارض لم يفر. ومع ذلك، الفلاحين ملاك الارض الاكثر غنى وثروة كانوا عادة يمينيين، وكانوا غالبا الرؤوس السياسية caciques اليمينية في القرى. سياسة الشيوعيين المدافعة عنهم - التي تصل حتى الى نقطة مساعدتهم على استرجاعهم للارض التي تحولت ملكيتها الى التعاونيات - دعمت عناصر اليمين في الريف.
الممارسات الفعلية للكونفدرالية بالتحويل التعاوني لشكل ملكية الاراضي الزراعية والانتاج الزراعي اختلف باختلاف المناطق. في الاندلس، سياسة الكونفدرالية كانت هي نفسها سياسة الحزب الشيوعي الاسباني. لم تنزع الكونفدرالية ملكية اي ارض على الاطلاق. انشأت الفدرالية تعاونيات زراعية على عزب واقطاعيات الملاك الذين هربوا، واستخدمت الحيازات الصغيرة التي جلبها الفلاحين طواعية اليها .
النزاع حول اراجون كان ايضا حول المدى الذي يجبر عنده الفلاحين اصحاب الملكيات الصغيرة الذين لا يستخدمون اي عمل مأجور على ادماج حيازاتهم الصغيرة في التعاونيات. هذا الصنيع كان عكس نصيحة كروبتكين في كتابه غزو الخبز ولم تتبعه الكونفدرالية في اجزاء اخرى من المنطقة المعادية للفاشية.
كان ساتيرنينو كارود ابنا لعامل زراعي بلا ارض في اراجون وقائدا لاحد طوابير ميليشيا الكونفدرالية. كان كارود مدركا بشكل جيد كيف يرتبط الفلاحون بقوة بقطعة الارض الصغيرة التي يمتلكونها. "انها جزء من وجودهم. انهم عبيد لها. حرمانهم منها مثل خلع قلوبهم من بين ضلوعهم. يجب الا نرغم الفلاح على تسليم ارضه الى التعاونيات ". ولكن في اراجون نصيحة كارود لم يأخذها احد دوما في اعتباره.
قرية انجويس مثال على ذلك. ينقل لنا رونالد فريزر، من كتابه "في دماء اسبانيا"، عبارات لحديث زوجين من انجويس. كلاهما كانا من المؤيدين المتحمسين المؤمنين: قال الرجل انه سوف يعطي حياته دفاعا عن الكونفدرالية. عندما انشأت التعاونية، كانا سعداء للخروج من تحت قبضة ملاك الاراضي الذين كانوا يطحنونهم في العمل.
لكن الزوجين وصفا المدينة وهي تدار بواسطة لجنة من ٢٠ رجل يطوفون فيها ومسدساتهم معلقة على جنوبهم ولا يعملون عملا ما. الفلاحون الذين حاولوا العيش لم يستطيعوا شراء السماد او البذور حيث ان النقود كانت قد الغيت والموارد تحت سيطرة التعاونية. اللجنة التي ادارت البلدة كانت تحشو جيوبها. افضل الطعام والاطايب كانت ينتهي بها السبيل الى منازلهم. هذا ما زعمه الزوجان.
كان رجال اللجنة يتجولون في الانحاء في سيارات صادروها من العائلات الثرية. وعلى غير منوال النساء الاخريات في البلدة، نساءهم كن معفيات من العمل. نادرا ما كانت تعقد مجالس القرية ولم تكن هناك اجراءات مرعية لسحب العضوية عن الاعضاء. الزوجان المناصران للكونفدرالية قالا انه ساد سخط عظيم على تلك الاوضاع. آمن الزوجان انه لابد من ثورة اخرى للتخلص من تلك النخبة الادارية الجديدة .
دعاية الشيوعيين صورت الامر في كل اراجون على انه يشبه احوال قرية انجويس. في الواقع، كانت هناك بلدات اخرى اوضاعها مختلفة تماما.
ماس دي لاس ماتاس كانت بلدة ثرية مزدهرة للفلاحين الصغار الذين يمتلكون اراضي في اراجون، يبلغ سكانها ٢٥٠٠ نسمة. قبل الحرب، كانت عضوية الاتحاد النقابي للكونفدرالية هناك حوالي ٢٠٠ عضو. بادر الاناركيون في انشاء تعاونية شملت القرية بالدعوة لعقد مجلسا للسكان. انتخب المجلس لجنة معادية للفاشية - نصفها كان من اعضاء الكونفدرالية ونصفها من انصار الحزب الجمهوري اليساري. كلا من اللجنة المنتخبة ومجلس البلدة اصبحا الحكومة الجديدة لها وادوات للتحويل الاجتماعي لاقتصاد البلدة. هذا مثال لما كان يسميه الاناركيون الاسبان "البلديات الحرة". وهذا واحد من الاماكن القليلة التي بنى فيها الاناركيون فعليا هذا النوع من هيكل للحكم قائم على اساس مجالسي جغرافي اثناء الثورة.
ادخل العديد من الفلاحين حيازاتهم الصغيرة من الارض في تعاونية البلدة، موافقين على العمل في الارض بشكل جماعي. احد مميزات ذلك انه كان اكثر جدوى في استخدام الميكنة، التي قامت البلدة بشرائها من اجل استخدامها في عمليات فلاحة وزراعة الارض. كان سكرتير التعاونية شاب عمره ٢٦ عاما يعمل لدى نفسه كصانع دواليب خشبية. احضر ادواته الشخصية وادخلها في التعاونية. سيطرت التعاونية على كل الخدمات. السلطة السياسية التي مارستها تعاونية البلدة ظهرت في حقيقة انهم حظروا استئجار اي شخص للعمل كأجير. كما حظروا ايضا لعب القمار وبيع المشروبات الروحية .
رفضت ٥٠ عائلة من ملاك الارض في القرية الانضمام الى التعاونية وانضموا الى الاتحاد العام للعمال. ومع ذلك، لم يعارض كل الفلاحين الاكثر ثراءا التعاونية. عندما سأل زائر احد اكثر الرجال ثروة في البلدة عن سبب انضمامه الى التعاونية، اجابه: "لماذا؟ لان هذا هو اكثر الانظمة الموجودة انسانية".
لم يعارض الاتحاد العام للعمال دائما التعاونيات. في قرية اندورا، اغلبية اعضاء التعاونية كانوا ينتمون الى الاتحاد العام للعمال.
عندما قامت قوات ليستر الموالية للشيوعيين بغزو اراجون في ١٩٣٧، انعقد مجلس السكان في ماس دي لاس ماتاس، وبوجود البوليس على رأس الاجتماع، سمحوا لأي شخص يريد الخروج من التعاونية ان يفعل ذلك. هبطت عضوية التعاونية الى ١٥٠٠. وهكذا استمر ٦٠٪ من السكان طوعيا يدعمون التعاونية، رغم التهديد الموجود في القوات الشيوعية.
التحول الى التعاونية في اراجون كان له غرض مزدوج. للمدى الذي كانت فيه المبادرة محلية، الدوافع كانت ادارة ذاتية مجتمعية والمساواة. ولكن جيش العمال في اراجون، الذي تواجد على بعد كيلومترات قليلة فقط من القرية، لم يكن يمتلك خط يعتمد عليه تماما من الامداد لقطالونيا وفالنسيا وهما المنطقتان التي كانت الميليشيا هذه قد تشكلت فيهما. لعبت قرى اراجون ايضا دور تزويد هذه الميليشيات العمالية بالطعام.
في الاغلب، الغيت النفود وفرض نظام الحصص. بالسيطرة على استهلاك السكان المحليين، كان يمكن توليد فوائض من اجل تزويد الجيش الثوري. العمل مجانا لصالح الميليشيا المعادية للفاشية كان موضع فخر لانصار اليسار في القرى، ومصدر استهجان وسخط بين اليمينيين في القرى.
ولكن الغاء النقود في حد ذاتها كان مصدرا اخر للسخط بين الفلاحين الصغار. طبقا لرئيس الكونفدرالية في القرية التعاونية الكوريسا، لم يعجب الفلاحون فكرة اخذ الاشياء مجانا من المتجر العمومي لانهم يشعرن ان ذلك يشبه التسول . فهم يعتقدون انهم يكسبون الحق عند مستوى معين من الاستهلاك من خلال عملهم.
السكرتير الاناركي للتعاونية الناجحة في ماس دي لاس ماتاس قال ان الغاء النقود "ظهر انه كان احد اخطاءنا الكبيرة". آمن الرجل انه قد كان من الافضل ان ندفع للناس نظير عملهم، ونمنحهم مكافآت اضافية نظير احتياجات من يعولونهم.
لو ان البالغين القادرين جسديا يكسبون حقا لهم في الاستهلاك بناء على عملهم، فهذا يسمح لكل فرد ان يرتب احتياجاته الخاصة من المنتجات طبقا لرغباتهم الخاصة. غياب النقود ادى الى حالات من الاسراف والتبديد وانعدام الكفاءة مثل تخلص الناس من الخبز الزائد لانهم يحصلون عليه مجانا.
ساتورنينو كارود اعتقد ان الغاء النقود كان نتيجة مؤسسة على خلط للامور بين النقود والرأسمال. واصر على ان هناك حاجة لنظام محاسبة اجتماعية . وهذا سوف يتطلب وحدة نقدية لتحتوي القيمة في طياتها بالنسبة لنا التي هي قيمة الموارد المستخدمة في انتاج الاشياء. الرأسمال هو علاقة اجتماعية للهيمنة، تمارس من خلال الشراء السوقي لوسائل الانتاج واستئجار العمال، من اجل صنع الارباح. لا تفترض النقود استمرار وجود تلك الترتيبات الرأسمالية الاقتصادية.
الهدف الحقيقي للشيوعيين لم يكن تدمير التعاونيات. ساعد الشيوعيون على تشكيل التعاونيات الزراعية في مناطق اخرى. هدف الشيوعيين في اراجون كان تدمير قوة الكونفدرالية الوطنية للعمل. وبينما كانت القوات الشيوعية تهاجم الكونفدرالية في اراجون، لم تسمح قيادة الكونفدرالية لوحدات جيش الكونفدرالية في منطقة الاراجون بالتدخل. اثر كل هذه الحقبة كان تدمير المعنويات. وقد ساهم ذلك في غزو الجيش الفاشي لاراجون بعدها بشهور قليلة.
اصدقاء دوروتي
اثناء القتال في ايام مايو بين الشرطة التي يسيطر عليها الشيوعيون وخصومهم من الطبقة العاملة في برشلونة، اقترحت مجموعة اصدقاء دوروتي - وهي جماعة من فدرالية الاناركيين الايبيريين - بديلا لسياسة التعاون مع الجبهة الشعبية التي تبنتها الكونفدرالية. وزع الاصدقاء (الاميجوس) منشورات اثناء القتال يدعون الكونفدرالية الى الاطاحة بالحكومة الاقليمية، واستبدالها بمجلس ثوري (junta) في قطالونيا يسيطر عليه اتحادات الكونفدرالية النقابية. دعت منشوراتهم ايضا الى التحويل الاجتماعي الكامل للاقتصاد ونزع سلاح الشرطة.
شكل الاصدقاء منظمتهم في مارس١٩٣٧، بناء على مبادرة من اعضاء ميليشيا الكونفدرالية الذين عارضوا خلق جيشا جمهوريا جديدا بهيكل هرمي للقيادة. اطلق على المجموعة اسم دوروتي بسبب حربه الاخيرة داخل الكونفدرالية في اكتوبر١٩٣٦. هوراشيو برييتو، لرغبته في استخدام شعبية دوروتي، حاول ان يجعله احد وزراء الكونفدرالية في حكومة الجبهة الشعبية. دوروتي رفض. قال دوروتي، "عندما ينزع العمال ملكية البرجوازية، وعندما يهاجم المرء الممتلكات الاجنبية، وعندما يصبح النظام العام في ايدي العمال، وعندما تسيطر الاتحادات النقابية للعمال على الميليشيا، وعندما يكون المرء، في الواقع العملي، في عملية صنع ثورة من اسفل لاعلى"، ببساطة لا يصلح مع ذلك ان تحافظ على استمرار شرعية الدولة الجمهورية .
الاميجوس (الاصدقاء) كانوا سينديكاليين تحررين يحاولون اعادة احياء برنامج مجلس الدفاع الذي دافعت الكونفدرالية عنه في سبتمبر-اكتوبر ١٩٣٦. اثنان من النشطاء القياديين في مجموعة الاصدقاء هما ليبرتو كاليياس وخاييم باليوس. في سبتمبر واكتوبر ١٩٣٦، كلاهما كان عضو هيئة ادارة منظمة التضامن العمالي اثناء حملة مقترح مجلس الدفاع.
في احداث مايو الفعلية في ١٩٣٧، لم يكن للاصدقاء وزنا كافيا في الكونفدرالية لاحداث تغيير في الاتجاه. كان لدى الاصدقاء بعض النفوذ بين وحدات ميليشيا الكونفدرالية وجماعات الدفاع عن الاحياء في الكونفدرالية. ولكن الوزن الاكبر في الكونفدرالية بقطالونيا كان لمقاتلي الوحدات النقابية المحلية، ومندوبي مجالس العمال المحلية ومجالس عنابر المصانع ومحلات العمل في الصناعات التي تحولت الى الملكية التعاونية. لو سادت وجهة نظر الاصدقاء بين المجالس العمالية، لكانوا قد استطاعوا الحصول على سيطرة في المجمع الاقليمي العام وطردوا المنادين بالتعاون مع اللجنة الاقليمية للجبهة الشعبية.
عندما يجد الناس انفسهم يتبعون مسارا معينا من الحركة، فانهم يريدون الشعور بان لديهم تبريرا حتى يقدموا على ذلك. وهذا يعني ان هناك ميل عند الناس لايجاد مبرر لتصرفاتهم. حوالي مايو ١٩٣٧، السينديكاليون الاناركيون القياديون كانوا يتبعون استراتيجية الجبهة الشعبية ويحتلون مناصب في مراتب السلطة الهرمية في الحكومة وفي الجيش لبعض الوقت. كان ذلك محكوما بتغيير نظرتهم العامة للامور. احد الامثلة الطيبة على ذلك هو خوان جارسيا اوليفير. في يوليو واغسطس ١٩٣٦، كان اوليفير بطلا ممثلا للكونفدرالية "في المخاطرة بكل شيئ"، في الاطاحة بالحكومة القطالونية الاقليمية، والاستيلاء على السلطة لتمسك بها الكونفدرالية. حوالي شهر مارس ١٩٣٧، تغيرت وجهة النظر هذه؛ اصبح خوان جارسيا اوليفير مدافعا عن ائتلاف الجبهة الشعية. ظهر هذا التغيير في صورة درامية عن طريق مسلكه اثناء احداث مايو، معارضا اي محاولة لتوسيع الصراع، والاستيلاء على السلطة لصالح النقابات واتحاداتها.
انتقد الاصدقاء في منشورهم الرئيسي فشل الكونفدرالية في الاستيلاء على السلطة السياسية في يوليو ١٩٣٦:
"ما حدث كان يجب ان يحدث. الكونفدرالية... لم تمتلك برنامجا متماسكا. لم يكن لدينا فكرة الى اين نمضي... عندما ننفق وجود منظمة بأكمله في التبشير بالثورة، فعلى تلك المنظمة التزاما ان تتصرف عندما تنهض مجموعة من الظروف المواتية. وفي يوليو قدمت الفرصة نفسها. كان يجب على الكونفدرالية ان تقفز الى مقعد السائق في البلاد... بهذه الطريقة كنا سوف نكسب الحرب وننقذ الثورة. ولكن الكونفدرالية فعلت العكس. تعاونت مع البرجوازية في شئون الدولة، بالضبط في الوقت الذي كانت الدولة تتداعى نحو الانهيار الكامل ".
اضافة الى الدفاع عن فكرة مجالس الدفاع القومية والاقليمية تحت سيطرة الاتحادات النقابية، دافع الاصدقاء ايضا عن تشكيل "بلديات حرة" - هياكل حكم تقوم على اساس مجالس سكان الاحياء او القرى - التي كانت الكونفدرالية تدافع عنها في البرنامج الذي اقره كونجرس سرقسطة في مايو ١٩٣٦. باليوس اطلق على البلديات الحرة اسم "حكومة ثورية صحيحة". تمسك الاصدقاء ايضا بالبرنامج السينديكالي للتحويل الاجتماعي للاقتصاد من اسفل من خلال ادارة الاتحادات النقابية للمشاريع الاقتصادية.
طبقا لاقوال باليوس، مبادرة العمال في احداث مايو ببرشلونة اظهرت "عزم البروليتاريا الذي لا يهتز نحو وضع قيادة للعمال في المسئولية بالنسبة للكفاح المسلح، والاقتصاد وكامل وجود البلاد. وهو ما يقال عنه (بالنسبة لأي اناركي يخاف من الكلمات) ان البروليتاريا كانت تحارب من اجل الاستيلاء على السلطة التي كانت ستمضي ضروريا عبر تدمير الادوات البرجوازية القديمة وتشييد هيكلا جديدا مكانها يقوم على اساس اللجان التي طفت الى السطح في يوليو (١٩٣٧) ".
من وجهة النظر الاناركية الاجتماعية، القضية الرئيسية حول مجالس الدفاع المقترحة سوف تكون قابليتهم للمساءلة امام المجالس في مستوى القاعدة. اقترح الاصدقاء ان مجالس الدفاع تنتخب بواسطة مجالس الاتحادات النقابية. ولكن ماذا عن صناعة السياسات؟ سوف يكون الحل الممكن هنا جعل مجالس الدفاع تأخذ اوامر عملها من كونجرس الشعب القومي والاقليمي المقترح في برنامج سرقسطة للكونفدرالية المطروح في مايو ١٩٣٦. هذه الهيئات كان مقدرا ان تكون كيانات قصدية، تتشكل من مندوبين ينتخبون بواسطة المجالس القاعدية، بينما تعود القضايا الكبرى للمجالس القاعدية من اجل اتخاذ القرار فيها.
اقترحت الكونفدرالية ايضا حظر تدخل مجالس الدفاع في ادارة الاقتصاد، تلك الادارة التي سوف يسيطر عليها العمال من خلال نظام فدراليات الصناعة التي يديرها العمال ونظام التخطيط الاجتماعي.
وهكذا فيما يبدو لي ان الاقتراح السينديكالي بمجالس الدفاع وميليشيا الشعب الموحدة والتي تسيطر عليها النقابات كان تكتيكا على الاقل يتضمن انسجاما في الرؤية للاناركية الاجتماعية.
في اي نقاط يختلف مقترح مجالس الدفاع عن المفهوم اللينيني "للاستيلاء على السلطة"؟ اعتقد ان الاختلاف هو اوضح ما يكون اذا ما نظرنا الى الجدل الذي ثار داخل الحزب الشيوعي الروسي في ١٩٢١. في ذلك الوقت، نيكولاي بوخارين، والكسندرا كولونتاي وعدد اخر من البلاشفة تقدموا باقتراح نظام هيئات ادارة للاقتصاد الروسي تنتخبها النقابات. ندد لينين بهذا الاقتراح بوصفه "انحرافا سينديكاليا اناركيا" لانه سوف يعطي السلطة الاقتصادية "لجماهير غير حزبية" شكلت ٩٠٪ من عضوية الاتحادات النقابية. بمنطق موقف لينين، كان عليه ان يندد ايضا بمقترح لجان دفاع الكونفدرالية لانه سوف يعطي السلطة الاقتصادية والسياسية والمسلحة "لجماهير غير حزبية" في الاتحادات النقابية.
رغم ذلك، بالنسبة لخوسيه بييراتس، كانت "قوة السينديكاليين الاناركيين" بعد ١٩ يوليو ١٩٣٦ تكمن في نسق انتشار السلطة في المنطقة المعادية للفاشية، مفتتة الى عناقيد لا حصر لعددها من اللجان المحلية والاقليمية .
بييراتس، الذي نشط في الشبيبة التحررية بقطالونيا، عارض انضمام الكونفدرالية الى الحكومة الجبهة الشعبية ولكنه عارض ايضا البديل الداعي الى استبدال الحكومة المركزية الجمهورية بمجلس دفاع قومي مشكل من الكونفدرالية والاتحاد العام للعمال. قال بييراتس ان مقترح مجلس الدفاع كان "مجرد حكومة اخرى باسم اخر". لكن الا يمكن ان يقال هذا عن اي نظام للحياة السياسية يقدم نسق للحكم العام في اسبانيا ككل؟ كان بييراتس محررا لصحيفة في قطالونيا باسم "اقراطيا"، ومعنى الاسم "لا حكم". يبدو ان اناركية "لا حكم" بييراتس كانت معارضة لاي نوع من الحياة السياسية الشاملة او لأي هيكل حاكم لاسبانيا كلها.
ولكن ذلك ببساطة كان مستحيلا. كانت هناك ضرورة ملحة لقيادة موحدة في القتال المسلح ضد العسكر الفاشيست. عمال الكونفدرالية والاتحاد العام للعمال كانوا يصرون على الوحدة في النضال. كانت هناك طريقتين فقط حتى يمكن تحقيق هذه الوحدة. اما ان تأخذ الكونفدرالية زمام المبادرة وتستبدل جهاز الدولة القائم في قطالونيا وعلى المستوى القومي، موحدة عمال الكونفدرالية والاتحاد العام للعمال في سلطة للحكم تسيطر عليها الطبقة العاملة، وإلا سوف ينجح الشيوعيون في توحيد السكان خلف راية اعادة بناء جهاز الدولة وجيش بقيادة هرمية. تلك كانت الاشكالية الجوهرية التي واجهت الكونفدرالية بعد ١٩ يوليو ١٩٣٦.
لو اطاحت الكونفدرالية بالحكومة الاقليمية في قطالونيا وخلقت هيكلا لمجالس حاكمة قومية واقليمية من الكونفدرالية والاتحاد العام للعمال ووحدت ميليشيا الشعب، تحت سيطرة النقابات، لكان في استطاعة الكونفدرالية ان تسد الطريق على مقترحات الشيوعيين بجيش هرمي القيادة وارسال الذهب الى روسيا. لم تستطع الكونفدرالية سد الطريق على استراتيجية الحزب الشيوعي الاسباني للظفر بسلطة الدولة. وبفشلها في اتباع هذا المسار، جعلت الكونفدرالية من استراتيجية الجبهة الشعبية امرا لا مناص منه، وهكذا سهلت نمو سلطة الشيوعيين. ومع التسليم بتفوق الجانب الفاشي في امدادات السلاح، فلم يكن خلق نظام سياسي تسيطر عليه الطبقة العاملة في اسبانيا ضمانا للانتصار. ولكنه قد يكون عاملا لتحسين فرص النجاح.
باليوس والاصدقاء، وهذا يوضع في رصيدهم الايجابي، رأوا ان السينديكالية التحررية تفترض مسبقا نظاما للحياة السياسية - هيكلا للحكم الذاتي السياسي - يستبدل الدولة، لو كان للطبقة العاملة ان تنجح في تحرير نفسها.
ظهرت الاناركية التقليدية غامضة وغير منسجمة الرؤى فيما يتعلق بمسألة ما الذي يمكن ان يحل محل الدولة. افتقدوا الوضوح نحو ضرورة وجود نمط جديد للحياة السياسية لاداء الوظائف السياسية الضرورية - وضع القوانين والقواعد الاساسية، وتكييف الاتهامات الخاصة بالسلوك الاجرامي والتقاضي لتسوية النزاعات بين الناس، والدفاع عن الترتيبات الاجتماعية الاساسية ضد الهجوم الداخلي والخارجي عليها والتنفيذ الجبري للقواعد والاحكام الاساسية. لا يمكن التخلص والاستغناء عن الوظائف السياسية للمجتمع بأكثر مما نستطيع التخلص به من الانتاج الاجتماعي. ولكن يمكننا القيام بالوظائف السياسية عن طريق هيكل من الحكم الذاتي الجماهيري، الذي يمد جذوره في ديموقراطية المشاركة لمجالس المجتمعات المحلية والطوائف الاجتماعية واماكن العمل.
توم فيتزل، نظرة للوراء سبعين سنة، موقع زي نت، 3 اغسطس 2006.
هوامش:
ابيل باز، "دوروتي": الشعب المسلح، ص 181.
البرتو بالكيلز، قطالونيا المعاصرة (الجزء الثاني، 1900 -1936)، ص 17، اقتباسا من رونالد فريزر، دماء اسبانيا: تاريخ شفوي للحرب الاهلية الاسبانية.
كولين ام وينستون، العمال واليمين في اسبانيا، 1900-1936.
بيانات ومعلومات اضراب الايجارات في برشلونة عام 1931 مستقاة من نيك رايدر، "ممارسة العمل المباشر: اضراب الايجارات في برشلونة 1931، ومن كتاب ديفيد جوودواي، واخرون، الاناركية: التاريخ النظرية الممارسة.
انتوني بيفور، الحرب الاهلية الاسبانية، ص 29.
جيروم منتز، اناركيو كاساس فييخاس، ص 268.
اقتباس من كتاب رونالد فريزر، دماء اسبانيا: التاريخ الشفوي للحرب الاهلية الاسبانية، ص 544.
فيكتور البا وستيفان شوارتز، الماركسية الاسبانية في مقابل الشيوعية السوفيتية: تاريخ حزب العمال لوحدة الماركسيين.
دييجو عباد دي سانتيلان، التنظيم الاقتصادي للثورة (مترجم الى الانجليزية باسم بعد الثورة).
فكرة تخطيط المشاركة طورها لاول مرة في سبعينات القرن العشرين عدد من الاقتصاديين الراديكاليين. النسخة الاكثر شهرة هي نموذج "اقتصاديات المشاركة" الذي طوره مايكل البرت وروبين هاهنل. في الرؤى الاشتراكية المبكرة، تجد كتاب "التخطيط التشاركي" من تأليف ستيف روسكام شالوم، واخرين.
تجد مقتطفات من وثيقة كونجرس سرقسطة مترجمة الى الانجليزية في كتاب روبرت الكسندر، الاناركيون في الحرب الاهلية الاسبانية، المجلد الاول، ص ص 48 الى 67.
بيتر كروبتكين، "العلم الحديث والاناركية"، من منشورات كروبتكين الثورية: مجموعة كتابات بيتر كروبتكين، روجر ان بالدوين، واخرين، ص ص 183-184.
قالها سيزار ام لورنزو بالاسبانية، "Los anarquistas y el poder"، ص 92.
ديونيسيوس ريدريخو، من لقاء معه في اوائل السبعينات، فريزر، نفس المرجع، ص 320.
فريزر، نفس المصدر، ص 71.
فريزر، نفس المصدر، ص 110.
ابل باز، نفس المرجع، ص 213.
طبقا لقول ريكاردو سانتز، مقابلة معه في اوائل السبعينات، نقلا عن فريزر، نفس المرجع، ص 110.
هذا الجدل موصوف في كتاب فريزر، نفس المصدر، ص 112.
هذه الرواية للنقاش الذي جرى منقول عن خوان جارسيا اوليفير، "خطوات خطأ: اخطاء في الثورة الاسبانية" لمايك باركر. (هذا المنشور هو ترجمة انجليزية لمخطوطات من مذكرات جارسيا اوليفير، اصداء الماضي).
حول تشكيل لجنة الميليشيا المناهضة للفاشية، سيزار ام لورينزو، نفس المرجع، ص 86.
خوسيه يبيراتس، الاناركيون في الثورة الاسبانية، ص 161. (ترجمة لكتاب الاناركيون في الازمة الاسبانية).
سيزار ام لورينزو، نفس المرجع، ص 98.
سيزار ام لورينزو، نفس المرجع، ص 180.
سيزار ام لورينزو، نفس المرجع، ص ص 180-181.
خوسيه بيراتس، نفس المرجع، ص 163.
رونالد رادوش، ماري ارهابيك، وجريجوري سيفوستيانوف، واخرين، اسبانيا تعرضت للخيانة: الاتحاد السوفيتي في الحرب الاهلية الاسبانية، ص 48.
لقاء مع ادواردو دي جوزمان، اوائل التسعينات، فريزر، نفس المرجع، ص 186 وص ص 335-336.
خوسيه بيراتس، نفس المرجع، ص ص 185-186.
اوجستين جويامون، جماعة اصدقاء دوروتي: 1937-1939، ص 24.
برنت بولوتن، التنكر الاعظم: المؤامرة الشيوعية في الحرب الاهلية الاسبانية، ص ص 43-44.
مقابلة مع خوان فيرر في اوائل السبعينات، فريزر، نفس المرجع، ص 220.
جاستون ليفال، التعاونيات في الثورة الاسبانية، ص ص 253-264.
جاستون ليفال، نفس المصدر، ص ص 240-245.
اقتباس في كتاب برنيت بولوتن، نفس المصدر، ص 50.
اقتباس في كتاب فريزر، نفس المصدر، ص 221.
اوجستين سوتشي، مقتطفات مترجمة في كتاب سام دولجوف، واخرين، التعاونيات الاناركية: ادارة العمال الذاتية في الثورة الاسبانية 1936-1939، ص ص
فريزر، نفس المرجع، ص 233.
جاستون ليفال، نفس المصدر، ص ص 264-278.
جاستون ليفال، نفس المصدر، ص ص 245-253.
فريزر، نفس المرجع، ص 212.
اقتباس في كتاب روبرت الكسندر، الاناركيون في الحرب الاهلية الاسبانية، المجلد الاول، ص 487.
اقتباس في كتاب فريزر، نفس المرجع، ص 239.
دييجو عباد دي سانتيلان، تصريحات في ديسمبر 1936، ملحقة بطبعة 1937 من كتاب بعد الثورة، ص 121.
اقتباس في كتاب فريزر، المرجع السابق، ص 218.
جاستون ليفال، نفس المصدر، ص ص 289-295.
هذه المعلومات حول منظمة النسوة الاحرار مستقاة من كتاب مارتا ايه اكيلسبرج، نساء اسبانيا الاحرار: الاناركية والكفاح من اجل تحرير المرأة.
مايكل البرت وروبرت هاهنل، "تذكرة للركوب: مواقع اكثر على الخريطة الطبقية"، فيما بين العمل والرأسمال، بات ووكر واخرين.
رونالد رادوش، ماري ايابيك، وجريجوري سيفوستيانوف، واخرون، نفس المصدر، ص 11.
سقراط جوميز، اقتباس في فريزر، نفس المصدر، ص 333.
فريزر، اقتباس من نفس المرجع، ص 215.
انتوني بيفور نفس المرجع ص 124.
انتوني بيفور نفس المرجع، ص 174.
جيرالد هاوسون، اسلحة لاسبانيا: القصة التي لم يرويها احد عن الحرب الاهلية الاسبانية، ص 151.
تقرير كتبه اندريه مارتي للسلطات السوفيتية، في مارس 1937، ترجمه رونالد رادوش وماري ار ايابيك، وجريجوري سيفوستيانوف، نفس المرجع، ص 145.
اقتباس في فريزر، نفس المرجع، ص ص 377-378.
خوان ادرادي، نقلا عن فريزر، نفس المرجع، ص 382.
بيل هيريك، القفز فوق الخطوط.
جورج اورويل، تحية تبجيل لقطالونيا، ص 69.
فريزر، المرجع السابق، ص 271.
فريزر، اقتباس، المرجع السابق، ص 364.
جاستون ليفال، المرجع السابق، ص ص 136-143.
جاستون ليفال، المرجع السابق، ص 123.
رئيس لجنة القرية في الكونفدرالية، اقتباس من فريزر، المرجع السابق، ص 362.
ساتورنينو كارود، نقلا عن فريزر، المرجع السابق، ص 363.
اقتباس لاقوال دوروتي في كتاب الحرب الاهلية الاسبانية: الاناركية في النضال، الفصل الرابع.
فرقة اصدقاء دوروتي، نحو ثورة طازجة (ترجمة لكتاب Hacía una revolución nueva).
حاييم باليوس، نقلا عن اوغسطين جوييامون، المرجع السابق ص 92.
خوسيه بييراتس، المرجع السابق، ص 183.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.