استكمال الثورة هو الضمان الوحيد ضد فاشية الإسلام السياسي
قامت ثورة 25 يناير من أجل تحقيق مطالب ثلاثة لخصها الشعب في شعار بسيط (عيش
.. حرية .. عدالة اجتماعية)، ولم تقم أبدًا
من أجل تنصيب حاكم فرد مستبد تتركز في يده كل السلطات، ولا لكي تقيم حكم جماعة تحتكر
التحدث باسم الدين وتمارس وصايتها على الشعب باسم الدين، وتتخذ القرارات التي تحدد
مصيره بالنيابة عنه، تحت غطاء وهمي يتمثل في حرية شكلية يمارسها الشعب كل عدة سنوات
عبر صناديق الانتخاب التي لا يمكن لها إلا أن تكون انعكاسًا لتوازنات القوى بين فئات
الطبقة الحاكمة المحتكرة لعناصر القوة في المجتمع متمثلة في المال والنفوذ واحتكار
المعرفة، ولا يمكن بالتالي أن تعبر بأي حال عن إرادة حرة لمن يساقون إليها، فيتم تزوير
هذه الإرادة و التحكم في نتائج الانتخابات بالأموال، و النفوذ، و شراء الأصوات واستغلال
عواطف الناس الدينية.
لقد لعب الإسلاميون منذ اندلاع ثورة
25 يناير دورًا هامًا في عرقلة تطور وعي الثورة الجمعي فدور الإخوان وحلفائهم هو امتداد
لدور الأنظمة السابقة، في حماية إسرائيل وقمع الحركات الاجتماعية الصاعدة، تلك الحركات
التي من الممكن أن تؤدي إلى ثورة اجتماعية شاملة في المنطقة العربية، وكان يجب وأدها
قبل ارتباطها بإرهاصات الثورة الاجتماعية في جنوب أوروبا، وذلك يعد استكمالًا لدور
مبارك الرئيسي كحارس لحدود إسرائيل وقامع للإسلام المتشدد، وقد تجلى دور قمع الحركات
الاجتماعية في المراسيم التي حاولت حكومة عصام شرف إقرارها، المُجرمة لحق العمال في
الإضراب والاعتصام، تلك الحكومة التي دعمها الإخوان قلبًا وقالبًا، خدمة للرأسمالية
العالمية وتدفق رؤوس الأموال، ورغبة منهم في عرقلة تطور الثورات العربية والوقوف بها
عند حدود سلطوية تستبدل ديكتاتورية بديكتاتورية أخرى، وتقف عائقًا أمام الحاق حركة
الثورات العربية بتلك الناشئة في جنوب أوروبا، عن طريق صياغة هوية فاشية قائمة على
رفض الجميع وإخضاعهم للوصاية السلطوية الشاملة.
وانكشفت حقيقة الإسلاميين، عندما وصلوا للحكم، وذلك بعدم اتخاذ أي قرارات جذرية
لحل الأزمات التي ترهق الجماهير، في حين شغلوا
الحياة السياسية بقضايا فرعية وتافهة، فلم
يتخذ محمد مرسى أي إجراءات لتحقيق العدالة الاجتماعية،بل عمل هو ومعه التيار الإسلامي
كله على كسر الإضرابات المتتالية واتهامها باتهامات ساذجة من قبيل الاعتداء على حرية
العمل و تعطيل عجلة الإنتاج.
ومن ناحية أخرى فالتيار الإسلامي المسيطر على اللجنة التأسيسية للدستور والذي
أصبح منفردا بها بعد انسحاب القوى الأخرى ما زال مصرًا على صياغات تقيد الحريات الإنسانية
الأساسية، وهو ما يعطل إصدار الدستور حتى الآن، بسبب رفض القوى الأخرى لتلك الصياغات،
ولذلك عمل محمد مرسي على تحصينها من الحل بحكم قضائي كان متوقعًا بعد أن فقدت شرعيتها،
إلا أن مرسى لم يكتف بهذا بل أعلن أيضًا تحصين
قرارته من الطعن القضائي وذلك فى ظل عدم وجود
سلطة تشريعية لمراقبة هذه القرارات، كما منح نفسه سلطة تقديرية مطلقة في اتخاذ كل ما
يراه مناسبًا من إجراءات بدعوى حماية أمن الوطن وسلامة أراضيه وما إلى ذلك من المصطلحات
الفضفاضة التي تعج بها اللغة القانونية للاستبداد، ومن ثم أصبح فرعونًا جديدًا، وحاكمًا
بأمره، لا معقب على حكمه ولا راد لقضائه، هكذا كشفت قرارات مرسي عن وجه التيار الإسلامي
الحقيقي الذي اعتبر الثورة مجرد انقلاب سلطوي لاستبدال ديكتاتور بديكتاتور، و لا شك
إن هذا لا يخص مرسي وتياره وحده لكن هناك قطاع عريض من القوى السياسية ينظر للثورة
باعتبارها مجرد انقلاب سلطوي يتبعه تنصيب مستبد عادل، تيار عريض ينظر للثورة على إنها
استبدال وصاية بوصاية أخرى وحكم سلطوي بحكم آخر.
وصاحب هذا الإعلان الدستوري الذي ألقاه مرسى مظاهر فاشية لا تخطئها العين لتدشين
نظم يعادي ويتناقض مع مبادئ الثورة وأهدافها، فقد وجه خطابه لجماعته لا للشعب مما يشير
لنيته لاستمرار نظام دولة الحزب الواحد، ، فيصبح حزب الحرية والعدالة بدلًا من الحزب
الوطني، ومظاهر تمجيده كزعيم ملهم بوضع صورته
خلفه أثناء الخطاب، فضلا عن لغة التهديد لمعارضيه واتهامهم بكونهم من فلول النظام وممولين
وبلطجية، و كان أول قانون تم تمريره في اليوم التالي لقرار مرسي هو قانون "حماية
الثورة" الذي يحيل مجموعة من مواد قانون العقوبات المقيدة لحرية الرأي والتعبير
والتظاهر والنشر إلى اختصاص نيابة استثنائية جديدة، ويسوق ذلك تحت ستار إعادة محاكمات
قتلة الثوار والذي اشترط له ظهور أدلة جديدة فلا يعدو أن يكون تحصيل حاصل، وأتبع ذلك
بإصدار تعديل لقانون النقابات العمالية يقيد حرية واستقلالية الحركة العمالية التي
كانت أحد مكاسب ثورة 25 يناير.
أمام هذا الوضع فإن المهمة الثورية
ليست هي إسقاط الأخوان و الإسلاميين فقط بل إسقاط كل أجنحة الطبقة الحاكمة والمالكة
سواء أكانت في الحكم أو في المعارضة الإصلاحية، هؤلاء الذين أعاقوا الثورة و خانوها
بتكالبهم على السلطة، والذين سوف يكررون جرائم الإسلاميين لو أتيحت لهم الفرصة للحكم.
و لا يختلفون كثيرا مع فاشية الأخوان ولا السلفيين إلا في بعض التفاصيل والرتوش الجمالية،
فالبرجوازية في ظل الأزمة لا يمكنها إلا أن تكون فاشية و لا يجب أن نأمل منها حتى تحقيق
مطالب الديمقراطية والليبرالية البرجوازية الصورية الهزيلة.
الشعب يريد إسقاط النظام
أناركيون شيوعيون
القاهرة 28 نوفمبر 2012