عن الأناركية والتنظيم
ترجمة : تامر موافي
عندما تذكر كلمة "التنظيم" يشار إلى الأناركيين بإصبع الإتهام. يعتقد كثيرون أن الأناركية معادية للتنظيم ومن ثم هي مرادفة للفوضى، ولكن هل هي كذلك؟ الإجابة السهلة هي "بالطبع لا!” ولكن هذه الإجابة لا تزيل التخبط المحيط بالسؤال، أو الإتهامات الموجهة للأناركيين.
التنظيم بالنسبة للأناركيين هو واحد من أهم القضايا التى ينبغي حسمها. قبل أى شيئ يدرك الأناركيون أنه فقط من خلال التنظيم يمكن تحطيم نظام الرؤساء؟ على سبيل المثال، حقيقة أن الحشد الضخم والمنسق للشرطة أثناء إضراب عمال المناجم فى بريطانيا قد استخدم بنجاح فى كسر الإضراب وعزل العمال، يؤكد صحة هذا الإفتراض. فلدى أصحاب الأعمال جهاز الدولة الكفؤ والذي سيتحرك لسحق أي معارضة له.
لا أمل للعمال في الإطاحة بأصحاب الأعمال وطبقتهم إلا بتنظيم وقوة مماثلة. ما يعتقد فيه الأناركيون هو أن على العمال تنظيم أنفسهم حيث لا يمكن للرأسمالية أن تستغن عنهم، أي في أماكن العمل. يمتلك العمال القوة اللازمة لخلق الحركة الثورية القادرة على الإطاحة بالرأسمالية واستبدالها بالاشتراكية فقط إذا ما نظموا أنفسهم في كل القطاعات الإنتاجية.
ولكن السؤال التالي هو: أي نوع من التنظيم ينبغي للعمال بناؤه للإطاحة بالرأسمالية؟ ثمة نوعان للتنظيم. النوع الأول المعتاد لنا جميعًا هو الشكل الرأسمالى للتنظيم وهو هيكل يتم بناؤه من أعلى إلى أسفل وفيه يمتلك الأغلبية (لنقل 95%) القليل أو لا شيئ من المشاركة فى عملية صنع القرار، وعليهم فقط تنفيذ ما يقرره ال5%. وعلى الرغم من أن هؤلاء ال5% منتخبون عادة، كما هو الحال فى البرلمان، إلا أنهم غير مسؤولين أمام ناخبيهم وهم ببساطة يمثلون مصالحهم التي هي فى حالة البرلمان مصالح أصحاب الأعمال.
النوع الثانى الممكن للتنظيم هو ذلك الذى يؤكد الأناركيون أنه لا غنى عنه للمنظمة العمالية إذا ماكان هدفها هو بناء الإشتراكية. هذا النوع من التنظيم يتم بناؤه من أسفل لأعلى وتتدخل قاعدته في كل القرارات التي تتخذها المنظمة. مثل هذه المنظمة تستبعد أي قيادة يمكن أن تتخذ القرارات نيابة عن أعضائها. وعندما يتخذ القرار تختار القاعدة مندوبين مسؤولين أمامها لتنفيذه. ومن ثم عمليًا تبقى المنظمة تحت سيطرة أعضائها و ليس تحت سيطرة أى قيادة.
بعض الاشتراكيين ينظمون أنفسهم وفق مبدأ يقول أن الطبقة العاملة تحتاج إلى قيادة وأن هذه القيادة هي الحزب المؤلف من هؤلاء الاشتراكيين، والذي بدونه - في إعتقادهم – لا يمكن تحقيق أي إنجاز ذي قيمة. الحزب بالنسبة لهم هو الرأس، طليعة الطبقة العاملة. في داخل الحزب تتشكل اللجنة المركزية من "الأفضل" بين الأعضاء، ويصبح "الأفضل" بين هؤلاء هو القائد. العملية في مجملها تؤدي إلى هرمية صارمة تتنزل فيها الأوامر من أعلى وتزاح الديموقراطية إلى خلفية المشهد. و يرى الأناركيون أن هذا النوع من التنظيم لا يقود العمال إلى شيئ إلا مزيد من الإستبداد والإستغلال كما هو الحال في الصين أو الإتحاد السوفيتي السابق.
يرفض الأناركيون الشكل الرأسمالى للتنظيم والذي تستخدمه جميع تنظيمات التيار اليساري الأخرى، على أساس أن الوسيلة التى تستخدمها لتحقيق الاشتراكية ترسم النتيجة التي ستحصل عليها. وبالتالي فإن التنظيم الهرمي سينتج دولة هرمية وشمولية وليس مجتمعًا اشتراكيًا غير هرمي. يستخدم ضد الإناركيين دائمًا الإدعاء بأن المنظمات غير الهرمية غير كفؤة ولا يمكنها العمل. في معظم الوقت يصدر هذا الإدعاء في الواقع لأن أصحابه ينظرون إلى قياداتهم على أنها ضرورية. وفي المقابل يظهرون إحترامًا شكليًا لما قاله ماركس من أن تحرر الطبقة العاملة لن ينجزه إلا الطبقة العاملة ذاتها.
لا يعارض الأناركيون التنظيم ولكنهم يرفضون بشكل مباشر المبدأ الذى تعمل بمقتضاه معظم المنظمات. مشاركة الجماهير في عملية إتخاذ القرار مغيبة حاليًا ولكنها تشكل القاعدة الأساسية للاشتراكية. ومن ثم لتحقيق الاشتراكية من المنطقي أن ننظم أنفسنا بالشكل الذي يضمن للجماهير المشاركة والديموقراطية.
مترجم من "تضامن العمال – العدد 127” (أيرلندة)
Source: http://www.anarchistnews.org/content/thinking-about-anarchism-and-organisation?asid=a34bff6a